Deprecated: طريقة البناء المُستدعاة لـ WP_Widget في EV_Widget_Entry_Views أصبحت مهجورة منذ النسخة 4.3.0! استخدم __construct() بدلاً عنها. in /home/c1285887c/public_html/sevenst.us/wp-includes/functions.php on line 6085
معرض الكتب والروايات – ٍSEVENST.US
معرض الكتب والروايات
شارع 7 | مفهوم الترتيل في القرآن .. النظرية والمنهج

[ad_1]

يستعرض الباحث في هذه المساهمة أبرز الأفكار والمقاربات التي ضمّها كتاب “مفهوم الترتيل في القرآن الكريم: النظرية والمنهج” لمؤلفه أحمد عبادي، كما يُبرز المقصود بمصطلح الترتيل عند المؤلف، وكيف استطاع أن يتبين معالم وضوابط منهج الترتيل. وتبقى الفكرة المحورية التي عليها مدار هذا الكتاب هي أن الترتيل لا محيد عنه مسلكا ومنهجا لمن أراد الاستبصار بهدي القرآن واتباعه مسرى ومدلجا.

 

“مفهوم الترتيل في القرآن الكريم: النظرية والمنهج” (2007) للدكتور أحمد عبادي محاولة منهجية دقيقة للكشف عن مفهوم قرآني أُنُفٍ لم ينل حظه الكافي من الدراسة والتنقيب، طمرته البداهة فحجبت مدلولاته خطيرة الأبعاد، واسعة المهاد.

قارئ الكتاب يجده قد شكل تشكيلا أقرب إلى نهج التأسيس منه إلى أي نهج آخر، وهذا أسبغ عليه خصوبة معرفية ومنهجية كبيرة، كانت بارزة منذ الصفحات الأولى.

وقبل الدخول في المقاربة النظرية والمنهجية لهذا المصطلح قدم المؤلف تمهيدا بين فيه على وجه الإجمال تطور الحركة التفسيرية بمختلف ألوانها إلى أن أسفرت عن التفسير الموضوعي، ثم حديث عن هذا الضرب من التفسير، وتعريفات الباحثين له وتقسيماتهم عليه، وأهم أقوالهم ومذاهبهم فيه، ثم حديث عن الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية وجهود علماء الأمة المستبصرين في الكشف عنها.

بعد هذا المدخل المنهجي العام حاول المؤلف في الباب الأول من بابي الكتاب تجلية معالم “نظرية الترتيل”، وبيان مسالكها عن طريق البرهنة على بنائية القرآن في مقابل بنائية الكون، وإبراز العلاقة العضوية بين الوحدة البنائية والوحدة المعرفية في كل من المجالين الكوني والقرآني، وفي ذلك يقول: “ففي مقابل بنائية الكون التي أطلق اكتشافها إمكان البحث المنهاجي الذي فجر كل هذه العطاءات المعرفية والمادية التي نشهدها اليوم، فقد منَّ الله سبحانه بأن أقر بين ظهرانينا القرآن ترتيلا، له وحدته العضوية التي تشكل أحد أهم وجوه الإعجاز فيه، وتفتح المجال أمام القراءة المنهجية للآيات البصائر صعدا نحو مآلات معرفية لا حصر لها”[1].

وكما أن الوحدة البنائية في الكون هي التي مكنت العقل البشري -بعد اكتشافها- من تأسيس كل العلوم التي يمكن أن نصطلح على تسميتها: علوم التسخير، ثم تطويرها إلى حد بلورة المنهجية التوحيدية بين التخصصات، والتي أعطت الفكر العلمي مددا قويا، وفتحت أمامه إمكانات في غاية الكثرة والتنوع والنفع، فإن الوعي بالوحدة البنائية للقرآن الكريم “يحقق للبشرية وحدة معرفية  تلملم شتات الإنسان المعرفي، وتوحد بين زوايا إدراكه، بما يشبه إكسابه جهاز تنسيق معرفي يمكنه من الخروج من التفرع الإدراكي ومرحلة الشركاء المتشاكسين إلى صيرورته سلما لرب العالمين فيطفق في السير سويا على صراط مستقيم[2].

وهنا يشير المؤلف إلى فكرة بالغة الأهمية؛ وهي أن علوم التسخير -وللنفع السريع الظاهر الذي ينتج عنها- قد شهدت وتشهد تطورات في غاية الأهمية والسرعة، في حين أن علوم التيسير قد أصابتها صنوف من الانتكاس بسبب عوامل أهمها التقليد وانعدام الرؤية وانقطاع الطريق، بفعل الحضور الجبار للاجتهادات وللجهود الموسوعية التي بذلها السابقون، إلى درجة رواج مقولات محبطة في أمتنا، من مثل: “ليس في الإمكان أبدع مما كان” وغيرها.

فماذا يعني المؤلف بمصطلح الترتيل؟ وكيف استطاع أن يتبين معالم هذا المنهج؟ ثم كيف حدد مستوياته وضوابط تنزيله؟

إن التنسيق بين الآيات وإن تفرقت منزلا في القرآن المجيد، هو أظهر معاني الترتيل، والغريب أننا نجد كثيرا من المفسرين، رغم اتفاق أقوال أئمة أهل اللغة -حسب تعبير ابن عاشور[3]- على أن الترتيل مأخوذ من النضد والاتساق ومن التنسيق، ومن الانتظام على استقامة، يقصرونه على الجانب الصوتي منه؛ بمعنى “إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة”.

وما الترتيل الذي قام به جبريل عليه السلام بأمر من الله عز وجل (ورتلناه ترتيلا) إلا إرساء لمنهج تبياني وتنزيلي وتوظيفي للآيات في واقع الناس. ومن هذا المنهج تفتق علم من نبغ من أئمة الأمة الأعلام، وبه ظهروا على من سواهم. وقد استمر إلى حين انبثقت خير أمة أخرجت للناس (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [سورة ال عمران/الآية: 110]. فالقرآن الكريم في أول تنزله نزل مستجيبا لحاجات الجماعة المسلمة التأسيسية معرفيا وتربويا وسياسيا وتعبديا واجتماعيا وتشريعيا واقتصاديا وأخلاقيا، كل ذلك عن طريق منهج تم إرساؤه بالترتيل.

مستويات الترتيل في القرآن

يمكننا أن نتبين للترتيل في كتاب الله تعالى ثلاثة مستويات:

أولا: المستوى المفاهيمي

إن القرآن الكريم، بما أنه وحي أوحي به من عند الله أكبر من الواقع العيني المشخص الذي يتنزل عليه، فلا يكون -بالتبع- إلا في ضوء ما تكرم الموحي به سبحانه بإيداعه فيه من ضوابط فهمه، ومداخل المعرفة به. ومن هنا ضرورة الترتيل على المستوى اللفظي لتحقيق دلالات الألفاظ في ضوء الاستبعاد الكلي لاحتمال وجود ترادف في القرآن بالمعنى الشائع للترادف[4].

إن بناء المفاهيم يقتضي التدقيق التحليلي، أي القدرة على فك الوحدة إلى عناصرها، والتمحيص في الجزئيات، فالتعامل يكون على قدر الوحدة المعنية. وهو عمل يتطلب مهارات تحليلية بالأساس، إذ يكون الباحث فيه كالخبير في معمل “فحوص طبية أو حيوية يمسك المجهر لكي يفحص العينة.. اللفظ.. الاصطلاح الذي منه يخرج المفهوم”[5].

إذا تبينت أهمية تحديد مدلولات مفاهيم القرآن المجيد، فإن القيام بالترتيل يصبح ضرورة لاستبانة حمولتها، إذ القرآن مرتل، حسن النضد، متسق كنسيج الرتيلاء التي ترتل بيتها بإتقان ونظام، تتفاضى الآيات فيه والبصائر التي صرفت فيه على شاكلة يتيسر معها الذكر، وتمكن معها الهداية.

وبعد أن قدم أحمدد عبادي المستوى المفاهيمي في إطار استدلالي محكم ومتدرج خلص إلى أن الترتيل على المستوى المفاهيمي كما على المستوى اللفظي وفي غيره من الاتجاهات له بعدان أساسيان:

  1. البعد المتمثل في الدراسة المصطلحية، بمختلف خطواتها المنهجية [6].
  2. البعد الموضوعي المضموني الذي تكون فيه إضاءات للمعنى قيد البحث، وذلك من جوانب قد لا تتصل بتمظهرات جذور المصطلح المختلفة.

وبناء عليه لا يمكن الزعم بالفراغ من الترتيل قبل توفية البعدين معا كامل حقهما. إذ ثمة علاقات ووشائج لا يمكن اكتشافها إلا بالنظر إلى المعنى الكلي “من خلال أنماط التجاوز والتقابل وعبر الانتقال بين مواضع ومواضع، ومن خلال متابعة إيقاعات الخطاب في حركاته”[7].

وبهذا الشكل يتم الانفصال بمدلولات المفاهيم، إذ ضبط المفاهيم المكونة لنسق القرآن المجيد هو الذي يمكن من الاهتداء، فمن يتمكن من المفاهيم في نسقها القرآني فقد تمكن من الإبصار[8].

ثانيا: المستوى المرجعي النسقي (بناء الأطر المرجعية والأنساق القياسية)

ويقصد عبادي بالأطر المرجعية: التضافرات المفاهيمية التي تُنتِج  لنا -بعد ترتيلها- أنساقا تمثلية مجالية تكون بالنسبة للتصور الكلي الكامن في القرآن المجيد بمثابة المركبات الإدراكية المشكلة لما يشبه القطاعات له، والتي يتمكن المرتل -بالرد إليها- من تحديد موقعه في الخارطة العامة لهذا التصور الكلي.

وتعد الأطر المرجعية أو الأنساق القياسية بمثابة اللحمة والعصب للترتيل، تضيع في غيابها ملامحه، ولا يبقى لأجزائه من المعنى والفاعلية، ولا لدقائق خيوطه من التناسق والجمال، ما للمجموع المؤتلف، والكل المنتظم[9].

ولابد من الإشارة إلى أن هذه المركبات التي سماها عبادي أطرا مرجعية أو أنساقا قياسية   تستوجب عملية كدح وحفر متواصل.

ثالثا: المستوى التنزيلي

يقف أحمد عبادي في هذا المستوى على الفرق الجوهري بين إنزال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وتنزيله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالتنزيل -كما يتضح في الآية: 32 من سورة الفرقان– كان ترتيلا بأمر الله، وهذا الترتيل كان يستبطن خطة تشريعية وتربوية وبنائية جلية المعالم، معجزة الملامح[10].

وقد جاء التنزيل في خطته التربوية متعدد المستويات والأبعاد على أكثر من مدخل، المدخل الفردي لتكوين الجماعة، وهو المدخل الذي استوجبه التتابع الزماني للتنزيل، والمدخل الجماعي لتقويم الفرد؛ وهو المدخل الذي استوجبه تمام الرسالة واستقامة الجماعة، التي خلفها الرسول صلى الله عليه وسلم، لتكون علامة لبدء مرحلة جديدة في التاريخ الإنساني[11].

وقد استرعى هذا المستوى الثالث من مستويات الترتيل اهتمام مجموعة من العلماء وخاصة العاملين منهم المكابدين، ففصلوا في كيفيات التنزيل، وفرعوا القول في شروطه ومناطات -تخريجا وتحقيقا وتنقيحا- ومقاصده ومآلاته والموازنات بين المصالح والمفاسد التي قد تنتج عن هذا التنزيل، كما فصلوا القول في وسائل ترتيب الأولويات، وميزوا بين الأولى في كل نازلة، وتتبعوا الاحتمالات والوجوه والأشباه والنظائر، فنتج من ذلك كله فقه تنزيلي ضاف ووضيء، فأدوا بذلك رحمهم الله ما عليهم، وعلينا أن نؤدي ما علينا [12].

ضوابط الترتيل في القرآن

أولا: الضابط المنهاجي

تتمثل العقدة المنهجية في سياق الترتيل في القدرة على استيعاب الفوارق بين مستوى العمل على بناء المفاهيم، وبين مستوى التعامل على بناء الأطر المرجعية التي تنتظم هذه المفاهيم.

من هنا تأتي أهمية الضابط المنهاجي للترتيل الذي يعد بمثابة خريطة طريق لاستبانة الخطوات أو الوسائط والوسائل التي يتحقق بها الوصول إلى الغاية على أفضل وأكمل ما تقتضيه الأصول وتتيحه الإمكانات.

ثانيا: الضابط التمثّلي

وهو في حقيقته تلك النظرة الكلية في التعامل مع القرآن الكريم، والتي من شأنها أن تؤطر كل مستويات الترتيل: اللفظي/المفاهيمي، النسقي/المرجعي، والتنزيلي/التأويلي، والتي تزكو ثمراتها بمقدار ما تحققه من استيعاب لأبعاد النظرة الكلية المستمدة من طبيعة القرآن الكريم الشاملة.

وفي غيابه فإن الترتيل لن يعدو كونه عبارة عن عملية فرز وتصنيف وتبويب محدودة الدلالة والنفع، غير قادرة على الدفع قدما بالمشروع الكلي الذي ذرئ الإنسان في الأرض للاضطلاع بتحقيقه.

ثالثا: الضابط اللغوي

ومفاده الانضباط لقوانين اللسان العربي الذي اختاره الله وعاء لهذا الوحي، وهذا الضابط رغم تجلي نفعه في المستويين الآخرين، فإنه ينصرف عموم ضبطه إلى المستوى المفاهيمي من مستويات الترتيل.

رابعا: الضابط المقاصدي

وهو ضابط، وإن كان نفعه كسابقه متعديا إلى المستويين الآخرين، فإنه ينصرف أساسا إلى مستوى بناء الأطر المرجعية؛ إذ تسعف استدامة الوعي بالمقاصد في عملية محاكمة المركبات المفاهيمية التي تشكل الأنساق القياسية [13].

خامسا: الضابط المآلي

وقوامه هو النظر في مآلات تنزيل الترتيل، وذلك بغية الاستشراف الاستقبالي لعواقبه، قصد الاجتهاد في ضمان أكثر قدر ممكن من الهدى للواقع الذي يجري فيه الترتيل. ولا شك أن النظر المآلي ينطوي على ميزة عدم الانحباس في الواقع القريب الضيق، والانسجام في ملابساته، بل يمكن من المشي سواء على صراط مستقيم، بمجال بصري أرحب، فيمنح الترتيل في مستواه التنزيلي إمكانات أكثر سعة وأهدى رشدا.

سادسا: الضابط التكاملي

وهو ضابط يفرض استدامة الوعي بضرورة رد الآيات والبصائر بعضها إلى بعض لاجتناب السقوط في التعضية والتفريق بينها، كما يفرض كذلك التأسي بنبي الرحمة وهو يرتل القرآن ترتيلا.

ولا يخفى على القارئ الحصيف ما لهذه الضوابط من دور فعال وحيوي في الكشف عن مكونات المنهج الأمثل للاضطلاع بأمر الله بترتيل القرآن ترتيلا.

وبعد أن عرض عبادي نظريته التكاملية للترتيل في إطار استدلالي ومنهجي متدرج ومحكم، اجتهد -وبدافع من منهجه الصارم- في تطبيق هذا المنهج الفريد على موضوع تربوي هو: إخراج الإنسان الصالح في القرآن المجيد.

وقبل أن يبسط أسس منهج إخراج الإنسان الصالح في القرآن قدم تجريدا لما اصطلح على تسميته في الباب الأول بـ”الضابط التمثلي” مستشهدا بالمعمار الاجتماعي الصالح الذي أرسى دعائمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن طريق إخراج (الأمة القطب) القابلة للتوسع حتى تشمل البشرية جمعاء؛ لأنها -وكما يقول الأستاذ- لا تنفي تجربة ولا حكمة ولا عنصرا، بل عن طريق التعارف تحدث التكامل نحو الصلاح في نظام تشريعي حِكَمي مقاصدي معتبر للمآلات بديع [14].

لينتقل بعد ذلك إلى محاولة تركيب أركان ما سماه الأطر المرجعية/الأنساق القياسية وذلك من خلال دراسة مجموعة من المفاهيم ترتيلا في المستوى المفاهيمي، ثم الربط بينها. ولأجل هذا الغرض اختار القيام بالمستوى الأول من مستويات الترتيل ضمن عناوين هذه الأطر والأنساق، وقد حددها في خمسة، هي على التوالي[15]: الوحي. القبلة. الوجهة. المنهجة الآياتية. الصلاح.

إن من مظاهر تكريم الله للإنسان أن جعل سبحانه الوحي في حالة اكتماله مستوعبا لكل طاقاته ولكل قدراته ولكل طموحاته وتطلعاته عبر سائر الأزمنة. وفي هذا السياق يبرز المؤلف أن نتيجة عمل الوحي في القرآن المجيد -في المجال الإنساني كما في المجال الكوني- هي السجود. غير أن السجود في المجال الكوني -ولطبيعة عمل الوحي فيه- يتم تلقائيا، في حين أنه في المجال الإنساني لا يتم إلا بالكدح والمكابدة، يقول عز وجل: (اَلم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الاَرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) [سورة الحج/الآية: 18]. ذلك أن الإنسان يتميز عن الكون بأنه حمّل الأمانة وعلّم الأسماء ووهب ملكة الفهم التي تمكنه من التفكر والتدبر واستفراغ الوسع في الاستهداء بالآيات البصائر وصرفها وفق عملية التصريف القرآني  لتضيء زوايا مختلفة، وتبرز جوانب متفرقة من القضايا التي تشير إليها.

مظاهر تكريم الإنسان

ومن مظاهر تكريم هذا الإنسان كذلك أنه يولد على الفطرة /الصبغة الأصلية والتقويم الحسن (لقد خلقنا الاِنسان في أحسن تقويم) [سورة التين/الآية: 4] وهي مقومات تكسبه القدرة على قراءة الآيات والبصائر وفق منهجية معرفية يسميها المؤلف “المنهجية الآياتية” تجعله قادرا على قرن الوجهة الملائمة بالحركة التي يفرضها الموقع ليتم التوجه نحو القبلة الحقيقية لتحقيق السجود الكلي والاندراج في موكب الساجدين. أو على حد تعبير د.منى أبو الفضل: “عودة البشرية إلى رحمها الكوني”؛ وهذا هو الصلاح القرآني الذي ينبغي أن يكون ضاربا بجذوره في عمق طوايا كينونة الإنسان، كما ينبغي بالتبع أن تكون له تجلياته في واقعه[16].

فكيف يمكن أن نصنع الإنسان الصالح المصلح؟

إن محور عملية إخراج الأمة الصالحة المصلحة الأساسي هو الإنسان، ومن ثم فإن أفقها الأسنى هو إخراج الإنسان الصالح المصلح عن طريق ضبط تصوراته لعناصر الوجود -الله، الكون، الإنسان، الحياة والآخرة- وضبط علاقاته معها، وإكسابه الخبرات التي تمكنه من أن يجري هذه العلاقات وفق مقتضيات تلك التصورات… وذلك عن طريق بذل جهد واع ممنهج ومرحلي متوسل بكل الوسائل المشروعة.

وتتم عملية إخراج الأمة الصالحة المصلحة -في نظر المؤلف- عبر مسلكين متوازيين:

الأول: ضبط تصورات الإنسان وعلاقاته، وذلك من خلال خط علمي يضبط تصورات الإنسان عن الله والكون والإنسان والحياة والآخرة، وآخر عملي يضبط العلاقات بالله والكون والإنسان والحياة والآخرة بمختلف أقسامها   [17].

الثاني: التنشئة على محورَي الربانية والقوة: والمقصود بالتربية الربانية أن تكون غايتها ربانية، يقصد بها وجه الله والدار الآخرة. تصوغ النفس الإنسانية بعلم الله، فتكون نتيجتها الإنسان الرباني الذي يعيش بعلم الله فيما يصدق وفيما يطبق، فيما يعتقد وفيما يفعل، فيلتقي الخلق والأمر، وينسجم العقل والفطرة، ويكون الوحي علما في صدره، ونورا في قلبه. ويظهر ذلك في إيمانه بالله عز وجل، وفي إيمانه بالملائكة، وباليوم الآخر، وبالكتب والرسل.

وأهم ما ينبغي أن تركز عليه التربية الإسلامية في محور الربانية، بعد الإيمان بأركانه الستة، الأمور الأربعة التالية: إخلاص النية. مراقبة الله تعالى. محاسبة النفس. التوكل على الله [18].

كما أن التربية الإسلامية ينبغي أن تسعى إلى إكساب المربي القوة بكل أصنافها ومعانيها؛ ابتداء من القوة في العقل إلى القوة في الروح، والقوة في الخبرة بكل أنواعها، والقوة في الإرادة، والقوة في التسخير، والقوة في الجسم…

ولا شك أن هذه الآفاق كلها تقتضي بلورة مناهج عملية ومرحلية لتمرير كل هذه المعاني إلى متلقي التربية الإسلامية؛ مناهج من المطلوب الاستفادة بشأنها من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، وكل الجهود البشرية الراشدة.

الخلاصة

لعل الخلاصة المركزية التي يخرج بها قارئ الكتاب منه أن مؤلفه أحمد عبادي استطاع أن يبرهن -ما وسعته البرهنة وأسعفته الحيلة- على أن الترتيل لا محيد عنه مسلكا ومنهجا لمن أراد الاستبصار بهدي القرآن واتباعه مسرى ومدلجا، متسلحا في ذلك بعتاد منهجي ومفاهيمي غاية في الدقة. كما أنه وفق في توضيح معالم هذا المنهج الفريد، الذي بدت ثماره بحمد الله في مجالات علمية ومعرفية شتى، مع إبداء ملاحظات تعديلية وتصويبية من أجل شحذ هذا المنهج وبرده وتبيان خطواته ودعمه. مما يجعل هذا العمل المبارك محفزا ومستنفرا لكثير من العقول والمسلمات، أكثر من ذلك يجعله محطة منهجية وفكرية أساسية في تاريخ الدراسات القرآنية المعاصرة سيكون لها ما بعدها إن شاء الله.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب أصول تدبير الاختلاف في القرآن الكريم

[ad_1]

أسيء فهم الاختلاف في عالمنا المعاصر، وأصبح للاختلاف معنى الصراع والصدام، ووقع الاضطراب في فقه الاختلاف وتدبيره، واعتُقد أن الاختلاف كلّه شرٌّ، وأنَّ المخالف في الرأي والمعتَقَد يجب رفضه وإقصاؤُه، بل واستئصاله، وظهر على الساحة باحثون ومنظِّرون لهذا الاتجاه من المسلمين ومن غيرهم، وانتشر هذا الفكر وغذّاه الإعلام، فتعددت الجهات الداعية إلى الفرقة والصراع بين الطوائف والفِرق الإسلامية، وبينها وبين المخالف الديني والحضاري.

وفي ظل هذا الوضع المشحون بالنِّزاعات والصراعات، والحروب المدمرة للحرث والنسل، جاء كتاب ” أصول تدبير الاختلاف في القرآن الكريم” من إصدار المعهد العالمي للفكر الاسلامي لمحاولة حل العديد من الإشكالات المرتبطة بالموضوع، والإجابات عن تساؤلاته المطروحة واقتراح الآليات المنهجية للوقوف على المشترك الديني والإنساني، لتدبير الاختلاف بحكمة، وتضييق دائرته ما أمكن، من أجل المساهمة في مشروع: “الكلمة السواء” و”الاختلاف في إطار الجوامع”، ونقض مشروع: “النزعة المركزية الاستئصالية.

كما جاء لمعالجة قضية مهمة من قضايا الأمة، في علاقتها مع الذات ومع الآخر، وبالأخص في وقتنا الحاضر الذي ظهرت فيه مجموعة من ردود الفعل، التي تجاوزت النقاش العلمي، إلى التراشق بالتهم. والسبب في ذلك عدم الوعي بفقه الاختلاف، المؤسس على أصول وضوابط علمية، عاصمة من الفرقة والنزاع، ومساعدة على الوحدة والائتلاف؛ إذ إنَّ الإشكال ليس في الاختلاف، الذي هو سنة من سنن الله تعالى في خلقه، بل في منهجية تدبيره وإدارته، وحسن تسييره وتوجيهه، بما يخدم الوفاق والائتلاف الإنساني.

وبحسب المؤلف تزداد أهمية الكتاب من زاويتين: زاوية الأهمية العلمية حيث تبني هذه الدراسة أن تدبير الاختلاف القرآني مقصد قرآني عام، وهذه الحقيقة  العلمية والمعرفية قائمة على استقراء نصوص القرآن الكريم، الداعية إلى الوحدة والائتلاف، والاجتماع على المشتركات والاعتصام بحبل الله. كما تقدم هذه الدراسة إضافة معرفية في موضوع تدبير الاختلاف وتقديم تصحيح معرفي لقضية الاختلاف؛ وتبيان الإشكالات.

أما الزاوية الثانية فمن ناحية الأهمية العملية فتقدم أصولا وقواعد عملية كلية لتدبير الاختلاف وتوجيهه الوجهة الصحيحة التي تخدم المجتمع الإنساني وتتجاوز الخلافات الجزئية والنظر إلى المشتركات الكبرى. وتطرح الدراسة أصوال وقواعد منهجية للحوار لتحقيق التواصل والتعارف والتبادل الحضاري، كما تعالج الدراسة آفات ومزالق العقل والنفس، المؤثرة في اختلاف الرأي الموسعة لدائرة الاختلاف، الحاجبة للحقائق الصحيحة التي يدعمها الدليل والرهان.

الكتاب مقترح لتدبر الاختلاف وبناء الائتلاف وفق الرؤية القرآنية، سواء من حيث بناء الوفاق التام، القائم عىل أصول الدين الكلية التي أمر القرآن الكريم بإقامتها، وعدم الاختلاف فيها، أو الوفاق القائم على المشترك، وإخضاعه للعمل والتطبيق، أو الوفاق القائم عىل قواعد الحوار والجدال بالتي هي أحسن، وهي القواعد المنهجية الموصلة للحقائق اليقينية، التي يقرحها القرآن منهجا للتواصل.

المؤلف في سطور

مؤلف الكتاب هو د.محمد الصادقي العماري، باحث مغربي، ولد عام 1978م، في قرية الزريقات، بمدينة الراشيدية بالمغرب، حصل على شهادة الدكتوراه في العقيدة والفكر الإسلامي، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، المغرب، عام 2016م.  شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية داخل المغرب وخارجه. رئيس مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث. له عدد من الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة.

وللمؤلف مجموعة من المؤلفات، كلها تدخل في مشروعه العلمي، وهو تدبير وإدارة الاختلاف الإنساني والإسلامي، ومن مؤلفاته : (أصول تدبير الاختلاف في القرآن الكريم) – (الأديان السماوية: التأسيس للاختلاف والمشترك العقدي) –  (الخلاف في مسالك العلة الاجتهادية وأثره في الفروع الفقهية: دراسة نظرية ونماذج تطبيقية) – (موقف العلماء من الصراعات الفكرية: دراسة في الفكر والمنهج ) – (الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة: دراسة في التأصيل الديني والفلسفي) – (الاختلاف في إطار الجوامع: قراءة في الوحي والاجتهاد الفقهي) – (إدارة التنوع الفكري والعقدي والتأسيس للحوار الحضاري).

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | الجنة والنار في القرآن الكريم

[ad_1]

أساس الإيمان أن يُوقن الإنسانُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن يؤمن بأنّ الله الذي بَرَأ الكون كلّه على غير مثال، ومنح الحياة، ودبّر شؤون مخلوقاته كلّها تدبيرًا يبهر الفكر ويخلُب العقل ويَشْدَهُ العلم، هو سبحانه القدير على بعث الموتى من قبورهم وإحيائهم وحسابهم.

ولا منفذ إلى شكّ في قدرته تعالى؛ لأن الخَلْق الثاني في تقدير العقل البشري أسهل من الخلق الأول؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: 27]، وقال سبحانه: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: 48].

وإنّ التفكير السديد ليؤكّد أنّ للناس مآلًا ينتهون إليه بعد يوم القيامة، ويجزون على ما قدموا في دنياهم من خير ومن شرّ جزاءً وفاقًا عادلًا كما أنبأ القرآن الكريم في كثير من آياته، فالذين آمنوا واتقوا وعملوا صالحًا مثواهم الجنة، والذين كفروا وكذّبوا وعملوا سيِّـئًا مأواهم النار.

وفي القرآن الكريم أوصاف للجنة وللنار مردّدة في كثير من السور والآيات.

ولا يستطيع أحد أن يتطاول فيعيب هذا الترديد، فإنّه ضرب من البلاغة في أعلى صورها؛ لأنّ الوصف متنوّع من ناحية، ولأنّ مقام التبشير والإنذار يقتضي التكرير والتذكير والتحبيب والتخويف من ناحية ثانية، ولأنّ الإشادة بحقيقة جديدة مجهولة تستدعي التكرير لتوكيدها وتثبيتها وإقرارها في نفوس السامعين والقارئين من ناحية ثالثة.

ويضاف إلى هذا أن القضاء على أباطيل المعاندين والمكابرين والمكذِّبين يوجب التكرير والترديد.

وما لنا نذهب بعيدًا وفي الآداب العالمية الراقية منذ كان أدب إلى اليوم تكرير متنوّع العبارات ومتعدّد الصور لمعنى أو لمعانٍ جالت في نفوس الأدباء؛ فالغزل مثلًا يدور كلّه حول الحبّ والشوقِ والحنين وسعادة اللقاء وألمِ الفِراق، ومرارة الغيرة، وحسرة القدر، ولكن الأدباء ملؤُوا دواوين الشعر ورسائل النثر بالتعبير عن هذه المشاعر، ولم يقنع أحدهم بما قاله هو مرّة أو مرات، ولم يكتفِ بعضهم بما فرضه إخوان لهم من قبل.

فهل عجب أن جاء وصف الجنة ووصف النار في آيات شتى من القرآن الكريم؟!

أجمل ما يعرف الناس

الجنة في اللغة البستان والنخل؛ لأنه يستر ما فيه عن الأعين، وهذا المعنى نفسه في قوله تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: 266]، وفي قوله سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ [سبأ: 15].

وفي رأي المفسِّرين أنّ دار الثواب في الآخرة سُمِّيت جنة لأنها مستورة عن أهليها؛ ولأن ثوابهم المدّخر لهم محجوب عنهم.

ولعلّ خيرًا من هذا أنها سمِّيت جنّة؛ لأنّ الجنة أجمل ما يَعْرِف الناس في دنياهم، ولأنها متعة النشيط وملاذ المتعب وموئل المشتاق إلى السكون والهدوء والاستجمام، ولأنها ذات ثمرات تشتهيها النفوس.

وقد وردت في القرآن الكريم كلمات كثيرة للدلالة على جنّة الآخرة، سواءٌ أكانت أسماء متعددة لها أم أسماء لدرجاتها، منها جنّة الفِردوس، وعَدْن، والنعيم، والخُلد، والمأوَى، ودار السلام، ودار المُقامة، والغُرفة، والرَّوضة.

وصف الجنة

جاء في القرآن وصف للجنّة بعضه مادي، وبعضه معنوي، أمّا المادي فهو مماثل في أسمائه لِمَا ألِفُوه في دنياهم، والسبب في هذا أن يفهموه؛ لأنه لو جاء على غير ذلك ما استطاعوا أن يفهموا، وكيف يفهمون أشياء لا تسعف اللغة بها؟ وكيف يفهمون ما لا يعيه إدراكهم؟ وهل من المعقول أن تتحقّق ثمرة التبشير بثواب غير مفهوم؟

وإذا كان الجزاء المادّي بالمسمّياتِ التي ذكرها القرآنُ الكريم نفسِها فإنه مما لا شك فيه أن الاسم الواحد كثيرًا ما يُطلق على صنف واحد، ولكن هذا الصّنف درجات يعلو بعضها بعضًا، فما بالُنا بما في الجنة مما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولا خطر على قلب بشَر.

وإذا كان الجزاء المادي بما هو أنفس وأعظم وأسنَى مما تعارف الناس في دنياهم، فإن اللغة لا تستطيع أن تعبّر بغير ذلك، ولا يُنْتَظر من لغة من لغات العالم أن تعبر عما لا تسعف به البيئة والتجارب والمعارف.

1- الوصف المادي:

مِن وصفها المادي أنّ الفائزين بها المقرّبين لهم سُرُر منسوجة بالذهب محلّاة بالدرّ والياقوت، محكَمة النَّسْج والصّنْع متداخل بعضها في بعض كما تتداخل حلقات الدرع، يتكئون عليها متقابلةً وجوهُهم ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأنهم أحبّاء تصافوا لا يجفو بعضهم بعضًا، ولا يولي أحدهم ظهره وجه أخيه، ويطوف عليهم غلمان لا يمسّهم هرم بأكواب وأباريق وكؤوس من ماء جارٍ لا ينقطع ولا يتفرّقون عنه، وكؤوس من خمر لا يصيبهم منها أذى مما تسببه خمر الدنيا من سُكْر وصداع وقيء، ولهم فيها ما يشتهون من فاكهة ولحم طير وحور حِسان كأنهن اللؤلؤ النفيس بياضًا وصفاءً. وهذا كلّه جزاء لهم على أعمالهم الطيبة في الدنيا، وهم في الجنة لا يسمعون كلامًا عابثًا لاغيًا ولا كلامًا قبيحًا، بل يتبادلون التحية والكلام الطيب المسعِد.

وإذا كان هذا هو جزاء المقربين فإنّ أصحاب اليمين وهم الأبرار لهم سدر موقر بالثمر لا شوك فيه على عكس سدر الدنيا المثقَل بالشوك المعروف بقلّة الثمر، ولهم موز يغطي ثمرُه ساقَه كلَّها فلا تُرى، وظِلٍّ رادف ممتد، وماء دائم الجريان لا ينضب، وفاكهة كثيرة متنوّعة لا عهد لهم بمثلها لا تنقطع في أيّ وقت، ولا يمنعهم من تناولها شوك ولا عود ولا بُعد ولا قلة ولا مرض، وفُرُش عالية ناعمة ممهّدة، وحور حِسان أبكار متحبّبات إليهم بالجمال والملاحة والظرف والطاعة، كلّهن مثيلات متساويات مؤتلفات لا يتحاسدن ولا يتباغضن.

قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة: 10- 40].

ومثل هذا قوله تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان: 11- 22].

ومن أوصاف الجنة المادية أنّ ماءَها عذبٌ جارٍ لا يتغيّر طعمه ولا رائحته، وأنّ لَبَنها كثيرٌ يجري أنهارًا لا يَفسُد ولا يصير قارصًا ولا حازرًا ولا حامضًا؛ لأنه لم يخرج من ضروع الماشية، وأن خمرها غزيرة تتدفّق أنهارًا، وهي لذيذة للشاربين لا يحسّون فيها بمزازة ولا حموضة ولا يصابون بعدها بدوار أو سُكْر أو مرض كما عهدوا في خمر الدنيا؛ لأنها ليست كخمر الدنيا، وأنّ العسل ينساب فيها أنهارًا صافيًا حسن اللون والطعم والرائحة، لم يخرج من بطون النحل كما عهدوا في عسل الدنيا، ولهم فيها من جميع الثمرات التي يشتهون.

قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [محمد: 15].

2- الوصف المعنوي:

أمّا الوصف المعنوي فقد ورد في آيات كثيرة منها أنّ الفائزين بالجنة يشعرون بالتكريم العملي لهم حينما تتلقّاهم الملائكة بالتحية والترحيب والتوقير، قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].

وأيّ نعيم يماثل رضوان الله تعالى عن عباده، ومحبته إياهم، وتقريبه لهم كما نفهم من قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72].

ومن قوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96].

ومن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾[النساء: 69].

ومن قوله -عزّ وجَل-: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آل عمران: 133- 134].

وأيّ ثواب أسمى من الخلود في الجنة حيث لا هَمّ ولا حزن ولا حقد ولا حسد ولا ندم ولا نَصَب ولا قلق ولا خوف، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: 45- 48].

وما الذي يدلّ على الثواب المعنوي خيرٌ من السرور والسعادة في مثل قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: 15].

وفي قوله سبحانه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾[عبس: 38- 39].

وفي مثل قوله سبحانه: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17].

وماذا يبتغي الناس من الثواب المعنوي أعظم من أن يطلبوا ما يريدون فيجدوه محضرًا، قال تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾[ق: 31- 35].

وإنّ الثواب المعنوي لَيتعاظم ويتكامل ويتناهى ويتسامى فلا يعدله ثواب ولا يساويه جزاء حينما يسعد الفائزون برؤية الخالق -جَلّ وعَلَا-، قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة: 22- 23].

من أسماء النار

أمّا النار فإنها كذلك لها أسماء عدّة تدلّ عليها أو تدلّ على دركاتها وطبقاتها، مثل: جهنم، ولظى، والحطمة، وسقر، والسعير، والجحيم، والهاوية.

وقد تردّد ذكرها ووصفها في القرآن الكريم، وتردّد ذكر العذاب ووصفه، سواءٌ أكان ماديًّا أم معنويًّا.

1- الوصف المادي:

مِن وصفها المادي أنّ أهليها يساقون إليها سوقًا عنيفًا كما تُسَاق الماشية، ويُقال لهم إذا ما بلغوها زيادةً في النكال والاحتقار: هذه هي النار التي كذّبتم بها، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطور: 13- 14].

وهم يُـجَـرُّون إليها على وجوههم عُميًا وبُكمًا وصُمًّا كما تُجَرّ الجِيَف والأحجار والأخشاب ليحترقوا بنار لا تخمد؛ لأنها كلّما خبَت زادها اللهُ شدة وسعيرًا، قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: 97].

فإذا ما بلغوا النار جماعات جماعات سارع زبانيتها بزجّهم فيها، وجعلوا يبكِّتونهم ويقولون لهم: بئس مصيركم، قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾[الزمر: 71- 72].

وفي الحال التي يساقون فيها ويجرُّون جرًّا يسمعون من بعيد صوتَ تأجّج النار وزفيرها، فيزدادون يقينًا بأنهم هالكون هلاكًا ليس كمثله هلاك، قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ [الفرقان: 11- 14].

ولهم في أعناقهم سلاسل يُسحَبون بها كما تُسحب الدوابّ ويُقذَفون في جهنم قذفًا، قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾[غافر: 70- 72].

ومن أصناف العذاب أنّ أهل النار يلبسون ثيابًا من النار نفسِها أو ثيابًا من النحاس لأنه أشد الأشياء حرارة إلى حمي، ويصبّ عليهم الماء الحار إلى درجة لو سقطت منه قطرة على جبل لأذابته، ولهذا يصبّ على رؤوسهم فيذيب أحشاءهم ويقطِّع أمعاءهم كما يذيب جلودهم، وكلما ضربتهم النار بلهبها فرفعتهم إلى أعلاها ضُربوا بسياط حديدية فسَقطوا في أسفلها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار الغليظة المهلكة.

