تحليل: أمل تمنحه ألمانيا لطلاب عرب وأفارقة فارين من حرب أوكرانيا؟

by نهال عنبر
8 minutes read

0
(0)

الطلاب العرب والأفارقة الفارين من حرب أوكرانيا ووجدوا في ألمانيا ملاذا آمنا، تنتابهم حيرة حول المستقبل. السلطات الألمانية لم تحسم بعد أوضاعهم القانونية والأنباء من أوكرانيا مفزعة. ألمانيا يمكنها أن تمنحهم أملا، لكن كيف؟
بدخول الغزو الروسي لأوكرانيا أسبوعه الثالث، تزداد أهوال الحرب، ويتدفق المزيد من الفارين من جحيمها، وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن عدد اللاجئين من أوكرانيا إلى دول الجوار وبلدان الإتحاد الأوروبي قد تجاوز مليوني شخص.
وبحسب وتيرة توافد هؤلاء إلى ألمانيا يتوقع أن يصل إليها مع نهاية الأسبوع الحالي، قرابة 100 ألف شخص، بمعدل يتجاوز خمسة آلاف شخص يوميا، وهو رقم يتوقع أن يرتفع في غضون الأيام المقبلة، إذا أخذنا بعين الاعتبار تكدس أعداد اللاجئين الأوكرانيين في كل من بولندا المجاورة ورومانيا.
وفتحت ألمانيا أبوابها للفارين من ويلات حرب أوكرانيا، وذلك استنادا إلى قرار الإتحاد الأوروبي وإجراءات الحكومة الإتحادية الألمانية وحكومات الولايات. ويفد إلى ألمانيا آلاف الفارين من حرب أوكرانيا، ممن لا يحملون الجنسية الأوكرانية، وضمنهم مئات من الطلاب العرب والأفارقة الذين اضطروا لترك مقاعد الدراسة في الجامعات الأوكرانية.
بوصولهم إلى ألمانيا، يتنفس الطلاب العرب والأفارقة الصعداء، بعد رحلة فرار رهيبة على حافة الموت وتحت قصف الآلة الحربية الروسية. ورغم أنه يتم استقبالهم في مراكز خاصة للوافدين من أوكرانيا ثم توجيههم إلى مناطق معينة للإقامة المؤقتة، إلا أنهم يجدون أنفسهم في دوامة بسبب الإجراءات المعقدة التي يتعين عليهم اتباعها دون أن يعرفوا مآلاتها في نهاية المطاف.
ولكن يطرح السؤال: ألا يتعين على ألمانيا التي تتميز سياسة اللجوء فيها بطابعها الإنساني، حسم الأمور باستقبالهم وتوجيههم للدراسة في الجامعات الألمانية؟