قال تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الحج: 19- 22].

وللنار وقود يمدّها، وإنه لَعَجَب أيّما عَجَب لأنه الناس والحجارة، وبهذا يختلف عن وقود النار التي عرفوها في الدنيا، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾[البقرة: 24].

ويتطاير شررها كأنه -لضخامته- الحصونُ أو أصولُ الدَّوح أو الإبل السّود، قال سبحانه: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: 32- 34].

وهي تحرق الرؤوس والأطراف والجلود وما فوق العظام من لحم، ثم تبدل الجلود لتحرق مرات لا يعلمها إلا الله، وهنا حقيقة سبق بها القرآن الكريم، وذلك أنّ العِلم عَرَف أخيرًا أنّ الجلد هو موطن الإحساس والألم، وأنّ ما غار لا يحسّ ولا يتألم؛ ولهذا فإن أهل النار كلما احترقت جلودهم خلق اللهُ لهم جلودًا أخرى ليذوقوا العذاب الخالد، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 56].

والنار مقرّهم الدائم، ومآبهم المعدّ، يلبثون فيها أحقابًا كلما تقضَّى حقب تبعه حقب، ولا يذوقون شرابًا باردًا يخفف عنهم حرّ النار، بل يشربون الماء الحار البالغ نهاية الحرارة، ويشربون الصديد المتجمع من الحرقة، قال تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبأ: 24- 26].

وطعامهم شجرة الزقوم التي جعلها اللهُ تعالى محنة وعذابًا للظالمين، وهي شجرة نابتة في قاع جهنم، ثمرها قبيح وكريه إلى أشنع حدّ من القبح والكراهية، كأنه رؤوس الشياطين؛ لأن الشيطان بصورته المتخيلة مستكره في خيال الناس جميعًا، أو كأنه رؤوس نوع من الحيات ضخمة مخيفة قبيحة، وإنهم لَمضطرون إلى الأكل منها حتى تمتلئ بطونهم ليكون هذا تعذيبًا آخر، فإذا امتلأت بطونهم غلبهم العطش فلم يشربوا إلا حميمًا وصديدًا، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: 62- 68].

2- الوصف المعنوي:

أمّا العذاب المعنوي فهو هائل في ندم المعذَّبين على ما فَرَط منهم في الدنيا، وحسراتهم على الثواب الذي حُرموه وحزنهم الشديد ممّا هُم فيه، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: 40].

ويمثّل هذا العذابَ سوءُ المنظر وسوادُ الوجه واكتساؤه مع سواده بالتراب، قال سبحانه: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عبس: 40- 42].

ويمثّله أيضًا خزيهم وذلّهم وتنكيس رؤوسهم، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: 44- 45]، وقال -عزّ وجَل-: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 12].

أمّا بعد…

فهذه هي الجنة حَفِلة بمتع الحسّ وسعادة الروح، وهذه هي النار مكتظّة بعذاب الجسد وشقاء النفس، فمَن مِن العقلاء يرغب بنفسه عن الاستمتاع والسعادة؟! ومن ذا الذي يجلب لنفسه النكال والخزي والشقاوة؟! فاللهم غفرانك إذا أسأنا، وكرمك إذا أحسنّا، لنكون ممن رَضِيتَ عنهم وأرضيتَهم وأسعَدْتَهم بالجنة التي تُورثها من عبادك مَن كان تقيًّا.

د. أحمد الحوفي

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | مهارات التعليم في القرن الـ21.. تحديات وتساؤلات

[ad_1]

يمثل التعليم إحدى الركائز الأساسية التي نطل منها على المستقبل، لاسيما في ظل التطورات المتسارعة للتكنولوجيا، والتي تلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة، بما فيها التعليم. ولهذا، من المهم طرح التساؤلات وتناول التحديات والإشكاليات حول مهارات التعليم في القرن الـ21، وهو ما تناولته “مجلة العربية”، في ملف عددها الصادر في فبراير 2024م.

في البداية أشارت مقدمة الملف إلى أن العديد من النظريات قد طُرحت حول تطوير التعليم؛ ومن هذه النظريات ما يعرف بـ”مهارات القرن الحادي والعشرين”، التي أصبحت توجهًا للعديد من المؤسسات التعليمية، في محاولة تطبيقها تماشيًا مع التطور الذي بات واضحًا الآن مع تماس التقنية ووسائلها المتعددة مع حياتنا بشكل عام.

أهمية المهارات

وفي موضوع (المهارات الجامعية.. قنطرة التعليم في القرن 21)، أشار محمد بن أحمد الحسين إلى أن “المهارات” لها أهمية في حياتنا، وأنها سواء كانت في التعليم العام أو الجامعي أو في حياتنا اليومية، هي مفتاح للنجاح.. مبينًا أن المهارات في العملية التعليمية لها أهميات خمس تتمثل في:

 

1) تسهيل الاندماج في المجتمع الجامعي.

2) تأهيله لدراسة المقررات الجامعية.

3) تعريفه بأهم الأنظمة والحقوق والواجبات.

4) مساعدته على التفوق.

5) تمرينه وتمهيره لدخول سوق العمل عبر مجموعة مركزة من المهارات الصلبة والناعمة.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الأهمية ترتبط بنظرتنا إلى المستقبل؛ فالعلاقة بين المهارات والمستقبل علاقة طردية تكاملية، لأن جودة الحياة في المستقبل تقوم على مجموعة من الركائز، منها المهارات؛ لذلك خرج الاتجاه الداعي بتخفيف الحمل على الشهادات الأكاديمية، مقابل دعم التمهير، والتوظيف بالمهارة لا بالشهادة، ولا شك أن هذا الاتجاه يكبر مع الوقت، فلو كنت من أرباب العمل وتقدم لي من يحمل الشهادة ومن يحمل الخبرة، لفاز الماهر صاحب الخبرة.

مدارس المستقبل

وفي مقال (المدرسة المبدعة)، أوضحت زينب الخضيري أهمية التركيز، بجانب التعليم، على المهارات التي يتطلبها القرن الواحد والعشرون؛ لأن متطلبات سوق العمل تتنوع يومًا بعد يوم، نتيجة التغيرات التكنولوجية والتطورات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أصبح سوق العمل مليئًا بالشركات المختلفة والشركات متعددة الجنسيات وبحاجة لمهارات مختلفة.

وأضافت: التعليم هو المحرك الأساس للحاق بركب الحضارة والتنمية والتطور على جميع الأصعدة، وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات تأثرت السياسات التعليمية بشكل سلبي وإيجابي على حد سواء، وزادت التحديات التي تحيط بها، هذه التحديات لا يمكن تجنبها، بل ينبغي مواجهتها لنصل لحلول سليمة بالتركيز على الاستثمار البشري الذي يمثل الثروات الحقيقية لأي بلد.

وأكدت الكاتبة أن الأمم تتطور بالتقدم التعليمي، ومن الضروري أن تتكاتف الجهود لعمل مشروع وطني يقتضي معالجة موضوع عدم التوافق بين المؤهلات التي تم اكتسابها من خلال نظام التعليم العالي، ومتطلبات سوق العمل، لذلك كان لابد أن يتم تغيير منهجية التعليم والتعلم، حيث التركيز على منهجيات التدريس ومهارات التعلم والابتكار، والتركيز على المهارات التي تلبي متطلبات القرن الواحد والعشرين.

وأشارت إلى عدة نماذج لمدارس المستقبل؛ منها:

  • المدرسة المبدعة: وهي تسعى إلى تنمية المهارات الإبداعية؛ إذ تقوم بتوفير البيئة المناسبة التي تشجع على الإبداع الفردي وتنمية المهارات الفردية.
  • المدرسة المتعلمة: وهي تتمحور حول مبدأ التربية المستدامة، بمعنى التعليم المستمر مدى الحياة، إذ تكون العملية التعليمية مستمرة وتشمل الطلاب وأولياء الأمور والكادر التعليمي والإداري، حيث الجميع يخضع إلى التعليم والتدريب والتنمية المهنية.
  • المدرسة التعاونية: وهي نموذج يقوم على مبدأ التعليم التعاوني، ويتركز على مبدأ التعاون بين المعلم والمتعلم، والتعاون بين الجميع، للعمل على تطوير أساليب التدريس بروح تعاونية.

مهارات تعليمية للقرن الـ21

من جانبه، بيّن اخليف يوسف الطراونة في مقاله (مدرسة المستقبل ومهارات التعليم)، أننا في زمن صارت فيه المعلومة متوفرة بسهولة وسرعة وفي متناول اليد، ولهذا أصبح من الواجب على المدرسة تأهيل الجيل الجديد وإعداده للوصول إلى تلك المعلومة، ومحاكمتها، وتمحيصها والتأكد من صدقيتها قبل نقلها، وكذلك أصبح من الواجب إبراز ثقافة إعلامية لدى الناشئة وحسن استخدام وتوظيف تقنيات شبكات الاتصال والمعلومات، فضلاً عن تزويدهم بمجموعة من مهارات الحياة والتربية المدنية بالإضافة إلى مهارات التكيف والتفاعل الاجتماعي والتفاعل مع مجتمعات متعددة الثقافات.

وأشار إلى أن التعليم في الوطن العربي يحتاج إلى مجموعة من المهارات لمواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين، ومنها:

1- فهم التكنولوجيا واستخدامها في التعليم وتطوير مهارات البرمجة والتفكير الرقمي.

2- تحليل المعلومات بشكل نقدي وتطوير مهارات اتخاذ القرارات بشكل منطقي.

3- تعزيز مهارات العمل الجماعي والتعاون وفهم كيفية العمل الجماعي ضمن فرق متنوعة.

4- تشجيع التفكير الإبداعي والابتكار وتنمية المهارات الريادية.

5- تطوير مهارات اللغة والاتصال بشكل فعّال وفهم الثقافات المتنوعة والتفاعل معها.

6- تحفيز روح التعلم المستمر وتطوير مهارات تعلم جديدة والتكيف مع تغيرات البيئة والتكنولوجيا.

7- نشر الوعي الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية وتنمية قيم الأخلاق والسلوك الحضاري.

وذكر الطراونة أن شكل مدرسة المستقبل يشمل عدة جوانب من التطوير التكنولوجي والمناهج التعليمية، بالإضافة إلى بيئة فعالة وجاذبة للطلبة. وهذه بعض العناصر المقترحة لمدرسة المستقبل:

– إدماج التكنولوجيا بشكل كامل في عملية التعلم، بما في ذلك استخدام الحوسبة السحابية، والواقع الافتراضي، والتعلم الآلي.

– إتاحة نماذج تعلم مرنة ومتعددة، مثل التعلم عن بعد، والتعلم المستند إلى المشروع، لتلبية الاحتياجات المتنوعة للطلبة.

– التشجيع على التعلم التفاعلي والمشاركة الفعّالة بين الطلبة والمعلمين.

– تحديث المناهج بشكل دوري لتكون متناسبة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، مع التركيز على تطوير مهارات الحياة.

– تكامل نماذج تعلم مبنية على المشاريع لتعزيز التفكير الإبداعي وحل المشكلات.

– تعزيز مهارات التعلم الذاتي وتحفيز الطلبة لتولي مسؤولية توجيه تعلمهم.

– استخدام وتطوير منصات تواصل فعّالة لتعزيز التواصل بين المعلمين والطلبة وتشجيعهم على التعاون.

عنصران أساسيان:

فيما أوضح ماهر سليم في مقاله (التعليم في القرن الحادي والعشرين) أننا في عصر ثورة التكنولوجيا الرقمية والاتصالات، ننتظر تحولاً جذريًّا في مستقبل التعليم وخصوصًا المدارس من حيث الدور المنوط لها وشكلها وبيئتها، حيث تصبح المنظومة التعليمية بوجود التكنولوجيا الناشئة، كالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء عنصراً أساسياً في التطور والتغيير.

ثم تطرق إلى عنصرين أساسيين ينتظران التطوير؛ هما: مدرسة المستقبل، والمنهاج الدراسية.

أولاً: مدرسة المستقبل: وهنا أوضح الكاتب أن التطور المتسارع في التكنولوجيا الرقمية ووسائل الاتصال وتقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز، سيفرض شكلاً جديداً لمدرسة المستقبل من حيث دورها والبنية التحتية والإدارة التربوية، كما أنها ستكون مختلفة عن المدارس التقليدية من حيث التصميم والمساحات والمرافق، وعليه لن يكون هناك حاجة للفصول الواسعة والقاعات التقليدية، واستبدالها بالانفتاح على المجتمع المحلي وإبرام الاتفاقيات معه، وسيكون الاهتمام بالمتعلم كأساس للعملية التعليمية التعلمية، وجعل الفصل الدراسي قاعدة للتعلم والإبداع والتعاون.

ثانيًا: المناهج الدراسية: وهي تُعد ركنًا أساسيًّا في استراتيجية التغيير والتطوير لمواجهة تحديات السنوات القادمة؛ لذا فإن إعدادها يحتاج إلى معرفة بالتطور الهائل في المعرفة والتكنولوجيا الذي يشهده العالم، والحاجة الملحة لمعرفة ماهية المخرجات والمواصفات المطلوبة لتتواءم مع احتياجات سوق العمل والمجتمع للسنوات القادمة. وفي هذا السياق تظهر الحاجة إلى استحداث مناهج دراسية عصرية تتناسب والتطور التكنولوجي والثورة المعرفية.

ثلاث مجموعات للمهارات

وفي مقالها (المتعلم الذي نريد) أشارت هديل الشوملي إلى أننا بصدد مرحلة جديدة؛ فبعد عقود طويلة هيمنت فيها المهاراتُ المتعلقة بالتوظيف والحصول على فرصة عمل، على سياسات التعليم وتوجهاته وبرامجه وخططه في مؤسساتنا التعليمية، وعُدّت العلامة الكاملة فيه مقياسًا للنجاح والتميّز.. تأتي التغيّرات الهائلة والتطور المتسارع في هذا العصر لتفرز لنا نوعًا جديدًا من المهارات للتعليم، ولتثبت لنا أن النجاح مؤخراً أصبح يقاس بما يمتلكه المتعلم من هذه المهارات.

وعرفت الكاتبة “مهارات القرن الحادي والعشرين” بأنها مجموعة المهارات التي يحتاجها العاملون في بيئات العمل المختلفة، ليكونوا أعضاء فاعلين ومنتجين ومبدعين ومتقنين للمحتوى المعرفي اللازم للنجاح، تماشيًا مع المتطلبات التنموية والاقتصادية للقرن الحادي والعشرين. أو هي: المهارات التي تمكن المتعلم من التفاعل والتعامل مع تطورات الحياة في القرن الحادي والعشرين؛ كمهارات التفكير والقيادة وحل المشكلات وتحمل المسؤولية والإبداع والتكيف مع المتغيرات.

وأشارت إلى أنه يمكن تحديد طبيعة هذه المهارات في ثلاث مجموعات، وهي:

1- مهارات الثقافة الرقمية: الثقافة الإعلامية، والثقافة المعلوماتية، وثقافة تقنية المعلومات والاتصالات.

2- مهارات التعلم والإبداع: التفكير الناقد، والاتصال، والتشارك، وحل المشكلات، والابتكار والإبداع.

3- مهارات الحياة والعمل: المرونة، والتكيف، والمبادرة، والتوجيه الذاتي، والتفاعل متعدد الثقافات، والتفاعل الاجتماعي، والمساءلة، والإنتاجية، والمسؤولية والقيادة.

الجامعات الذكية

أما صلاح عطية فأكد في مقاله (استراتيجيات تطوير التعليم)، أن بزوغ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي غيّر- وسيظل يغيّر- أوجهًا كثيرة في حياتنا العملية، وسيؤدي إلى اختفاء وظائف من سوق العمل، جعل من المحتم على الجامعات ليس فقط تغيير المناهج بل تطوير وابتكار طرق التدريس والتعلم (Teaching & Learning) التي تعزز القدرات الابتكارية لدى الطالب، لكي يصبح مُعَدًّا لمواجهة المواقف العملية التي لم يتطرق لها أثناء دراسته.

وأضاف: في هذا الإطار فإن مهارات التفكير النقدي (critical thinking) تعد واحدة من أهم المهارات التي لابد من زرعها وبنائها في شخصية الطالب، وهذا ما يعرف بجامعات (الجيل الرابع) أو الجامعات الذكية، والتي يمكن القول إن هدفها الرئيس ليس فقط إعداد طالب مواكب لسوق العمل ولكنه قادر بامتياز على قيادته.

وبيَّن أن من العناصر الأساسية التي يتوجب علينا إضافتها للمناهج المدرسية هو العنصر الابتكاري والإبداعي للطلاب وكيفية تنميته، حيث إن عملية تحليل المناهج واستخراج الأفكار المبتكرة القابلة للتنفيذ منها هو أصل مهم من أصول فكرة الاختراع والابتكار (innovation and creativity).

لافتًا إلى أن هذا يتحقق بربط المنهج المدرسي بتطبيقات موجودة في حياتنا العملية، مما يعزز من قدرات التحفيز الفكري لدى الطلاب. ولتكون أكثر تحديدًا فإن تحويل الطالب للمعارف الأساسية التي اكتسبها أثناء الدراسة عبر المشاريع والنماذج الأولية (prototype) هو أوضح الأمثلة على ربط المناهج المدرسية بالتطبيقات العملية، وخلال هذه الرحلة التي يقضيها الطالب من (المعلومة الأساسية) إلى (التطبيق العملي) فإنه يكتسب مهارات أوسع وأشمل مثل تخطيط وإدارة وتنفيذ وتقييم المشروعات في زمن قياسي وتكلفة محددة.

مبادئ حاكمة

وفي إضاءات مهمة حول (تطوير سياسات التعليم والإصلاح الإداري)، أوضح محمد أنور فراج أن تطوير التعليم ضرورة حتمية تفرضها المستجدات التي تحدث في كافة المجتمعات؛ وذلك من خلال عدة أمور، منها: اعتماد استراتيجيات التعليم المتمركز حول المتعلم؛ كالتعلم النشط والتعلم القائم على المشروعات.. إلخ، بما يجعل دور المتعلم هو البحث عن المعلومة وبالتالي أصبح التعلم إيجابيًّا، وأصبح هناك مؤشرات لقياس أثر التعلم وأثر التدريب في حل مشكلات المجتمع.

وذكر الكاتب أن ثمة مبادئ حاكمة لنجاح جهود تطوير سياسات التعليم، لعل من أهمها:

– اعتماد معايير الجودة والتميز في تقديم الخدمات التعليمية.

– التوسع في الرقمنة سواء في الجوانب التعليمية أو الإدارية.

– الشمول مع التدرج والمصارحة والشفافية في جميع مراحل وخطوات التطوير والإصلاح.

– الحفاظ على الاستدامة والاستمرارية في عمليات التطوير.

– اعتماد الجدارة والكفاءة في التوظيف والترقي للهيئة التدريسية والإدارية.

– قياس الرضا الوظيفي وإجراء تقييمات دورية للخدمات التعليمية المقدمة لإعطاء التغذية الراجعة والتعرف على فجوات الأداء والعمل على تحسينه والارتقاء به.

بجانب ذلك، ذكر أن نجاح تطوير السياسة التعليمية يتوقف بشكل كبير على مدى المواءمة بين إمكانات المجتمع التي يمكن أن يستغلها ويوظفها لصالح العملية التربوية والتعليمية، وبين الأهداف والطموحات التي تسعى إلى تحقيقها التربية والتعليم؛ فلا جدوى من رسم سياسات تعليمية مثالية (غير قابلة للتطبيق) لا تسهم في تغيير الواقع التربوي.

وختم بالقول: إن السياسة التعليمية تتضمن ثلاثة أبعاد مهمة:

الأول: يتمثل في كونها موجهات للفكر التربوي، ومبادئ عامة توجه العمل الأكاديمي التربوي، وكذلك كونها تتضمن خيارات أي الاختيار بين البدائل.

الثاني: يتمثل في الإدارة، أي: كيفية ترجمة هذا الفكر في الواقع، وما يرتبط به من مسؤولية، وتعهد بالتنفيذ.

وأخيرًا: المحاسبة على النتائج في ضوء الأهداف التربوية التي نسعى إلى تحقيقها.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | تعريف بكتاب ” تاريخ النظم والحضارة الإسلامية “

[ad_1]

الحضارة الإسلامية تتجدد بتجدد الحياة للأمة الإسلامية التي وضع سلفها الصالح أسسها التي استمدوا أصولها من القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم اجتهدوا وأعملوا فكرهم فأضافوا وطوروا وجددوا وأبدعوا في كافة مجالات هذه الحضارة التي أضاءت بنورها أرجاء العالم شرقا وغربا.

قدم لنا كتاب تاريخ النظم والحضارة الإسلامية للدكتورة فتحية النبراوي والصادر عن الدار المصرية-اللبنانية على أصالة النظم الإسلامية وكيفية نشأتها منذ قيام الدولة الإسلامية في المدينة، وآليات تطورها عبر العصور الإسلامية المختلفة، كما تناول الكتاب النظم السياسية والإدارية، والنظم الاقتصادية، والقضائية، والعسكرية، بالإضافة إلى النظريات المختلفة التي وضعها العلماء المسلمون في العلوم والآداب، والعمارة والبناء والتشييد.

الخط الرئيس الذي يجمع فصول هذا الكتاب والمكون من أحد عشر فصلا هو التأكيد على أصالة النظم الإسلامية منذ قيام الإسلام في المدينة ثم تطوير المسلمين لها عبر العصور الإسلامية المختلفة.

تشير مؤلفة الكتاب إلى إن النظم الإسلامية هي أنماط فكرية حرة قدمها المسلمون، وعلى المفكرين أن يعيدوا قراءتها والنظر فيها من أجل عالم يتمتع بالاستقرار مع الحرية والعدالة. وفي هذا الصدد تتضاعف مسؤولية المؤرخ المعاصر من أجل إبراز قيمة الحضارة الإسلامية بنظمها وقيمها ومفاهيمها التي تقدم الحلول لكثير من مشكلات العالم المعاصر.

وأكدت الدكتورة فتحية النبراوي فكرة إبداع المسلمين على إنتاج حضارة جديدة، فبعد أن أنهوا مهمة الفتح ونشر الإسلام، وجهوا جهودهم إلى الإبداع الفكري المادي والمعنوي، شمل الآداب العلوم والصناعة، أبدعوا فيها بسرعة ملحوظة، ويعود ذلك إلى ذكاء المسلمين وخيالهم الخصب، وجهود المفكرين المسلمين من علماء وفقهاء ولغويين ورحالة وجغرافيين وأطباء وحكماء في صياغة هذه الحضارة، وتقنين نظمها، تلك الحضارة وتلك النظم التي ما زال العالم ينهل منها ويتعلم من كنوزها.

فيما يلي نبذة عن أهم مواضيع كتابا“ تاريخ النظم والحضارة الإسلامية للكاتبة د. فتحية النبراوي:

النظم الإسلامية وأصالتها: يستعرض هذا الفصل أصالة هذه النظم وكيف نشأت وتطورت عبر العصور في العالم الإسلامي. ويتناول أيضا تأثير هذه النظم على الحضارة الإسلامية بدءا من الخلافة الراشدة وحتى العصور الحديثة.

النظم الإدارية: يتناول هذا الفصل النظم الإدارية في العالم الإسلامي. يشمل الإدارة العامة والتجارة والنظم المختلفة.

النظم القضائية والعسكرية: يستعرض هذا الفصل النظم القضائية والعسكرية، وكيف تطورت عبر العصور في العالم الإسلامي. يتناول أيضا دور القضاء والجيش في تشكيل الحضارة الإسلامية.

النظم المالية الاقتصادية والتجارية: يتناول المظهر الاقتصادي والتجاري في الحضارة الإسلامية كما يستعرض النظم الاقتصادية والتجارية وكيف تأثرت بالتجارة والتبادل الثقافي.

النظم الاجتماعية: تناول النظم الاجتماعية في الحضارة الإسلامية، وشملت الزواج والطلاق وتعدد الزوجات والميراث وبالإضافة إلى حقوق الأفراد والمسؤولية الفردية في الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية.

النظم العلمية والآداب والمؤسسات العلمية: يتناول هذا الفصل النظم الفكرية والثقافية والعلوم، بما في ذلك العلوم من طب وكيمياء ورياضيات والآداب من تاريخ وجغرافيا وفلسفة وذكر لأهم العلماء والفلاسفة ومساهماتهم في تطوير المعرفة، وتطرق للمؤسسات العلمية والنظم التربوية التي كانت جزءا من الحياة التعليمية في تلك الحقبة مثل المساجد والمدارس ودور العلم وبيوت الحكمة والمكتبات وخزائن الكتب.

النظم العمرانية والبنائية: يتناول هذا الفصل النظم المعمارية والبنائية في العالم الإسلامي. يشمل التصميم والهندسة المعمارية والبناء والتشييد.

النظم الدينية والفلسفية: يتناول هذا الفصل النظم الدينية والفلسفية في الحضارة الإسلامية ويستعرض الفلسفة الإسلامية والمذاهب الدينية وتفسيراتها.

النظم الطبية: يتناول هذا الفصل النظم الطبية في الحضارة الإسلامية ويستعرض التقدم العلمي والمساهمات الطبية التي أثرت في التاريخ الإسلامي.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب “فاتتني صلاة” للكاتب إسلام جمال

[ad_1]

بين صفحات كتاب فاتتني صلاة للكاتب إسلام جمال، نجد أنفسنا أمام مسار غير تقليدي في رحلة داخل أعماق الروح والوجدان، إنها ليست مجرد صفحات، بل هي مرآة تعكس تجارب حياة متشعبة ولحظات تفكير متأملة. يأخذنا هذا الكتاب في رحلة تأملية خاصة تمزج بين الروحانية والحياة اليومية، وتجعلنا نفكر في كل تفصيل صغير نغفل عنه في حياتنا. دعونا ننطلق معًا في هذه الرحلة المميزة التي تسلط الضوء على معاني الوجود والإيمان.    

نبذة عن كتاب «فاتتني صلاة» - الكاتب إسلام جمال - الصورة من موقع خير جليس

نبذة عن كتاب «فاتتني صلاة» – الكاتب إسلام جمال – الصورة من موقع خير جليس

  

معلومات عامة عن الكتاب  

اسم الكاتب: إسلام جمال.    

عدد الصفحات: 231.    

الفئة: إسلامي.    

اللغة: العربية.   

الناشر: زحمة كتاب للثقافة والنشر.    

سنة النشر: 2018م.    

 

وصف الكتاب  

وجّه الكاتب إسلام جمال كتابه فاتتني صلاة لكل من يتهاون في أداء هذه الفريضة العظيمة من خلال أفضل الطرق للمحافظة عليها وعدم التكاسل عنها، كذلك يقدم الكتاب أسئلة وأجوبة تقع في أذهان الناس حول الصلاة وادائها من خلال عدة فصول بالكتاب، منها: يوماً ما، وقبل أن تصلي، وأنت أفكارك، وألك حاجة، وغيرها.  

   

 كتاب فاتتني صلاة - موقع رفوف
كتاب فاتتني صلاة – موقع رفوف

نبذة عن الكاتب      

الكاتب إسلام جمال، والمؤلف أيضا لكتاب آيات تغير حياتك، وكتاب لكنود، وكتاب زاد، مهندس بحري مصري، والمؤسس لمجموعة شركات بلانش
، حاصل على البكالوريوس في الهندسة البحرية في مصر والماجستير في إنجلترا، ويعمل الكاتب على ربط علم النفس بالدين الإسلامي من خلال كتاباته.
   

اقتباسات من الكتاب      

من دون الحب .. كل العبادات عبء.   

 

إقتباس من كتاب فاتتني صلاة - موقع المكتبة
إقتباس من كتاب فاتتني صلاة – موقع المكتبة

 

  جرِّب أن تكلم الناس بنفس السرعة التي تعوّدت أن تقرأ بها الفاتحة لن يفهم منك أحداً شيئاً… أنت في حديث متبادل مع ملك الملوك   

إقتباس من كتاب فاتتني صلاة - موقع المكتبة
إقتباس من كتاب فاتتني صلاة – موقع المكتبة

 

لسنا معصومين عن الخطأ..لكننا مجبورون على التوبة  

 

إقتباس من كتاب فاتتني صلاة – موقع المكتبة

 

إقتباس من كتاب فاتتني صلاة - موقع رتبها
إقتباس من كتاب فاتتني صلاة – موقع رتبها

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب “وثائق من عصر النبوة والخلافة… كتاب الأموال مصدرًا”

[ad_1]

صدر مؤخراً كتاب بعنوان “وثائق من عصر النبوة والخلافة، كتاب المال مصدراً” للمؤرخ والباحث الكويتي الدكتور عبد الهادي العجمي، عن دار خطوات وظلال للنشر والتوزيع.

وجاء في مقدمة الكتاب : ظلت الوثيقة منذ العصور الإسلامية المتقدمة، ولا تزال، مصدرًا أصليًا للمعلومات التي اعتمد عليها الباحثون والكتاب والمؤرخون، كونها أحد أهم المصادر الأساسية لدراسة التاريخ، والمنبع المادي الأكثر اتساعًا للنظر فيه إلى المعلومة الأصلية ومستوى الخطاب التاريخي والمعنيين به بحسب الزمان والمكان المتناول في الوثيقة.

وبما أن التاريخ الإسلامي، وخاصة ما يتعلق بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلافة الراشدة، إضافة إلى القرنين الأول والثاني الهجريين، اللذين شكلا واحدة من أهم المراحل الزمنية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، قد عانوا من بعض النقص المتعلق بهذه الوثائق وحفظها وإدراجها في المؤلفات والكتب المختلفة، يأتي هذا الكتاب ليطرح القضية من خلال مؤلف الأموال لـ”القاسم بن سلام”، كخطوة في سياق إبراز مصادر المعلومات للمؤلفين المتقدمين وإعادة تقييمها، وإثبات اهتمام مؤرخينا الأوائل، كابن سلام ومن في طبقته، بقضية الوثائق وجمعها من مصادرها الأصلية.

كما يهدف الكتاب إلى تأكيد أن ضياع عدد من الوثائق التاريخية للعصور الإسلامية المتقدمة أثرت في درجة كبيرة في الكتابات التاريخية، وأن الاهتمام بمثل هذه القضايا، وتركيز الاهتمام عليها لإعادة استخراج الوثائق من بطون الكتابات الإسلامية المختلفة، وإبراز مكانة وأهمية الوثيقة ودلالاتها في التاريخ الإسلامي المبكر.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | وقفات مع كتاب “إشكالية الحوار” للباحث محمد المرابط

[ad_1]

المؤلِّف والسياق : من الإشكالات الكبرى التي تعرفها الأمم والجماعات في التواصل الجمْعي الذي يروم التفاهم والعيش المشترك غيابُ منطق الحوار والإنصات والتبصر، الأمرُ الذي ينتهي بمخرجات التفكك والتعاكس والتوجس والريبة. ولأهمية هذا الموضوع أنجز الباحث محمد المرابط أستاذ مادة الفلسفة بطنجة باكورة أعماله التأليفية تحت وسْم “إشكالية الحوار: مدخل لبناء رؤية إسلامية حضاريةّ” الصادر سنة 2022 عن دار النشر (مفكرون) الدولية للنشر والتوزيع في حلة أنيقة من 186 صفحة.

لقد عرفتُ المؤلفَ الأستاذ محمد المرابط قارئا جيدا مهموما بالكتاب الورقي قبل الرقمي؛ ملامحُ البحث والنبوغ وهاجس الكتاب والتأليف بدأت تظهر عليه مبكرا منذ زمن الطلب الذي ما زال يعايشه إلى الآن وهو مقبلٌ على سلك الدكتوراه. نشر وحاضر وشارك في مناسبات عدة. ويؤشر هذا الإنجاز الذي بين أيدينا لهذا الباحث الشاب على مسار علمي طموح ذي آفاق مُشرعة على حقول بحثية متنوعة في الفكر الإسلامي والنقد الثقافي..

خطاب العنوان

أول لافت يثير انتباه القارئ لخطاب العنوان هو التركيب الإضافي “إشكالية الحوار”، فهل يا تُرى الحوار إشكال أو إشكالية أم هو فضيلة وقيمة؟ لا شك أن المؤلِّفَ اختار وانتقى مصطلح “الإشكالية” ذا الحمولة الثقيلة والعميقة للدلالة على أن الغياب الفعلي لفضيلة الحوار كأداة للتفاهم وتذويب الجليد وتدبير النزاع، صار إشكالية حقيقية أطلق عليها الباحثُ “إشكالية الحوار”، كأنه يريد أن ينبهَ قارئه في أول قراءة عابرة للعنوان أن الحوار المفتقَد والمرجوَّ صار أكثر إلحاحا وضرورة ليكون مدخلا لبناء رؤية إسلامية حضارية. وفي هذا التكثيف في خطاب العنوان تتجلى مظاهر المضمون والمعالجة التي انصبت على إبراز قيمة الحوار في الثقافة الإسلامية والرؤية الحضارية للأمة المؤطَّرة بمرجعية قرآنية قطعية الدلالة في بناء علائق إنسانية تواصلية مؤسَّسَة على البيان والتبيين والحوار والإنصات.

 

يقول المؤلف:” إن التفاعل الحضاري ظاهرة إنسانية وضرورة حياتية، ما يوجب علينا البحث عن وسائل التواصل الجادة والمثمرة، وليس هنالك أهم وأنجح من التواصل الحواري والتعارف بين الحضارات في العصر الحديث، باعتبارنا أشد احتياجا إلى الحوار الحضاري الجاد من أي وقت مضى. والحوار الحضاري يقوم أساسا على التعدد والاختلاف، ومن ثم الاعتراف والاحترام، الأمر الذي يدفعنا للبحث عن الأسس المشتركة للانطلاق والتفاهم والتعاون الحضاري”.

بنية الكتاب

اختار المؤلف أن يُصدر كتابه بتقديمٍ لأستاذيْه: الدكتور عبد اللطيف شهبون أستاذ سابق للأدب المغربي والأندلسي بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان، والدكتور سعيد بوعصاب أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة ابن زهر بالسمارة. وتكوَّن هيكل البحث من مقدمة المؤلف (ص12- 14) وأربعة فصول تبرِزُ معالمَها المباحثُ والمطالبُ التي انتُظِمَت في انسجام وترابط شكلا ومضمونا. وانتهت بمقترحات لتفعيل الحوار الحضاري قابلةٍ للتطبيق والتنزيل إذا صدقت النيات وتوحَّدت المقاصد الكبرى..

بسطٌ لمضامين المتن

إن الباحثَ اختار موضوعا لاشك أنه لامس من خلال معايشته لحركية التأليف والصراع الأيديولوجي وتشظي الواقع العربي الإسلامي، قلتُ اختار موضوعا آنيا يستمد قوةَ حضوره والتأليف فيه من فرضية القراءة الواعية والمتبصرة وفرضية أزمة الواقع الإسلامي وخاصة مع مأساة غزة الأبية فرَّج الله نكبتها. لهذا أرى أنه كان موفقا في إعادة الاعتبار إلى موضوع الحوار كمفتاح للتواصل البشري ومعالجة النزاعات وحل الأزمات؛ من خلال أرقى قيمة في التواصل والتعايش قيمة الحوار.

وقد توافقت المقدمة مع ما انتهت به الخلاصات أنَّ” أهمَّ هذه الحلول الحوارُ، فبه تتقلصُ هوة الصراع والعداء، وعن طريقه يُتوصلُ إلى دائرة المشترك الإنساني، والاعتراف بالآخر، وكل هذا يُفضي إلى حصول التعاون والتضامن والتعايش بين مختلِف الأجناس والأعراق والديانات، ما يعني أن الحوارَ ضرورة إنسانية، وحاجة حياتية”.

لقد اعتمد المؤلف في معالجة الكلمات المفاتيح على المادة اللغوية للجذر اللغوي للكلمة بدءًا من مادة “ح و ر” التي استخلص منها المعاني الأربعة: شدة البياض ـ الرجوع ـ الدوران ـ التجاوب، لينتقل إلى دلالة الاصطلاح من خلال المنظور التداولي الإسلامي الذي يتمثل في قيمة الاعتراف بالخطأ وإعلاء شأن الحقيقة والحق في غياب الذاتيةِ والأنا المتضخمة والمتعالية، والابتعاد عن “الجدل” الذي يقوم على المخاصمة والتنازع، على حين إن الحوار مبني على التسامح والصفاء..

ثم انتقل الباحث إلى تأصيل فلسفة الحوار من خلال النظرة الإسلامية مستلهما بعض أفكار طه عبد الرحمن وعبد العزيز التويجري ويوسف القرضاوي وغيرهم. وهكذا فصل القول في أبعاد الحوار في الإسلام وأهدافه السامية المختزلة في الحقل التالي: التعارف ـ التعايش السلمي ـ التعايش الدولي ـ الإقناع ـ إيجابيات الآخر ـ تعزيز القيم ـ القاسم المشترك ـ تصويب المغالطات ـ تجاوز الانغلاق…” وفي هذا المجال يقف القارئ على قبسات من طبيعة السرد القرآني لوضعيات تواصلية : حوارية أو حجاجية متباينة بين طرفي الحوار، وفي الغالب تكون بين متناقضين، الشرك والتوحيد.

ثم أتبع ذلك بأثر هذه المرجعية في واقع المسلمين، فسجَّل بأسف غياب التشبع بقيم القرآن في التحاور والمناظرة، وبناء العلاقات الجامعة بين الأمة الواحدة بلْهَ مع المخالِف من خارج المنظومة والعقيدة، مع اعتبار أن هذا المخالِفَ هو أيضا يعاني من مأزق الأنا وهَوَسِ التفرد بالحق والحقيقة، وإنكار حق الآخر. وهنا أورد ما ذكره عبد المجيد الصغير في سياق حدثيه عن الحوار الإسلامي المسيحي:” أعتقد أن الأوساط المسيحية تضرب عرض الحائط بكل قيم الحوار حينما تعلن بعد أكثر من عشر سنوات من يبان الفاتيكان… أن غرضها إنما هو بالتحديد إعادة التخطيط (لعملية تنصير المسلمين) وابتكار مختلِف الأساليب الجديدة الممكنة في سبيل ذلك”.

ومع هذه التحديات والمعيقات آثر المؤلفُ التطرق لموضوع “الحوار” في علاقته بالواقع المعيش باعتبار تناقض هذا الوقع وإشكالاته المستجدَّة والطارئة، إذ وجبَ على “أهل الملة” كما يقول الأستاذ محمد المرابط أن تراعي” التجددَ أو التغير الطارئ على المجتمع، في جميع مناحي حياته ومتطلباته وتطلعاته الثقافية والاقتصادية والسياسية، فالعلاقات بين المسلمين وغيرهم في وقتنا الحالي، لم تعد كما كانت قبلُ، بل اختلفت اليوم باختلاف الوضع (الذاتي والغيري) والواقع، الأمر الذي يفرض التعامل بالتعاون والتسامح، إلا مع الظالمين.

إن الحوار رافدٌ أساسٌ من روافد “التواصل” لذلك فصَّل المؤلف في مطلبٍ فريد “إشكالية الحوار والتواصل”، ذلك أن التواصل ما كان له أن يتم بين بني البشر إلا بإحدى الأدوات التالية: المحادثة، والمناقشة، والمناظرة، والحوار. ويعتبر هذا الأخير” شكلاً من أشكال الوجود الإنساني، وليس فقط مجرد وسيلة للتواصل”.

ونظرا لما يعتور العلاقات البشرية من اضطرابات؛ فإن المؤلفَ قاربَ إشكالات مرتبطة بالمعيقات التواصلية، سواء ما ارتبط بالمرسِل أو المرسَل إليه أو الرسالة، أو البيئة. وتعتبر الأسرةُ المحضن الأول والطبيعي لبناء شخصية متشبعة بالمهارات والقيم التواصلية، فمتى ما تواجدت البيئة التواصلية داخل البيت، وسلكت مسلكا لغويا طبيعيا يُنمي في الأطفال والناشئة المهارات التواصلية التي تراعي الحدث التواصلي ولغة التخاطب والأساليب المراعية للمقامات، استطعنا أن نُساهم في صناعة جيل متشبع بالرؤية الإسلامية الحضارية، وهي الفكرة المحورية التي حاول المؤلف أن يُبلورها في عمله هذا.

هذه الرؤية التي تتجلى في الحوار الديني وضرورته، والمتسلح بالقواعد والضوابط القرآنية في المحاججة والمناظرة بحثا عن المشترك الإنساني، والقيم الإيجابية الموحِّدَة. وتتجلى أيضا في الحوار الثقافي والحوار الحضاري اللذيْن يجب أن تتضافر كل جهود الدول والمؤسسات والكيانات والأعلام من أجل تفعيل وتنشيط هذه الأدوار البناءة والتواقة للعيش المشترك في احترام تام للخصوصيات الثقافية للأمم، يقول عز وجل: { لكم دينكم ولي دين } (الكافرون :6).

ختمٌ

إن هذا السِّفر إضافة نوعية للمكتبة الفكرية العربية الإسلامية ومرجع إضافي للباحثين في أدب الحوار وفقه التدافع، ساهم فيه صاحبه في إرساء ثقافة الاختلاف والاعتراف. وتوفَّق إلى حد كبير في انتقاء شواهده ومنقولاته معتمدًا على مفكرين مسلمين وغربيين، نتمنى له التوفيق في باقي مشاريعه الفكرية.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | “ليطمئن عقلي” .. كتاب عن الإلحاد غير موجه للملحدين!!

[ad_1]

هل الإيمان يحتاج إلى إجابات جديدة، مع إثارة الإلحاد لشبهات جديدة؟ وهل العقل يحتاج إلى براهين تحمله على الطمأنينة مثل الهدايات التي يحتاجها القلب سواء بسواء؟ إشكالات وإجابات كثيرة يطرحها كتاب “ليطمئن عقلي” للدكتور أحمد خيري العمري، والصادر عام 2019 في (652) صفحة، عن دار “عصير الكتب” بالقاهرة.

هل الإلحاد الجديد لم يعد نتاجا لمنظومات فلسفية وأيديولوجية، بل أصبح مقصودا في ذاته، فهو لم يعد يشكك في وجود الخالق، سبحانه، وإنما أصبح يشكك في عدله؟

بين عدمين وصدفة تتحرك رؤى الإلحاد، فلا شيء قبل الحياة ولا شيء بعدها، الصدفة جاءت بنا، والغاية ضاعت منا، أرحام تدفع، وأرض تبلع، إشكالات وإجابات كثيرة يطرحها كتاب “ليطمئن عقلي” للدكتور أحمد خيري العمري، والصادر عام 2019 في (652) صفحة، عن دار “عصير الكتب” بالقاهرة.

 

الكتاب يعلن منذ صفحاته الأولى أنه غير موجه لمن اطمئنت قلوبهم وعقولهم للإيمان، أو من أصبحوا ممتلئين قناعة بالإلحاد، ولكنه موجه إلى “المؤمنين..ولكن” أي: الذين هم داخل حيز الإيمان، ولكن توجد شبهات وقضايا مازلت غير مقنعة أو مطمئنة لهم، لذا جاء الكتاب ليبسط معهم الحديث حولها مفككا إياها وداعيا إلى تثبيت دعائم الإيمان.

صحوة الإلحاد..وأزمته

يبدو من كثافة الكتب الصادرة والندوات والأخبار والإحصاءات أن الإلحاد يعيش صحوة في السنوات الأخيرة على غرار الصحوة التي شهدتها كافة الأديان منذ نهاية السبعنيات من القرن الماضي، غير أن تلك الملاحظة غير صحيحة، فـ”الإلحاد الجديد“[1] كما يشتهي أن يتسمى، شراسته الشديدة في مواجهة المعتقدات والقيم والمعايير، جعلت الكثير يتحول إلى مواجهته وليس أهل الأديان وحدهم، فهو يفكك كل شيء لصالح لا شيء، وكأنه يتحول إلى دين عنوانه: الاعتقاد في عدم الاعتقاد .

كتاب ” ليطمئن عقلي ” يبدأ من نقطة مهمة، وهي: أن الإلحاد ليس مرضا نفسيا كما ترى بعض الدراسات الأمريكية الصادر عام 2017م، والتي تذهب أن أكثر من نصف من شملتهم الدراسة من الملحدين أشاروا أن هناك تجارب عاطفية شخصية مثل: موت حبيب، أو مرض عضال، كانت وراء إلحادهم، وذلك على خلاف التجربة العربية .

والحقيقة أن هناك أنماطا من التفكير تساعد على الإلحاد، لعل أهمها: الاقتصار على العقل الحسي التجريبي كمحدد للإيمان، كذلك التفكير الحرفي الجامد، والاجتزاء في التفكير، إذ أن هذا النمط يحرم الإنسان من الرؤية الكلية للأشياء، فالجزء لا يفسر الحقيقة، وغالب الملحدين يقتطعون جزءا من الصورة ويبنون عليها إلحادهم، ويلعب الخلط بين العلم والإيمان دورا في انتشار الإلحاد، فالبعض يتعامل مع الدين كأنه فرع من العلم التجريبي، والبعض الآخر يتعامل مع العلم بطريقة دينية، فيتعامل مع نظريات العلم وكأنها يقين لا يقبل الشك.

ويعتبر “ريتشارد داوكنز” من أشهر العلماء الملحدين في العالم، أصدر قرابة العشرين كتابا وحقق كتابه “وهم الإله” شهرة واسعة، وتجاوزت مبيعاته ثلاثة ملايين نسخة، وترجم إلى (25) لغة ، وأحد الذين استخدموا نظرية التطور كرأس حربة في محاربة الأديان والاعتقاد، والإلحاد الجديد يتجاوز الإنكار الفلسفي للدين إلى تبني المواجهة مع الدين وعدم التسامح معه، فهو إلحاد ضد الإله anti-thesim ، ويعد العلم التجريبي أحد المداخل المهمة التي يستغلها الإلحاد الجديد لتقديم نفسه إلى الجماهير، حيث أصبح العلم نوعا من الأيديولوجيا مع وجود إيمان مطلق بقدرة العلم على تقديم الأجوبة، كما أن الإلحاد الجديد يستغني عن الفسلفة.

العلم ..والخالق

في عيد ميلاده الرابع والتسعين، سُئل الفيلسوف الإنجليزي الملحد ” برتراند راسل”: إن مت وسألك الرب: لماذا لم تؤمن بي، ماذا سيكون جوابك؟

أجاب راسل: عدم كفاية الأدلة يا رب عدم كفاية الأدلة!

والسؤال هل يوجد دليل علمي على وجود الخالق؟

الحقيقة أنه لا يوجد دليل علمي علي وجود الخالق سبحانه وتعالى،  فكل انجازات العلم منحصرة في الجانب المادي، وكل شيء خارج الطبيعة والمادة لا يمكن للعلم أن يكتشفه، والله سبحانه وتعالى خارج نطاق هذه الطبيعة والمادة، فوجود الله ليس نظرية أو فرضية يمكن إدخالها المختبر، وما يمكن للعلم أن يتحدث عنه هو الإشارة إلى الإبداع والدقة في خلق الكون، وأن ذلك يقف خلفه إله عظيم، وهذه إشارات وليست أدلة، لذا كان الإيمان بالغيب حاسما في معرفة الله، فالغيب غير خاضع للحواس وإدراكاتها وقياساتها، فهو إيمان مجرد عن الأدلة المادية، ومن ثم لو كان هناك دليل علمي مادي على وجود الله، لما كان هناك حاجة للإيمان بالغيب، ولأصبح هذا الإيمان تصديق بارد بحقيقة علمية .

العلم الحديث يثبت أن الأرض هي الكوكب الوحيد المؤهل للحياة من بين (700) كونتيليون[2] كوكب، وأن وجود حياة أخرى على أي كوكب آخر تكاد تكون منعدمة بنسبة 99.6%، ومن ثم فالأرض مهيئة للحياة، ولابد أن تكون هناك إرادة وقوة فعلت ذلك، فمثلا ظهر كتاب للسير “فريد هويل” بعنوان”الكون الذكي” عام 1984 نفي فيه احتمالية تكوين بروتين واحد عشوائيا، وفي عام 1989 أكد كتاب “مصادفات كونية” لكل من “جون غريبين” و”مارتن رايس” أن الكون مُعد مسبقا لنشوء الحياة فيه؛ أي أن هناك إرادة وقدرة وحكمة تقف وراء هذا الكون، وهي التي أنشئته ابتداءا، وهو ما أكده أيضا رايس في كتابه “ستة أرقام فقط: القوى العميقة التي شكلت الكون“، وهذه الرؤية تدحض ما يقول “برتراند راسل” ويتكأ عليه الإلحاديون وهي: “أن من يرفض فكرة أو فرضية ما، ليس مطالبا ببرهان رفضه“، والتي أسماها فرضية “إبريق الشاي السماوي“.

وملخص الفكرة أنه ادعي وجود هذا الإبريق في منطقة ما بين الأرض والمريخ، وأن الإبريق لصغره لا يمكن للتليسكوبات أن ترصده، وانطلق راسل ليقول:” أن فرضية وجود الإبريق هي مثل فرضة وجود الله، فالإبريق لم يره أحد، والله لم يره أحد“، ولا شك أن هذه الحجة واهية، لأن الإبريق لا يفسر شيئا في الكون بحضوره أو غيابه، ولكن فرضية وجود الله سبحانه وتعالى تفسر نشأة الكون واستمراره ومصيره، ففرضية الإبريق لا تقدم جوابا، ولا تنفع بشيء.

ومن هنا فالملحدون يتعاملون مع السبب الأول، بطريقة غير منطقية، ويزعمون أن الخالق، سبحانه وتعالى، يحتاج إلى سبب لكي يكون، وهذه الفكرة الباطلة تهدم فكرة السبب الأول المسبب لكل شيء، فالعلم التجريبي يزعم أن للكون بداية كانت قبل 14 مليار سنة، ومن ثم فالسببية قانون خاص بالعالم المادي، وأي شيء خارج المادية هو خارج هذا القانون.

ونظرية التطور لـ “داروين”، تتحدث عن نشوء المخلوقات من خلية واحدة ثم تطورت عبر آلاف السنيين، وصولا إلى الإنسان العاقل، وهذه النظرية بعيدا عن الإيمان والإلحاد ليس فيها مكان لخلق آدم عليه السلام، فآدم خلقه الله تعالى بأمر منه.

وتعد مشكلة الشر والمعاناة في العالم أحد الأسباب المؤدية للإلحاد، ويرى كتاب ليطمئن عقلي أن المشكلة جاءت مع اللاهوت المسيحي، ولعل ذلك يرجع إلى الرؤية المسيحية ذاتها للإله التي تركز على الرحمة والسلام والمحبة وذلك على خلاف تصور الإله في اليهودية والإسلام، وبالتالي وُجدت في الرؤية المسيحية فجوة بين تصور الإله ودوره في مكافحة الشر في العالم.

وهناك يأتي سؤال عدم استجابة الدعاء خاصة لمن يمرون بظروف شديد القسوة، والتي تكون مرتبطة بتعرضهم لظلم كبير، والخطأ الذي يقع فيه البعض هنا أن الدعاء جزء من منظومة الإيمان وليس هو بوابة للدخول إلى الإيمان أو مغادرته، ومن ثم لا يجب التعامل مع الدعاء باعتباره وسيلة لاختبار وجود الخالق سبحانه، لأن هذا ليس الطريق القويم لمعرفة الله.


[1]الإلحاد الجديد New Atheism: مصطلح صاغه الصحفي اللا ديني جاري وولف في 2006 في مقالته المطولة “كنيسة اللامؤمنين The church of non-believers” لوصف خطاب ثلاثة من الكتاب الملحدين البارزين هم: ريتشارد دوكنز، سام هاريس، دانيال دانيت؛ والذي تحول في نظره -كملحد- إلى كنيسة لا تقل تعصبا عن الكنيسة المسيحية في مساءلته للأفراد عن خياراتهم الدينية، يتسم الإلحاد الجديد بـنزعته العلموية المتطرفة حيث يرى أن العلم قادر على كشف كل الحقائق وأنه ينفي أية حقائق متجاوزة للعالم المادي، كما أنه إلحاد ذو نزعة معادية للدين، فهو لا يقبل وجود الدين ولا يتسامح معه.

[2] الكونتيليون: رقم وأمامه عشرون صفر

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب جديد للدكتور خالد راتب عن دلائل إعجاز التشريع الإسلامي في الميراث

[ad_1]

أصدر الدكتور خالد راتب، الباحث في الشئون الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والأستاذ المساعد بالجامعة الإسلامية بمِنيسوتا، كتابًا جديدًا تناول فيه قضية الميراث بين نظام الإسلام وغيره، تحت عنوان: (دلائل إعجاز التشريع الإسلامي في الميراث.. مقارنة بالنظم والتشريعات قديمًا وحديثًا).

وأوضح د. خالد راتب ن الإعجاز هو ما يتعذر على الثقلين (الإنس والجان) الإتيان بمثله نظمًا وبيانًا وتشريعًا، وقصورهم عن ذلك قصورًا أبديًّا، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88). وأن أوجه إعجاز القرآن الكريم والسنة المطهرة، قد تعددت وتنوعت؛ فهناك الإعجاز البياني، والعلمي، والغيبي، والنفسي، والتشريعي.

وقد اهتم د. خالد راتب في كتابه الجديد بالتركيز على الإعجاز التشريعي في الإسلام، من خلال تناول دلائل إعجاز التشريع الإسلامي في الميراث، بالمقارنة مع النظم والتشريعات قديما وحديثا.

اقرأ أيضا:
صدور كتاب” في تاريخ النظام القانوني الإسلامي”
صدور الترجمة العربية لموسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين”

 

وبيَّن أن علم المواريث من العلوم المهمة في التشريع الإسلامي، وله مكانته العالية ومرتبته الرفيعة؛ لارتباطه بقضية مهمة تتعلق بحياة البشر جميعا ألا وهي قضية المال، فالمال هو عصب الحياة يحبه بعض الناس حبا جما، وتهفو إليه نفوسهم وترنو إليه أبصارهم وقد وصف الله ذلك  بقوله تعالى: { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (الفجر: 20)، وهو زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف: 46)؛ لذا يكون التفصيل والدقة في مسائل الإرث وسيلة لوقف زحف الطامعين، وضمان أخذ حق المستضعفين وحقن الدماء ودفع النزاعات والخصومات.. وذلك من خلال معرفة أن أحكام الإرث وما يتعلق بتوزيعه هي من عند الله سبحانه فلا يطمع أحد في مال أخيه الوارث، فلكل منهم حقه ونصيبه الذي قرره الحكيم العليم من قبل الشرع.

فصول الكتاب

وقد جاء الكتاب في فصلين وعدة مباحث ومطالب؛ تناول الفصل الأول: نظام الإرث في التشريعات والنظم القديمة والحديثة وفي الإسلام؛ وذلك من خلال بيان أحوال الميراث قبل الإسلام وفي النظم والتشريعات الحديثة. وتناوُل أحكام الميراث وكيفية توزيع التركة في الإسلام بين التنظير والتطبيق.. إضافة إلى مقارنة بين نظام الإرث في التشريعات والنظم القديمة والحديثة والإسلام.

وأما الفصل الثاني: دلائل الإعجاز التشريعي في الميراث في ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ فقد اشتمل على سبعة مباحث:

  • أوجه الإعجاز في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
  • الإعجاز التشريعي في الإسلام: تعريفه، أهميته وفوائده، ضوابطه، خصائصه.
  • آيات وأحاديث الميراث موضع الإعجاز التشريعي
  • أوجه إعجاز التشريعي الإسلامي في الميراث.
  • مقاصد الميراث في الإسلام ودلائل الإعجاز.
  • الميراث في الإسلام وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية
  • الإعجاز التشريعي في ميراث المرأة من خلال قوله تعالى:  { للذكر مثل حظ الاثنين } (النساء : 11).

 

نتائج الدراسة

وقد انتهى د. خالد راتب من دراسته لنظام الميراث في الإسلام مقارنةً بغيره من النظم والتشريعات قديمًا وحديثًا، إلى عدة نتائج؛ أهمها:

  • الميراث في الإسلام نظام رباني، تجلى في تكفل الله تعالى بتحديد الورثة وأنصبتهم وشروط استحقاقهم لها.
  • أحكام الإرث ترتبط مباشرة بحياة  الأفراد والمجتمعات، فمعظم فئات المجتمع – سواء أكانوا أفرادًا (رجالا أم نساء أم أطفالا) أم جماعات أم مؤسسات …تكون عرضة للتعامل مع تلك الأحكام.
  • ألغى الإسلام كل النظم الاستبدادية، وسن أحكام الإرث؛ ليضمن للضعيف حقه ويحفظ له كرامته ويساوي بينه وبين القوي، وبين الكبير والصغير، وبين الرجل والمرأة، فلكل واحد منهم نصيبا مفروضا وحقا محددا.
  • يشكل  الإرث في الإسلام ثروة وموردا لا يستهان بها، ويتطلب ذلك ضرورة تنظيم الأموال المورثة وتقويمها والمحاسبة عليها باستخدام نظام محاسبي يتلاءم ومتطلبات أحكام الإرث.

أوجه الإعجاز التشريعي

وفيما يتصل بأوجه الإعجاز التشريعي في أحكام المواريث في الإسلام، أوضح د. خالد راتب أن هذه الأوجه قد تعدد من حيث:

  • ورود آيات المواريث وترتيبها.
  • التمهيد العام لأحكام المواريث قبل التعرض للأحكام نفسها.
  • مجيء أحكام المواريث في سورة النساء.
  • ربط أحكام المواريث بالجانب الروحي والأخلاقي.
  • الجمع بين الشمول والإيجاز والدقة.
  • مجيء قواعد الميراث قبل أحكامه وربط القواعد الكلية للميراث بالأحكام التفصيلية.
  • آيات المواريث جاءت محكمة لا اجتهاد فيها إلا في أضيق الحدود.
  • أحكام المواريث جاءت  تساير الفطرة الإسلامية وتتلاءم معها.
  • تدرج الإسلام في أحكام المواريث؛ نظرا لظهوره في بيئة  مجحفة تقوم على هضم حقوق الضعفاء والأطفال والنساء ؛لذا بدأ الإسلام أول ما بدأ بتقرير حق توريث تلك الفئات المستضعفة وإثبات أحقيتها في الميراث سواء أكان كثيرا أم قليلا.
  • تقديم الوصية على الدين في النظم القرآني- مع أن الدين فرض، والوصية مستحبة- هو تنبيه الناس وحثهم على تنفيذ الوصايا، خشية أن يتهاونوا في أدائها من تركة مورثهم، بوصفها نوعا من التبرعات في الأصل.
  • امتداد تصرف المورث حتى بعد موته في حدود الثلث، ويظهر ذلك في الوصية المستحبة، ولكن هذا التصرف في الوصية المستحبة جعل الشارع  لها شروطا وضوابط؛ حتى لا يترك  مطلق التصرف للموصي في المال حتى ولو أضر بالآخرين، فأحكم الشرع  أمر الوصية وجعل شروطا في الموصي، والموصي له، والموصي به.

كما بيَّن د. خالد راتب أن أحكام المواريث قد راعت المقاصد الشرعية؛ من حيث:

أولًا: الحفاظ على تدين العباد، من خلال:

  • الأوامر والنواهي الخاصة بأحكام الميراث، ووضع المعايير المحكمة في توزيع التركة، وجعل هذه المعايير فريضة متبعة يجب الالتزام بها، واجتناب كل أمر يضيع تحقيق هذه الفريضة.
  • تأكيده أن الأحكام الخاصة بالميراث تعد حدودا يحرم على الإنسان أن يتعداها، فهي غير قابلة للاجتهاد- في مجملها- لذا عقّب سبحانه بعد ذكر أصحاب الفروض ونصيب كل واحد منهم بقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} (النساء : 13).
  • يضاف لحب المال سيطرة  النفس على الإنسان- إلا ما رحم ربي- مما يدفع كثيرا من الناس إلى حرمان كثير من حقهم في الميراث أو الوصية، فالميراث قطع على هؤلاء جميعا أن يتخوضوا في مال الناس بالباطل، ولم يتم ذلك إلا عن طريق التشريع الحكيم في مسائل الميراث.

ثانيًا: الحفاظ على النفس في نظام التوريث، وذلك عن طريق:

  • إعطاء كل واحد نصيبه من الميراث .
  • الحفاظ على الدماء المعصومة، فقد منعت الشريعة بل حرمت توريث القاتل الذي يهدر بنيان النفس البشرية من أجل المال والحصول على  إرث المقتول .
  • كما أن نظام الميراث فيه حماية لحقين من حقوق الإنسان؛ هما: الحق في الحياة، والحق في التملك.
  • والميراث كذلك يحافظ على النسل، فعندما يعلم  القاتل أنه يمنع من الإرث فإن ذلك يمنعه من القتل، وذلك فيه حفاظ على النسل.

ثالثًا: الميراث وحفظ العرض وماء الوجه:

فما يتركه الميت لورثته يحفظ لهم عرضهم وماء وجههم، فلا يسألون أحدًا ولا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، من أجل ذلك بيَّن صلى الله عليه وسلم أن الخير أن تترك لورثتك مالا ينفقون منه بدلا من ذل السؤال.

رابعًا: الميراث وحفظ العقل:

فمسائل الميراث مبنية على الشرع والعقل، فلا يستطيع العالم أن يوزع التركة من خلال النصوص فقط؛ فتوزيع التركات وما يترتب عليها من حسابات وتصحيح بعض المسائل.. إلى غير ذلك، ينمي الملكة العقلية  ويجعلها في يقظة، كما أن تشريعات الميراث فيها تربية عقلية، فالشخص الذي يتلقى أحكام الميراث قد تتشكل عقليته وعواطفه على حب أسرته الضيقة وحدها والانغلاق على مصالحها وحدها.

خامسًا: الميراث والحفاظ على المال:

فنظام الميراث في الشريعة الإسلامية يحافظ على المال الذي هو نعمة من الله، ولكن إذا تم ذلك وفق الضوابط الشرعية، ويظهر هذا الحفظ من خلال:

  • تداول المال بين الورثة وتوزيعه على أكبر فئة؛ لتوسيع دائرة الانتفاع، مما يجعل المال يفيض بين الورثة.
  • الحفاظ على ميراث اليتيم القاصر، فأحكام الميراث تمنع اليتيم القاصر من التصرف في ميراثه، خوفا من تضييعه نتيجة عدم الرشد العقلي، وقلة التجربة، قال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } (النساء: 6).
  • ومن وسائل حفظ أحكام الميراث للمال: احترام الملكية الخاصة، وقد ظهر احترام الملكية الخاصة جليا في: الموازنة بين حق المورث وحق الورثة، حيث قررت الشريعة حق الملكية الفردية.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | صدور النسخة العربية من كتاب “الإسلام: مقدمة تاريخية”

[ad_1]

صدر مؤخرا النسخة العربية من كتاب “الإسلام: مقدمة تاريخية” للمستشرق الألماني غيرهارد إندريس بترجمة الدكتور علاء مصري النهر وذلك عن دار “أفريقيا الشرق” بالدار البيضاء، ويتناول الكتاب الصادر بالألمانية عام 1982، المفاهيم والإشكاليات الرئيسة والظروف التاريخية المرتبطة بالعقيدة والقانون والدولة والاقتصاد والمجتمع في الإسلام.

صنف هذا الكتاب للمهتمين بالإسلام وتاريخ الشعوب الإسلامية فهو لا يعد سردا تاريخيا آخر، بل مقارنة للتواريخ الكثيرة المتاحة؛ وبالتالي يشكل رؤية عن القواسم المشتركة لأربعة عشر قرنا من الحكم الإسلامي والعقيدة الإسلامية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتضمن الكتاب خمسة فصول بالإضافة إلى ملاحق وببلوغرافيا وهوامش وجداول جاءت على الهيئة التالية :

مقدمة: تعرضت لمفهوم التاريخ الإسلامي، ووحدته.

الفصل الأول أوروبا والإسلام: تاريخ الدراسات الإسلامية في الغرب. واشتمل على بواكير الدراسات عن الإسلام في سياق الحرب الدينية، وأوائل الدراسات الإسلامية الحديثة، ونشأة فقه اللغات الشرقية، ونظرية التاريخانية.

الفصل الثاني الإسلام: دينا، وتشريعا. تطرق إلى الوحي، ونشأة المذاهب الدينية، والزهد والتصوف، ونشأة الفقه الإسلامي والمذاهب الفقهية المعتمدة.

الفصل الثالث العالم الإسلامي: المجتمع، والاقتصاد. وتناول طبيعة الجزيرة العربية في صدر الإسلام وتاريخها، وأهل البادية وأهل الحاضرة.

الفصل الرابع رؤية إقليمية عن التاريخ الإسلامي: وتضمن شبه الجزيرة العربية، وسورية وفلسطين، والعراق، والمغرب والأندلس، ومصر، وفارس، والأناضول.

الفصل الخامس فترات التاريخ الإسلامي: ويبدأ بتاريخ الجزيرة العربية قبيل الإسلام، ثم البعثة النبوية الشريفة والدولة الإسلامية الأولى، فالخلافة الراشدة، وخلافة الأمويين، وخلافة العباسيين، فسلطنة السلاجقة وحكم الأتابكيات والأيوبيين في الشام ومصر، وحكم المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس، فالعصر المغولي، وسلطنة المماليك بمصر والشام، ثم العصر العثماني، وأخيرا قيام الدولة القومية.

الملاحق: اللغات، والأسماء، والتقويم الإسلامي. ويشتمل على اللغة العربية واللغات الأخرى في الإسلام، والأبجدية العربية، والأسماء عند المسلمين وألقاب الحكام التشريفية، ثم التقويم الإسلامي.

الببلوغرافيا: وتشتمل على معظم الدراسات الغربية عن الإسلام، وهي مقسمة وفاق فصول الكتاب الخمسة، وهي في غاية الأهمية؛ إذ تضم قرابة المئين من الصفحات.

جدول بحوادث التاريخ الإسلامي مسلسلة زمنيا : بدءا من البعثة النبوية الشريفة حتى عام 2023م، وهو مزود بالتواريخ الهجرية والميلادية.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | مشكلات الحياة الزوجية في الواقع المعاصر

[ad_1]

تغيرت الحياة الزوجية في الغرب تغيرا جذريا بشكل يجعلها تمثل تهديدا خطيرا لأسر الأقليات المسلمة الموجودة في هذه البلدان، نظرا لما تعانيه هذه البلدان من أمراض اجتماعية خطيرة، حيث التحلل من آصرة الزواج إلى ارتباط هش لأشخاص يعيشون معا دون سند شرعي، فضلا عن اعتماد وانتشار العلاقات المثلية التي تبيح زوج الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة. وفق كل هذه المعطيات جاء كتاب “الحياة الزوجية في الواقع المعاصر.. مشكلات واقعية وحلول عملية”، للدكتور صلاح سلطان.

صلاح الدين عبد الحليم سلطان عالم إسلامي وداعية ومفكر مصري الجنسية، تولى عدة مهام ومناصب هامة في مؤسسات وهيئات اسلامية وتعليمية على مستوى العالم ، له أبحاث ودراسات وكتب وإسهامات عديدة أغنت الثقافة الإسلامية المعاصرة وله بصمة واضحة في نشر الدعوة الإسلامية.
ولد صلاح الدين سلطان سنة 1959 في إحدى قرى محافظة المنوفية في مصر ونشأ في أسرة فقيرة ، لم تكن ظروفه المادية تساعده في اتمام تعليمه فقد عانى كثيراً في حياته من نقص الموارد المالية التي لم تقف حاجزاً أمام طموحاته وتحقيق أهدافه.

درس اللغة العربية والعلوم الإسلامية وحصل على ليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية سنة 1981 بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم جامعة القاهرة في سنة 1987 حصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية بدرجة امتياز. ثم أتبع تفوقه بحصوله على شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية سنة 1992 بتقدير رتبة الشرف الأولى، لم يتوقف طموح الدكتور صلاح الدين سلطان عند هذا الحد بل استمر في تحصيله العلمي فدرس الحقوق وحصل على شهادة الليسانس في الحقوق والقانون بدرجة جيد من كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1994، ثم أستاذ مشارك في الشريعة الإسلامية سنة 1999 بدرجة ممتاز.

ألف الدكتور صلاح سلطان العديد من الكتب نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • امتياز المرأة على الرجل في الميراث والنفقة في الشريعة الإسلامية
  • سلطة ولي الأمر في الشريعة الإسلامية.
  • الشفاعة وأنواعها في القرآن والسنة
  • الغلو في حجية الإجماع الأصولي
  • العبادات وأثرها في إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والأمة
  • رسالة القوارير في عصر التنوير
  • مخاطر العولمة على الأسرة عالميا وإسلاميا وعربيا وسبل الوقاية والعلاج
  • الاجتهاد المقاصدي – ضرورته وضوابطه
  • الإسراء والمعراج مقدمات.. أحداث.. نتائج
  • إبراهيم أمة في رجل

أما كتاب “الحياة الزوجية في الواقع المعاصر ..” فيناقش المشكلات التي تهدد الأسرة المسلمة في الغرب، وفي ديار الإسلام من خلال السعي الحثيث من جانب الحضارة الغربية لعولمة نظامها الحضاري، ومحاولة فرض نظامها الاجتماعي على كافة الشعوب والحضارات، باعتباره النموذج المثالي، رغم ما يحمله ويبشر به من سموم كفيلة بالقضاء على هويتنا الإسلامية في حال التقاعس عن مواجهة فرضه علينا. ولعل أهم ما يميز هذا الكتاب أنه تجاوز عملية الرصد والتشخيص للعلل الاجتماعية في بلاد الغرب إلى وضع آليات علاجية لها مستندة إلى مرجعية إسلامية.

أرقام مفجعة

لم يعتمد الكتاب في رصده لمظاهر التفكك الأسري في بلاد الغرب سوى الأرقام، التي جاءت مفجعة للناظر والمتأمل لدلالاتها الخطيرة، فكان أول ما قام برصده الارتفاع الملحوظ في نسب العزوف عن الزواج، التي وصلت إلى 85% في أمريكا، التي وصلت فيها نسب الطلاق لأكثر من 50%، في حين وصلت نسب الطلاق في بلجيكا إلى 69%. وصار ثلث أطفال أمريكا يولدون خارج إطار الزواج، وزادت نسبة الزنا من سن 10 سنوات. كما ارتفعت معدلات حمل الفتيات ( 10 ـ 15 ) في الولايات المتحدة إلى 12.901 فتاة في العام 2003.

كما رصد كتاب “الحياة الزوجية في الواقع المعاصر..” نسبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم والذين تجاوزت أعمارهم 85 سنة فبلغت 70% في بريطانيا وحدها. كما ارتفعت معدلات المرأة التي تعول أولادها بمفردها إلى 10 ملايين امرأة سنة 2003، بعد أن كان 3 ملايين سنة 1970. يضاف إلى ذلك عدم الرغبة في الإنجاب، واستخدام العنف ضد النساء والأطفال، والاندفاع نحو الزنا والسحاق واللواط، وانتشار المخدرات والمسكرات بين الشباب والفتيات.

واحتوى الكتاب على 23 شكلا بيانيا وضحت المعدلات المختلفة في عدد من السنوات للذين لم يسبق لهم الزواج في أمريكا، والزيادة في نسبة غير المتزوجين في فيها من 20 إلى 44 سنة، وعدد الزيجات والطلقات لكل ألف من سكانها، وارتفاع نسبة الأبناء الذين تمت ولادتهم خارج دائرة الزواج في كل من أمريكا وبريطانيا، وعدد الأسر التي يرعاها الأب منفردا، والنسب المئوية لتعاطي المواد المخدرة لطلاب الثانوية العامة في الولايات المتحدة، ونسب الرجال والنساء في بريطانيا فوق سن 85 ممن يعيشون بمفردهم، وغير ذلك من جداول توضح بالأرقام والنسب هذه المشكلات الخطيرة.

المادية تشوه الأسرة

تناول الكتاب واقع الحياة الزوجية في الغرب بشكل عام، غير أنه ركز عليها في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص؛ في محاولة منه للعثور على تفسير منطقي لما آلت إليه أحوال الأسرة في الغرب، فبدأ بتناول تطور مفهوم الأسرة في المجتمع الأمريكي من خلال رؤية عالمي الاجتماع الأمريكيين “لينا وجون سكانزوني” اللذين تتمحور رؤيتهما للأسرة الأمريكية وتطورها من خلال تطور وضعية المرأة بها، والتي كانت في البداية لا تتعدى كونها خادمة لزوجها وساد هذا المفهوم ما بين عامي ( 1830-1890م )، ثم تطور الأمر ليصبح الزوج هو المسئول والقائد، بين عامي ( 1890-1920م )، والزوجة تساعده، ثم أصبح الزوج هو المسئول الرئيس، والزوجة هي المسئولة الثانوية، ومع زيادة فرص العمل بدأت المرأة تشارك مشاركة أساسية في بناء المجتمع، ووصل عدد العاملات 14% من النساء حتى عام 1940م، الأمر الذي أدى إلى تطور ملحوظ في وضعية المرأة التي أصبحت تساوي الرجل تماما منذ عام 1970م إلى الآن.

وأشار كتاب “الحياة الزوجية في الواقع المعاصر..” إلى أن التطور السابق الذي تعرضت له الأسرة الأمريكية قد جعل للبعد الاقتصادي أهميته في الزواج، مما أثر في ارتفاع نسبة العنوسة، وتصاعد الشعور بالفردية، وتضاءلت فكرة التضحية من أجل الأولاد فزادت معدلات الطلاق؛ وبالتالي ارتفعت نسب حرمان الطفل من الأبوين معا، أو أحدهما على الأقل، وتحولت العلاقة بين الآباء والأبناء من الحب مع الخوف إلى المساواة والندية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، أو في بيوت الرعاية للمسنين، إضافة إلى القضايا والمشكلات التي جاءت في صدر الكلام وثناياه.

رؤية تحليلية

ويقدم الدكتور “صلاح سلطان” رؤية تحليلية تبين العوامل التي أدت إلى وقوع هذه المشكلات الأسرية في المجتمع الغربي، فكان افتقاد المجتمعات الغربية للرؤية الشرعية الإسلامية لمفهوم الزواج هو أهم العوامل التي أدت إلى انتشار هذه العلل بها. مؤكدا على أن الرؤية الإسلامية للزواج تتمحور في أهداف الزواج التي تتمثل في الألفة العاطفية والنفسية بين الزوجين، والإشباع الجسدي، وإنجاب الأبناء وحسن تربيتهم، ثم التقارب الاجتماعي؛ ومن ثم افتقاد الغرب لهذه الروية أدى إلى اختلال التوازن بين احتياجات الجسد والعقل والروح وعمارة الدنيا والآخرة، واختلال معايير اختيار الزواج، والغفلة عن مقاصده وأهدافه، وعدم وضوح أهداف وأساليب تربية الأبناء سواء أكانت تربية إيمانية أم اجتماعية أم مادية.

أما ثاني هذه العوامل فقد أرجعه الدكتور سلطان إلى ضعف الالتزام بوسطية الإسلام في تعامل الرجل مع المرأة، الذي يضمن سلامة الحياة الزوجية من كثير من المشكلات إن لم يقض عليها تماما، ومن العوامل الأخرى التي أشار إليها الكاتب في هذا الصدد ضعف الوازع الأخلاقي في الواقع المعاصر، وضعف مجاهدة النفس أمام إغراء المال؛ مما يؤدي إلى رفع المال فوق مرتبته بشكل يؤثر على أمور أهم منه بكثير يأتي إهمالها على الحياة الزوجية من قواعدها.

وأشار إلى أن التجاوز في استعمال الحقوق والتعسف فيها يشكل خطورة كبيرة على أمن الأسرة، كما في استغلال الرجل لقوامته بطريقة بعيدة عن مقاصد الشرع وحقائق الدين، وكما في استغلال وتعسف المرأة في استخدام القانون الذي يجعل كثيرا من الزوجات -لأدنى ملابسة- يطلبن الانفصال عن أزواجهن لأمور ربما ادعتها المرأة ظلما وزورا، مما يبدد كيان الأسرة، ويحطم استقرارها، وهذا هو الحادث في الأسرة الغربية.

حلول عملية

من أهم نقاط القوة في كتاب “الحياة الزوجية في الواقع المعاصر..” أنه لم يكتف برصد وتشخيص العلل الاجتماعية في بلاد الغرب لكنه حاول الاجتهاد في وضع الحلول العملية لهذه المشكلات. ودعا المسلمين في بلاد الغرب إلى وضعها في اعتبارهم عند تكوينهم لأسرهم، وجاءت حلول الكاتب المقترحة في خمس نقاط كالتالي:

النقطة الأولى تحدثت عن ربانية بناء الأسرة المسلمة من خلال وضوح رسالة الأسرة في الحياة وأهدافها، والوسائل العملية التي تصنع هذه الأهداف، مع التأكيد على أهمية وجود برنامج عملي يصبغ الحياة الزوجية والأسرة كلها بالصبغة الإيمانية.