فور وصول أولى قوافل اللاجئين الفارين من أوكرانيا، باشرت ألمانيا باستقبالهم حتى قبل صدور قرار أوروبي يحدد قواعد الحماية المؤقتة التي تسري لمدة تصل إلى ثلاثة سنوات، ويتم تطبيقها بشكل فوري ودون عراقيل بيروقراطية، كما شددت على ذلك الحكومة الإتحادية. ولا يخضع دخول الرعايا الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية أصلا لتأشيرات، وبموجب قواعد الحماية المؤقتة يستفيدون من سكن ومساعدات اجتماعية وحق العمل، وهو ما يوفر لهم ظروف استقبال أفضل مقارنة باللاجئين السوريين سنة 2015.
أما الوافدون من أوكرانيا من غير الحاملين للجنسية الأوكرانية، فلا يتمتعون فوريا بقواعد الحماية المؤقتة، ويتم التعامل معهم وفق آلية مختلفة، وهما صنفان:
صنف أول، يحظى بتسهيلات في الحصول على حماية مؤقتة، ويتعلق الأمر برعايا دول أفريقية أو عربية “غير آمنة” بسبب أوضاع حرب أو عدم استقرار، مثل سوريا.
ويخص الصنف الثاني مواطني دول “ثالثة” بها أوضاع عادية أو مصنفة في ألمانيا “كدول آمنة” وتربطها بها اتفاقيات تخص الهجرة. ويشمل هذا الصنف معظم الرعايا العرب بمن فيهم الطلاب، من مصر والمغرب والجزائر وتونس والأردن.
وهذا ما يجعل معاناة هذه الفئة مضاعفة كونهم واجهوا في رحلة الهروب من أوكرانيا عبر معابر حدودية مع دول الجوار وخصوصا بولندا، أحيانا معاملات تمييز بحقهم. وقد أكدت منظمات حقوقية وإقليمية (الاتحاد الأفريقي) تسجيلها لإساءات عنصرية، رغم نفي الجانبين الأوكراني والبولندي.
وبخلاف مواطنيهم الذين تم إجلاؤهم إلى بلدانهم الأصلية انطلاقا من بولندا ورومانيا، عبَر مئات الطلاب العرب حدود بولندا إلى ألمانيا، ويوجدون حاليا في مراكز استقبال مخصصة للوافدين من أوكرانيا، ويتم توزيعهم إنطلاقا من العاصمة الإتحادية برلين على ولايات ألمانية عديدة، أبدت استعدادها لاستقبالهم، منها: بادن فيتنبورغ وبايرن وراينلاد بفالتس وهامبورغ بالإضافة إلى فستفاليا شمال الراين كبرى الولايات الألمانية.
مُنح هؤلاء وثائق ترخيص ببقاء مؤقت في ألمانيا تدوم مدته بضعة أسابيع وقابلة للتمديد، ويتم تمكينهم من السكن والعلاج ويمكن أن يحصلوا على مساعدات اجتماعية والتنقل. لكن هذه الإجراءات مؤقتة وغير مسبوقة، في انتظار أن تصدر قرارات أوضح سواء من الحكومة الإتحادية أو من الولايات التي تتمتع بصلاحيات في إطار النظام الفيدرالي.
تفيد تقارير وشهادات عديدة أن الطلاب العرب الوافدين من أوكرانيا، ويوجدون حاليا في ألمانيا، يعيشون تحت ضغوط نفسية كبيرة وتنتابهم الحيرة حول مصيرهم ومستقبلهم الدراسي. فهم جاؤوا إلى ألمانيا فارين من ويلات حرب ما تزال تلاحقهم الأنباء عن فظاعاتها. بعض زملائهم (عدد محدود) قضوا في عمليات قصف صاروخي أو برصاص قناصة، وبعضهم لا يكاد يصدق أن قاعة الدراسة التي كان يجلس فيها قبل أسبوعين، دمرت بصاروخ روسي، كما يصف الطالب التونسي أشرف بعزاوي كليته (كلية الطب) بجامعة فاسيلي كارازين في خيركوف، التي تعد من أعرق الجامعات في البلاد.
تظهر احصاءات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومواقع رسمية أوكرانية، أن أوكرانيا من أكثر البلدان الأوروبية التي يقصدها الطلاب الأجانب، وقد ناهز عددهم سنة 2021- 2022 حوالي 77 ألفا. وتأتي الهند في مقدمة الدول التي تبتعث طلابها إلى أوكرانيا، ويقدر عددهم بحوالي 18 ألفا، ويليها المغرب بحوالي ثمانية آلاف طالب. ويشكل الطلاب العرب حوالي 20 في المائة من مجموع الطلبة الأجانب في أوكرانيا، ضمنهم ثلاثة آلاف من مصر ولكل من الأردن ولبنان وتونس حوالي 1500طالب (أي مجموع بحوالي 4500 طالب).
تشمل تخصصات الطلاب العرب في أوكرانيا، مجالات الطب والهندسة والتكنولوجيا الرقمية والاقتصاد، وهي تخصصات متطورة في ميادين العلوم وتطبيقاتها، وتصنف كبريات جامعات أوكرانيا تصنيفات جيدة في الترتيب أوروبيا أو عالميا، وترتبط ثمانية منها ببرنامج ايراسموس الأكاديمي الأوروبي، وهو ما يفسح المجال لاستفادة طلابها من برامج التعاون العلمي والمنح الدراسية من جامعات ألمانية عديدة. بيد أن هذه الفرص متاحة مبدئيا للطلاب الأوكرانيين، وبحسب مسؤول في الجمعية الألمانية الأوكرانية للاقتصاد والعلوم، فان جامعات ألمانيا مرشحة لاستقبال عشرات آلاف الطلاب الأوكرانيين.
وتنص خطط الحكومات الألمانية السابقة والحالية، منذ سنوات على استقدام حوالي 400 ألف سنويا من اليد العاملة الماهرة من الخارج في تخصصات مثل مجالات الرعاية الصحية والطب والمناخ وتخصصات في الخدمات اللوجستية والأكاديميات، وتشجيع الشبان من بلدان نامية على الهجرة القانونية إلى ألمانيا والاندماج في برامج التكوين المهني والأكاديمي بالجامعات، بحسب ما أكده ديتليف شيله رئيس مجلس إدارة الوكالة الاتحادية للعمل بألمانيا. وبوجود بضعة آلاف من الطلاب قد وصلوا إلى ألمانيا في ظروف قاهرة فارين من ويلات الحرب، يمكنهم أن يكونوا أفضل المرشحين للإستفادة من هذه الفرص، سواء منهم الذين في مستهل مسارهم الأكاديمي أو من هم على أبواب التخرج.