النقطة الثانية تحدثت عن ربانية الاختيار عند الزواج، حيث مراعاة درجة التدين المطلوبة، والمستوى الأخلاقي والتعليمي والاجتماعي، وإجراء الاستشارة والاستخارة عند الاختيار وغير ذلك، مع مراعاة لزوم الاختلاف بين البشر كسنة من سنن الله في خلقه. وأكد على تيسير إجراءات ومصروفات الزواج كضرورة تفرضها طبيعة العصر الذي نعيشه.

النقطة الثالثة فكانت عن ربانية إجراءات الزواج التي تشمل التيسير في النفقات والمتطلبات، لا سيما في هذا العصر الذي أصبحت فيه المغالاة في المهور ومراسم الزواج سمة أساسية من سماته.

النقطة الرابعة جاءت عن ربانية الحياة الزوجية التي تقوم على أسس ثلاثة، وهي الحب القلبي، ثم التفاهم العقلي، ثم التناغم الجسدي، وهي مفاتيح في غاية الأهمية؛ حيث يمثل اجتماع مفتاح الحب القلبي مع مفتاح التفاهم العقلي تمهيدا للطريق إلى التناغم الجسدي، ويجعلان للعلاقة الجسدية بين الزوجين نسمات رائقة ولمسات رائعة ليتحقق الإشباع والإمتاع معا، فإن غاب أحد هذين المفتاحين فستكون هذه العلاقة تفريغا أجوف لنزوة عابرة.

النقطة الخامسة تحدث المؤلف فيها عن ربانية الحياة الزوجية في الأحوال المتغايرة، ومراعاة ما شرعه الإسلام من سلوك في تلك الأحول ومنها: طارئ السفر، وطارئ المرض، وحالة عدم الإنجاب، وحالة الفقر بعد الغنى. مؤكدا على ضرورة وجود مروءة نادرة وأخلاق راقية في التعامل مع تلك الأحوال المتغايرة؛ حيث تكون رصيدا كبيرا للزوجين للتغلب على كافة المشكلات.


وصفي عاشور أبو زيد

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب “الاجتهاد والتجديد فى فهم القرآن” .. تأملات وأبحاث فقهية

[ad_1]

أصدرت دار الشروق للنشر والتوزيع بالقاهرة كتابا بعنوان “الاجتهاد والتجديد في فهم القرآن .. تأملات وأبحاث فقهية” للكاتب خالد محمود.

يتناول هذا الكتاب قضية التجديد والاجتهاد في الدين بما يناسب تطور الحياة، بعيدا عن القوالب الإنشائية المكرَّرة للنمط الشائع للتجديد في الفكر الإسلامي، التي تجتنب في الغالب صلب القضايا الشائكة، ولا تقدم رؤية علمية عميقة ومترابطة، وفي أحيان كثيرة لا تحترم عقول القراء، وبعيدًا أيضًا عن المعسكر المقابل الذي يقتحم أعماق القضايا الجادة، ولكن بلا أرضية دينية علمية، أو بسوء نية فيعمد إلى مسخ الدين وتزييفه وصولا إلى إلغائه بالكلية.

وإلى جانب قضية التجديد الديني الفكري والفقهي، فإن الكتاب يأخذ القارئ في سياحة فكرية في عدد من الأفكار والتأملات في تفاعل النفس الإنسانية مع الدين والدنيا وما في خبايا هذا التفاعل من أعماق وأسرار.

وكما جاء في مقدمة المؤلف يطرح الكتاب قضايا التجديد من خلال البحوث العلمية والفقهية المعاصرة، مساهمة في الطرح الجاد للموضوع ومتسقا مع الانضباط العلمي الذي يوسق الآفاق والمدارك.

ويضيف مؤلف الكتاب خالد محمود : “إن كنت ممن يستمتعون بالفكر والتأمل في الدين والدنيا والنفس الإنسانية، فستسعد بقراءة هذا الكتاب. ولعلك أن تجد فيه ما ينير لك الطريق، ويثبت قدميك على أرض راسخة من الفهم الواعي للدين، فلا تميد بك تشكيكات المضللين”.

جدير بالذكر أن المؤلف خالد محمود عالم أزهري ومعلم للقراءات والفقه، تلقَّى علوم الدين وآدابه عن طائفة من العلماء والمشايخ في القرن الماضي. ولديه اهتمام بالفكر والتجديد باتباع أصول الدين، له عدة اصدارات منها كتاب “إزالة الأوهام عن دين الإسلام” ، وكتاب “الأصول الفكرية المدمِّرة لحياة المسلمين الحاضرة”.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | إبراهيم الزِّيبق .. بَحْرٌ مُغدِقٌ

[ad_1]

لا أدري سرَّ صبابة المرء نحو دِمَشْق وغُوطتها الغنَّاء، والصَّبابة هنا لا للمدينة فحسب، بل لساكنيها أيضًا؛ فربما بسببٍ من تاريخها المُشرِق من لدن الخليفة معاوية رضي الله عنه حتَّى العادِل نور الدِّين والنَّاصِر صلاح الدِّين رحمهما الله، وربما لبَرَدَى وقاسِيُون والجامِع الكبير، وربما لعلمائها من أمثال ابن عساكر وابن قُدامة، ولشعرائها من المُحدِثين كالعُمَرين: أبو ريشة والأَميري. ليس هذا هو شعور مسلم اليوم والغد، بل كان شعور مسلم الأمس؛ إذ لمَّا زارها الرَّحَّالة ابن سعيد المَغْرِبيّ (ت. 685هـ/1286م) قال: [الوافر]

وإنِّي لَوْ نَظَــــــــــرْتُ بِأَلْفِ عَيْنٍ لَمَا اسْتَوْفَتْ مَحَاسِنَها العُيُونُ [1]

والآن يعيش في دمشق – “جميلات الجميلات” عند البيزنطيين، و”عروس الأرض” عند العرب – العلَّامة إبراهيم عُمَر الزِّيبق فارس ميدان التحقيق في عصر الدولة الأيُّوبيَّة. وُلِدَ فيها هذا الفارِس يوم الأربعاء 25 مارس عام 1953م، وتلقَّى تعليمَه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارسها. ولولوعه بالتاريخ التحق بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة دمشق، لكن وقع في الأشهر الأُولى بينه وبين أحد أساتذة القسم حوارٌ في أثناء محاضرةٍ له، أبدى فيها من الرأي خلاف ما يذهب إليه الأستاذ، فما كان منه إلَّا أن تلفَّظ بكلماتٍ لا تليق بأستاذٍ جامِعيٍّ؛ فتضاءل على إثرها اهتمامُه بالدراسة الجامعية، إلى أن وجد نفسَه عازِفًا عن متابعتها. لقد فعل ذلك وهو لا يدري أنَّه كان على خُطَا أبي فهر محمود شاكر يسيرُ، لمَّا ترك الجامعة بسببٍ من آرائه المُخالِفة للدُّكتور طه حسين.

درَج الزِّيبق على حُبِّ القراءة وهو في شرْخ صِباه، فكان يقرأ ما يقع تحت يديه من مجلاتٍ وكتبٍ على غير هدًى، إلى أن قادته قراءاتُه إلى الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي[2]، فتعلَّق بكُتبه، ولا سيَّما كتابه الماتِع الفاذّ “وحي القلم”، وهذا التَّعلُّق بادٍ في نزعته الأدبية الوَسَط المتجلية في كتاباته.

واتَّفق له أن زار مع مُستهَلِّ دراسته في المرحلة الثانوية المكتبة الوطنية الظاهرية – وهي زيارته الأُولى لها – فسحره ما حوته من آلاف الكتب، وتمنَّى وقتئذٍ أن يصبح ذات يومٍ في عِدَاد موظفيها، آمِلًا في الاطِّلاع على كنوزها عن كثبٍ. وقد تحقَّق له ذلك؛ فعُيِّن أمينًا لقاعة الباحثين فيها سنة 1974م؛ أي وهو في أوائل العشرينيات من عمره.

تلقَّى العلم على بعض مشايخ الشَّام، بَيْدَ أنَّ علاقته تعمَّقت مع عالِمين جليلين منهم، فكان لهما فضلٌ كبيرٌ في تكوينه العلمي: أوَّلهما الشيخ المُحدِّث المُحقِّق شُعَيْب الأرنؤوط (ت. 1438هـ/2016م)[3] الذي اجتمع به في ربوع المكتبة الظاهرية؛ فغدا رأسَ مشايخه وأخذ بيده في عالَم التحقيق، وثانيهما العلَّامة اللُّغوي أحمد راتب النَّفَّاخ (ت. 1412هـ/1992م)[4].

ثُمَّ انصرف إلى تحقيق كتب التراث، بَدْءًا من سنة 1980م، وذلك بمشاركته في تحقيق كتاب “سير أعلام النبلاء” للإمام شمس الدِّين الذهبي. وفي سنة 2011م عُيِّن خبيرًا في لجنة المخطوطات وإحياء التراث في مجمع اللُّغة العربية بدمشق.

وبيته بيتُ علمٍ؛ فزوجته هي الأستاذة غزوة بدير (1961م-) مُحقِّقة كتاب “فضائل القرآن” للحافِظ ابن الضُّرَيْس المُتوفَّى سنة 294هـ[5].

حادثته مِرَارًا فوجدته جَبَلَ علمٍ؛ فكُلُّ قلبِه مُعلَّقٌ بتاريخنا وتراثنا، إنَّه نجمٌ تشرُف الأوراقُ بذكراه ويعبَق الوجودُ بِرَيَّاه. يُحدِّثك بتواضُّعٍ جمٍّ وكأنَّك في رُتْبَته أو قرينه، شعاره الزُّهد في المناصب والبُعْد عن الأضواء: [الكامل]

ألْقى الصَّحِيفةَ كي يُخفِّف رَحْلَهُ والزَّادَ حتَّى نَعْلَه ألْقــــــــاها [6)

أخبرني أنَّ منهجه في التحقيق ودراسة التاريخ قائمٌ على استنطاق النَّصّ، ومعايشته، وكتابة التاريخ برَوِيَّةٍ وهدوءٍ، والغوْص على معانيه الدقيقة. ومَنْ يتأمَّل مُصنَّفاته عَلِمَ محلَّه من فنون العلم؛ إذ يتنوَّع نتاجُه ما بين تحقيقٍ وتأليفٍ، وكُلُّها قيمةٌ سارت في الدنيا مسيرَ الشمس في البهجة والجمال، وهي كالتالي:

أوَّلًا- كتبٌ مُحقَّقة

  • الجزء الخامس عشر من كتاب “سِير أعلام النبلاء” للذهبي، 1983م مؤسسة الرسالة بيروت.
  • الجزء التاسع والعشرون من كتاب “مختصر تاريخ دمشق” لابن منظور، 1988م، دار الفكر دمشق.
  • الجزآن الثالث والرابع من كتاب “طبقات علماء الحديث” لابن عبد الهادي، 1989م، مؤسسة الرسالة بيروت.
  • كتاب “الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية” لأبي شامة المقدسي في خمسة أجزاء، 1997م، مؤسسة الرسالة بيروت.
  • الجزء الثاني عشر من كتاب “البداية والنهاية” لابن كثير، 2007م، دار ابن كثير بيروت.
  • كتاب “المُذيَّل على الروضتين” لأبي شامة المقدسي في جزأين، 2010م، دار الرسالة العالمية ودار البشائر الإسلامية بيروت.
  • الأجزاء: العشرون، والواحد والعشرون، والثاني والعشرون من كتاب “مرآة الزمان” لسِبْط ابن الجَوْزي، 2013م، دار الرسالة العالمية بيروت.
  • كتاب “نُزْهة المقلتين في سِيرة الدولتين العلائية والجلالية وما كان فيهما من الوقائع التاتارية” لأبي شامة المقدسي، 2015م، دار البشائر الإسلامية بيروت.

بالإضافة إلى مشاركته في تحقيق “مُسنَد الإمام أحمد ابن حنبل” وتخريج أحاديثه، مع أستاذه شُعَيْب الأرنؤوط وصديق عمره المُحقِّق محمد نعيم العرقسوسي، في خمسين جزءًا، 1993-2001م، مؤسسة الرسالة بيروت.

ثانيًا- كتبٌ مُؤلَّفة

  • أبو شامة مُؤرِّخ دمشق في عصر الأيُّوبيين: دراسة تحليلية في سيرته وآثاره التاريخية”، 2010م، مؤسسة الرسالة دمشق.
  • العلَّامة اللُّغوي عبد القادر المبارك: جهوده في نشر العربية وتفانيه في تعليمها”، 2011م، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
  • “المُحدِّث العلَّامة الشيخ شُعَيْب الأرنؤوط: سِيرته في طلب العلم وجهوده في تحقيق التراث”، 2012م، دار البشائر الإسلامية بيروت.
  • العلَّامة المَجْمَعيّ عزّ الدِّين التنوخي”، 2015م، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
  • “سِبْط ابن الجَوْزي: المُؤرِّخ الواعِظ في مرآة الزمان”، 2017م، دار البشائر الإسلامية بيروت.
  • “ما بعد صلاح الدِّين: تاريخ الدولة الأيوبية بُعَيْد وفاة صلاح الدِّين وحتَّى سقوطها في بلاد مصر والشام”، 2019م، دار البشائر الإسلامية بيروت.
  • “فَصْل الخطاب: تحقيقات تاريخية في السِّيرة النبوية”، 2022م، دار البشائر الإسلامية بيروت.

فضلًا عن لفيفٍ باذخٍ من البحوث والمقالات التاريخية الرصينة.

ومن أبرز أعماله التي ملكت عليه لبّه مُؤلَّفات أبي شامة المقدسي (ت. 665هـ) التاريخية؛ فأبو شامة – على حد تعبيره – هو وحده مَنِ استطاع صوْغ تاريخه عن نور الدِّين وصلاح الدِّين وِفاق رؤيةٍ إصلاحية، مبرزًا منهج عملهما لمَنْ أراد أن يقتدي بهما؛ لذلك أعاد تحقيق كتابه “الروضتين”. ويرى أنَّ هذا الكتاب يكتسب الآن أهميةً خاصّةً في ظل صراعنا مع الصهيونية؛ نظرًا للتشابه الواضح بين الصليبيين والصهيونيين، فالصهيونيون يدركون هذا التشابه بين احتلالهم لأرضنا واحتلال الصليبيين لها من قبلُ، فهناك فِرق عملٍ كاملة في الجامعة العبرية، تقوم بدراسة موقف أجدادنا وتُحلِّله من جذوره؛ كي يتفادوا نهايةً كنهاية حطِّين وما تلاها[7].

وإنْ تعجب فعجبٌ أنَّ الزِّيبق – من فرط حُبِّه لأبي شامة ولكتابه “الروضتين” – عاش زمنًا في المدرسة العادلية الكبرى بدمشق، التي عاش فيها من قبل أبو شامة وهو يُؤلِّف كتابَه؛ فحقَّق الكتابَ فيها، وذكر أنَّه كثيرًا ما كان يلقي بالقلم ويتمشَّى في باحتها، يتفيَّأ ظلالَ أشجار الليمون والنارنج، ويتحسَّس نبضَ الأحجار التي اكتحلتْ عيونُها برؤية أبي شامة، شاعرًا أن ما يفصله عنه تسع سنواتٍ، لا تسعة قرونٍ.

ومن وفائه أنَّه زار قبرَ أبي شامة مِرَارًا بمقبرة الفراديس في دمشق، المعروفة الآن باسْم مقبرة الدحداح[8]. كما أنَّه يقتفي أثره في قوله عن نفسه: “عفا الله عنه”[9]؛ فأبو شامة يقول في ترجمته لنفسه في حوادث سنة 599هـ: “كان المذكور – وفَّقه الله تعالى – لا يكاد يكتب اسْمَه في فتوى أو شهادة أو طبقة سماع أو نسخ كتابٍ إلَّا أردفَ اسْمَه بكتابة عفا الله عنه”[10].

وأعاد الزيبق تحقيق كتاب “المذيَّل على الروضتين” لأبي شامة، وحقَّق كتابَه “نزهة المقلتين في سِيرة الدولتين العلائية والجلالية”، وأهداه لصديقه رمزي دمشقية مُؤسِّس دار البشائر الإسلامية. وكان صديقه الأثير المُحقِّق الكويتي محمد بن ناصر العجمي قد أرسل إليه نسخةً مصورةً من مخطوطة الكتاب، وكتب على صفحتها الأُولى: “نسخة أصيلة عليها خطّ الحافظ العلائي، أتمنَّى أن تُبعث على يديك”[11]، فبعثها الزِّيبق، مستكملًا بذلك إخراج أهم آثار أبي شامة التاريخية. ويرى الزِّيبق أن أبا شامة قد اختصر هذا الكتاب من “سِيرة السلطان جلال الدين مَنْكَبُرتي” لشهاب الدين النَّسوي، عقب فراغه مباشرةً من تأليف كتابه “الروضتين”، وهو بذلك يكمل رؤياه الإصلاحية – التي أشرنا إليها سلفًا – ليضعها بين يدي ملوك عصره: العدل الذي يعمر البلاد عبر سِيرتَي نور الدين وصلاح الدين، والظلم الذي يفضي إلى الخراب عبر سِيرتَي علاء الدين محمد الخُوارزمي وابنه جلال الدِّين منكبرتي[12].

حقيقٌ بالذكر أن الزِّيبق قد وضع دراسةً في غاية الأهمِّيَّة عن أبي شامة بعنوان “أبو شامة مُؤرِّخ دمشق في عصر الأيُّوبيين”، لم يتركْ صغيرةً ولا كبيرةً عن أبي شامة إلا أحصاها في هذا الكتاب الرائق. ويكفيك لتعرف مدى حُبّه لأبي شامة – وأنا أقاسمه هذا الحُبَّ، وإنْ كانت قسمة ضِيزَى؛ فحُبُّه قولٌ وفعل، وحُبِّي يكاد يكون مجرد قولٍ – ما ذكره في الإهداء من أن أبا شامة كان واحدًا من أفراد أُسرته مُدَّة تأليف الكتاب، ذاكرًا أنه في أثناء كتابة سِيرته ودراسة مؤلفاته التاريخية، عاش معه أشواقه وآماله وخيباته ونجاحاته وأحزانه وأفراحه، حتَّى إنه كان يتراءى له أحيانًا مِن خلال سطوره، وأحيانًا كاد يحسُّ بمشاعره وهو يدوِّنُ أخباره[13].

وبرغم ما تعانيه دمشق من اضطرابات وقلاقل منذ سنة 2011م حتَّى الآن، وما يشكوه الزِّيبق من “تصدُّعٍ في الإلف، وتشتُّتٍ في البال، وجوًى في القلب”[14]، ما يزال يعيش فيها، فلعله بذلك يأتسي بمؤرخه الأثير أبي شامة، الذي آثر البقاءَ في دمشق لمَّا سيطر عليها المغول سنة 658هـ/1260م، ولم يرحل إلى الديار المصرية كما فعل كثيرٌ من سكانها أيامئذٍ. فلَعَمْري إنَّه أبو شامة هذا العصر: [الطويل]

وحَبَّبَ أَوْطانَ الرِّجالِ إليهمُ مآرِبُ قضَّاها الشَّبابُ هنالكا إذا ذكَروا أَوْطانَهم ذكَّرتْهمُ عُهودَ الصِّبا فيها فحنُّوا لذلكا [15)

إنَّه أعلى منزلةً من نجم السماء؛ فلا ضَيْرَ إنْ وُصِف بما وصَف به الجوينيُّ تلميذَه الغزَّاليَّ بأنَّه “بَحْرٌ مُغدِقٌ” [16].

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
الدنيا ليس فيها مساواة من كتاب الشيطان يحكم
الدنيا ليس فيها مساواة.
لا مساواة في أي شيء.
كل وردة لها رتبة مختلفة من حيث الشكل و الرائحة و الجمال.
لا تتساوى وردتان.
و في نفس عائلة القطن نجد السكلاريدس.. و جيزة 7.. و جودفير.. و فولي جود فير.. و طويل التيلة و قصير التيلة.. لا يتساوى أخوان في العائلة الواحدة.
و في الفاكهة نجد في عائلة واحدة كالبلح مثلا عشرات الرتب و الدرجات و الأصناف.. الزغغلول و السماني و الحياني و الأسيوطي و الرشيدي و بلح (( عيشا)).. و كل صنف له طعم و نكهة و مذاق.
و علماء الحشرات يصنفون لنا من الحشرة الواحدة كالنمل أكثر من ألف نوع و كل أسرة من أسر النمل يقولون لنا إن فيها أكثر من مائة مصنف و مصنف.
و في الإنسان يزداد التفاوت و التفاضل.. فنجد الذكي و الغبي، و الأحمر و الأسود و الأصفر و الأبيض و الأشقر، و الطويل و القصير و السمين، و الأصلع و الكثيف الشعر.. و نجد من يولد بحنجرة من ذهب و من يولد بحنجرة من خشب.. و من يولد جميلا و من يولد قبيحا..
بل إن كل إنسان يحمل بصمة إصبع مختلفة.
و كل إنسان هو رتبة في ذاته.
كل إنسان يتسلم لحظة ميلاده بطاقة تموين و إذن صرف و شيك، و ثروة من المواهب و التسهيلات الخاصة به.
و أكثر من هذا يولد كل مولود بعدد من خلايا المخ محدودة غير قابلة للتجدد او التكاثر، و ما يموت من هذه الخلايا لا يستحدث.. و لكل واحد منا عدد من هذه الخلايا هي كل ثروته.. و كل واحد يوهب عددا من هذه الخلايا مختلفا عن الآخر.
و معنى هذا أن الدنيا كلها تقوم على قانون التفاضل و التفاوت.. و أن عدم المساواة هو القاعدة في كل شيء.. في النبات و الحيوان و الإنسان و الجماد.. حتى الجماد كل مادة فيه لها بلورتها الخاصة، و لها وزنها الذري، و وزنها الجزئي، و لها هندستها الخاصة في توزيع الإلكترونات و عددها.
لا مساواة على الإطلاق.
هكذا أراد خالق الكون لخلائقه.
هو أراد – لحكمة يعلمها – أن يخلقنا درجات.
و لعله خلق فينا القوي و الضعيف ليختبرنا و ليظهرنا على نفوسنا.
هل يأكل القوي الضعيف أو يحنو عليه و يعطف عليه و يساعده؟.
هل يدرك القوي أن قوته من الخالق، و انها هبة بأجل، و أن مصيرها الزوال؟ لو أدرك هذا فإنه سيكون المؤمن الذي يوظف قوته لنجدة الضعيف، لأنه يعلم أنه سيصبح يوما ما أضعف منه.
أم أنه سيخيل إليه أن القوة قوته هو، و العنفوان عنفوانه هو، و يمضي يضرب باليمين و بالشمال.
لو فعل هذا فهو الملحد المنكر الذي لا يتصور وجودا لقوة أعلى منه.
و الواقع أن الفرق بسيط.. فرق شعرة.. بين أن تحس بأنك قوي.. و بين أن تحس أنك وهبت هذه القوة.. و أن قوتك عطية و منحة.
و لكن هذا الفرق البسيط هو فرق هائل بين عقليتين و بين سلوكين.. و هو مفرق الطريق بين الإيمان و الإلحاد.
و يبدو أن الدنيا هي الفرصة التي أتاحها الخالق لمخلوقاته لتختار طريقها بالفعل.. ليظهرنا على نفوسنا.. و يعرّفنا على حقيقتنا..
و هو يعلم من البداية استحقاق كل واحد منا و قيمته.. و لكن نحن لا نعلم.. و يتصور كل منا أنه الكامل الفاضل الذي يستحق الجنة.. و لهذا أراد بالدنيا أن تكون المحنة و الامتحان الذي يعرف فيه كل واحد نفسه و قيمته.. حتى إذا انتهت الدنيا و انتهى الزمن.. و أعيد ترتيب النفوس في درجاتها الحقة.. و نزلت النفوس منازلها و مراتبها الصحيحة.. علمت كل نفس أنه العدل.. و علم الأسفل أنه الأسفل بالفعل.. و أنه لابث في هذه المنزلة السفلى إلى الأبد.. و لا ظلم في ذلك.. لأن هذا مكانه.. و هذا هو الجحيم و هو حق.
كما أن الجنة حق.. و ما الجحيم إلا الرتبة السفلى، و ما الجنة إلا الرتبة العليا، و هذا هو التفاوت و التفاضل الطبيعي بين أعمال تتفاوت و تتفاضل بطبيعتها..
و قانون التفاوت و التفاضل هو قانون الوجود و هو العدالة بعينها.
و إنما الظلم بعينه أن يتساوى غير المتساويين.
و قصارى العدل الأرضي هو أن يساوي بين الفرص و التسهيلات، و أن يمنح كل فرد حق الدواء و الكساء و فرصة التعلم.. و لكنه لا يستطيع و لا يصح له أن يساوي بين الناس ذواتهم.
و إلى أن تنتهي الدنيا سوف يظل هناك الأعلى و الأدنى.
و في العالم الآخر سوف يكون هناك الأعلى و الأدنى.
و كل الفرق أن الأرواح في عالم الأبد سوف تنزل منازلها الحقيقية.. على حين يحاول كل إنسان في الدنيا أن يغتصب ما لا يستحق، و يحاول أن يعلو على الآخر غدرا و غيلة.
~~
كتاب / الشيطان يحكم
معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب “الإسلام وتحدياته” يناقش إشكالية ضعف الترابط بين الإيمان والعمل

[ad_1]

يعد الإسلام دينا عظيما وشاملا يمتد جذوره في التاريخ والثقافة والحضارة. يتميز الإسلام بتعاليمه الروحانية والأخلاقية العميقة، ويحث المسلمين على السعي للحق والعدل والتعاطف والعمل الصالح. ومع ذلك، تواجه الأمة الإسلامية تحديات كبيرة تهدد استقرارها وتطورها.

في كتابه “الإسلام وتحدياته”، يستكشف أستاذ الفلسفة الإسلامية الدكتور حسين صبري التحديات التي تواجه الإسلام في العصر الحديث، ويسلط الضوء على القضايا المعاصرة التي تؤثر على الأمة الإسلامية وتؤدي إلى تشويه صورة الإسلام وتحجب الحقائق الحقيقية لهذا الدين السمح.

يتناول الكتاب مجموعة متنوعة من التحديات التي تشمل التطرف والإرهاب والتحديات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما يتطرق إلى تأثير وسائل الإعلام والتكنولوجيا على الدين وتحديات التعايش السلمي بين الأديان.

ويقدم الدكتور حسين صبري تحليلا عميقا وشاملا لهذه التحديات، معتمدا على معرفته العميقة بالإسلام وخبرته الواسعة في الدراسات الإسلامية. يعرض وجهات نظر متوازنة ومعتدلة، ويسعى إلى تفهم الأسباب الجذرية لتلك التحديات وتقديم حلول فعالة للتعامل معها.

ويدرس الكتاب الشرخ الهائل بين المحصول المعرفي الإيماني من جهة ومحصول العمل المعبر عن هذه المعرفة من جهة أخرى حيث أن المحصول المعرفي ضخم  بينما كفة العمل المعبر عنه في تناقص فلا يصمد في رصيدنا الإيماني إلا معرفة تحليلية  تفصيلية.

وناقش الكتاب إشكالية ضعف الترابط بين الإيمان والعمل  في فصول ثلاثة :

الفصل الاول يتقصى التحديات عبر قضية التدين المغيب الذي يعبر عن الانفصال بين الإيمان والعمل على المستوى الفردي بين عموم المسلمين وحتى بين طوائف عدة من خاصتهم.

الفصل الثاني ينتقل لمناقشة التحدي  في قضية التكافل بين الناس للتعبير عن الانفصال بين الإيمان والعمل في واحد من أميز أنظمة الإسلام وهو الوقف وينبهنا الكتاب أن المسألة ليست محصورة في الوقف وحده وإنما تطاتل غيره من أنظمة الإسلام التكافلية على كثرتها وتنوعها وتكاملها .

أما الفصل الثالث ذهب لتحليل أصعب التحديات في الصراع بين الدين والسلطة وتوضيح آثار تأسيس هذا الصراع ودلالاته.

تتميز كتابات الدكتور حسين صبري بالأسلوب القوي والمنطقي، وقدرته على تقديم الأفكار المعقدة بشكل مبسط ومفهوم. يتناول المواضيع بشكل شامل ومتعمق، مدعوما بالأدلة والأبحاث الأكاديمية.

“الإسلام وتحدياته” هو كتاب يستحق القراءة للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء. فهو يلقي الضوء على التحديات التي تواجه الإسلام في العصر الحديث، ويوفر رؤى قيمة لفهم أعمق لهذا الدين وتعاملنا مع التحديات الراهنة حيث أصبح من الضروري فهم التحديات التي يواجهها الإسلام والبحث عن الحلول المناسبة.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | قراءة في كتاب “تتمة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام..”

[ad_1]

يعد كتاب “تتمة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام من العهد النبوي إلى عهد الإمارة الإسلامية”، مساهمة جادة في مجال الكتابة حول تطور القضاء في تاريخ الإسلام منذ بداية البعثة النبوية، وحتى وقتنا الحاضر، وخصوصاً ما عليه حال الإمارة الإسلامية بعد تطهير أفغانستان من المحتلين، ونيل حريتها وكرامتها ورِفعتها. وتعتبر هذه الدراسة من المراجعات المنهجية النظرية لهذا الكتاب التاريخي الشرعي والقانوني، إذ حاولت فيها تبسيط ومناقشة الأفكار الرئيسية الواردة فيه، وخاصة تلك التي لها علاقة بالسياق التاريخي لتطور النظام القضائي الإسلامي، ومرجعيته القرآنية، وانتصاره للعدالة الشرعية، وأهمية هذا الجانب في استقرار دولة الإسلام قديماً وحديثاً.

  • عنوان الكتاب: تتمة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام من العهد النبوي إلى عهد الإمارة الإسلامية
  • المؤلف: القاضي الشيخ العلامة عبد الحكيم الحقاني الأفغاني
  • الناشر: الطبعة الأولى – مكتبة قاسم العلوم
  • موضوع الكتاب: تاريخ القضاء الشرعي
  • سنة النشر: 1444ه/ 2023م
  • عدد الصفحات: 320

القضاء الإسلامي تطور عبر الزمن حتى أصبح من أخصّ واجبات الحُّكام والخلفاء والولاة والسلاطين تعيين القضاة، ونصب دواوين القضاء، وفض النزاعات بين المتخاصمين، ودفع الظلم، وتحقيق العدل، حتى أصبح هذا المنصب الرفيع رمزًا لبعض مَن عُيّنوا أو حُملوا على هذا المنصب، واشتُهروا به، ومن هؤلاء قاضي القضاة في زمانه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة، والقاضي أبو السائب الهمذاني الشافعي، والقاضي أبو الحسن الماوردي، والقاضي ابن دقيق العيد، والقاضي بدر الدين ابن جماعة، والقاضي تقي الدين السبكي، والقاضي تاج الدين السبكي، والقاضي سراج الدين البلقيني، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، والقاضي عياض، والقاضي أبو الحسن بن القصار المالكي، (رحمهم الله جميعًا).

من هو الشيخ القاضي عبد الحكيم الحقاني؟

هو فضيلة الشيخ العلامة الجليل المحدِّث الفقيه قاضي القضاة في بلاده الشيخ عبد الحكيم بن خدايداد الحقاني الأفغاني، وينتمي لأسرة مشهورة بالعلم في أفغانستان، فوالده الشيخ العلامة المحدث الكبير حاجي ملّا صاحب بن شهير محمد بن محمد بن سعد الله خان الأفغاني الحقاني.

تعلم قاضي القضاة عبد الحكيم على والده، وهو أحد علماء الدين وفقه الشرع المعروفين في عصره، ذهب لتلقي العلوم الشرعية، والتبحر فيها في دار العلوم في بيشاور الباكسانية عام 1397هـ/1977م، وأخذ العلوم من كبار شيوخها، ونال الشهادة العالمية، وتخرج فيها عام 1400هـ/1980م، بدرجة امتياز. وواصل مسيرته في طلب العلم مع التدريس، حيث أن سيرته حافلة بالابتلاءات، والمضايقات، من قبل المحتل الأمريكي وحُلفائه، وقد فرغ للتأليف، وأثرى المكتبة الإسلامية بكتب نافعة، ومصنفات متميزة، ومن أشهرها هذا الكتاب، الذي أقدم له دراسة عن موضوعه.

هذا الكتاب، ينتصر للعدالة الشرعية، والمرجعية القرآنية، والمنهج النبوي الشريف، معتمداً على الآيات القرآنية، والتأصيلات النبوية، وجمع صاحبه، الذي يتولى رأس المؤسسة القضائية الأفغانية اليوم، بين التأصيل والتنزيل، وبين كتابة وظائف القضاء، وخططه في تحقيق العدل بين الناس، ورفع الظلم عنهم، والمحافظة على دِمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، ومعاملاتهم، وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغرّاء.

سمات كتاب “تتمة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام ..”

قام فضيلة الشيخ قاضي القضاة عبد الحكيم بن خدايداد الحقاني الأفغاني في كتابة «تتمة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام»، بدراسة عميقة في تاريخ القضاء في الإسلام، وبدأ هذا الكتاب الفريد في بابه، بتعريف القضاء وذِكر مصادره، ثم كيف نشأ القضاء في العهد النبوي، وتطور القضاء في عهد الخلفاء الأربعة الراشدين، ثم سلط الضوء على القضاء في العهد الأموي، والعهد العباسي، والعهد العثماني، وذِكر المراحل التي مرَّ بها القضاء الإسلامي، وما هي أهم السمات التي اتسم بها القضاء في هذه العصور، وترجم لأبرز القُضاة الذين تقلَّدوا هذا المنصب في التاريخ، ثم ختم الكتاب بتاريخ أفغانستان باختصار، وتاريخ القضاء في أفغانستان من عهد السلطان محمود الغزنوي إلى مرحلة حكم الإمارة الإسلامية الحالية في أفغانستان.

يظهر من كتاب قاضي القضاة الحقاني، استيعابه الواسع لمبادئ الفكر القضائي الدستوري لدولة الإسلام التي أقامها رسول الله بالمدينة المنورة، وأن من وظائف الحكومة الإسلامية الدعوة والتبليغ، كذلك الفصل في الخصومات، فالقضاء من أهم مؤسسات الحكومة الإسلامية، وحرص قاضي القضاة في كتابه على الجمع بين الأصالة، واستيعاب تاريخ القضاء في الإسلام، والاستفادة منها للجيل المعاصر، كما غطّى في كتابه ملامح الحكومة الإسلامية معتمداً في ذلك على الخبرة العلمية والعملية، وكأنه يُعرفنا ببعض معالم الحكومة الإسلامية، بعبارات مسبوكة منضبطة في ألفاظها ومعانيها، مبينًا أن القضاء الإسلامي لا يتم إلا بالحكومة الإسلامية، قد وضّح دعائم هذه الحكومة في بنود:

  • رئيس الحكومة الإسلامية، الذي ينتخب بالطرق التي بَينتها كتب العقائد والسِير.
  • جهاز حكومي، ويُنتقى فيه الأكفاء، من غير نظر إلى اعتبار آخر، قال النبي من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فولّى رجلاً لمودّة أو قرابة بينهما، فقد خان الله، وخان الرسول، وخان المؤمنين.
  • سنّ قوانين مدنية وضع الإسلام قواعدها ومبادئها الهامة، وترك للمشرعين الاجتهاد في تفاصيلها، بما يحقق المصالح العامة.
  • قضاء مستقل عن أية سلطة في الدولة، يُساوي بين رئيس الدولة وسائر أبناء الشعب، قال تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة: 8.
  • جيش قوي يُرهب الأعداء، ويبعدهم عن المقدرات، ويحرس الأمن، ويصون السيادة، ويضمن الحرية الدينية، ويُحرر الضعفاء والمستضعفين من أسر الطغاة والظالمين.
  • جماعه من أبناء الشعب، يسهرون على تطبيق القوانين، وتحقيق مصالح الناس، ودفع الأذى عنهم، أو دفع أذى بعضهم عن بعض.

وقد استدل قاضي القضاة، على تلك الدعائم بالآيات القرآنية المحكمة، وقدرته على التعبير عنها، في قلمه الرشيق الأنيق، والذي يدل على تشربه للفكر والحضارة الإسلامية، وثقافتها وقِيمها، ومبادئها وعقيدتها، وإيمانه الكبير بها، ثم تحدث في كتابه عن مصادر القضاء الإسلامي، فالمصدر الأصلي والمنبع الحقيقي للقانون هي أحكام الله تعالى، وبيَّن المصادر الرئيسية للشرع وهي: القرآن والسنة النبوية والإجماع والقياس.

كما نوَّع الشيخ الجليل من مصادره في التاريخ، إذ اعتنى في كتاب تاريخ القضاء الإسلامي، وتطوُّره عبر القرون، مثل كتاب «أخبار قُضاة مصر» لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي، وكتاب «رفع الإِصر عن قُضاة مصر» للحافظ ابن حجر، ومختصره «النجوم الزاهرة بتلخيص أخبار قُضاة مصر والقاهرة» ليوسف بن شاهين سبط ابن حجر، وكتاب «تاريخ القُضاة والإفتاء في بيت المقدس»، وكتاب «لمحات حول القضاء في المملكة العربية السعودية»، وكتاب «تاريخ القضاء عند العرب» الذي يُركز على القضاء إلى العصر العباسي، وكتاب «القضاء والقُضاة في الحجاز في العصر.

 القضاء في العهد النبوي

أتى في حديثه تاريخ القضاء الإسلامي، بالأدلة الكافية والشافية، إذ حدّثنا حديث المتمكن عن القضاء في العهد النبوي، ولخص أركان القضاء آنذاك، وتلك التجربة الفريدة في فترة نشوء دولة الإسلام، وجعل من كتابته عنها مصابيح هدى، وأنوار هداية، وبين بأن سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء في تلك المرحلة، كانت بيد الرسول ، واستخلص من ذلك العصر، أصول القضاء، ودرَّب مجموعة من الصحابة على الفقه القضائي، وقيادة المؤسسة القضائية، وظهر ذلك في عهد الفتوحات الإسلامية الكبرى، ومن أشهر القضاة الذي أرسلهم رسول الله إلى أطراف الدولة:

  • علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على قضاء اليمن.
  • أبو عبيدة بن الجرّاح (رضي الله عنه) قاضياً في نجران.
  • عتاب بن أسيد (رضي الله عنه)، الذين عُين والياً وقاضياً، وكان قد لازم رسول الله بضعة أسابيع، فرأى رسول الله من عِلمه وأخلاقه وتربيته عجباً، وكان شاباً في العشرينيات من العمر، ففتح الله له بفضل تلك الحقبة القصيرة فتوحات عظيمة في العلم والقضاء والإدارة والتعبد، والدعوة إلى الله.
  • العلاء الحضرمي (رضي الله عنه) على قضاء البحرين.

وعند حديث قاضي القضاة الأفغاني عن التكليف النبوي للعلاء الحضرمي، ذكر الصحيفة الطويلة التي أمر بها رسول الله ، الصحابي الجليل، والتي ترشده في شؤون تدبير قضاء الولاية وإدارتها، والتي لا تقل أهمية عن رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، التي أرسلها إلى أبي موسى الأشعري، (رضي الله عنهما)، والمغلقة بأحكام القضاء، والتي كتب عنها الدارسون والمحققون والفقهاء. فالكتاب يبين قيمة تلك الرسالة، والتي تحتاج إلى من يُسلط عليها الأضواء، ويَستخرج منها الأصول، والقواعد، والقيم الأخلاقية، والمعايير القضائية، والأسس الإدارية.

وقد ذَكر قاضي القضاة، كيفية تعيين القضاة والولاة في العهد النبوي، وتخصيص القضاة، ومصادر القضاء في العهد النبوي، والحكمة من الاجتهاد، وقضاء المظالم، وقضاء الحسبة، والصلح بين المتخاصمين، ومواقف عن تنفيذ القضاء الإسلامي حينها، وترجم لبعض القضاة في العهد النبوي الذين أثرَوا الفقه القضائي، وأحكام التشريع القضائي في التاريخ الإسلامي، مثل علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، والعلاء الحضرمي، وعمرو بن العاص، وعتاب بن أسيد، ومعقل بن بسار، وعقبة بن عامر، وحذيفة بن اليمان، وعثمان بن أبي العاص (رضي الله عنهم)، وهذا يدل على سّعة اِطلاعه، وتبحّره في كتب التاريخ والتراجم والأعلام والسِير.

القضاء في عهد الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم)

انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن القضاء في العهد الراشدي، وتحدث بمحبة وإنصاف وعلم عن الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم)، فقال: “.. وكان الخلفاء الراشدون الأربعة أفضل الصحابة (رضي الله عنهم) دِيناً، وعِلماً، وسُلوكاً، وحملاً للدعوة، ونشراً للإسلام، وقد ثبت فضلهم بنصوص كثيرة، وامتاز عهدهم بخصائص فريدة… واِعتمد في حديثه عن مرحلة الخلافة الراشدة على الكتب المصدرية الأصلية في تاريخ أهل السنة والجّماعة، وكتبهم في تاريخ القضاء والتشريع القانوني في الإسلام…

كما لخَّص القضاء في عهد الصديق (رضي الله عنه)، واهتم بما قام به في خلافته، وكيف تطور القضاء في عهده، واستشارات الصديق لكبار الصحابة وأهل الحل والعقد، بما لم يجده في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ، وطريقته في الحكم، بما يَرد عليه، وقضاء المظالم، وقضاء الحسبة في فترة حكمه القصيرة (سنتين وثلاثة أشهر وبضعة أيام).

ثم انتقل للحديث عن القضاء في عهد الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وعن فصل سُلطة القضاء، واستقلالها في عهده، وعن تعيين القضاة، والتجديد في اختيارهم، وتَحرّزه من تعيين الفاسق والفاجر، حيث قال: من استعمل فاجراً، وهو يعلم أنه فجر، فهو مثله، وعن رزق القضاة في عهده، وكَتب عن رسائل ووصايا الفاروق عمر (رضي الله عنه) في القضاء، وتحدث عن تلك التوصيات العمرية باعتزاز وافتخار، واعتبر رسالة أمير المؤمنين الفاروق لأبي موسى الأشعري (رضي الله عنهما) عجيبة، حيث جمعت آداب القاضي وأصول المحاكمة، وقال قاضي القضاة: لو كتب مثل هذه الرسالة، رئيس دولة في هذه الأيام التي نُشرت فيها أصول المحاكمات، لكانت كبيرة منه، وقد عَدَّ هذا الرئيس من كبار العلماء والمفكرين، فكيف وقد كتبها عمر (رضي الله عنه)، منذ نحو أربعة عشر قرناً، ولم ينقله من كتاب، ولم يستمدها من أحد، بل جاء بها في ذهنه، ثمرة للفراسة المباركة، والتي غرسها في قلبه نبي الرحمة والهداية محمد ، حيث دخل عليه في دار الأرقم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فهذا من معجزات رسول الله .

وشرح بعدها رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري (رضي الله عنهما)، شرحاً وافياً، وكذلك رسالة عمر إلى أبي عبيدة (رضي الله عنهما)، ورسالته إلى القاضي شريح، ورسالته إلى معاوية (رضي الله عنهم)، أيّ أن قاضي القضاة عبد الحكيم الحقاني تتبع رسائل أمير المؤمنين الفاروق عمر في القضاء، وشرحها، واستخرج منها قواعد وأصول الفقه، لكل من يريد أن يمارس القضاء، وفق المرجعية الاسلامية الحقة، واستنبط من تلك الرسائل أحكاماً وآداباً جميلة عظيمة، تدل على حرص قادة الإسلام، لتطبيق مبدأ العدل بين الناس، وتجول بنا مع عمر (رضي الله عنه) في قضاء المظالم، وقضاء الحسبة، والفقه العمري في حبس المجرم والمتهم، وإذا بنا في عهد ذي النورين أمير المؤمنين عثمان (رضي الله عنه)، وكيف تطور القضاء في عهده، وكتبه إلى الولاة والقضاة، وتخصيص دار القضاء، ومشاورته للصحابة في أحكامه القضائية، وشدته، وحرصه على تطبيق الأحكام الشرعية، وقُوته في قول الحق، وأنه لا تأخذه في الله لومة لائم، فضلاً عن فراسته المبنية على تقوى من الله، والعمل على نيل رضاه، والدخول في رحمته سبحانه وتعالى.

ثم كان الحديث عن عهد الخليفة الراشدي الرابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وتطور القضاء في أيام حكمه، وإشرافه عليه، وتفريق الشهود عند أداء الشهادة، وتفريق المدعى عليهم عند أخذ الجواب منهم، ووقوفه عند حكم الشرع، وابتعاده عن المؤثرات، في القضاء، والقضاء في المظالم والحسبة، وقوته رضي الله عنه. وقد أظهر في كتابه أبرز المنجزات القضائية التي تمت في العهد الراشدي، وذكر بعض قضاة ذلك العهد، وترجم لهم بشكل مختصر.

القضاء في العهد الأموي

توسع الشيخ القاضي الحقاني في الحديث عن القضاة في العهد الأموي، وترجم لخُلفاء بني أمية، ومدح الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وأشاد بعدله، وتَقواه، وصِيامه، وقيامه، وأخلاقه، واحترامه للعلماء والفقهاء، وجُلوسه إليهم، واستفادته منهم. كما أورد تطور القضاء في العهد الأموي، وأهم المستجدات فيه، وعن تعيين القضاة، وعَزلهم، وأرزاقهم، واعتزالهم، وميزات القضاة، وعن المراقبة، والمتابعة على القضاء، وتدقيق عمر بن عبد العزيز في النظر في اختيار القضاة، حتى لا يبتلي الناس بقاض يتخبط منهم بغير حق، ولهذا اشترط عمر بن عبد العزيز، في القاضي خمسة شروط، ولا يجوز له أن يتولى القضاء حتى تكتمل فيه الشروط، وهي: العلم، والحلم، والعفة، والاستشارة، والقوة في الحق، وذكر القضاة في العهد الأموي في المدينة، والبصرة، و الكوفة، ومصر، وقضاة سائر الأمصار، في العهد الأموي بالأندلس، وإفريقيا.

القضاء في العهد العباسي

تحدث قاضي القضاة الشيخ الحقاني عن القضاة في العهد العباسي، وترجم لخلفاء بني العباس، حتى سقوط بغداد 656 هجرية، وعلق تعليقاً جميلاً على خلفاء بني العباس، فقال: هؤلاء خلفاء بني العباس، خلال خمسة قرون وربع قرن، قد تفاوتت حالهم تفاوتاً كبيراً جداً، في الخلافة، وحسن الإدارة، والورع والتقوى، ورعاية حقوق الناس، واِتباع الأحكام الشرعية، وأشار إلى صلة القضاء في العهد العباسي بما قبله، والتغيرات والزيادات في الإدارة القضائية في العهد العباسي، وإقرار قاضي القضاة، وبين أن الأمر الجديد، الذي برز في القضاء الإسلامي لأول مرة، ظهور منصب قاضي القضاة، الذي اِستحدثه الخليفة العباسي هارون الرشيد في بغداد عام 170 هجرية، وبيَّن سبب ظهور هذا المنصب، فهو نتيجة طبيعية لاتساع رقعة الدولة الإسلامية، وانشغال الخليفة بالمهام الجسيمة في الخلافة، فاحتاج الخليفة، إلى من ينوب عنه، في هذا الجانب الخطير والعظيم، فهارون الرشيد هو أول من استحدث هذا المنصب، وفي إطلاق هذا اللقب الجديد، وهو قاضي القضاة، إذ عيّن هارون الرشيد، الإمام أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم، فيعين من أشار به أبو يوسف، ويقتصر عمل قاضي القضاة، على ترشيح من يراه مناسباً من أهل العلم والصلاح والعدل، ليعرضها على الخليفة، فيُعينه في الأمصار، ولا يعين الرشيد قاضياً إلا إذا رشّحه أبو يوسف، واستمر في هذا المنصب حتى وفاته عام 182 ه،  وأفاد الكاتب جزاه الله خيراً، وأعطى فكرة واضحة عن تاريخ القضاء في العهد العباسي.

القضاء في المغرب والأندلس

تكلّم عن القضاء في الأندلس والمغرب في العهد الأموي، وعن أمراء بني أمية في الأندلس، وعن تطور نظام القضاء، وعن التنظيم الإداري والقضائي في الأندلس والمغرب، وعن ميزات التنظيم الإداري للقضاء في الأندلس، وخلاف القضاء في بغداد، كقاضي الجماعة، وقاضي المدن الكبيرة، وقاضي المدن الصغيرة، وقاضي الأشراف الذي استحدثه يوسف بن تاشفين في عهد المرابطين، وهو قاضٍ خاصٍ للفصل في المنازعات بين الأشراف، وقاضي النصارى، وقاضي السوق أو الحسبة، و صاحب الشرطة، وصاحب المظالم، وقاضي الجند، وخطة الرد، وهي بمثابة محكمة عليا، أو محكمة تميز، أو محكمة نقض، وهي من الخطوط التي تميز بها الأندلس، ولم تعرف في الشرق الإسلامي وبغداد، ويطلق على من تقلد هذه الخطة اسم: صاحب الردّ؛ لأن الأحكام تردُّ إليه، وكان أدنى منزلة من منزلة قاضي الجماعة.

إن كتاب تتمة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام، يكشف لنا الجهد الكبير، والثقافة الموسوعية، والإلمام بالحضارة الإسلامية في مشرقها ومغربها، ونظرة قاضي القضاة بإمارة أفغانستان الإسلامية الشيخ الحقاني الأفغاني، لمفهوم الأمة الواعدة في صورتها الحضارية والثقافية والتاريخية والعقائدية، ولم يُهمل أسماء قضاة الأندلس، بل تَرجم لهم، كالقاضي يحيى بن يزيد، وعبد السلام بن سعيد، ومصعب بن عمير، ومحمد بشير المعافري، ومعاوية بن صالح الحضرمي، والفرج بن كنانة، ومنذر بن سعيد وغيرهم.

القضاء في العهد العثماني

بعد ذلك، ذهب بنا قاضي القضاة الحقّاني إلى تاريخ القضاء في العهد العثماني، وافتتح حديثه، بكلمات رصينة، وأحكام عادلة عن الدولة العثمانية، فقال: واتفق العلماء على أن من وقف على سِير الدولة الإسلامية، يعلم أن الدولة العثمانية، من أحسن سِير الدول الإسلامية، بعد الدولة الراشدية؛ لأنهم متمذهبون بمذهب أهل السنة، صحيحو العقيدة، ناصرون لأهل السنة، قائمون بتعظيم الصحابة، وأهل البيت والعلماء الصلحاء، ولهم فتوحات شهيرة، وهم أصحاب الجهاد والغزوات.

كما أنه ترجم للسلاطين العثمانيين، وتحدث عن شروط القاضي، في العهد العثماني، والجهاز القضائي، وتعدّد درجات القضاء، وحصر القضاء في المذهب الحنفي، وإنشاء مدرسة القضاء الشرعي، وذَكر بعض قضاة العهد العثماني.

يعتبر كلام قاضي القضاة عبد الحكيم الحقاني، سياجاً متيناً لهذا الجيل، والأجيال القادمة، وفقه ميزان رشيد، في كشف الحقائق، والدفاع عن تاريخ هذه الدولة السُّنية، التي تعرضت للتشويه في الماضي والحاضر، من أقلام كتب الغرب الأوروبي، والقوميين العرب، وأتباعهم من العلمانيين، وأولئك المنغمسين في ثقافة الحضارة الغربية المنحرفة، والبعيدة عن الإنصاف والحكم بالعدل كما نجد ذلك في كتابات المستشرقين، وأهل الزيف، وأعوان الاستعمار.

القضاء في ظل حكم الإمارة الإسلامية في أفغانستان

ختم الشيخ العلامة عبد الحكيم الحقاني الأفغاني هذا التطواف التاريخي، بالحديث عن تاريخ القضاء في أفغانستان، وعَرَّف بالقطر الأفغاني، ولماذا سميت بأفغانستان، وطبيعة سكانها وأحوالهم، والقضاء في زمن السلطان أبو القاسم محمود الغزنوي (971 – 1030م)، وفي عهد أحمد شاه مسعود (1724 – 1773م)، وفي عهد شاه محمود، وتتبع تاريخ القضاء في بلاده، إلى عهد الإمارة الإسلامية الحاكمة في أفغانستان، وأشار إلى دوافع قيام الإمارة الإسلامية، وعن التدخل الأمريكي وحُلفائه، وجهاد الأفغان الطويل، بقياده المجاهد الملّا عمر محمد عمر، واستمراره في الجهاد حتى بعد وفاته، والتفاف الشعب حول قيادته، وتطور القضاء في أيام الإمارة الإسلامية، وأبرز المستجدات في عهد الشيخ المجاهد هبه الله أخوند زاده (2016 وحتى الآن) في المؤسسة القضائية، وتحدث عن وظائف المحاكم وتشكيلها، ووظيفة الإدارة المالية، ووظيفة المحكمة الابتدائية، ووظيفة محكمة المرافعة، ووظيفة التمييز، ووظيفة المحكمة النظامية، ووظيفة محكمة الاحتساب، وعن معايير تعيين القُضاة في الإمارة الإسلامية، وتحدث عن اهتمام أمير المؤمنين هبه الله بالقضاء والقضاة، وحِرصه على إكمال حوائج القضاة، باهتمام زائد، وتطبيق الأحكام الشرعية، ويَحتاط في تطبيقها زياده احتياط، حتى أصدر مكتوباً يَمنع إجراء حكم القتل، إلا بعد إِعلامه، وإذنه، لما رأى من تغيير حال قضاة الزمان، كما منع عمر بن عبد العزيز (رحمه الله) في إمارته، عماله عن القتل، إلا بعد إعلامه، وإذنه به، بعد أن كان مطلقاً لهم لما رأى من تغيير حالهم.

إن القضاء في الإمارة الإسلامية في أفغانستان، خاضع لأحكام الشريعة الغرّاء، وتسعى لتعميم العدل بين الناس، ورفع الظلم، وعقيدة الحكام في الإمارة الإسلامية في تطبيق الشريعة الإسلامية، لا تتزعزع، وغير قابلة للنقاش، ولديهم رؤية متعلقة بالقوانين الوضعية، فإذا جاءت مخالفة للقرآن والسنة، أو خارجة عن مبادئ الشريعة العامة، وروحها التشريعية الهامة، فهي باطلة بطلاناً مطلقاً، وليس لأحد أن يطبقها، ويستدل قاضي القضاة الشيخ عبد الحكيم الحقاني في كتابه، عن بطلان القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية، بنصوص القرآن والسنة، والإجماع، فبين بأن نصوص القرآن والسنه صريحة في إبطال كل ما يخالف تعاليم الإسلام، ومن ثم انعقد الإجماع على احترام هذه النصوص الصريحة، وإبطال كل ما يخالفها، وفيما يلي بعض الأدلة التي استدل بها:

قال تعالى: “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ” (الجاثية: 18). فقسم الأمر بين الشريعة التي جعل رسوله الكريم عليها، وأوحى إليه العمل بها، وأمر باتباعها، وبيَّن اِتباع أهواء الذين لا يعلمون، وأمر بالأول، ونهى عن الثاني، واستدل بنصوص القرآن الكريم، وهكذا قطعت الشريعة بنصوص القرآن بتحريم كل ما يخالف نصوص الشريعة، صراحة أو ضمناً، وكل ما يخالف مبادئها العامة، أو روحها التشريعية، متبعاً هواه، ومنقاداً إلى الضلال، ظالماً لنفسه ولغيره، كافراً بما أنزل الله، متخذاً لنفسه أولياء من دون الله.

وفي كتابه، تبين السُّنة حدود الطاعة لأولياء الأمر، ونهت عن طاعتهم، فيما يخالف ما أنزل الله، وقد صحّ عن رسول الله ، أنه قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقال : إنما الطاعة في المعروف، وقال: إن إجماع الأمه الإسلامية انعقد بعد وفاه الرسول ، على أنه لا طاعة لأولي الأمر إلا في حدود ما أنزل الله، وفقهاء الأمه ومجتهدوها مجمعون، على أن الطاعة لا تجب إلا في فيما أمر الله، ولا خلاف بينهم، قولاً واعتقاداً، في أنه لا طاعة لمخلوق في معصيه الخالق.

أهمية المؤسسة القضائية في الدولة الحديثة

إن الإهتمام بالمؤسسة القضائية، وتطويرها من دعائم الدولة، التي تسعى لإقامه العدل، ورفع الظلم، وبسط الأمن. فالقضاء هو صمام أمان المجتمع، بكافة مؤسساته وأفراده، وضمان جوهري لاستقراره، وحفظ حقوق أفراده، فالعدل هو ميزان الله في الأرض، الذي يؤخذ به للضعيف من القوي، وللمحق من المبطل، وإعطاء لكل ذي حق حقه.

إن النظام الإسلامي منوط به تحقيق العدل، بين الناس جميعاً، في مختلف أوجه الحياة، فالعدل القضائي المقصود منه: القناعة بأن أفراد المجتمع البشري كلهم من حيث الإنسانية، والكرامة، والحقوق متساوون، وكلهم طبقاً لهذا متساوون أمام القانون، ولهذا يجب على القضاء إعادة الحق للشخص الذي تم التجاوز، والاعتداء على حقوقه.

إن الإسلام اهتم بالقضاء اهتماماً كبيراً، وله في الشريعة الإسلامية مكانة رفيعة، فهو فرض وعبادة، بل من أقوى الفرائض، وأشرف العبادات بعد الإيمان بالله تعالى، لأن المظلومين يلجأون إليه لكي ينصفوا في مواجهه الظالمين، والناس يحتاجون إليه في تنفيذ الأحكام، وقطع المنازعات، والفصل في الخصومات، وإسناد الحقوق إلى أصحابها.

إن كتاب قاضي القضاة العلامة الشيخ عبد الحكيم الحقاني، تتمه النظام في تاريخ القضاء في الإسلام من العهد النبوي إلى عهد الإمارة الإسلامية، له أهمية بالغة في محتواه، ومتميز في تبويبه، وتسلسله التاريخي، وهو إضافة نوعية للمكتبة الإسلامية، وذو فائدة كبيرة لطلاب العلم، والمهتمين بالقضاء الذي جمع صاحبه بين التنظيم والتطبيق، وخاصة لو أخذنا بعين الاعتبار من كاتبه، وهو قاضي القضاة في في دولة وليدة مثل أفغانستان، وكأنه يرسم خطة يحتذى بها في كيفية توفير الأمن والاستقرار، وتحقيق العدالة الاجتماعية في الدولة الحديثة المسلمة، وبالتالي طرحه بهذه الطريقة مهم في زمن ساد فيه الظلم والفساد والاستكبار. كما يدخل الكتاب ضمن المساعي العظيمة، لإعادة دور الشريعة الإسلامية في حياة الناس، من خلال سلطات الدولة التي تستمد سلطاتها من المرجعية القرآنية والنهج النبوي، بقوله تعالى: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ” (الحج: 41).

نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصِفاته العليا، أن يتقبل من قاضي القضاة العلامة الشيخ عبد الحكيم الحقاني الأفغاني، عمله، وجهوده المبذولة لإقامة العدل بين الناس، وتبليغ الدعوة لله، ومناصره كتاب الله، وسنة رسوله الكريم .

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | كتاب “أين الخلل؟” والعناية بالنقد الذاتي

[ad_1]

من بين جوانب كثيرة تميّز بها العلامة يوسف القرضاوي، رحمه الله، عنايته البالغة بالنقد الذاتي، وبالعمل على تقويم المسيرة وتصحيح الخطوات. وهذه فضيلة غائبة عن كثير من المسلمين؛ لأنهم يكتفون بالنظر إلى ذاتهم في ضوء ما لدينهم (الإسلام) من مكانة، وما لكتابهم (القرآن الكريم) من قداسة وعصمة.. فكأنهم يسحبون ذلك على أنفسهم، ويعطونها جزءًا من هذه المكانة وتلك العصمة! مع أن القرآن الكريم صريح في التفرقة بين الأمرين!

وحينما وقع للمسلمين في غزوة أحد ما وقع، جاء القرآن الكريم يلفت النظر إلى مسئولية “الذات” عما آلت إليه الأمور، منبِّهًا بالتالي على أن استصحاب “المنهج” وحده لا يكفي، وإنما المعوَّل عليه أيضًا هو كيفية التعامل مع المنهج: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} (آل عمران: 165).

ولو كان استصحاب المنهج وحده كافيًا، لما وقعت للمسلمين هزيمة قط، ولما أُصيبوا بانتكاسة أبدًا.. ولكن سنة الله أن يجري عليهم ما يجري على سائر خلقه.. وإنْ كانت رحمة الله ولطفه لا ينفكان عن المسلمين.

والعلامة القرضاوي رائد في هذا الباب، وإمام في ممارسة النقد الذاتي والتنبيه على ضرورة المراجعة والتقويم.. وأول ما لفتني في ذلك، كتابه صغير الحجم عظيم الفوائد: (أين الخلل؟)؛ والذي كان قد شارك به على صفحات (مجلة الأمة) الغراء، في بابٍ أسهم فيه مفكرون وعلماء آخرون؛ في محاولة لتلمس ما ينبغي فعله، ولتدارس ما وقع من غفلة وخطأ.

وهذا الكتاب المهم (أين الخلل) قسمه الشيخ الجليل إلى ثلاثة أقسام:

  • 1- وقفة مع الأمة الإسلامية
  • 2- وقفة مع الحركة الإسلامية
  • 3- وقفة مع الأمل والعمل

أولا: وقفة مع الأمة الإسلامية

في هذه الوقفة المهمة مع الأمة الإسلامية، أوضح العلامة القرضاوي أن ما وقعت فيه أمتنا هو أكبر من مجرد التساؤل عما أصابها من الخلل؛ فهذا ليس خللاً فحسب؛ وإنما هو “غيبة عن الوعي. وبكلماته رحمه الله يقول: “إن عبارة (الخلل) عند إطلاقها تعني أن الغاية قد حُددت، وأن الطريق قد اتضح، وأن الوسيلة قد هُيئت؛ ولكن الخلل أصاب الوسيلة في وسط الطريق.. فإذا طبقنا ذلك على حال أمتنا الإسلامية، وجدنا الأمر أكبر وأعمق من مجرد (خلل)؛ إنه غيبة عن الوعي، إنه فقدان الهوية، إنه التيه عن الغاية ومن بعده- بالضرورة- ضياع الطريق”.

طاقاتنا معطلة

ثم أخذ رحمه الله يبين حال أمتنا في ضوء معايير التقدم المادي، ليخلص إلى أنها “لا زالت عالة على الأمم الأخرى في قوام حياتها الاقتصادية والعسكرية؛ إنها لا تنتج الكفاية من القوت الذي به قيام المعيشة، ولا من السلاح الذي به حماية السيادة”. ثم أوضح أن أمتنا: معطلة الطاقات، رغم طاقاتها الكثيرة والضخمة والمتنوعة!

طاقاتنا العقلية معطلة: لأننا نقلد ولا نجتهد، نحاكي ولا نبدع، ننقل ولا نبتكر، نحفظ ولا نفكر.. وليس هذا في العلوم التراثية وحدها، بل في العلوم الطبيعية والرياضية أيضًا.

طاقاتنا العملية معطلة: مع أن الله خلقنا لنعمل، بل خلقنا ليبلونا أيّنا {أَحْسَنُ عَمَلًا}. حتى صرنا نعقد المؤتمرات والتي تصدر عنها توصيات مبصرة، ولكنها- إلا في القليل النادر- لا ترى النور، ولا تبرز إلى حيز التطبيق.

طاقاتنا الاقتصادية معطلة: فنحن نعيش في أهم بلاد الله موقعًا، وأطيبها بقعة، وأخصبها أرضًا، وأحفلها بالمعادن المذخورة في باطنها، والثروات المنشورة في ظاهرها؛ ولكننا لم نستغل ثرواتنا، ولم نزرع أرضنا، ولم نصنّع المعادن والمواد الخام المستخرجة من أرضنا.. أصبح الطابع الغالب علينا: أننا نستهلك ولا ننتج، ونستورد ولا نصنع، ونفتخر باقتناء أحدث السيارات العالمية ونحن لا نحسن صناعة دراجة!!

طاقاتنا العددية معطلة: فتفرَّقنا طرائق قددًا، ولم نتكامل ولم نتعاون ولم نتلاحم، في عصر يتكلم بلغة الكتل الكبيرة، ولا تستطيع القلة فيه أن تعيش وحدها.. وأصبح أكبر هم الكثيرين منا أن نقلل عددنا ونحدد نسلنا! بينما في الأرض أمم ضخمة لم تشكُ من كثرة سكانها كما نشكو؛ بل اجتهدت أن توظف الكثرة في خدمة الإنتاج.

طاقاتنا الروحية معطلة: فقد أعلينا الطين والحمأ المسنون فينا على نفخة الروح، التي هي سر تكريم الله لأنبيائنا من قبل، ولنا من بعد: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر: 29). هبَّت رياح المعصية فأطفأت شموع الخشية من قلوبنا، وطال علينا الأمد فقست قلوبنا من بعد، كما قست قلوب أهل الكتاب من قبل: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة: 74).

من المسئول؟

وبعد أن أشار العلامة القرضاوي بإيجاز إلى حال أمتنا، تطرق إلى تحديد المسئول عن ذلك، لنعرف من أين أُتِينا؛ حتى نسد مواقع الخلل، ونعالج مواضع الداء، ونتقي مكامن الخطر.

مسئولية الحكام: وفي هذا أوضح الشيخ القرضاوي أن الحكام لاريب أنهم يحملون قسطًا كبيرًا، وربما القسط الأكبر، مما نحن فيه؛ ولكن المؤكد أيضًا أن الحكام في الغالب أشبه بشعوبهم، وهم إفراز مجتمعاتهم.

مسئولية العلماء: وهنا بيّن الشيخ أن مِن العلماء مَن قصّر في واجب البيان والبلاغ، ومنهم من مشى في ركاب السلطان وجعل العلم خادمًا للسياسة، والفتوى حسب الطلب! ثم لفت لنقطة مهمة، وهي أن علماء الأمة لم يعودوا وحدهم في الميدان كما كانوا في العصور الماضية؛ فقد غدا الذين يملكون الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية في أجهزة الإعلام أشد تأثيرًا في الجماهير من أصحاب المنابر، وإن كان لكلمة الدين من القوة ما ليس لغيرها.. على أن من العلماء من أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ولقي في سبيلها من العذاب ما لقي.

مسئولية الجماهير: وهنا تساءل الشيخ: هل تقع المسئولية على الشعب، أي الجماهير؟

مسئولية مشتركة متفاوتة

ثم بيَّن الدكتور القرضاوي أن المسئولية مشتركة، يتحمل كل الأطراف منها نصيبًا، على قدر ما لديها من إمكانات؛ فمسئولية العالم أكبر من مسئولية الجاهل، ومسئولية ذي السلطة أكبر من مسئولية من لا سلطة له، ومسئولية ذي المال أكبر من مسئولية من لا مال عنده؛ وإن كان الكل مسئولاً. والإسلام لا يعرف طبقة خاصة يعتبرهم وحدهم (رجال الدين) المسئولين عنه؛ بل كل مسلم رجل لدينه، والأمة كلها مسئولة بالتضامن عن فرائض الله وأحكام شريعته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}( التوبة: 71).

ولبيان ذلك، حكى الدكتور القرضاوي ما قاله أحد المستمعين لأحد الدعاة بعد محاضرة ألقاها: قد مضى لكم ثلاثون سنة وأنتم تتكلمون، فماذا صنعتم؟ وكان جواب الداعية مفحمًا حين قال: وأنتم مضى لكم ثلاثون سنة وأنتم تسمعون، فماذا صنعتم؟!

ويعلق القرضاوي قائلاً: وهذا حق؛ فإن على المستمع، كما على المتكلم، مسئولية تحويل الكلام إلى عمل، والأفكار إلى واقع؛ وإن اختلفت درجة المسئولية.

ثانيا: وقفة مع الحركة الإسلامية

وفي هذه الوقفة بين الشيخ رحمه الله أنه لا يقصد حركة بعينها وإنما مجموع العمل الإسلامي الجماعي الشعبي المحتسب، المنبثق عن ضمير الأمة، والمعبر بصدق عن شخصيتها وآلامها وآمالها، وعقائدها وأفكارها، وقيمها الثابتة وطموحاتها المتجددة.. ويدخل في هذا الإطار كل الجماعات العاملة لتجديد الدين وتحكيم شريعته وإحياء الأمة به.

ومن أهم ما أوضحه الشيخ في هذا المقام، هو أن أسباب إخفاق هذه الحركات يرجع إلى أسباب خارجية وأسباب داخلية معًا، مطالِبًا بالتوسط في رؤية هذين الأمرين، وألا يحدث انحياز لطرف على حساب الآخر، حتى تكون الرؤية واضحة، قائمة على العلم والعدل.

وقال: وليس معنى هذا أن الحركة الإسلامية مبرأة من كل مأخذ، أو أنها فوق النقد والنصح، كما يتوهم بعض المخلصين من أتباعها؛ حيث يخلط بين الحركة الإسلامية والإسلام ذاته.

وفيما يتصل بالنقد الذاتي رصد الشيخ بعض الأمور المهمة؛ مثل:

1- ضعف النقد الذاتي.

2- الانقسام والاختلاف.

3- غلبة الاتجاه العاطفي على الاتجاه العقلي والعلمي؛ بما يعنيه من:

• قصور الدراسة والتخطيط.

• العجلة في تحقيق النتائج.

• المبالغة في وصفها لنفسها، وفي نقدها لخصومها.

4- الخوف من التجديد.

ثالثا: وقفة مع الأمل والعمل

وفي هذه الوقفة أشار د. القرضاوي إلى أن ما ذكره من نقد عن الأمة وعن الحركة الإسلامية لا يعني أن الأمل مفقود، وأن الطريق مسدود؛ فثمة دلائل كثيرة تبشر بالخير، وأن البحث عن الخلل لتشخيصه ووصف العلاج له هو من الظواهر الصحية المبشرة بغد أفضل؛ فالوعي بجوانب النقص أول خطوات تحقيق الكمال.

وطالب د. القرضاوي بإنصاف الحركة الإسلامية، بذكر حسناتها وثمراتها، كما تذكر عيوبها ومآخذها.. ولفت إلى ضرورة العمل لكسب النخبة والجماهير معًا، وإزالة ذلك السور الذي ضرب بين الحركة وبين عدد كبير من النخبة، أي المثقفين الذين غزاهم- أو غزا كثيرًا منهم- الفكرُ الدخيل؛ فأثّر في أفكارهم ومفاهيمهم، كما أثر في مشاعرهم وولائهم؛ فهم لا يفهمون الإسلام إلا كما يفهم الغربيُّ المسيحية، وهم يُسقطون على الإسلام ما أسقطه الغربيون على مسيحيتهم؛ فهم يفترضون عداوة موهومة بين الإسلام والعلم، ومناقضة بين الشريعة والتطور، ويرون أن مكان الدين في ضمير الفرد، أو تحت سقف المسجد لا يتعداه.. وهم يتخذون من التراث موقفًا عدائيًّا، على حين يقدِّسون كل ما جاء من الغرب ويُضمرون الولاء له، والتقدير لرجاله، ويجعلون منه موئلاً وإمامًا.

خطوط عريضة

ثم قدم الشيخ رحمه الله خطوطا عريضة لترشيد الصحوة، فصّلها فيما بعد في عدد من كتبه أبرزها (الصحوة الاسلامية من المراهقة الى الرشد).. فلابد أن تنتقل دائرة الاهتمام والتركيز:

1 ـ من الفروع والجزئيات إلى الأصول والكليات.

2 ـ من النوافل إلى الفرائض.

3 ـ من المختلف فيه إلى المتفق عليه.

4 ـ من أعمال الجوارح إلى أعمال القلوب.

5 ـ من طرفي الغلو والتفريط إلى الوسطية والاعتدال.

6 ـ من التعسير والتنفير إلى التيسير والتبشير.

7 ـ من الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد.

8 ـ من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل.

9 ـ من العاطفية والارتجال إلى العلمية والتخطيط.

10 ـ من التعصب علي المخالفين في الرأي إلى التسامح معهم.

11 ـ من الإثارة إلى التفقيه (أو من أسلوب الوعاظ إلى أسلوب الفقهاء، أو من حماس المنبر إلى هدوء الحلقة).

12 ـ من الكم إلى الكيف (أو من الاهتمام بتزايد الأعداد ولو على حساب التربية، إلى العناية بالتربية ولو على حساب العدد).

13 ـ من سماء الأحلام إلى أرض الواقع (أو من المثالي المنشود إلى الممكن الموجود).

14 ـ من الاستعلاء على المجتمع إلى المعايشة له (أو من موقف ممثل الاتهام إلى موقف الطبيب).

15 ـ من الانكفاء على الماضي إلى معايشة الحاضر، والإعداد للمستقبل.

16 ـ من الاستغراق في العمل السياسي إلى الاهتمام بالعمل الاجتماعي.

17 ـ من اختلاف التضاد والتشاحن إلى اختلاف التنوع والتعاون.

18 ـ من إهمال شئون الحياة إلى التعبد بإتقانها.

19 ـ من الإقليمية الضيقة إلى العالمية الواسعة.

20 ـ من الإعجاب بالنفس إلى محاسبة النفس (أو من الغلو في إثبات الذات إلى نقد الذات).

خلاصات

وهكذا يمكن القول من خلال ما أوجزنا من نظرات العلامة القرضاوي في النقد الذاتي، ومما كتبه لاحقًا، عدة أمور:

– أنه رحمه الله قد انطلق من باب النصيحة.. والنقد لاشك من صور النصيحة وأهمها.

– أنه تحلَّى بالإنصاف سواء لرؤية الذات أو الآخر.. وهذا ضروري في رؤية الأمور وعدم تهويلها أو تهوينها.

– أنه انطلق من قاعدة علمية واسعة جمعت بين علوم الشرع ومعرفة الواقع.. وهكذا يكون النقد الصحيح؛ فكلما اتسعت رؤية المرء العلمية وتنوعت اتجاهاتها كان أقدر على رؤية الأمور على وجهها الصحيح.

– النقد يقتضي الإلمام بالتاريخ والماضي مع استشراف المستقبل والآتي.. فالسنن قائمة وفاعلة في حركة المجتمعات، و”الماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء” كما قال ابن خلدون.

– النقد يلزمه التحلي بالأخلاق.. لأنه نوع من النصيحة.. ومن المهم أن يعبر الناقد عن مقصوده بأدب ودون تجاوز، حتى لا يدخل في متاهات وسجالات تبعده عن أصل الموضوع.

– النقد يلزمه أيضًا التحلي بالشجاعة.. فكم من صاحب رأي يسكت على رأيه، مخافة مواجهة المعترضين وأن يصيبه منهم أذى أو سوء ظن أو سوء تفسير.. فنفقد صوابًا في النصيحة، وتقويمًا في النقد.

هذه كانت إطلالة موجزة جدًّا على جانب مهم من جوانب تميز العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله.. مما نحن في أمسّ الحاجة لتدبره، والإفادة منه في بناء رؤية نقدية، تجعلنا أكثر قدرة على أن نبصر مواطن الخلل، ونسعى لاستكمال عوامل النجاة.. في مصارحة لا تعرف التدليس، ووعي لا يمسه الغفلة..

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | نظرية في التأويل .. قراءة جديدة في مشروع الغزّالي

[ad_1]

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “نظرية في التأويل: قراءة جديدة في مشروع أبي حامد الغزالي”، وهو من تأليف محمد لشقر. ويأتي هذا الكتاب في ظل انقسام دارسي أبي حامد الغزالي، مسلمين وغير مسلمين، بين كونه أشعريًّا أو فيلسوفًا أو صوفيًّا أو مقتبسًا من هذه جميعًا، وتحوُّل شخصيته لغزًا زكّته كتاباتٌ كثيرة.

يقع كتاب “نظرية في التأويل: قراءة جديدة في مشروع أبي حامد الغزالي” في 368 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا. وهو من تأليف محمد لشقر أستاذ الفلسفة بجامعة مولاي إسماعيل – مكناس – المغرب، متخصص في الفلسفة الإسلامية. باحث في قضايا التأويليات وعلم الكلام والتصوف. حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس – المغرب (2011). منسق ماستر “المعجم الفلسفي ودينامية المفاهيم” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، ومنسق فريق البحث في الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس. له مجموعة من الدراسات والمقالات في مجلات متخصصة وطنية ودولية. من مؤلفاته: دراسات غزالية (2022)؛‏ منطقيات الغزالي: أو فيمنطق “مستصفم المحك” (2022).