لطالما دافعت ألمانيا داخل الإتحاد الأوروبي ليس فقط من نظرة إنسانية إزاء قضية اللجوء والهجرة، ولكن أيضا من منظور براغماتي يهدف إلى الاغلب إلى مواجهة معضلة الهجرة غير القانونية، عبر برامج تشجيع الهجرة النظامية، وقد تضمن برنامج الإئتلاف الحكومي الحالي، بدعم خصوصا من حزبي الخضر والاشتراكي الديمقراطي، على برامج طموحة للتعاون مع بلدان شمال أفريقيا من أجل تنظيم الهجرة وفق مسالك قانوينة، ودعم المناطق المهمشة والفقيرة في تلك البلدان، والتي تشكل مصدرا للهجرة غير القانونية.
وتظهر بعض المؤشرات أن آلاف الطلاب الذين تركوا بلدانهم في شمال أفريقيا وتوجهوا للدراسة في أوكرانيا، كانوا مدفوعين إلى ذلك، لأسباب، منها عدم قدرة النظام التعليمي في جامعات بلدانهم على استيعابهم وخصوصا في تخصصات علمية وصناعية وتكنولوجية، كالطب والهندسة، مما اضطرهم إلى الاعتماد على دعم أسرهم لتوفير تمويلات تصل إلى 10 آلاف دولار سنويا كرسوم للتسجيل في الجامعات الأوكرانية. ومعظم هؤلاء الطلاب ينتمون إلى فئات فقيرة أو متوسطة الحال، ليس في متناولها ابتعاث أبنائها إلى دول ذات دخل أعلى مثل دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أو كندا.
وبرأي خبراء فان إدماج هؤلاء الطلاب في الجامعات الألمانية والأوروبية بشكل عام، أمر في المتناول ولكنه يحتاج إلى اعتمادات لبرامج قائمة، لكن المسؤولية أيضا ملقاة على حكومات بلدان شمال أفريقيا بأن تساهم في طرح قضية هؤلاء الطلاب بطريقة تبعدها عن المعالجة البيروقراطية أو الأمنية وخصوصا إبعادها عن سيناريو الترحيل، بل يتعين التفكير في تسوية أوضاع هؤلاء الطلاب من منطلق كونها مساهمة في حل مشاكل الهجرة وتشجيع الشباب على توخي السبل القانونية، كي لا يتحولوا إلى مشاريع مهاجرين غير شرعيين في الأراضي الأوروبية وفريسة للاستغلال في سوق العمل السوداء.
تتفاوت أوضاع الطلاب العرب الذين يوجدون حاليا في ألمانيا، وهم موزعون بين مراكز استقبال اللاجئين أو لدى بعض المتطوعين وهيئات من المجتمع المدني أو لدى أسر عربية احتضنتهم ووفرت لهم مأوىً مؤقتا. وهم يتطلعون في أجواء انتظار صعبة إلى التدابير التي ستتخذها الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات أو حتى البوندستاغ، بشأنهم. ذلك أن تراخيص البقاء المؤقت في ألمانيا التي منحت لهم لا تفتح لهم آفاقا واضحة، سواء في تعلم اللغة أو في التوجه للبحث عن جامعات مناسبة لهم ولا حتى في ساعات عمل قانونية لتوفير دخل يعيشون به إضافة للمساعدات الاجتماعية التي تمنحها الدولة الألمانية.
وما يزيد قساوة الأوضاع النفسية والإجتماعية التي يعيشها الطلاب العرب الذين قدموا من أوكرانيا إلى ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، تضارب الأنباء والأخبار التي تصلهم عن الأوضاع التي تتعرض لها جامعاتهم في أوكرانيا. بعض الجامعات تعرضت للقصف والتدمير وبعضها أعلنت استئناف الدراسة عبر أونلاين، وبعضها الآخر فقد أي أثر حتى عبر الانترنت للتواصل، ناهيك عن أن معظم هؤلاء الطلاب غادروا البلد في ظروف لم يتسن لهم فيها حتى الحصول على وثائق شهاداتهم الجامعية.
لا أحد من هؤلاء الشبان ولا حتى المحللين والخبراء، يمتلك الآن الجواب عن مصير أوكرانيا نفسها في ظل الحرب الطاحنة التي تشنها روسيا. فقد تحدثت تقارير دولية ومنها منظمة اليونسكو، عن مخاطر كبيرة تهدد التراث الثقافي والمؤسسات التعليمية الأوكرانية بسبب حجم الدمار الذي تلحقه آلة الحرب الروسية، بمعالم أوكرانيا كدولة وكمؤسسات.
يتوقف الطلاب العرب الذين ساقتهم الأقدار إلى ألمانيا، وهم اليوم بالمئات وربما تصبح أعدادهم بالآلاف، يتوقفون في محطة لا يعرفون هل هي نقطة عبور إلى وجهة مجهولة أم هي منطلق لمسار جديد في حياتهم الدراسية أو أنها فترة توقف بأمل العودة إلى أوكرانيا. وألمانيا بإمكانها تخفيف معاناتهم وتقديم أجوبة حول المستقبل، وهو أمر يحقق تماما البعد الإنساني والواقعي لسياستها.

source

Loading

ما مدى تقيمك ؟

انقر على نجمة لتقييم ذلك!

متوسط التقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذه الرواية.

كما وجدت هذه الروايه جيده ومفيده ...

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي!

هل تبحث عن المزيد؟

Leave a Comment

اهلا وسهلا بحضراتكم