منعطف “الهرمينوطيقا”

يحاول كتاب “نظرية في التأويل: قراءة جديدة في مشروع أبي حامد الغزالي”، مع حلول القرن الحادي والعشرين، كشف بعض ملامح تلك الصورة المضطربة التي شكّلت أحد أهمّ الحوافز على تأليفه.

سلكت قراءة تاريخ فكر الغزالي مسارَين متناقضين؛ إذ يشكّل الغزالي في المسار الأول حلقةً مظلمة في تاريخ الفكر الإسلامي، ويقضي بأن يكون المستقبل نقدًا للماضي وأفضل منه، في حين ينظر المسار الثاني إلى فكر الغزالي باحترام وتبجيل وتقديس، عملًا بمقولة “ليس في الإمكان أفضل ممّا كان”.

شكّلت الهرمينوطيقا (علم التأويل) منعطفًا في تاريخ الفكر الإنسانيّ والفلسفيّ، فهي قد عُدّت مع بداية القرن العشرين فنًّا لإقصاء الجانب الاعتباطي في التأويل، بعد أن لم تكن قد ظهرت منذ عصر النهضة في صورة مشروع علميّ مستقلّ، بل مادةً مساعدةً لعلوم التأويل. وقد أَوْلَتها القرون الوسطى اهتمامًا كبيرًا، واستخدمها آباء الكنيسة الغربية لتأويل النصوص الدينية وفهمها بعمق، في حين يبدو لنا أن الإشكال الذي أثاره الإمام الغزالي، وهو “الكلام الإلهي في مقابل الفهم الإنساني”، متواضعٌ مقارنةً بإشكالات التأويل الهرمينوطيقية.

ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل إنْ كان الغزالي أحد الجذور التي استفادت منها الهرمينوطيقا المعاصرة، وعن أصالة قول الغزالي التأويلي داخل الفضاء الثقافيّ الإسلاميّ؟ وهل كان متأثرًا بسابقيه، مؤثّرًا في من جاؤوا بعده؟ وهل كان يمتلك نظرية في التأويل قائمة بذاتها؟ ستكون الإجابة عن هذه التساؤلات رهاننا في هذا الملخص.

إشكاليّة التأويل عند الإمام الغزالي

لم تنل إشكاليّة التأويل عند الإمام الغزالي ما تقتضيه من البحث سوى في نزر قليل من دراسات باحثين عرب معاصرين، لم يكن قصد بعضها الغزالي في حد ذاته، في حين كان الأمر كذلك في بعضها الآخر، ولكن من دون أن تكون بؤرة الإشكال هي التأويل، وهو ما نبّهَنا إلى أهمية الانكباب على دراسة تأويليات “حجّة الإسلام” بعيدًا عن الأقاويل غير الجازمة، وغير العلمية.

لقد خَصَّص الكتاب لهذا الأمر ثلاثة فصول، لكلّ من نصر حامد أبو زيد وعبد الجليل بن عبد الكريم سالم والباحث البريطاني مارتن ويتنغام، نعتبرها ذات شأن في هذا الكتاب، على الرغم من إبدائنا إزاءها مجموعة ملاحظات حول مسلّمات أعمالهم وخياراتها المنهجيّة والخلاصات التي توصلوا إليها.

يضم الكتاب أقسامًا ثلاثة تشتمل على أحد عشر فصلًا. يتناول القسم الأول منها تفاعل الثقافة العربية الإسلامية خلال القرن الخامس الهجري مع فكر حجة الإسلام عمومًا، وتصوّراته التأويلية خصوصًا، وهو فكرٌ شكّل نقطة التقاء مذاهب وتيارات فكرية مختلفة. وقد توقف القسم عند الثقافة العربية الإسلامية، وعند سمات القول التأويلي الكبرى قبل الغزالي، التي ساهمت لاحقًا في تشكيل نظرية التأويل الغزالية. ويتطابق تاريخ التأويل في الفكر الإسلامي مع تاريخ مكوّنات هذا الفكر: علم الكلام، والفلسفة، والتصوف.

وقد تقلّب حجة الإسلام في مسار تكوينه، كما يحكي عن نفسه في المنقذ من الضلال، بين حقول هذه المكونات الثلاثة. واستعرض القسم ثلاثة أضرُب من المؤثرات التي تركت بصمات واضحة في تشكيل نظرية التأويل الغزالية: المؤثّرات الكلامية أوّلًا، بوصف علم الكلام أسبق علوم الملة ظهورًا، والمؤثرات الفلسفية ثانيًا، نظرًا إلى اكتمال الموسوعة الفلسفية العربية الإسلامية مع “شفاء” الشيخ الرئيس قبل أبي حامد بأربعة عقود، والمؤثرات الصوفية ثالثًا، مع استواء صورة التصوف وبلوغها حد الكمال خلال القرن الثالث الهجري.

رصد أحاديث حجّة الإسلام في التأويل

خُصص القسم الثاني من الكتاب لرصد أحاديث حجّة الإسلام في التأويل، وقد توزعت بين أحاديث عن قيم ومقولات تأويلية صريحة حينًا، وهي قيم ومقولات اعتبرها القسم عناصر أساسية ومبادئ عامة لنظرية التأويل الغزالية، وبين الإضمار في أحاديث أخرى حينًا آخر (يتطرق القسم الثالث من الكتاب إلى ذلك)، وفقًا لتقسيم رباعي الأركان تناول مفهوم التأويل، وقد نقّب عن مواضع ورود الفعل “آل” ومشتقّاته بغية تحديد دلالاته، ثمّ الكشف عن الضوابط المؤطّرة للعملية التأويلية بحسب تصوّر حجّة الإسلام، ثم العروج إلى حيثيات علاقة الألفاظ بالمعاني لدى الغزالي، يلي ذلك ضبط مسوّغات الانتقال من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية كما تصوّرها الإمام، عبر تتبّع عملية تقعيده المسألة، والتطرق أخيرًا إلى مسألة الظاهر والباطن وما تثيره من إشكالات على مستوى تلقّي النصّ الديني وفهمه، من خلال التوقف عند انتقاد حجّة الإسلام للباطنية، وعند جدل الظاهر والباطن الذي ساهمت فيه كلّ الفِرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها.

أما القسم الثالث من الكتاب، فيهتم بالكشف عن الامتدادات والتقاطعات “المضمرة عرضًا” في نظرية الغزالي التأويلية في مسائل أربع، هي: “الإلهي والإنساني”، و”سبل التحصيل ومعوِّقاته”، و”تراتبية الخلق”، و”علاقة المعقول بالمنقول”. وقد تناول القسم نظرة أبي حامد ومنظوره في مسألة الذات والصفات والأفعال الإلهية، ثم تطرّق إلى التحصيل، مبيّنًا سُبله ومناهجه وحُجُبَه ومعوِّقاته.

عرض الفكر الفلسفي الإسلامي للعالم

وفي إثر رصد دلالات قول أبي حامد بمبدأ تراتبية الخلق، حاول هذا القسم الوقوف عند حيثيات علاقة المعقول بالمنقول، عبر رصد حدود العقل والنقل في حكم الإمام أوّلًا، ثمّ كشْف موقفه من مسألة وجوب الإمامة عقلًا ونقلًا ثانيًا. وأكد القسم أن القاسم المشترك بين الكلام السالف الذكر هو إظهار الهمّ التأويلي عند الإمام، الذي جاءت أحاديثه حول مسائل “الإضمار” الأربع المشار إليها من قبلُ، عاجَّةً بتصوّرات تأويلية ترتبط ضمنيًّا بقيم ومقولات تأويلية حاول الفصل الكشف عنها، في حين كان الهدف الأساس هو إلقاء الضوء على طبيعة مقاربات الغزالي لتلك القضايا والمسائل التي قد تبدو، أول وهلة، على هامش الإشكالية الذي التزم الكتاب برفعها. ولكن في أثناء التمعّن والتمحيص، تظهر ذات فائدة كبرى في سياق البحث.

لا يمكن ادعاء القول الفصل في فكر أبي حامد التأويلي، أو أنها تضع كلّ شيء موضعَه، بل إن الكتاب عمل على بلورة ما يُعين على فهم فكر الغزالي، من دون المفاضلة والانتصار لمذهب دون آخر، مع البعد عن الأحكام المعياريّة، فلا عجب إذًا ألّا نجد في خلاصاته الأحكام القدحية أو الممجِّدة، على غرار حال أغلب الدراسات المتعلقة بحجّة الإسلام.

إنّ هذا الكتاب لا تستغني عنه المكتبة العربية، فهو لَبِنَة فكرية مهمة في صرح الفكر العربي والإسلامي، وإن ادعى صاحبها تواضعها، توضع إلى جانب مثيلاتها في المستقبل القريب، ليساهم الجهد المشترك للمفكرين العرب والمسلمين في “ردم فجوة” لا تزال قائمة، وبلورة الفكر الفلسفي الإسلامي وعرضه للعالم “نقطة مضيئة” في التاريخ الفلسفي العام.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية

[ad_1]

صدر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” كتاب في جزأين، الجزء الأول بعنوان “مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية: مقاربات فلسفية وإبستيمولوجية”، وشمل 508 صفحات، وهو من تأليف مجموعة مؤلفين، وتحرير وتقديم مراد دياني. أما الجزء الثاني من الكتاب فجاء بعنوان”مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية: مقاربات اجتماعية”. وضم 448 صفحة، وهو من تأليف مجموعة مؤلفين هم: أمل عادل عبد ربه، عبد الله حمودي، محمد آوالطاهر، عبد الحليم مهورباشة، علي جعفري، محمد عبد النور، عبد الرحمن المالكي محسن بوعزيزي، محمد نعيمي، عبد القادر بوطالب، منير السعيداتي. أما التحرير والتقديم فتكفل به مراد دياني ومحسن بوعزيزي.

ساهم في تأليف الجزء الأول من كتاب “مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية: الجزء الأول: مقاربات فلسفية وإبستيمولوجية”. مجموعة من المؤلفين هم: الحبيب الحباشي، عبد الرزاق بلعقروز، محسن التومي، حسن احجيج، عبد القادر ملوك، محمد غاليم، رجا بهلول، عزمي بشارة، محمد الوحيدي، الزواوي بغوره، فتحي إنقزو، منير الطيباوي

الجزء الأول: مقاربات فلسفية وإبستيمولوجية

هذا الكتاب هو باكورة سلسلة كتب مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية التي يصدرها المركز العربي في خمسة أجزاء. وتأتي هذه السلسلة للإسهام في معالجة الارتباك واسع النطاق الذي يسم الحقل الجامعي والبحثي العربي في مسألة مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، بسبب نقص الأدبيات العربية المؤلفة والمترجمة في هذا الموضوع وقِدَمها، وكذلك بسبب المقاربات الشكلية والمدرسية التعريفية والتعليمية التقليدية الغالبة عليها.

ومن ثمّ، كثيرًا ما نجد الطالب العربي يبدأ ورقته البحثية بمقدمة عن المنهج يقول فيها إنّه استخدم المنهج التحليلي أو التاريخي أو حتى الوصفي أو الكمي، وغالبًا يستخدم المنهج الوصفي – التحليلي تعبيرًا جاهزًا، وليس مصطلحات دارجة، أو وصفًا لعمليات ذهنية بسيطة لا بد منها في أيّ تفكير عقلاني.

علمية العلم بمنهجه العلمي

إنّ ما يجعل العلم علمًا هو اتباع منهج بحث علمي في تناول موضوعاته، بحيث تكون مقولاته قابلة للإثبات والدحض بمنهج علمي. وإذا كان هذا صحيحًا؛ فلا يعني أنّ المنهج معيار للتميز بين ما هو علمي وغير علمي. ويختلف المتخصّصون في العلوم الاجتماعية والإنسانية في مقارباتهم؛ فبعضهم يسعى لاكتشاف وقائع أو نظريات أو “قوانين اجتماعية” لم تكن معروفة من قبل، أو ينطلق من نظريات أو قوانين اجتماعية أنجزها باحثون آخرون فيسعى لتفسير الظواهر بموجبها، وبعضهم لا يتوقع أكثر من إنتاج نماذج نظرية تسلّط الضوء على الإنسان والمجتمع من زوايا مختلفة.

يدور نقاش آخر بشأن مدى ارتباط هذه النظريات بالواقع الاجتماعي والثقافي الذي تبحثه؛ إذ كثيرًا ما تتحكم دوافع “غير علمية” مختلفة في اختيار الظاهرة والإشكالية التي تُبحث، وتتحكم دوافع مشابهة في الهدف الذي من أجله تُسخّر العلوم. فهل ما يتحكم في الدافع والهدف يتحكم في المنهج نفسه أيضًا؟ وإذا كان هذا صحيحًا، فهل ينقص ذلك من علميته؟

لا تقتصر قضايا العلوم الاجتماعية والإنسانية، التي تتطلب التفكير، على هذه القضايا والإشكالات؛ إذ تتوافر مجموعة أخرى من القضايا المتعلقة بالمعرفة والسلطة من جهة أولى، والمعرفة والقيم من جهة ثانية، وعبور الاختصاصات من جهة ثالثة.

سؤال المنهج في الفلسفة والإبستيمولوجيا

يخص الجزء الأول من كتب سلسلة مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية النظر في المقاربات الفلسفية والإبستيمولوجية في موضوع مناهج البحث. ويستهلّ هذه المقاربات المفكر العربي عزمي بشارة بفصل عنوانه “في أولوية الفهم على المنهج”، يؤكد فيه أنّ النقاش النظري بشأن المناهج، بعيدًا عن الجهد المبذول لفهم موضوع ما باستخدام نظريات في سياقات محدَّدة، يظلّ نقاشًا محدود الفائدة، على اعتبار أنّ منهج البحث ليس شيئًا جاهزًا إلا فيما ننسّقه وننمّطه من أساليب في البحث لغايات مدرسية، بل إنّ المهم هو ما نصنعه في عملية البحث نفسها، وهذه العملية تفرض منهجًا من النظريات القائمة أو تتطلب عدة مناهج، وربما تقود إلى التوصل إلى نظرية جديدة. وبعد أن يعرض الباحث بالدرس والنقد المقاربات الرائجة في مسألة المنهج، ويقدّم تأملاته الفلسفية والبحثية فيها، يُبرز أنّ ما يستحق تسميته مناهجَ في العلوم الاجتماعية والإنسانية هي مقاربة تحليلية مترتبة على نظريات، وأنّ ما يتطلبه تطوير المناهج هو الاهتمام بالنظرية في السياق الاجتماعي الاقتصادي والثقافي الحضاري للمجتمعات التي نبحث فيها.

غالبية النظريات في العلوم الاجتماعية والإنسانية تطورت في مراحل زمنية وأماكن وسياقات حضارية مختلفة، ولدراسة مجتمعات أخرى غير التي نطمح إلى تناولها بالبحث. ومن ثمّ، لا شك في الفائدة من استخدامها، إذا أُخضعت للنقد العيني الموضوعي خلال الاستخدام. ويخلص إلى أنّ التحدي القائم أمام العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية هو الإنتاج النظري من خلال البحث في مجالات محددة، وإنجاز مقاربات تحليلية مفيدة ومناهج في البحث في فهم المجتمعات والعلاقات بين البشر وعالمهم الثقافي والروحي في السياق المحدد الذي نحن بصدده.

وينطلق زواوي بغوره، في الفصل الثاني “الفلسفة الاجتماعية: بحث في مفهومها ونظريتها وعلاقاتها”، من موضعة مفهوم الفلسفة الاجتماعية ضمن الاجتهادات النظرية التي قدّمتها مدرسة فرانكفورت أو النظرية النقدية ضمن سياق الفلسفة الألمانية المعاصرة، وتحوله إلى عنصر أساسي ضمن عناصر أخرى لا تقل أهمية من حيث الإسهام النظري والمنهجي في بعض اتجاهات الفلسفة المعاصرة. ومن ثمّ، فهو يتناول بالدرس والتحليل موضوع الفلسفة الاجتماعية، وارتباطها بقضايا الحاضر، والآني، في صورتها التجريبية والملموسة، وهو ما يظهر في اهتمامها بالحركات الاجتماعية، والأقليات والمهمشين والمبعدين والمقصَين والمهاجرين، وبنوعية حياتهم، ومعاناتهم، وصراعاتهم، وتعمل من أجل مثال اجتماعي وسياسي، يمكن التعبير عنه بمصطلح “التنوير” وقيمه الأساسية. ويخلص الباحث إلى أنّ الفلسفة الاجتماعية ليست نوعًا من إبستيمولوجيا العلوم الاجتماعية؛ إذ لا تكتفي بالدراسة الوصفية للمبادئ العلمية، أو بفلسفة للمجتمع، فحسب، بما أنها لا تقتصر على دراسة الأنطولوجيا الاجتماعية، وبما هي مبحث فلسفي يتميز بعملية الربط الذي يقيمه بين الوصف والتفسير، والمعيار الواقع، والنظرية والممارسة، من منظور نقدي يطمح إلى تحقيق قيم التنوير.

يسلط رجا بهلول الضوء في الفصل الثالث “أحداث الطبيعة وأفعال الإنسان: كيف ندرك العلاقة بين الطبيعي والاجتماعي؟”، على مفهوم الفعل، بوصفه حجر زاوية العلوم الاجتماعية والإنسانية، والذي يقع، بحسب الباحث، على تقاطع ثلاثة أنواع من المباحث الفلسفية: الأنطولوجيا، والإبستيمولوجيا، وفلسفة العلوم الاجتماعية. ومن ثمّ، فهو يركّز اهتمامه على الجانب المتعلق بفلسفة العلوم الاجتماعية، ليخلص إلى أنه ليس هناك داعٍ إلى الظن أنّ علوم الإنسان تتطلب مناهج أو أساليب تفسير تختلف جذريًّا عن تلك المتبعة في العلوم، وليس هناك تناقض أو تنافس بين تفهّم الأفعال من وجهة نظر تأويلية، أو من خلال البحث عن الأسباب بالمعنى التجريبي المألوف.

وفي الفصل الرابع “التفسير القصدي للسلوك الاجتماعي وشروط صدقيته”، ينطلق حسن احجيج من عرض وفرة البحوث العلمية الغربية التي تناقش موضوع التفسير القصدي للأفعال الاجتماعية، ليُلاحظ في المقابل غيابًا نسبيًّا لمناقشة هذا الإشكال الإبستيمولوجي في الفكر الفلسفي والسوسيولوجي العربي، ويحاجّ بأنّ التفسير القصدي للأفعال الاجتماعية يختلف عن التفسير الاستنباطي – الناموسي، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره أدنى منه من حيث الوجاهة الكشفية. وفي سبيل ذلك، نجده يدافع عن وجاهة مقاربة لاهيومية لِعِلِّية التفسير القصدي، وعن موقفٍ يجمع بين الحاجة إلى التفسير القصدي للسلوك الاجتماعي، مع الإبقاء على وجاهة الهدف التقليدي لفهم هذا السلوك في سياق ثقافي. ويحاول الباحث البرهنة على أنّ العلم الاجتماعي يمكنه أن يتخذ من مبررات الفاعل عللًا لأفعاله، لكن من خلال الحجاج على أنّ نظرية الاطراد الهيومية لا يمكن اعتمادها أرضية وجيهة للتفسير القصدي.

وينظر فتحي إنقزّو في الفصل الخامس “الفهم والتفسير: مسائل المنهج وأصولها التأويلية في فلسفة فلهلم ديلتاي”، في ثنائية الفهم والتفسير، ويحلّلها من جهة ترددها بين سجّلين: السجل السيكولوجي الذي يتصل بالبنية الباطنية للتجربة النفسية، بوصفها مجموعًا مستقلًا بنفسه، متضمنًا التجارب والعناصر الأساسية للوعي، وما يُقام عليها من بنى عليا للوجود الاجتماعي والتاريخي، والسجل التأويلي الذي يقوم على قراءة العلامات والآثار والمعالم التي تتجلى من خلال العلاقة بغيرها، وتُشكّل في هيئات ونصوص ومدونات مشبعة بالدلالة والمعنى، ومعبرة عن تجارب الحياة وأشكالها الفردية والجماعية، وانخراطها في سياق تاريخي متصل. وينافح الباحث عن فرضية مفادها أنّ التمييز الشائع بين الفهم والتفسير ليس فصلًا قاطعًا ونهائيًّا بين عالمين: عالم الطبيعة، وعالم الإنسان والمجتمع والتاريخ، وبين منهجين: منهج علوم الروح، أو الإنسان، ومنهج علوم الطبيعة، وإنما هو تمييز منهجي إجرائي، يتيح توحيد المجال الموضوعي لعلوم الروح.

ويستأنف عبد القادر ملوك البحث في الموضوع ذاته، لكن من منظورٍ مغاير في الفصل السادس “إشكالية الصلة بين الوقائع والقيم وانعكاساتها على موضوعية العلوم الطبيعية والإنسانية: ماكس فيبر وهيلاري بتنام نموذجًا”، منطلقًا من الاستقطاب القائم بين من يدعو إلى الفصل بين الوقائع والقيم، ويرى فيهما مجالين متمايزين ومنفصلين لا إمكان لتقاطعهما، ومن يرى أنّ التفريق بين الواقعة والقيمة هو مجرد عملية متكلّفة ناتجة من الصنعة الفلسفية أو من الإجرائية العلمية. وهذا التَكلُّف راجع بالأساس إلى تعذّر هذا التفريق إجرائيًّا، كما يتعذّر التفريق أو الفصل في الشيء الواحد بين ذاته وصفاته.

وهو الاستقطاب الذي نجم عنه استقطاب ثانٍ اتخذ من حضور القيم أو غيابها حجر الزاوية في الاختلاف بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. ويرى الباحث أنّ الممارسة العلمية مهما طهَّرت وسائلها من كل أثرٍ للمعاني والقيم الذاتية، واقتصرت على الملاحظة الظاهرة والتجربة الحسية، فإنها لن تستطيع أن تُحَصّل تمام الموضوعية؛ لأنّ الحقائق التي تفرزها لا توجد في الخارج مستقلة عن الذوات التي تنتجها. فهي، وإن سَلِمت من القيم المسماة “أخلاقية”، فإنها لا تسلم من القيم المسماة “إبستيمية”. وآية ذلك أنّ المنهج العقلي العلمي لا يدرس الوقائع إلا بإدخالها في حيّز محكوم ببعدَي الزمان والمكان، وإخضاعها لوسائل التقدير والتقسيم والتركيب والتصنيف والترتيب، واصطناع الوسائط تلو الأخرى لمقاربتها بدقة، وهذه أمور بشرية تختلف باختلاف الباحثين واختلاف الأزمنة والأمكنة. ويخلص الباحث إلى استنتاجٍ يقضي بأنّ العلم لا يقع بعيدًا عن متناول القيم، وأنّ الممارسة البحثية العلمية تستند إلى معايير للعقلانية والموضوعية محكومة برؤية بشرية تقديرية.

ويستأنف منير الطيباوي في الفصل السابع “الاستتباعات الإبستيمولوجية لنقد مثنوية الواقعة/ القيمة على منهجية العلوم الاجتماعية”، سؤال حضور المعايير والقيم في تفسير الفعل الاجتماعي الذي يشكّل الموضوع المركزي للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وهو السؤال الذي لا ينفك عن أسئلة منهجية أخرى متعلقة بالطبيعانية والمعقولية وغيرهما في التقليد الفلسفي القارّي. ويعرض الباحث لنقد هيلاري بتنام لمثنوية الواقعة/ القيمة كما أرساها ديفيد هيوم والخبرانيون المنطقيون، مبرزًا أنّ هذا النقد يفرض تصورًا جديدًا للعلاقة بين الطبيعانية والمعيارية ضمن موقف إبستيمولوجي بلوره بتنام في السنوات الأخيرة من مسيرته الفلسفية، وهو موقف “الطبيعانية الليبرالية” الذي يقرّ بالأهمية القصوى للقيم في مجال العلوم الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بقيم إبستيمية أو إيتيقية، ويفرض تصورًا جديدًا لعلاقة علوم الطبيعة بالعلوم الاجتماعية، من شأنه أن يُسهم، وفقًا للباحث، في تجاوز عجز هذه العلوم عن بلورة المناهج والمفاهيم وأشكال النمذجة الخاصة بها من أجل التفكير في المعيش والتحولات الاجتماعية الفريدة للوطن العربي، بما يجعل هذه العلوم غير قادرة على الإمساك بطرفي المعادلة: “الحياد الأكسيولوجي”، و”مناسبة القيمة”.

ويطرح عبد الرزاق بلعقروز في الفصل الثامن “منهج المنهج في مكاشفة القول الفلسفي علميًّا: من مضمون الفلسفة إلى أدوات التفلسف”، سؤال المنهج في بحث القول الفلسفي من السياق المعاصر الذي بات يسعى لاستكشاف الأبواب التي منها يدخُل إلى صناعة قولٍ فلسفي جديد، ساعيًا إلى الظفر بالمنهجية التي ندخل بها عالم الإبداع الفلسفي عربيًّا. ويتقصّد بلعقروز “سرّ الصناعة الفلسفية” بمنهجية علمية “خارجية”؛ أي بنقل الهاجس من التفكير من داخل الفلسفة إلى النظر من خارجها. ويخلص إلى عددٍ من النتائج، من أهمها ترابط حركة التفلسف والاستمداد من اللغة، وأنّ هذه المنهجية ليست في رسم معالم المنهج نحو التفلسف منهجيةً بحثيةً، وإنّما هي منهجية في كيفية التفلسف، وأخيرًا أنّ هذه المنهجية ليست مخصوصةً بالقول الفلسفي وحده، وإنما تصلُح أدواتها لتحرير العلوم الاجتماعية في العالم العربي من ظاهرة “النقل المقصوص”، لكي تُكسبها أدوات “الاجتهاد المرصوص”.

الموضوعات والبرادايم في العلوم الاجتماعية

في الفصل التاسع “الأنموذج المعرفي إطارًا لاندماج علوم الطبيعة والمجتمع: بحث في وحدة المنهج وترابط الموضوعات”، يتناول محمد غاليم أسس الاندماج الذي أفضى في العقود الأخيرة إلى تطوير أنموذج معرفي، يشكّل إطارًا علميًّا متسقًا لتعاون مختلف العلوم الطبيعية والنفسية والاجتماعية، واندماج نتائجها في فهم العلاقات الرابطة بين الظواهر التي تبني هندسة الجنس البشري الوظيفية القائمة على مختلف قدراته الطبيعية والمعرفية والإدراكية التي تدرسها العلوم المذكورة ومثيلاتها. ويحاجّ الباحث بأنّ هذا الأنموذج المعرفي، وليدَ مكتسبات العلوم المعرفية المعاصرة، يمكن أن يشكّل إطارًا لاندماج نتائج العلوم المادية والذهنية، على أساس وحدة منهجية عامة لهذه العلوم، وترابط موضوعاتها السببي و/ أو العضوي، ممثّلًا لذلك ببعض مظاهر اندماج اللسانيات في هذا الأنموذج المعرفي، من خلال الآفاق الواعدة التي تفتحها النظرية الدلالية اليوم، أمام فهم أعمق لطبيعة التصورات التي تبني اللغة والمعرفة.

ينطلق محسن التّومي في الفصل العاشر “بناء المعنى في المقاربات الكيفية: مقدمة في نقد البردايم الوضعي”، من تجربته في تدريس نظريات التصميم وتاريخه، وما انطوت عليه من عزوفٍ لبعض الطلبة عن الانخراط الفعلي في الدروس والإقبال عليها بالحماس المأمول، رابطًا ذلك بالخلل الذي يشكو منه نظام التوجيه الجامعي، والتباين بين الاختصاصات المقترحة والحاجات الفعلية لسوق العمل من خريجي تلك الاختصاصات. ولمناقشة هذه الإشكالات، خصّ الباحث بالدرس اتجاهات طلبة الفنون والحرف نحو فنّ النحت وتمثّلاتهم له، وما قد يحول دونه من معطّلات ثقافية ونفسية، ليخلص إلى أنّ المنعطف الكيفي الذي تشهده العلوم الإنسانية اليوم قد بات يمثّل أفقًا حقيقيًّا أمام تطورها، وتحدّيًا جدّيًّا لها في الوقت ذاته. وفي إطار هذا التأرجح بين الحدود والوعود، يؤكد التومي في الختام ضرورة بذل جهدٍ تخاصصي بين المناهج لم ينجز بعد.

وفي الفصل الحادي عشر “العلوم الإنسانية: إشكالية مناهج ودراسات استراتيجية لتحقيق مقاصد إنسانية”، ينطلق الحبيب الحباشي من الانفجار المعرفي الذي شهدته العلوم الاجتماعية والإنسانية في دراسة السلوك البشري، والذي لم يخلُ من مفارقة، ولم يتوقف عن زيادة مسألة مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية استشكالًا. وتتأسس هذه المفارقة على تقدم البحوث العلمية في شتى الاختصاصات الاجتماعية والإنسانية، واستشراء أمراض الإنسان النفسية، وتعاظم أزماته الاجتماعية، والاقتصادية، والحضارية، والثقافية، وتزايد هذه الأمراض النفسية وأزماتها على الثقافة العربية استغلاقًا، بخلاف غيرها من الثقافات؛ وهو ما ولّد عند بعضهم التباسًا في التصور أقعدنا عن استئناف الإبداع الثقافي والحضاري. ومن خلال درس هذه المفارقة وتحليلها، يخلص الباحث إلى أنّ إشكالية العلوم الاجتماعية والإنسانية لم تعد إشكاليةً تأسيسية تدور على استخلاص منهج مخصوص، بل إشكالية توحيد اختصاصاتها المتشظية في حزم معرفية قائمة على التكثر المستمر، والتفاعل المستقر، والعابرة للحدود المعرفية، لكي تنظر إلى الإنسان باعتباره كائن حرية، ومسؤولية أخلاقية، لا تظهر حريته، ولا تتجلى قيمته الأخلاقية والسياسية، إلا في تجربة وجودية ذات أبعاد خمسة متتالية، ومتفاعلة، ومتحاورة، هي: العلمي، والإبستيمولوجي، والميتافيزيقي، والأنطولوجي، والديني الروحي.

أما في الفصل الأخير من الكتاب “مشكلة ’التقدم‘ في العلوم الاجتماعية وتحول البردايم”، فيخصّ محمد الوحيدي مسألة “التقدم” في العلوم الاجتماعية بالدرس والتحليل، والتي أثارت جدلًا له تاريخ طويل، وجذبت تفكير كبار فلاسفة الفكر الاجتماعي ومنظّريه. وفي محاولة للإجابة عن سؤال تحول البردايم في العلوم الاجتماعية، يؤكد الباحث ثلاثة أبعاد في البحث الاجتماعي: أولها، إنّ بحث الظواهر الاجتماعية المعقّدة ذو طبيعة إمبريقية، وثانيها، إنّ البحث الاجتماعي يتقاطع مع التفكير الفلسفي في القضايا التي يطرحها الفعل البشري، وثالثها، إضافةً إلى البعديَن الإبستيمي والتقني، ينبغي تشديد البعد العملي للبحث الاجتماعي، أي “الحكمة العملية” التي تحدث عنها أرسطو. وهو ما يعبر عنه الباحث بقوله إننا في حاجة إلى أن يستعيد العلم الاجتماعي وضعه بوصفه نشاطًا فكريًّا عمليًّا يروم إضاءة المشكلات، والأخطار، والإمكانيات التي تواجهنا بشرًا ومجتمعات، ويسهم في “التطبيق العملي” السياسي والاجتماعي.

الجزء الثاني:  مقاربات اجتماعية

الجزء الثاني من كتاب “مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية” جاء بعنوان: مقاربات اجتماعية. ويقع الكتاب في 448 صفحة، وهو من تأليف مجموعة مؤلفين هم: أمل عادل عبد ربه، عبد الله حمودي، محمد آوالطاهر، عبد الحليم مهورباشة، علي جعفري، محمد عبد النور، عبد الرحمن المالكي محسن بوعزيزي، محمد نعيمي، عبد القادر بوطالب، منير السعيداتي. أما التحرير والتقديم فتكفل به مراد دياني ومحسن بوعزيزي.

يعالج كتاب “مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية الجزء الثاني:مقاربات اجتماعية”، سؤال مناهج البحث في المقاربات الاجتماعية، وهو سؤالٌ يكتسي أهميةً كبرى، سواء من جهة إشكالات وتعالقات الذاتي والموضوعي، أو الفردي والجماعي، أو الجزئي والكلّي، أو الواقعي والافتراضي، أو الاستدلال الاستقرائي والاستنباطي، أو العَرَضي والمنتظم … إلخ. وعلى الرغم من أنها إشكاليات أساسية ومؤسّسة للبحث العلمي الاجتماعي، فإنها لم تلق نصيبها من الدرس والتأصيل في المجال التداولي العربي.

هذا الكتاب المخصص للمقاربات الاجتماعية هو الجزء الثاني من سلسلة كتب مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية التي يصدرها المركز العربي، في محاولة التصدّي لهذه الإشكالية المركزية، والإسهام في سدّ ثغرةٍ أساسية في الحقل العلمي العربي. وقد خص الجزء الأول من كتب السلسلة النظر في المقاربات الفلسفية والإبستيمولوجية في موضوع مناهج البحث. وتأتي أبحاث هذا الكتاب لتضع بين أيدي الباحثين والطلاب وعموم المهتمّين نخبةً من المقاربات الاجتماعية المميّزة والأصيلة.

سؤال المنهج في المقاربات الاجتماعية

يستهلّ عبد الله حمّودي الفصل الأول “سؤال المنهج في راهنيتنا: اجتهادات في تصور علوم اجتماعية عربية”، وفيه يسائل “الأشياء” التي تبقى خارج التدوين، وكيف يكون المنهج في كتب المنهج وخارجها في آنٍ واحد، ويسائل أيضًا النقد الإبستيمولوجي العربي للمعارف الغربية التي اقتبس منها، والذي يرتبط مع علوم اجتماعية عربية مُقتبَسة من تلك المعارف، ليصل إلى سؤال أهمية وضع أسسٍ متجدّدة لإنتاج المعرفة حول مجتمعاتنا العربية، وهو ما يتصدّى له متسلّحًا بـ “منهج النقد المزدوج”، مركّزًا على ما يتجلّى خلال لحظة التجربة التي تحيل على “مسافة”، أو “هوّة”، أو “ثغرة” بين ما هو مقتبسٌ، والواقع المبحوث، في منزلة الـ “بين-بين” التي يعيش الباحث في فضائها. ويدعو حمّودي إلى أن يتشبّث الباحث بانتمائه إلى المجتمعات التي تربّى فيها ويدرسها في آنٍ واحد، وأن يتشبّث أيضًا بالكتابة باللغة العربية، مع التمكن من اللغة المركزية في العلوم الاجتماعية وفي راهنيتنا المعولمة، وذلك بهدف التنافس في فضاء عالمي مفتوح وجديد يتفادى التبعية، سواء في شكلها القديم أو في شكلها الجديد.

ويسعى محسن بوعزيزي في الفصل الثاني “المنهج والصدفة: مقاربة غير المتوقّع”، إلى فهم الظواهر الاجتماعية الراهنة وتفسيرها، فيما يسميه أشكالها “القُصووية”، ويخصّ منها بالدرس والتحليل سؤال المنهج الاجتماعي لدرس الصدفة ومقاربة غير المتوقّع. وهو يعدّ ذلك ممكنًا “شرط ركوب الموج وخوض غمار الصدفة في جَيَشانها، لتتكشّف الرؤية ونحن داخلها؛ أي قبل أن تكتمل ويهدأ فورانها”، عوضًا عن ترك الظواهر الطارئة تسير إلى أن يستقرّ مسارها، من دون تدخّل الدارس فيها، باسم الموضوعية والحياد وعدم التسرّع. وعلى اعتبار الصدفة سلوكًا اجتماعيًّا غير متوقّع، فإنها تحتاج، وفق بوعزيزي، إلى منهجٍ غير متوقع تنتجه اللحظة التي ظهرت فيها هذه الصدفة، وقد يكون المنهج التركيبي مفيدًا إلى هذا الحدّ أو ذاك في مقاربتها؛ لأنّه في الأصل بحثٌ في غير المنتظر، إضافة إلى المقاربات العابرة للتخصصات التي ينشئها الباحث بحسب الطوارئ في أثناء شقّه الطريق نحو دراسة الصدفة. ولا يخلو تصدّي بوعزيزي لهذه الإشكالية العويصة درسًا وتحليلًا من شاعرية، ليقترح الخروج عن الطرق المنهجية المعبّدة المعتادة، ونسيان طقوس المعرفة ومعتقداتها وحتمياتها، للتفكير حدسيًّا، وتنشيط المخيال السوسيولوجي، بما فيه من علاقة بين الإنسان ومحيطه.

ويقترح أيضًا بناء نسق العلامات لبلوغ مقاربة سيميولوجية تقرأ ما لا يُقرأ عادةً ضمن سياق نصّي؛ لأننا لا نبلغ الصدفة إذا اكتفينا بقراءة “الرسائل الأولى”، بل يُفترض بلوغ الرسائل الثانية التي تلبس الأولى؛ أي قراءة ما بين السطور وخلفها، وما بين الإشارات وما تخفيه من قيمٍ اجتماعية وأخلاقية وأيديولوجية؛ لتصبح الدلالة الإيحائية نمط التفكير الملائم لرصد الصدفة وفهم زوابعها، فيخلص إلى أنّ جدارة العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبخاصة علم الاجتماع، قد تظهر أكثر في دراسة غير المتوقّع من الأفعال والظواهر من دراسة الأفعال المتوقعة والمألوفة.

ويتناول محمد نعيمي في الفصل الثالث “محدودية نظرية الاختيار العقلاني في سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية: حالتا حركة ’20 فبراير‘ وحراك الريف في المغرب”، دور نظرية “الاختيار العقلاني” في سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية لتفسير بعض الظواهر، متسائلًا عن النظرية وقيمتها ومحدوديتها في دراسة “الفعل الجمعي”، وإنْ كانت الحركات الاجتماعية تنطوي على عقلانية معينة، ومدى اختلاف منطق الفعل الجمعي عن منطق الفعل الفردي، وإنْ كان اختيار الفرد انخراطَه في الفعل الجمعي يتحدد وفق منافع أو بحسب قيمٍ. ويتناول نعيمي هذه الإشكالية عبر دراسةٍ ميدانية للوضعية الاحتجاجية في المغرب، وتحديدًا بالنسبة إلى حركتين اجتماعيتين في هذا البلد “حركة 20 فبراير” و”حراك الريف”، ويُقدِّم من خلالهما حجاجه بشأن محدودية العقلانية الأداتية في نموذجها “الأولسوني” الذي يُعاني في نظره قصورًا منهجيًا وإبستيمولوجيًا إزاء هذا النوع من الظواهر الاجتماعية التي يخضع فيها الفعل الجمعي الاحتجاجي لمنطق مغاير غير منطق العقلانية الأداتية المستندة إلى مُسلمة “مبدأ التكلفة والربح” التي تفتح المجال أمام تفسيرات بديلة تعتمد “حوافز رمزية” أو تنتمي إلى “عقلانية أكسيولوجية”.

ويخلص إلى ضرورة توسيع دائرة العقلانية لتشمل المجال الإدراكي، بما يُمكّن من تفادي السقوط في فخ اختيار جد مبسط بين كائنٍ اقتصادي مفرط في العقلانية، وكائن سوسيولوجي من دون عقلانية، والانفتاح على عقلانية أكسيولوجية تأخذ في الحسبان مجموعةً من القيم، وتخطّي خطاطة المنطق الأرسطي الثنائي القيم إلى منطق ديالكتيكي ثلاثي القيم، في إطار منهج يسعى نحو التكامل.

وينطلق عبد الرحمن المالكي في الفصل الرابع “الميدان والمنهج: حول نشأة التحقيقات السوسيولوجية في الغرب والمغرب”، من حقيقة أنّ تاريخ العلوم الاجتماعية ليس تاريخ “النظريات” و”البرَدايمات” فحسب، بل أيضًا تاريخ “التحقيقات العمالية” و”التحقيقات الاجتماعية” التي تطوّرت في القرن التاسع عشر، بتزامنٍ مع الاهتمام المونوغرافي للملاحظين الاجتماعيين؛ ما ساهم في تراكم كمٍّ هائل من الوقائع والمعطيات التي تزامن ظهورها مع النظريات التطورية الكبرى في القرن التاسع عشر، قبل أن تُتجاوَز هذه النزعة “العلموية” مع بدايات القرن العشرين، ويجري التوجّه تدريجيًا في اتجاه نزعة تستلهم الفلسفة البراغماتية والنزعات الإمبريقية و”الميدان”، بمناهج وتقنيات جرى استلهامها أولًا من الأنثروبولوجيا، ثمّ بحسب ما تقتضيه طبيعة الأبحاث ومجالاتها. وبعد عرضه ما الميدان في علم الاجتماع، وتطور تيار التحقيقات الاجتماعية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مع تركيزٍ خاص على “مدرسة شيكاغو” وتميّزها بالبحث الميداني الإمبريقي، ينتقل المالكي إلى درس تطور البحث السوسيولوجي الميداني في المغرب، ليخلص إلى أنّ الانغماس في الميدان الذي نسعى إلى فهمه أو تفسيره ينبغي أن يكون انغماسًا تامًا وكافيًا، وأنّ ذلك لا يتأتّى إلا إذا شعرنا بعد إنهاء التحقيق أنّ هذا الميدان قد غيّرَنا ومارس علينا التأثير نفسه الذي كنا نريد أن نمارسه عليه.

الفصل والوصل

يطرق محمد عبد النور في الفصل الخامس “الفصل والوصل بين الإنساني والطبيعي في علم الاجتماع ومكانة المقاربة البيوسيميائية”، موضوعًا ندَر ما نجده مطروقًا في الكتابات الأكاديمية العربية؛ وهو “التطورية”، ليستكشف من خلاله الآفاق المنهجية للوصل بين البُعدين الإنساني والطبيعي من خلال تمحيص الصلة العضوية المباشرة بين البيولوجي والاجتماعي بدايةً، وإعادة استكشاف قوانين المجتمع الإنساني غايةً، من أجل التعرّف إلى مدى خطورة التغير الذي سيطرأ على إبستيمولوجيا الاجتماع الإنساني.

ويعتبر أن من نتائج رأب الهوة بين الإنساني والطبيعي اندماج التاريخ البشري (الثقافي والحضاري) ضمن دائرة التاريخ الطبيعي الكبرى؛ ما سيوسّع النظر إلى المجتمع البشري من حيث امتداده في العمق التطوري للحياة، وهو ما سيعمل على التحرّر من أفق النهايات، ويعني بها أطاريح “نهاية التاريخ” وهي نتاج حتمي للتصورات المثالية عن العقل المتمحورة حول مركزية الإنسان وتفريده اعتباطيًا عن بقية الموجودات. ليخلص عبد النور إلى أنّ التنظير والتحليل السوسيولوجيَّين سيقومان مستقبلًا على منظورٍ شبكي تفاعلي، طرفاه الوراثة والبيئة، ويعني بالوراثة بُعديها “الجيني” البيولوجي و”الميمي” الثقافي، ويعني بالبيئة بُعديها الإيكولوجي المادي والاجتماعي الرمزي، في تأثيراتٍ تبادلية لامتناهية، بحيث لا تصبح الغاية الأساسية هي الانتهاء إلى نموذج نظري ثابت، بقدر ما يكون الهدف هو تحقيق فهمٍ وإدراكٍ سببي لكلّ دقائق الوجود الاجتماعي.

في السياق ذاته، يتناول عبد الحليم مهورباشة إشكالية الفصل والوصل في العلوم الاجتماعية من منظورٍ مغاير في الفصل السادس “العلوم الاجتماعية من برَدايم الفصل إلى برَدايم التركيب: نحو طرح إبستيمولوجي بديل”، منطلقًا من مسلّمة أنّ العلوم الاجتماعية باتت في المؤسسات الجامعية الحديثة مجموعةً من التخصصات العلمية المتناثرة بين الأقسام الدراسية والمختبرات العلمية؛ إذ نعثر على تخصصات معرفية عدة يندر التواصل المعرفي بين المشتغلين بها.

ولفهم الوضعية المعرفية التي آلت إليها العلوم الاجتماعية، يوظّف مهورباشة المنهج الأركيولوجي، من خلال الحفر في الجذور المعرفية والسياقات التاريخية التي تشكّلت في رحمها هذه العلوم، مسائلًا المبادئ التي مثّلت أعمدتها الإبستيمولوجة ومنطلقاتها المنهجية، من أجل درس العلاقة المتشابكة بين برَدايم الفصل والعلوم الاجتماعية، وكيفية انعكاس مبادئه على فروعها المختلفة، والحدود المعرفية التي ارتسمت بين فروعها، ويعمل على تفكيك هذه العلاقة المتشابكة بتوظيف برَدايم جديد في فلسفة العلوم المعاصرة لإعادة الوصل بين فروع العلوم الاجتماعية.

ويسعى، من وراء ذلك، للكشف عن البرَدايم الذي انتظمت خلفه الممارسات المنهجية والخطابات النظرية في العلوم الاجتماعية، التي تسهم في بلورة وعيٍ نقدي لدى الباحثين بالمرجعيات المعرفية التي تطورت في ظلّها هذه العلوم. ويوصي مهورباشة بإعادة النظر في المسارات التكوينية للباحثين في الجامعات العربية، من خلال صياغة مناهج دراسية تتقاطع فيها فروع العلوم الاجتماعية، والتفكير في تأسيس مختبرات بحثية محور اشتغالها المركزي بردَايم التركيب في فلسفة العلوم المعاصرة، وإنشاء فرق بحثية تنجز دراسات اجتماعية حول ظواهر معينة، يشترك في إعدادها باحثون من مختلف فروع العلوم الاجتماعية.

مقاربات في حقول المعرفة

تُعرّفنا أمل عادل عبد ربه في الفصل السابع “الإثنوغرافيا المؤسسية واستكشاف الواقع الاجتماعي: مقاربة تجريبية في دراسة دوائر المعرفة المصرية”، إلى منهجية “الإثنوغرافيا المؤسسية” التي تقدّم مقاربةً تربط التنمية بالمعرفة “من الأسفل إلى الأعلى”. وتعني بها معرفة الواقع الاجتماعي وما فيه من فاعلين اجتماعيين يمارسون حياتهم اليومية وتجاربهم داخل الأنظمة المؤسسية. وتعتمد الباحثة منهجية بحثية لعلم الاجتماع بديلة تختلف عمّا هو سائد عادةً في هذا الحقل؛ إذ تسعى هذه الإثنوغرافيا المؤسسية إلى دراسة سلوك الناس وتفسيره بغية وضع نموذج جديد للمعرفة لا يهدف إلى تشييء الواقع الاجتماعي واعتباره كيانًا منفصلًا عن سلوك الناس، فتنطلق من حياة الناس اليومية وممارساتهم وتجاربهم من أجل معاينة انسجام أفعالهم وذاتياتهم وتمفصلها مع المؤسسات بوساطة النصوص.

ويتعلق الأمر عند الباحثة بالكيفية التي تقوم بها المؤسسات بتنظيم حياة الناس اليومية، وبأنطولوجيا الاجتماعي بما هو تنسيق للأنشطة العادية عبر اللغة بما هي عامل تنظيم وترتيب للذاتيات، وعبر وساطة النصوص. ومن النتائج الرئيسة التي توصلت إليها في دراستها الميدانية التي شملت أربعةً من مواقع الدوائر المعرفية في مصر (معهد تكنولوجيا المعلومات، ومدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية، والقرية الذكية، ومكتبة الإسكندرية)، إبرازها تقييد وصول الجمهور إلى مواقع الدوائر المعرفية هذه وجعلها مناطق معزولة ومُسوّرة، وهذا ما تصفه بأنه “حجبٌ لهذه المشاريع والمناطق التنموية”، ومفاقمةٌ للإقصاء الاجتماعي لشرائح معينة من المجتمع المصري، وخاصة شريحة خريجي نظام التعليم العام.

يستكشف محمد أوالطاهر في الفصل الثامن “سوسيولوجيا التعليقات على الإنترنت: مدخل جديد لتفكيك جدلية الدين والتديّن في خطاب المتلقّي العربي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”، مناهج البحث السوسيولوجي في العوالم الافتراضية الناشئة، ومدى ملاءمة المناهج التقليدية لدرسها، في مقابل الحاجة إلى اجتراح مقارباتٍ مستجدّة متّسقة مع خصوصياتها. ويعدّ أوالطاهر “خطاب المتلقّي” على الإنترنت، من خلال تعليقاته، بمنزلة المسكوت عنه في الدراسات السوسيولوجية المتعلقة بالموضوع، التي جرى تجاهلها في الأبحاث السوسيولوجية باعتبارها ثانويةً وهامشية، في حين أصبح الهامشي في الفكر المعاصر مصدرًا من مصادر الحقيقة السوسيولوجية، لكونه مفعولًا من مفعولاتها المرتبطة بالسلطة. وهو يخصّ بالدرس جدلية الدين والتديّن لدى المتلقّي العربي من خلال مدوّنة إعلامية منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الرأي الإلكترونية.

وينطلق من القارئ في علاقته بالنص، مستعينًا أيضًا بـ “نظرية التلقّي” التي جرى تطبيقها في مجال النقد الأدبي، وفي علم الاجتماع أيضًا. وقد شملت الدراسة الميدانية 200 مادة إعلامية (140 مرئية، و60 مكتوبة)، بما يتجاوز 4000 تعليق على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الرأي الإلكترونية. ويخلص إلى تأكيد أنّ المدوّنة الإعلامية لم تعد حاملةً للمعنى فحسب، بل صانعة له وكاشفة عنه في ذهن المتلقّي أيضًا، من خلال التعدّد الدلالي والسياقي الذي يتشكّل فيه خطابه؛ فقد أصبح النص مرآةً تعكس رؤية الواقع، ولم يعد يبني رؤية جديدة له. ويعدّ أوالطاهر أنّ مدخل سوسيولوجيا التعليقات على الإنترنت يفتح آفاقًا واسعةً في مقاربة إشكالات سوسيولوجية لا تزال إنتاجاتها هامشيةً في المجال التداولي العربي، خاصة لاعتبارات أمنية وسياسية وأيديولوجية، مثل الإشكالات المتعلقة بالجنس والسياسة والتطرّف والإرهاب، التي يكاد يكون مستحيلًا دراستها ميدانيًا (من خلال المقابلات، أو استطلاعات الرأي، أو المجموعات البؤرية … إلخ)، في حين نجد أنّ مجال التعليقات الذي تتيحه المواقع الإلكترونية ذات الصلة بهذه المواضيع قد عمل على القبض على ما لم يفتأ ينفلت من الدرس سوسيولوجيًا، سواء كان ذلك بسبب الرقابة الذاتية، أو الحظر الثقافي، أو الرفض الاجتماعي، أو المتابعة القانونية.

يعرض منير السعيداني في الفصل التاسع “التذويت والموضعة: الداخلي والخارجي في التحليل العلمي الاجتماعي”، الحركة الاجتماعية التي اندلعت في تونس خلال كانون الأول/ ديسمبر 2010 واستمرت إلى ما بعد 14 كانون الثاني/ يناير 2011، متحولةً في الأثناء إلى انتفاضةٍ فثورة، والتحديات التي يضعها تحليل تلك الحركة أمام كل باحث فيها من منظور العلوم الاجتماعية عامة، ومن منظور علم الاجتماع خاصة، ولا سيما قضية العدالة الاجتماعية. ويستعيد السعيداني النقاش القديم/ المتجدّد بين علماء الاجتماع والباحثين فيه حول زاوية النظر إلى الحدث/ الظاهرة/ الفعل، سواء بالتعويل على ما يراه فيه/ فيها فاعلوها، أو على اعتبار هؤلاء مجرد “فَعَلَة” لما يجسده منطق اشتغال الاجتماعي ويتجاوز أفهامهم في آنٍ معًا، بالتعويل على ما لا يداخله “الحس المشترك” من العقلنة التفسيرية الخارجية للظواهر الاجتماعية، مسلّطًا الضوء على أوجه التقابل و/ أو التكامل بين “الذاتي – الموضوعي”، و”الداخلي – الخارجي” في مقاربة الفعل الاجتماعي. ومن منظور هذه الترابطات، يعتبر السعيداني هذه السيرورة مرورًا من البُعد الذاتي إلى ما يسمّيه “المَوْضَعَة” (ويقصد بها “مَوْضَعَة” الذات في سياق بناء العالم الاجتماعي، وخلق إطارِ فعلٍ اجتماعي ذي وجود موضوعي له صبغة مؤسسية يُمكن دراستها سوسيولوجيًا)، لفهم الحركات الاحتجاجية التونسية التي تحولت في النهاية إلى ثورة.

ثنائيات: الميكرو/الماكرو، الداخلي/الخارجي، الكوني/المحلي

يقتفي علي جعفري في الفصل العاشر “الميكرو – ماكرو: في إلزامية تبيان آليات الانتقال”، أثر تفكيك الواقع الاجتماعي إلى مستويات تحليل كلية (Macro)، وجزئية (Micro)، ووسيطة (Meso)، مسلّطًا الضوء على المستويين الأولين بالدرس والتحليل، لا سيما بالنظر إلى آليات الانتقال بينهما. وبعد مناقشة فئات الفصل القائمة بين الميكرو والماكرو، بمقياس الحجم، يعرض جعفري للفصل بينهما بمقياس الإشكالية، والفرضية، ووحدة التحليل، خاصًّا بالنظر سجال محمد الشرقاوي مع جيمس كولمان بشأن أطروحة ماكس فيبر في الربط بين المتغيرات السوسيولوجية. ويقدّم جعفري تصنيفًا للنظريات يشمل عشرة أنواع “مثالية” تقوم بمسح النظريات السوسيولوجية الموجودة والآتية، مع ضمّه في كلّ نوعٍ مثالي النظريات التي توافقه، وعرضه النظريات التي يجب تبيان آليات مرورها بين مستويات الواقع من الميكرو إلى الماكرو؛ وهي النظريات التي تنشغل بتفسير الانتظامات الاجتماعية بصياغتها لفرضيات، عقلانية أو لاعقلانية، حول الفرد، أو حول ثنائية الفرد – السياق. ويختم بطرح مقترحات المستوى التحليلي الوسيط، ومفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو، والشكل، بوصفها آليات ممكنة للانتقال بين مستويَي الميكرو والماكرو.

أما في الفصل الحادي عشر، وهو الفصل الأخير “علم الاجتماع بين الكوني والمحلي: إشكالية المفاهيم وسياقاتها في البحث السوسيولوجي بالمغرب”، يُلامس عبد القادر بوطالب مسألةً منهجية على قدرٍ عالٍ من الأهمية بالنسبة إلى العلوم الاجتماعية العربية؛ هي المركزية الإثنية الأوروبية وإشكالية تراوح علم الاجتماع بين الكوني والمحلّي، من منطلق أنّ السوسيولوجيا قد تبلورت في سياقٍ تاريخي واجتماعي محدّد، اقترن بالتحولات الكبرى التي عرفتها المجتمعات الغربية، والتي انتهت بانتصار الرأسمالية ونهاية الإقطاعية، فكانت مهمتها فهم ما حدث في هذه المجتمعات، وإعادة صياغة المشروع الخاص بها.

لكن حينما يتعلق الأمر بمجتمعات أخرى غير أوروبية، ومنها المجتمعات العربية، فإنّ ثمة سياقات أخرى مختلفة، هي التي تحكمت في نشأة السوسيولوجيا. ومن ثمّ، يطوّر بوطالب قراءةً نقدية لتاريخ نشأة البحث السوسيولوجي في المجتمع المغربي، وذلك بالتركيز على لحظتين بارزتين في تاريخ هذا البحث، تتمثّلان في لحظة بداية تشكّل السؤال السوسيولوجي حول المجتمع المغربي وطبيعته، وهو السؤال الذي اقترن بضرورات سياسية وأيديولوجية أمْلتها الضرورة الاستعمارية المتمثلة في إنجاح عمليات التغلغل الاستعماري، ولحظة بدايات الاستقلال السياسي، حينما تبلورت أسئلة بحثية جديدة حاولت فهم عوامل التخلف وطرائق تحقيق التنمية والتقدم؛ كما اقترنت بإشكالية بناء معرفة متحرّرة من الأحكام والتصورات الكولونيالية التي تشكلت خلال اللحظة الأولى للحضور الاستعماري، فظهر ما أسماه الباحث محاولات بناء سوسيولوجيا وطنية، أو تحرير المعرفة السوسيولوجية من الإرث الكولونيالي. ويخلص إلى أنّ اختلاف السياقات يشكّل مصدرًا للتجديد والإبداع، ويسمح بتحديد الفواصل بين الكوني والمحلي؛ فإذا كان مفروضًا علينا التفاعل مع الآخر، ويستحيل علينا العيش في عزلةٍ تامة، فإنّ ما يسمح بقراءة علمية لواقع مجتمعاتنا، ولتاريخ البحث السوسيولوجي، ليس الانغلاق والتعصّب، بل تأكيد مبدأ التعدّد والاختلاف الذي يجعل المركزية الغربية، أو الأوروبية، واحدةً من ضمن أخريات ممكنات، يمكن أن يتعايش جميعها جنبًا إلى جنب في هذا العالم.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | ابن ماجد وكتابه الفوائد في أصول علم البحر والقواعد

[ad_1]

كان الاعتقاد السائد لدى علماء الغرب أن الخبرة الملاحية العربية كانت متواضعة ومحدودة، وأن العرب لم تكن لديهم مصنفات ملاحية ولم يسهموا في تطوير علم الملاحة وأدواته، ورسخ هذا الاعتقاد زمنا طويلا بسبب عدم الاستدلال على مؤلفات عربية في هذا المجال إلى أن اكتشفت في أوائل القرن الماضي مصنفات أحمد بن ماجد وسليمان المهري التي دحضت هذا الادعاء، وفي السطور التالية نعرض لإسهام العرب في مجال الملاحة من خلال كتاب الفوائد للبحار العماني الشهير أحمد بن ماجد.

العرب وعلم الملاحة .. نبذة تاريخية

يكشف ابن خلدون في مقدمته جانبا من تصور عرب الجزيرة الأولي عن البحر فيقول إن عمر ابن الخطاب لما ملك المسلمون مصر أرسل إلى ابن العاص يسأله “صف لي البحر” فأجابه: «إن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود» فأوعز حينئذ بمنع المسلمين من ركوبه ولم يركبه أحد من العرب… ولم يزل الشأن ذلك حتى إذا كان عهد معاوية أذن للمسلمين في ركوبه والجهاد على أعواده”، وهو يفسر موقف ابن الخطاب بكون العرب أهل بداوة ليس لديهم معرفة بالبحر وركوبه، لكن لما اشتد ساعدهم ودانت لهم الأمم وتقرب إليهم أهل الصناعات ومنهم الملاحون فتكررت ممارستهم للبحر واستعانوا بالبصراء، وتطلعوا للجهاد فيه “وأنشئوا السفن فيه والشواني وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح وأمطوها العساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر.

وكلام ابن خلدون صريح في إن العرب لم يقدموا على ركوب البحر إلا للجهاد، يضاف لذلك أن كتاب الله يدعوهم لارتياد البحر في آيات كثيرة منها لأجل الصيد منه (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) أو بغرض نقل الركاب والبضائع (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون).

وقد بينت كتب الجغرافيين العرب منذ ابن خرداذبة في القرن الثالث النجاح الذي أحرزه العرب في علوم البحار وما أدخلوه من تطوير على الآلات البحرية ضمن حديثهم عن الجغرافيا الملاحية التي تناولت وصف البحار ومنابعها ومصابها.

ومنذ القرن التاسع بدأت كتب (المرشدات الملاحية) في الظهور وهي مصنفات ملاحية وضعها البحارة الذين يسافرون على البواخر لأجل خدمة الربابنة -قادة السفن- ورؤسائها وفيها القواعد الأساسية التي تؤطر عمل هؤلاء من الناحية النظرية والعملية، وفي مقدمة هذه الكتب هناك كتابات الملاح العماني الذائع الصيت أحمد بن ماجد، الذي كتب في ذلك  كتبا أهمها كتابه (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد).

سيرته ومصنفاته

هو أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن أبي الركائب النجدي، ويلقب بألقاب منها: حاج الحرمين الشريفين، ناظم القبلتين (مكة والقدس)، المعلم العربي، شهاب الدنيا والدين، أسد البحر الزاخر، ليث الليوث وغيرها، انحدر من سلالة أسرة من جلفار العمانية اشتغل أفرادها بقيادة السفن، كان أبوه بحارا وكذلك جده، ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ ميلاده ويرجح الأستاذ أنور عبد العليم أنه ولد عام 838ه استنادا إلى ما ذكره ابن ماجد في قصيدته (ضريبة الضرائب)، حول تجاوزه الستين في عام 900 ه وعليه تكون وفاته بعدها.

وليس هناك معلومات محققة عن حياته التي أمضاها بين البحار سوى ما دونه في أشعاره ومصنفاته ومنها يفهم أنه ركب البحر وهو فتى لم يتجاوز الخامسة عشر تولى خلالها قيادة السفن في المحيط الهندي نحو خمسين عاما، وأنه حج بيت الله الحرام مرة على الأقل وأراد معاودتها في أواخر أيامه ولا ندري أتمكن من ذلك أم لا، وأنه كان جم النشاط موفور الصحة متوقد العقل بعد بلوغه الستين عاما مما أدى إلى عجب الناس وهو يقود السفن في هذه السن.

وآثاره الفكرية تربو على الثلاثين وجلها ورد في صيغة شعرية، ومنها:

  • كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد.
  • حاوية الاختصار في أصول علم البحار.
  • تصنيف قبلة الإسلام في جميع الدنيا (295 بيتا) صنفت عام 893 ه.
  • أرجوزة في عدة الشهور الرومية.
  • أرجوزة في النتخات لبر الهند وبر العرب.
  • أرجوزة بر العرب في خليج فارس.
  • أرجوزة ضريبة الضرائب (192 بيتا) في القياسات البحرية.
  • أرجوزة السبعية (307 بيتا) في علوم البحر السبعة.

كتاب الفوائد: منهجه وبنيته

يُنظر إلى مصنفات ابن ماجد بوصفها أهم ما كتب عن الجغرافيا الملاحية في العصر الإسلامي وخصوصا كتابه (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) الذي حظي بتقدير استشراقي واسع إذ ذكره المستشرق الروسي كراتشوفسكي وتلميذه تيودور شوموفسكي، وفران الذي حقق الكتاب وطبعه، ويمكن تلخيص منهج ابن ماجد في كتابه من خلال العناصر التالية:

  • الجمع بين الإطارين النظري والعملي؛ ذلك أن مؤلفه لا يقصر حديثه على الجوانب النظرية للملاحة من كيفية إعداد ربان السفينة وتهيئة السفن ومعداتها وإنما يمزج ذلك بالخبرة العملية فيعرض لتجاربه الشخصية في مواجهة مشكلات الملاحة وكيفية تغلبه عليها.
  • التوسع في استخدام المصطلحات الملاحية، استخدم ابن ماجد المصطلحات الملاحية السائدة في عصره؛ وهي مستمدة من اللغات الفارسية والهندية والسكريتية، ولم يقم بتعريبها اعتمادا على معرفة الملاحين لهذه الاصطلاحات، ولأجل هذا يعتقد المستشرقون أن كتاباته شاقة وعسيرة وتحتاج إلى ترجمة من اللغات الشرقية لفهم مرادها حتى أن أحدهم أعد قاموسا بالاصطلاحات الواردة فيها.
  • الإفادة من كتب السابقين: يدل كتاب ابن ماجد على أنه كان على اطلاع واسع بكتب وآثار من سبقوه ليس فقط بالنسبة للجغرافيا الملاحية والجغرافيا الرياضية بل بالنسبة لكتب الأدب والأشعار، فهو يستشهد بأشعار امرئ القيس وعمرو بن كلثوم والمهلهل، وفي مواضع من كتابه يشير إلى “الكتب الكبار” الواجب على قادة السفن الاطلاع عليها مع بيان موضوع كل منها ووجه إفادته.
  • التأكيد على الجانب القيمي، ويتجلى في حديثه عن أخلاق ربان السفينة وما ينبغي أن يتصف به، ومن ذلك قوله ” وينبغي أنك إذا ركبت البحر تلزم الطهارة، فإنك ضيف من أضياف الباري عز وجل فلا تغفل عن ذكره”، وهذا الحديث وأمثاله يبين أنه لم ينظر لعلم الملاحة بوصفه علما مجردا منفصلا عن القيمة الخلقية وإنما آمن أن الأخلاق هي الإطار الموجه للعلم والضابط له، ولعلنا نبين ذلك في حديثنا عن (دستور البحر).

فوائد كتاب الفوائد

أما عن كتاب الفوائد، فقد وضعه لخدمة البحارة كما نص، وهو يتألف من اثني عشر فصلا (فائدة) نلخصها في الآتي:

الفائدة الأولى: وهي عبارة عن مقدمة تناولت نشأة الملاحة وتطور علم البحر وعرج فيها على بعض ربابنة البحر السابقين.

الفائدة الثانية: تناولت ما يجب أن يعرفه قائد السفينة وراكبها من منازل القمر والمسافات ومواسم ركوب البحر، واختصت.

الفائدة الثالثة: بذكر منازل القمر.

الفائدة الرابعة: وبحثت وردة الرياح التي هي بمثابة البوصلة وبها اثنان وثلاثون قسما تسمى (أخنان).

الفائدة الخامسة: والمعنونة باسم (ما يحتاجه أهل الصنعة) فتذكر الفلكيين الأوائل والجغرافيين ومؤلفاتهم التي يجب على قادة البحر استيعابها.

الفائدة السادسة: وهي فائدة بعنوان (الديرات الثلاث وما يتعلق بها) وتصف طرق الملاحة في المحيط الهندي وشرق أفريقيا وبحر العرب.

الفائدة السابعة: وتعالج الأرصاد الفلكية وقياساتها وارتفاع النجوم في الأفق، وفيها يحذر ابن ماجد مما يفسد القياس مثل الدخن أو الضباب واستخدام اليد اليسرى في القياس والجلسة السيئة.

الفائدة الثامنة: وتهتم بتفقد السفينة قبل نزولها البحر وبخاصة (الحقة) أي البوصلة للتأكد من صحة القياس بالليل، ثم يذكر ابن ماجد فيها علامات اقتراب السفن من البر.

الفائدة التاسعة: المسماة (دورة البحر في جميع الدنيا) وتصف السواحل البحرية للمحيط الهندي والبحر الأحمر من باب المندب حتى بحر القلزم أو البحر الأحمر.

الفائدة العاشرة: وتصف الجزر الكبار وعلى رأسها جزيرة العرب وتضاريسها.

الفائدة الحادية عشر: وتدرس (مواسم السفر) وفيها ذكر لمواقيت السفر والملاحة واتبع فيها ابن ماجد التقويم الفارسي.

الفائدة الثانية عشر: وهي الفائدة التي يختتم بها الكتاب وجءت بعنوان (بحر قلزم العرب) لأن فيه نوادر وحكما لا يعرفها إلا من ارتاده.

يبدو جليا أن ابن ماجد تناول في كتابه كل ما يحتاجه البحارة في تعاملهم مع البحر، ولذلك رجح فران أنه استغرق زمنا في إعداده حيث يشير مؤلفه أنه انتهى منه عام 895 ه إلا أنه ربما يكون قد استغرق بضع سنوات يدقق ويمحص وهو ما تبينه مخطوطات الكتاب التي عثر عليها إذ فيها بعض الاختلافات والإضافات والتدقيقات التي أجريت في حياة مؤلفه، وأيا ما كان فإننا معنيون في هذا الكتاب بالبعد القيمي والأخلاقي الذي أسماه الأستاذ أنور عبد العليم ب(دستور البحر) وهو القانون الذي يضبط عمل الملاحون المسلمون ويميزهم عن غيرهم

دستور البحر الأخلاقي

يلتفت أنور عبد العليم في كتابه (الملاحة وعلوم البحار) إلى التعاليم الخلقية التي صاغها ابن ماجد في كتابه، والتي تندرج تحت ثلاث أقسام وهي: الربان، السفينة، الشحنة وما إليها:

  • الربان، يُعنى ابن ماجد أكثر ما يعنى بإعداد الربان أو قائد السفينة الذي تتوقف عليه سلامة الأرواح والأموال، ويشترط في اختياره بضعة أمور منها: أن يكون على خلق رفيع، ذا شخصية قوية حازمة، جادا لا هازلا، وأن يكون دينا تقيا، وحول هذه الخصائص يقول ما نصه: ” وتأمل في جميع الأشياء لتكون عالما بها عند الشدة… وكن حازما قويا في كلامك وأقوالك وأفعالك، لين الطبيعة، ولا تصحب ما لا يطيعك في ما يعنيك… وكن شجاعا ذا بأس، قليل الغفلة كثير الهمة” ويقول في موضع آخر “ينبغي للمعلم أن يعرف الصبر من التواني، ويفرق بين العجلة والحركة، ويكون عارفا بالأشياء، عادلا لا يظلم أحد لأحد، عزاما فتاكا لينا في قوله، مقيما على الطاعة لربه، متقيا الله عز وجل.
  • السفينة، ولا تقتصر تعاليم ابن ماجد على العناية بتأهيل الربان وحسن اختياره بل إنه يضع قواعد لركاب البحر وسفارته ليضمن سلامتهم من الشجار والمشاحنة والمزاح، ومن ذلك قوله “كان الناس في الزمن الغابر أكثر حرصا ولا يركبون البحر إلا بأهله”، ويخاطب الربان ” وانه جميع الركاب عن كثرة المزاح في البحر فما ينتج عنه إلا الشر والبغض والعداوات”، وهو يهتم بالسفينة وآلاتها فيخاطب الربان قائلا “وجدد الآلة قبل السفر من حقة أو قياس وحجر” وينهاه عن شحنها بما يزيد عن حمولتها طمعا في الربح.
  • الشحنة، يحرص ابن ماجد أشد الحرص على سلامة الأرواح لذا نراه يؤثر حال تعرض السفينة لخطر أن يلقى بالشحنة في البحر لتخفيف الحمولة، وعند الخطر المحدق يحاول أولا إنقاذ الركاب ثم البحارة ويكون الربان آخر من يغادرها وربما كان معها في قاع البحر.

مما سبق نستنتج أن العرب برعوا في فن الملاحة البحرية وأنهم صاغوا دستورا أخلاقيا يضبط عمل الملاحين والبحارة وظل هذا الدستور يحكم عملهم لفترات طويلة وامتد ليشمل أقوام آخرون مثل الفرس والهنود والزنج.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | قراءة في “تهذيب الكمال” و”تحفة الأشراف ” للإمام المزي

[ad_1]

كان الإمام جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي من أؤلئك القلائل العظماء الذين بارك الله تعالى في تراثهم وعلمهم مع قلة التأليف، وكم من أناس صنفوا تصانيف كثيرة، ولكن لم يكتب الله لها الدوام والاستمرار للحكمة وربما لنيات أصحابها أيضا، “كان – الإمام أحمد- رضى الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يُكتب كلامه، ويشتد عليه جدا، فعلم الله حسن نيته وقصده فكُتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سِفرا، ورويت فتاويه ومسائله وحُدث بها قرنا بعد قرن” [1]

ألم تر كيف جعل الله تعالى قبول لكتابي التهذيب والتحقة بين أهل العلم عامتهم وخاصتهم، وحظيا منهم بالاهتمام الخاص، حيث يرتعون في ظلالهما ويستضيئون بنورهما تأصيلا وبحثا ومباحثة، ولا تكاد تخلو كتب علوم السنة من التحكيم إليهما والنهل منهما والاعتماد عليهما والوصية بهما، وهذا فيما يبدو من علامة القبول وبركة العمر والعلم.

يقول عنهما ابن عبد الهادي: “صنف كتاب تهذيب الكمال.. وكتاب الأطراف، وأوضح في هذين الكتابين مشكلات لم يسبق إليها”، وقال ابن طولون: ومن المعلوم أن المحدّثين بعده عيال على هذين الكتابين.[2] وفيما يلى إشارة سريعة إلى منزلة الكتابين بين عالم الكتب الدينية.

أولا: كتاب تهذيب الكمال

كان مصطلح الكتب الخمسة مصطلحا معهودا عند أهل العلم قديما، ولما ألف أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي كتابه ” أطراف الكتب السنة” وكتابه ” شروط الأئمة الستة” أصبح مصطلح الكتب الستة علما على “صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع التِّرْمِذِيّ، وسنن النَّسَائي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجة القزويني”، وكان ابن طاهر أول من أضاف سنن ابن ماجه نظرا لكثرة زوائده وأبوابه الفقهية وإن كان أضعفها من حيث الصحة.

وهذه الكتب الستة بمجملها تمثل أمات كتب السنة النبوية في الدرجة الأولى، لما فيها من انتقاء الأحاديث وشمولها على أبواب الدين كله.

وجاء الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وألف في شيوخ أصحاب الكتب الستة فحسب، في كتاب أسماه” “المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل”، ثم جاء بعده الحافظ عبد الغني المقدسي ووضع كتابه “الكمال في أسماء الرجال”، وحاول فيه قدر الاستطاعة دراسة رجال الكتب الستة كلهم، بدءا بالصحابة حتى شيوخ أصحاب الستة، ولذا يعتبر أول من طرق باب التأليف في رجال الكتب الستة، وإن كان ابن عساكر أول من ألف في شيوخ أصحابها.

سبب تأليف الكتاب

قد أبان المؤلف في المقدمة عن السبب الدافع لوضع الكتاب، وأنه بعد امعان النظر وإجالة الفكر في كتاب “الكمال في أسماء الرجال” رآه كتابا نفيسا في بابه، وكثير الفائدة في محتواه، إلا أنه يشوبه شائبة من الاغلاق والاخلال والنقائص بسبب عدم استقصاء الأسماء التي استملت عليها الكتب الستة حق الاستقصاء، وعدم تتبع المؤلف لجميع تراجم الأسماء التي ذكرها في كتابه تتبعا شافيا، فقال الإمام المزي:” فلما وقفت على ذلك، أردت تهذيب الكتاب وإصلاح ما وقع فيه من الوهم والاغفال، واستدراك ما حصل فيه من النقص والاخلال، فتتبعت الأسماء التي حصل إغفالها منهما جميعا، فإذا هي أسماء كثيرة تزيد على مئات عديدة من أسماء الرجال والنساء” ومن هنا تحركت همة الإمام لاستدراك وإصلاح الكتاب ومكث في ذلك ما يناهز ثمانية أعوام على حد قول الدكتور بشار عواد معروف محقق الكتاب، وسماه: “تهذيب الكمال” وهو اسم على المسمى.

 قيمة كتاب التهذيب

يقصد بالتهذيب في أصل اللغة العربية: التنقية، والتحرير، والتصويب، والتليخص أيضا، وبالنظر إلى واقع كتاب التهذيب، فإن المؤلف قد نظمه في سلك فكرة كتاب الكمال إلا أنه ابتكر نظما آخرا تماما، بطرافة الأسلوب وحسن الترتيب ليصبح كتابه كتابا آخرا مستقلا، بكبر الحجم وغزيرة العلم وموسوعية المعارف.

هذا، وقد أبرز الدكتور بشار بين يدى مقدمة الكتاب عنوانا كبيرا في تفضيل التهذيب على الكمال، حرر فيه الجوانب والمزايا التى تفضل بها التهذيب على الكمال، سواء من حيث المحتوى والهيكل العام والمصادر حتى صار الكتاب ثلاثة أضعاف الكمال، ينصح الرجوع إلى ما أوضحه الدكتور هناك من عجائب ابداعات الإمام المزي في هذا الكنز المبارك.

يقول علاء الدين مغلطاي الحنفي عن التهذيب: كتاب عظيم الفوائد، جم الفرائد، لم يصنف في نوعه مثله..لان مؤلفه أبدع فيما وضع، ونهج للناس منهجا لم يشرع”. وقال في موضع آخر: وقد صار كتاب التهذيب حكما بين طائفتي المحدثين والفقهاء إذا اختلفوا قالوا: بيننا وبينكم كتاب المزي.[3]

فروع التهذيب الشهيرة

نظرا لما حواه كتاب التهذيب من جمع نقولات أهل العلم في الرواة جرحا وتعديلا مع حسن استثمارها في التراجم، وهذا الذى جعل العلماء يعكفون عليه ويتهافتون على مطالعته فينة وأخرى كي ينشأوا من خلاله المشاريع العلمية حتى تفرعت عنه فروع متنوعة، ومن أشهر تلك شيوعا ما قام به الجبلان الإمام الذهبي والحافظ ابن حجر من الخدمة الكثيرة في تهذيب الكتاب وتنقيته والتى تعد تتمة الجمال للكتاب وخاصة في غصون الكتب الخمسة الآتية:

  1. تذهيب التهذيب للإمام الذهبي، وقام الخزرجي الأنصاري بتلخيصه بكتابه المعروف”خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال.
  2. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للإمام الذهبي.
  3. تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، اختصر فيه”تهذيب الكمال”إلى نحو الثلث.
  4. تقريب التهذيب. للحافظ ابن حجر، اقتصر فيه على اسم المترجم مختصرا ودرجة توثيقه وطبقته والعلامات التي ذكرها له المزي، وقيد بعض الأسماء والانساب والكنى بالحروف.[4]

وفي مقدمة كتاب التهذيب قدم الإمام المزي نصيحة مهمة لكل مطلع الكتاب ينصحه أن يتحلى ببعض أساسيات العلم قبل النظر فيه حتى يستفيد ويفيد فيسعد، فقال رحمه:” وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حصل طرفا صالحا من علم العربية: نحوها ولغتها وتصريفها، ومن علم الاصول والفروع، ومن علم الحديث، والتواريخ، وأيام الناس، فإنه إذا كان كذلك، كثر انتفاعه به، وتمكن من معرفة صحيح الحديث وضعيفه، وذلك خصوصية المحدث التي من نالها، وقام بشرائطها ساد أهل زمانه في هذا العلم، وحشر يوم القيامة تحت اللؤاء المحمدي إن شاء الله تعالى.

ثانيا: كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف

عرفت كتب الأطراف كنوع من أنواع التأليف العتيق عند أهل العلم بالحديث، وهي الكتب التى يرد فيها جزء أو طرف من الحديث ليدلل على تتمته سندا ومتنا، وكان لهذه الكتب أهمية بارزة كبرى في تسهيل معرفة طرق الحديث، ومظانها، وحصر مرويات الرواة، واختلاف ألفاظها وغيرها، وقد تختص الأطراف بكتاب معين أو بكتب.

وكان كتاب “تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف” من أجل كتب الأطراف مكانة، وأبين نفعا، وأكمل فائدة، وأسهل تناولا، وأقرب وصولا ووقوفا على مواضع البحث دون التكلف الكبير.

أوضع فيه المؤلف أطراف الكتب الستة العظام وما يشاكلها من المسانيد والمراسل، ورتبها على حروف المعجم، قال في المقدمة: فإني عزمت على أن أجمع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أطراف الكتب الستة التي هي عمدة أهل الإسلام وعليها مدار عامة الأحكام… وما يجري مجراها”

وجميع أحاديث الكتب الستة مسندها ومرسلها وعددها (19595) حديثاً مع المكرر إلى (1395) مسنداً، منها: (995) منسوباً إلى الصحابة رجالاً ونساء رضوان الله عليهم. والباقى من المراسيل وعددها (450) حديثاً منسوباً إلى أئمة التابعين، ومن بعدهم، ومن هذا التقسيم يعرف عدد الأحاديث المروية عن كل صحابى في هذه الكتب، على حد قول الشيخ محمد مطر الزهرني رحمه الله[5]

ويقول الإمام عن بداية ونهاية هذا المصنف:” وكان الشروع فيه يوم عاشوراء سنة ست وتسعين وستمائة، وخُتم في الثالث من ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة” وهذا يعني أنه قد مكث في تحريره ستا وعشرين عاما، هي حقبة علمية سعيدة زاهرة، في التحري والتثبت والعناية التامة بالتنقيح، وهكذا الأيام تحفظ للأئمة أعمالهم على الاستمرار بعد مماتهم.

منهجه في التخريج

انتهج المؤلف في تخريجه للحديث نهجا قويما، وذلك أنه “يبدأ كل رواية بلفظة حديث بخط كبير واضح كما في المطبوعة، ثم يكتب رموز من أخرج هذا الحديث فوق لفظة حديث كما في المخطوط، أو قبلها كما في المطبوعة، ومن هذه الرموز: “خ” للبخاري، “م” لمسلم، “د” لأبي داود، “ت” للترمذي، “س” للنسائي، “ق” لابن ماجه القزويني، “خت” للبخارى تعليقاً، “خد” للبخاري في الأدب المفرد، “عخ” خلق أفعال العباد للبخارى، “مد” المراسيل لأبى داود، “قد” كتاب القدر لأبى داود، “تم” الشمائل للترمذي، “سي” عمل اليوم والليلة للنسائى. إلى آخره.

وقاعدته – رحمه الله – في سياق مرويات كل صحابي؛ أنه يقدم من حديثه ما كثر عدد مخرجيه على ما قل عددهم فيه، ولا ينظر إلى موضوع الحديث أو لفظه، فما رواه الستة من حديثه مقدم على ما رواه الخمسة وهكذا، ثم بعد قوله: حديث يورد طرفاً من الحديث بقدر ما يكون دالاً على بقيته، وهذا الطرف تارة يكون من قوله صلى الله عليه وسلم، وتارة من قول الصحابي إن كان حديثا فعلياً، أو بالإضافة أحياناً كقوله: حديث العرنيين.”[6]

مصادر الكتاب

بنى الحافظ المزى كتابه على تجارب وخبرات الأوائل المصنفين في الأطراف، واستفاد منها واستدرك على مواقع الخلل والزلل فيها وتجنبها، ثم هذبها وصفاها وقومها، كما أشار إلى ذلك بقوله:” فإني عزمت على أن أجمع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أطراف الكتب الستة… معتمداً في عامة ذلك على كتاب أبي مسعود الدمشقي وكتاب خلف الواسطي في أحاديث الصحيحين وعلى كتاب ابن عساكر في كتب السنن ثم قال:” ورتبته على نحو ترتيب كتاب أبى القاسم, فإنه أحسن الكل ترتيباً، وأضفت إلى ذلك بعض ما وقع لي من الزيادات التي أغفلوها، أو أغفلها بعضهم، أو لم يقع له من الأحاديث، ومن الكلام عليها. وأصلحت ما عثرت عليه في ذلك من وهم أو غلط”

مكانة كتاب تحفة الأشراف

تبوأ كتاب التحفة من عهد الؤلف المكانة السامية وموضع التقدير والتبجيل حتى يوم الناس هذا، حيث لم يتوقف العلماء في الثناء عليه والتنويه به، بل أصبح قطب الرحى في فن الأطراف وعلم التخريج والأسانيد والتحقيق، فكم من مؤلف بعده في مدحه وتنقيحه وتهذيبه، حتى قال الحافظ ابن حجر في وصفه:” “إن من الكتب الجليلة المصنفة في علوم الحديث كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف تأليف شيخ شيوخنا الحافظ أبي الحجاج: يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي، وقد حصل الانتفاع به شرقا وغربا، وتنافس العلماء في تحصيله بعدا وقربا”[7]

وقال الفيروزابادي شيخ الحافظ:” وأما تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف للحافظ الكبير الشيخ جمال الدين فإنه كتاب معدوم النظير مفعم الغدير يشهد لمؤلفه على اطلاع كثير ‌وحفظ ‌بتير”[8]

وكتاب التهذيب مفتاح أساسي لرجال الكتب الستة، وكتاب التحفة معين قوي لمعرفة مواضع متون الكتب السنة في أسرع الوقت، وقد قرب الكتابان السنة النبوية بين يدى الأمة في معرفة ما ثبت منها دون غيرها.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | حضور الثقافة العربية الإسلامية في رواية (أسطول الشمس)

[ad_1]
رواية أسطول الشمس

مقدمة : تعدُّ رواية “أسطول الشمس” من أهم الأعمال الإبداعية العربية التي ظهرت مؤخرا وسعت بقوة إلى التعريف بالثقافة العربية الإسلامية، وما تحتوي عليها من عناصر الخير والجمال، فيجد القارئ فكرة السلام والتعايش الإيجابي بين الثقافات والأمم، وإعلاء القيم الإنسانية، متناثرة في ثنايا الكتاب، إضافة إلى المصالح المشتركة التي تظهر بشكل واضح وإيجابي من خلال “مبادرة طريق الحرير” الصينية. كما كان حضور الإسلام حاملا معه رسالة السلام قويا جدا في الرواية، لدرجة يمكن القول بأن الإسلام يمثل عمادا من أهم أعمدة هذه الرواية الشائقة الماتعة.

وقد ظهر الكتاب باللغة العربية لأول مرة في عام 2019م، بالتعاون مع دار لوسيل للنشر والتوزيع، ومنذ صدوره تمت ترجمته إلى عدة لغات عالمية، منها اللغة الصينية، ولعل أحدث الترجمات هي ترجمة الكتاب إلى أهم اللغات النيجيرية، وهما: الهوسا واليوروبا، بالتعاون مع أعرق الجامعات النيجيرية، حيث صدرت في شهر أكتوبر 2023م.

أما مؤلف الكتاب فهو الدكتور علي بن غانم الهاجري، دبلوماسي قطري، وصاحب عدد من المؤلفات التاريخية القيّمة، من أهمها: “السلطنة الجبرية”، و”إمبراطور الشرق تشودي”، و”تشنغ خه إمبراطور البحار الصيني”، و”أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي“، و”الحاجب المنصور أسطورة الأندلس”.

وأثنى عدد من الأدباء والمفكرين الكتاب الذي بين أيدينا بصفات مختلفة من حيث مضمونه وصياغته. فهناك من يرى في مضمونه “دعوةً صريحةً لاكتشاف السلام بين الأديان، ودعوة الإسلام للسلام في نفس البشرية”، ويذكر آخر بأن الرواية استعرضت في دفّتيها الإرث التاريخي بين الشعوب الآسيوية والأفريقية والصينية، فهي تجسد العلاقة بين الإنسان والإنسان والعلاقة الاقتصادية والثقافية بين الأمم والشعوب، بينما يرى آخر بأن الرواية نوع من الأدب الذي يوثق رسالة طريق الحرير التاريخية والحاضرة.

ولعل من أهم الآراء  حول الرواية ما أوضحته رئيسة تحرير دار النشر لجامعة بكين لإعداد المعلمين، بأن الكاتب ركز على تقديم دراسة علمية وميدانية معمقة في الواقع العربية المختلفة، مؤكدة بأن الرواية تتيح للقراء العرب على معرفة «طريق الحرير» ومعرفة التاريخ العميق والعلاقة الودية بين الصين والعرب. (1)

وأشار كاتب الرواية علي بن غانم الهاجري إلى أنها تهدف إلى إثراء التعاون المعرفي بين الصين والعالم العربي، مضيفا بأن الرواية تعتبر عملا وثائقيا يتحدث عن الروابط الإنسانية بين الصين وبلاد العرب والبلدان الآسيوية والأفريقية، وأنها أجمل طريق للسلام والمصالح المشتركة.  (2)

حضور الثقافة العربية الإسلامية في رواية “أسطول الشمس”

أولى كاتب رواية “أسطول الشمس” عنايةً كبيرةً للثقافة العربية والإسلامية في عمله، حيث استحضرها في معظم محطّات الرواية، بحيث لا يمكن للقارئ إلا أن يعترف بأن الرواية تلعب دورا بارزا في التعريف بالثقافة العربية الإسلامية على اختلاف أشكالها. ويمكن لنا أن نذكر بإيجاز نماذج من الملامح الثقافية العربية التي حضرت بقوة في الرواية، وهي كالتالي:

 أثّث الكاتب فضاء هذه الرواية الماتعة بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، إضافةً إلى حضور لافت للنصوص الشعرية والنثرية، وذكر شخصيات مشهورة في التاريخ الإسلامي، وكذلك البيئة العربية وخصائصها وغير ذلك من القيم الإسلامية والعربية التي أضفت على الرواية هوية وانتماء خاصين، ومن النماذج ما يلي:

حضور الآيات القرآنية في الرواية

 استحضر الكاتب عددا كبيرا من الآيات القرآنية في الرواية وذلك ليتمكن من إيصاله رسالته ببراعة ووضوح، ومن ذلك ما ورد على لسان عُمير أحد أبطال الرواية: “صدقتَ يا شمس الدين، وهذا هو خلق أهل فويرط الذي أوصاهم به دينهم الحنيف: (وإن جنحوا للسِّلم فاجْنحْ لها وتوكّل على الله إنه هو السميع العليم) سورة الأنفال، الآية 61. إننا أهل البحر نخوض غِماره، ونقتحم ظلماته بصدورنا العارية، لنأتي بخير وفير، يغذي البطون، ويزيّن الجباه، أيادينا لا تمتد إلا بالخير للبشرية بأسرها، وأولي القربى أولى بخيرنا وجودنا ومكارم أخلاقنا. (3)

حضور الأحاديث النبوية الشريفة في الرواية

حظيت الأحاديث النبوية الشريفة بنصيب وافر من المساحة في هذه الرواية، من ذلك ما ورد على لسان الضيغمي، أحد أبطال الرواية، حيث قال: “نعم، ومن لا يعرف هذه البلاد العظيمة؟! لقد سمعتُ عنها الكثير، ويكفي أن النبي- صلى الله عليه وسلم– ذكرها في حديث طلب العلم حين قال: “اطلبوا العلم ولو في الصين”، (4) وقول الخلاوي في بيانه عن كلمة العرب: “ليست العربية من أحدكم بأب أو أمّ، إنما العربية لسان. (5)

حضور النصوص الشعرية في الرواية

ورد في الرواية عددٌ من أبيات عمالقة الشعر العربي كأبي الطيب المتنبي، وغيره مما ورد على لسان أبطال الرواية، خصوصا الخلاوي بصفته حكيما وشاعرا. ومن ذلك ما يلي: “لم يكن الخلاوي في حاجة لمن يقدّمه لشمس الدين، حيث عبّر عن نفسه على عادة أمثاله من الشعراء، حين ملأ المكان فصاحةً بقصيدة نظّمها تعبيرًا عن ابتهاجه، وسائر أهل جزيرة العرب بالضيف الكريم، وبمكانة بلده الصين لديهم، وما لها من تقدير جعل كُلَّ ناشد للحكمة يطلبها، وكلَّ طالب للعلم يؤمُّها، حتى ولو كانت في نهاية سطح الأرض، وبدأها قائلا: نعدُّ الليالي والليالي تعدنا   الأعمار تفنى والليالي بزايد (6)

حضور شخصيات مشهورة في التاريخ الإسلامي

ورد في الرواية ذكر عدد كبير من شخصيات مشهورة في التاريخ العربي الإسلامي مما أضفى على الرواية نكهة خاصة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: عمرو بن العاص، داهية العرب في السياسة والحرب، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وسعد بن أبي وقاص، وابن سينا، والبخاري، وقتيبة بن مسلم الباهلي، وصلاح الدين الأيوبي، ونور الدين زنكي، وقطري بن الفجاءة، وصاحب اليمن، وابن خلدون.

حضور الأحداث التاريخية في الإسلام

من الأمور التي تدل على عمق معرفة الكاتب بالثقافة العربية الإسلامية استحضاره لعدد من الأحداث التاريخية في الإسلام، من ذلك ما وقع زمن القرامطة وما أحدثوا من فظائع في بيت الله الحرام، وكذلك اعتداء أبرهة الحبشي على الكعبة، وما وقع يوم الجمل من الاقتتال بين المسلمين، إضافة إلى ضرب الكعبة بالمجانيق، ودعوة إلى سرقة الحجر الأسود، وانتهاك قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما شهدها التاريخ الإسلامي. (7)

حضور أسماء البلدان العربية والإسلامية التاريخية

استحضر الكاتب في مختلف أرجاء هذه الرواية الشائقة عددًا كبيرًا من أسماء البلدان والمدن العربية والإسلامية التاريخية، والأماكن المقدسة، ومن الأمثلة في ذلك: الإحساء، وجدّة، وظفار، والقطيف، واليمن، وهرمز، ومسقط، ومِنى، وعمان، ومصر، وبيت الحرام، وبغداد، والمغرب، وغرناطة، والعراق، والشام، والأندلس، والقاهرة، وعدن، والصقلية، وبخارى، وسمرقند، ومكة وغيرها.

حضور علم الأنساب والقبائل

ورد في أماكن متفرقة من الرواية معلومات تشير إلى أهمية الانتماء القبلي لدى العرب، بالإضافة إلى ذكر عدد من القبائل العربية وما تتميز بها من غيرها، مثل الدواسر، والضياغم، وأشراف مكة، وقبيلة جار الله وغيرها، مما يدل على أهمية الانتماء القبلي لدى الإنسان العربي. ومما جاء في الرواية بشأن النسب ما ورد على لسان الخلاوي: “النسب والأصل لدينا نحن العرب، مما نُلقّنه أبناءنا منذ نعومة أظفارهم، فيحفظون شجرة جدودهم وأصلهم ونسبهم مع أول قدرة لهم على نظم الحروف، وتكوين الكلمات، إننا أمة لا يعتدل حاضرها إلا متكئا على ماضيها. (8)

حضور البيئة العربية ومميزاتها

تزخر هذه الرواية بوصف شامل للبيئة العربية وما تتميز بها من الصحراء وجنباتها الشاسعة وأجوائها وطبيعتها الخلابة وطبيعة ساكنيها من البشر والحيوان وطول طريقها ووعورته، وكثبانها وجبالها ووديانها ونسيمها، وأريج رمالها، وواحاتها، إضافة لوصف أفضل أنواع النوق العربية، وأسرع الجياد وأشهرها، والحديث عن حليب الناقة وفوائده، وموضع الكلأ وغيرها من الأمور التي تمتّ بصلة إلى أجواء البادية الأصيلة في الجزيرة العربية. ومن ذلك ما ورد في الرواية: “نحن أبناء البادية، نعشق الصحراء، تحملنا كثبانها وجبالها ووديانها بين جنباتها، مستقرُّنا ظهور الجياد والإبل، وأوطاننا حيث موضع الكلأ والماء. لا نحتمل أن تحول الأحجار بيننا وبين نسيم الصحراء وأريج رمالها الذي ينساب داخلنا صروحا من البلاغة والفصاحة والبيان.” (9)

حضور مناطق شرق الجزيرة

استحضر الكاتب في الرواية شرق الجزيرة وما تتمتع بها من خصائص، من ذلك كونها أكثر المناطق نشاطا في صيد اللؤلؤ، والإشارة إلى وفور اللؤلؤ فيها وما يتميز به من ألوان خاصة وأحجام أكبر من سواه في بقية دول الساحل الشرقي لجزيرة العرب. فقد ورد على لسان الخلاوي قوله: “فهي أرض كنوز اللؤلؤ، لديها أفضل أنواعه وأحجامه، لذا أقبل عليه القياصرة والملوك عبر الحقب والأزمان، يزينون به تيجانهم، ويطوّقون به نحورهم، ويتخذونه هديةً تحمل كل معاني التقدير والاعتزاز بمن يقدمونه إليه، فلبسه الأشوريون، والبابليون، والفرس، والروم، والترك، والمغول، وأهل الهند، والفرنجة، وأهل الأندلس، والبربر. وظل لؤلؤ فويرط يزيّن رؤوس الجميلات شرقا وغربا رمزا للسلطة والجاه بين ذوي السلطان”. (10)

حضور القيم العربية الأصيلة

 تزخر الرواية بحضور قوي للقيم العربية الأصيلة، من الكرم، والجود، والشهامة، والاحترام، والحفاوة بالضيوف. ومن ذلك الآتي: “وطئت قدما شمس الدين المدينة العربية الأولى التي استهل بها رحلته للمنطقة، التي لطالما راودته نفسه بزيارتها. نمّ الاستقبال الحافل والترحاب الشديد الذي لقيه شمس الدين من قبل ملك ظفار عن المكانة العظيمة والسمعة الطيبة اللتين سبقتا الرجل إلى هذه الديار. أقام الملك حفل عشاء ترحيبا بالضيف الكريم، فازدان القصر بأبهى حُلّة، وأُضيئت الشموع بين جنباته، وعجّ بوجهاء المدينة وأعيانها وكبار زوّارها الذين قدموا للترحيب بالضيف الكبير.” (11)

خاتمة

تحدث هذا المقال حول مدى حضور الثقافة العربية والإسلامية في رواية “أسطول الشمس” للدكتور علي بن غانم الهاجري، وذلك من خلال استعراضنا لعدد من النماذج الواردة في الرواية. وقد توصل المقال إلى النتائج الآتية:

  • أن رواية “أسطول الشمس” زاخرة بالثقافة أو بالأحرى بالهوية العربية والإسلامية على اختلاف أشكالها وألوانها. ويشمل ذلك حضور النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية.
  • هناك حضور لشخصيات مشهورة في التاريخ الإسلامي، إضافة إلى الأحداث التاريخية في الإسلام، وذكر أسماء البلدان العربية والإسلامية التاريخية.
  • حضور البيئة العربية ومميزاتها، وكذلك مناطق شرق جزيرة العربية، بالإضافة إلى بعض القيم العربية الأصيلة والاهتمام بالنسب والقبيلة.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | مجلة الاستغراب : الإهلاك الحتمي .. سقوط الذات أفول الحضارة

[ad_1]

منذ القرن التاسع عشر  الميلادي، طرقت النهايات الفكر النخبوي الغربي، واستمرت تطل برأسها طيلة قرنين، بصورة متكررة، وكانت البداية بـفكرة “نهاية التاريخ لـ”هيجل” أشهر الفلاسفة الذين شكلوا العقل الغربي الحديث، الذي اعتقد بنهاية التاريخ عند الثورة الفرنسية ومبادئها، أي التحام الأنا المتفوقة بالعقل وبالدولة، وكذلك نهاية الاعتقاد مع صدور كتاب “موت الإله” لـ”نيتشه”، ومصطلح “نهاية الأيديولوجيا السياسية” لـ” ستيوارت هيوز”، و”نهاية الحداثة” لـ” فرانسوا ليوتار”، ولم تكن الخاتمة كتاب “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” للمفكر الأمريكي “فرنسيس فوكوياما” الصادر عام 1992 والذي أثار ضجة عالمية.

هاجس النهايات طرح تساؤلات في الفكر الغربي، حول مستقبل الغرب نفسه، وهل سيشهد التطور نهاية الغرب، بعد قرون من السيطرة والهيمنة، أم أن المفهوم لا يتعلق بزوال الغرب من الوجود، على غرار الحضارات القديمة، ولكن يرتبط بانحصار النفوذ، وخفوت بريق النموذج، وظهور منافسين على المسرح العالمي.

العدد (31) من مجلة “الاستغراب” صيف 2023، يقدم ملفا بعنوان “الإهلاك الحتمي..سقوط الذات أفول الحضارة” يفكك فيه إشكالية “نهاية الغرب” بعدما تعددت الرؤى السوداوية والتحذيرات حول نهاية الغرب وتقويض هيمنته، واهتزاز الثقة في نموذجه الحضاري.

موت..أم تراجع؟

“الغرب يموت، لقد توقّفت أممه عن التَّكاثر، وتوقّف سكّانه عن النموّ، وبدأوا بالانكماش، ولم يقم منذ الموت الأسود، الذي حصد أرواح ثلث سكّان أوروبا في القرن الرابع عشر، تهديدًا أخطر لبقاء الحضارة الأوروبيَّة من هذا الخطر الماثل، اليوم هناك سبعة عشر بلدًا أوروبيًّا… فيها جنازاتُ دفنٍ أكثر من احتفالات الولادة، وأكفانٌ أكثر من المُهود” هذا التهديد الوجودي أطلقه المفكر الأمريكي “باتريك جيه بوكانن” في كتابه “موت الغرب” استنادا إلى المعضلة السكانية المقترنة بتهديداتها للهوية الغربية، في ظل تصاعد الهجرات للغرب، والتي غلب علي أغلبها طابع الاستيطان، يشي بتشكل ملامح هوية مغايرة، تهدد بذوبان الغرب ثقافيا وبشريا .

والغرب المقصود ليس الحدود الجغرافية على الخريطة فقط، ولكن الغرب ثقافي، ونموذج حضاري مؤثر في مسار التاريخ الإنساني في القرون الأخيرة، وممتد أيضا في المستقبل، لكن أزماته وجودية، ومنها:

تراجع جاذبية النموذج الغربي:  تؤكد الكثير من الكتابات أن الغرب كنموذج آخذ في الأفول، وإنطفاء الجاذبية، فالغرب لم يعد نموذجا يحتذي لكثير من المجتمعات والشعوب في العالم مثلما كان من عقود، فهناك فشل ليس في تسويق النموذج فقط، ولكن كثيرا من المجتمعات لم يعد مؤمنا بقدرة النموذج الغربي أن يكون حلا أو منقذا لها من أزماتها، ويرجع ذلك إلى حالة الجمود التي تلبست النموذج الغربي، فلم يعد يقدم فكرا جديدا، ولعل هذا ما يضعف فعاليته، وربما يفرض عليه حتمية التاريخ في صعود الحضارات وإندثارها، فالغرب ليس استثناء لتلك الصيرورة.

هذا الجمود شجع على استيقاظ الهويات في كثير من المجتمعات العالمية وبخاصة في آسيا وتحديدا في الصين، التي باتت تحديا مقلقا للغرب، لما تمتلكه من عمق حضاري، وقدرات اقتصادية هائلة، ونموذج تنموي منبثق في كثير من تجلياته من رؤاها الفكرية وثقافتها، كما أن الاستهلاكية المخيفة في الغرب عمقت الجمود، وحولته إلى ثقافة متفشية ومعدة ضخمة ورغبات لا تشبع، وكما يؤكد المفكر البلجيكي “هنري بانهوس Henry Panhuys في كتابه “نهاية الغربنة” فإن ” الإفراط الاقتصاديَّ والتَّبذير الماليّ، وطغيان التقنيَّة، المبالغة في الاستهلاك، أنتج فراغًا اجتماعيًّا وخلقيًّا ودينيًّا شجَّع على ظهور الأصُوليّات” أي أن كثيرا من المجتمعات العالمية أعادت اكتشاف ذاتها وفق موروثاتها، وليس وفق ما يراه الغرب ويطرحه، ولا شك أن هذ يخلق مراكز حضارية مزاحمة للغرب، ويحصر تمدد سطوة النموذج الغربي عالميا.

وربما ما شجع تلك هذه المجتمعات على اكتشاف ذاتها هو أن نماذج التنمية والتحديث المستعارة من الغرب، أثبتت فشلها وقلة نجاعتها في حل الأزمات، فلم تكن طوق نجاة، وعلى العكس أوجدت غالبية تجارب التحديث المستعارة من الغرب أزمات عميقة، فتنامي إدراك لدى الكثير من النخب أن الحل لن يكون غربيا.

ويرتبط بهذا الجمود فكرة تأسس عليها الغرب الحديث، واستمدها من أعماقه الفلسفية العائدة إلى اليونان والإغريق، والمتعلقة بأن الغرب لا يرى في الآخر إلا مجالا للاستغلال والإخضاع، فما زال الآخر منعوتا بالوحشية والبربرية، وما تزال “الأنا” الغربية مثل “الأنا” اليونانية والإغريقية القديمة تنظر بجدارة لنفسها ولعقلها ولمنجزها، فالمباني الفكريّة والفلسفيّة والقيميّة الغربية، لم تتبدل في نظرتها الدونيّة للآخر.

وحسب الفرنسيّ “ميشيل انفري” في كتابه “انحطاط” Décadence  الذي رأى في المركزية الطاغية، وتراجع التفكير في القضايا المصيرية والجوهرية، من الأسباب الجوهرية للانحدار، وأطلقة مقولته الساخرة ” لقد غرقت السفينة، لكن بقي لنا أن نغرق بأناقة “.

أزمة الفطرة: طرح العددُ الفطرةَ، كتهديد وجودي للغرب، فالفطرة هي أساس الدوافع الذاتيّة، ومن ثم هي منبع المشكلات والأزمات، والفطرة الإنسانية مجبولة على التدين، والاستعداد الطبيعي لربط الدين بالحياة والكون.

هذا الربط يملي على الإنسان معتقده وسلوكه، وفي الغرب تعاني الفطرة من أزمة، فالهياكل الحضارية الغربية لم تضع الخالق سبحانه وتعالى في حساباتها، ولم تنظر إلى الدين إلا من منظور نفعي، لتطمين الروح وتسكين الخواطر، وليس لاستلهام القيم والسلوك، كذلك هناك هيمنة للذة على التفكير، ناهيك عن غياب المعنى عن الحياة.

تآكل النظام الأسريّ: فالأسرة آخذة في الانقراض في الغرب لصالح حالة من العبث الجنسي والشذوذ، والعزوف عن الانجاب، وتفشي الأطفال غير الشرعيين، فباتت غالبية الأجيال الناشئة بلا هوية، وتعاني من الضياع والحيرة، في مقابل أجيال أخرى تنشأ في الغرب من أبناء المهاجرين الذين يُنشئون في أسر تلهمهم القيم، وتحافظ على هويتهم، لكن هذا التآكل ستتبدى كارثية في أجيال القادمة.

ومع ذلك سيظل الغرب حاضرا ومؤثرا وفاعلا، لكن لن يكون الوحيد، وإنما سينافسه آخرون في مقدمتهم الإسلام، ثم الصين، وهو ما يؤذن بدخول فاعلين سيربكون هيمنة النموذج الغربي على العالم ، وستتعدد المراكز العالمية، وستتنافس، وسينشأ معها هوامش جديدة تدور في أفلاكها، فالعالم ليس الغرب فقط.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | قراءة في كتاب ” نظرية المعرفة ” .. الفلسفة والموانع

[ad_1]

شغلت نظرية المعرفة الباحثين، بوصفها فلسفة للعلوم، وتشكلت كنظرية مستقلة منذ ثلاثة قرون على يد فلاسفة غربيين، أما الفكر الإسلامي فقط طُرحت كثير من مسائلها ومصادرها ومناهجها متفرقة في مباحث الفلسفة والمنطق وأصول الفقه.

تهدف النظرية إلى الكشف عن حقيقة المعرفة الإنسانية وطبيعتها وموانعها والأسس التي ترتكز عليها، للوصول إلى المعرفة السليمة، فهي تحمل مهمة إنتاج اليقين أو بيان طريقه.

وضمن سلسلة دراسات إبستمولوجية[1]، صدر الجزء الأول من كتاب “نظرية المعرفة: دراسات وبحوث” ويتناول المفاهيم التأسيسية، وهو من إعداد وتحرير الدكتور “عمار عبد الرزاق الصغير”، وصدرت طبعته الأولى عام 2023، في 380 صفحة، عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.

المعرفة بين الحس والإلهام

نظرية المعرفة تُصنف كمعارف من الدرجة الثانية، مثل المنطق، فهي علم لا يُقدم أية توضيحات عن العالم والموجودات فيه، لكن وظيفته الأساسية هي تصحيح المعلومات الذهنية للإنسان، وبيان الاستخدام الصحيح لها، بغرض الحصول على معلومات جديدة أخرى.

الفلاسفة، قبل سقرط، لم يكن لديهم اهتمام خاص بمسائل نظرية المعرفة، فقد كانت جهودهم منصبة على قضايا تغير الطبيعة وظهور العالم، ثم جاء أفلاطون ليطرح المسائل الأساسية في المعرفة، وتبعه أرسطو، الذي حرر تصوراته عن المعرفة، لكنها لم تكن محطا للأنظار بوصفها فرعا علميا مستقلا، ولعل أول كتاب في نظرية المعرفة هو “بحث حول فهم الإنسان” للفيلسوف “جان لوك” في القرن السابع عشر، ثم أفرزت التحولات الفلسفية، بعد عصر النهضة، نظرية المعرفة كفرع من العلوم، ومن ثم، فالنظرية ليس لها تاريخ طويل، إذ لم يمر على إنشائها في الغرب سوى ثلاثة قرون.

جميع المعارف والإدراكات يكتسبها الإنسان عن طريق أدوات المعرفة، وهي: الحس والعقل والإلهام، فمثلا “جان لوك” أرجع جميع التصورات والأفكار إلى الحس، وهذا الاتجاه عارض نظرية الأفكار الفطرية، وحاصل النظرية أن ذهن الإنسان حين يولد يكون خاليا من كل معرفة، ولهذه الفكرة أثر قديم في الفلسفة الصينية والهندية القديمة، في مذهب عُرف بـ”السُمنية” التي قصرت تحصيل المعرفة على الحواس الخمسة.

الحس هو الينبوع الأساسي للتصورات والأفكار البدهية والنظرية، ويُقال “ليس من شيء في العقل إلا وله أثر في الحس”، ومن ثم فهو البنية الأساسية التي تقوم علي قاعدتها صرح التصورات البشرية، لكن محاولة إرجاع كل المعارف إلى الحس ليس محاولة صائبة،  فالحس يمهد لحصول معارف أرقى وأعلى.

والعقل من أدوات المعرفة، وله وسائله ومناهجه، مثل الاستنباط والاستقراء، والاستقراء مزيج من الحس والعقل، أما التجربة فمن أدوات المعرفة الرئيسية، واحتلت مكانة كبيرة في المنهج المعرفي الغربي، وهي إحدى أدوات تحصيل اليقين، وفي ظلها يصل الإنسان إلى سنن الكون الكلية، وكل ما يعيشه الإنسان من تطور مدين للتجربة.

ورغم أهمية التجارب في تحصيل اليقين، إلا أن بعضها ليس إلا ظنون متراكمة مشوبة بالشك، وهو ما يُخرج العلم عن وصفه بالجزم والقطعية، وقد اعترف “جون استيورت ميل” بذلك قائلا:”العلوم التجريبية لا توجب اليقين المطلق”، كما أن الاعتماد على الحواس لتحصيل معرفة يقينية، ليس دائما صحيحا، ومثال ذلك رؤية العين للسراب في الصحراء وقت الظهيرة على أنه ماء.

العقل المادي والنظرة المادية للكون لا تعترف إلا بأداتين للمعرفة، هما: الحس والعقل، أما الإلهام والغيب فلا يجد مكانا في تلك النظرة المادية، التي تساوي بين الوجود والمادة، رغم أن الغيب هو الدائرة الأوسع للوجود.

أما المعرفة في الرؤية الإسلامية فتستضيء بالحس والعقل والغيب، فلم يهمل علماء المسلمون التجربة، مثل: “جابر بن حيان“، و”محمد بن زكريا الرازي” و”ابن سينا” و”الحسن بن الهيثم”، كما تحدثوا عن الحس والعقل في إنتاج المعرفة وتحصيلها، فابن سينا مثلا أشار أنه ليس تكرار المشاهدات هو ما يفيد اليقين، وإنما لابد أن تقترن تلك المشاهدات بقياس عقلي، ورأى آخرون أن العلم في التجربة، ولكن ذلك منوط بأمرين: أحدهما المشاهدة، والآخر القياس الخفي، وطرحت الرؤية المعرفية الإسلامية “آلية القلب”، وبها يصل الإنسان من خلال تصفية قلبه وكبح جماح نفسه والتوبة والتفكر والإنابة، إلى إدراك المعارف، لذا يصبح تهذيب النفس وتطهير القلب، والانقطاع بالنفس عن الشهوات، من أبواب تحصيل المعرفة.

الرؤية الإسلامية اعتبرت الوحي من مصادر المعرفة، ورأته متميزا عن سائر الإدراكات، لأنه ليس نتاج الحس ولا العقل ولا الغريزة ولا التجربة، ورأته مختلفا عن الإلهام والإشراق، فالوحي يتضمن تعاليم في مجالي العقيدة والعمل، كما أن المُوحى إليه يكون نبيا مبعوثا، في حين أن الإلهام لا يتضمن تكليفا ولا تشريعا، ولا تكليفا بالنبوة والرسالة.

موانع المعرفة

الرؤية الإسلامية تعتقد بفطرية معرفة الإنسان بالله تعالى، لكن هذه الفطرة قد تدخل بعض العوامل التربوية والاجتماعي والدينية التي تحجبها عن رؤية الحق، فحينها تحتاج إلى تنبيهات وجدانية تثير ميثاق الفطرة المنسي في دفائن العقول، وأولت عناية بموانعها وعوائقها التي تحول دون كشفها لحقائق الوجود والحياة، لذا جاء في الدعاء المأثور لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه- “اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل” وجاء في الأثر “اللهم! أرنا الأشياء كما هي”، وهو تنبيه بقدرة الحس أن يكون مانعا لتكوين معرفة سليمة.

وقد تعرض فلاسفة لموانع المعرفة، لكن التحدي الأكبر الذي واجه فلاسفة اليونان هو نزعات الشك الهدام التي سعت لتنسف أسس المعرفة، والترويج لنسبية مغلقة، تغدو معها كل الحقائق تدور مدار الفرد ذاته، معتبرة أن الإنسان مقياس كل شيء، ومن ثم تبدو الحقيقة نسبية، ومتغيرة، هذا الاتجاه عبرت عنه المدرسة السوفسطائية، لذلك كانت السفسطة أو الجدل العقيم من أسس الموانع العقلية للمعرفة.

وهناك العائق الأبستمولوجي، وهو عائق تحدث عنه الفيلسوف الفرنسي “غاستون باشلار” المتوفى 1962، وهي يشير إلى مجموعة الأفكار والتصورات المسبقة أو الخاطئة، التي تؤثر في عمل العالِم دون وعي منه، وتعوقه عن بلوغ الحقيقة الموضوعية للظواهر التي يدرسها.

أما القرآن الكريم فتحدث عن موانع المعرفة، لكن كان تعاطيه مختلفا، إذ كانت معالجته تتسم بالإحاطة بأبعاد الإنسان والواقع، وقادرة على تشخيص مكامن الخطأ بدقة وشمول، ومن تلك الموانع:

اتباع الهوى، وهيمنة الميول الذاتية: فاتباع الهوى يقود إلى مجانبة العقل، والتنكب عن الصواب، ويحجب العقل عن الحقائق، وأرجع النص القرآني، الضلال والكفر الذي وقع فيه المشركون إلى اتباع الهوى، فكان الموقف من الهوى هو معيار مفاصلة بين المؤمن وغير المؤمن، قال تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّه أَفَلَا تَذَكَّرُونَ”[2].

اتباع الظنون: فالظن يعصف بالحقائق والبديهيات، وفي مقدمتها الإيمان بالله سبحانه وتعالى، لذلك نظر القرآن إلى دعوات الشرك والكفر على أنها اتباع للظن، ووقوع في شرك الوهم قال تعالى: “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ[3].

سلطة العقل الجمعي: كثير من الأكثريات والكتل البشرية، التي تجمعها وحدة الموقف، لا تستند إلى بصيرة وتفكر واستدلال، فالكثير يفكر بإيحاءات من تأثير المجموع عليه، فلفظ “الملأ” الذي ورد في القرآن تسعة عشر مرة، جاء أغلبه ليوضح سطوة ونفوذ وهيبة الجماعة على صناعة الفرد لرأيه ومواقفه، لذلك ناشد القرآن المؤمنين أن يتحرروا من أسر هذا العقل الجمعي، قال تعالى:” قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ”[4].

سلطة الماضي والآباء: يرفض القرآن الخضوع لسلطة وخيارات الآباء والأجداد والسابقين، ويرفض أن ينسحق المرء أمام الأسلاف، قال تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ”[5].

التبعية للسادة والكبراء: وهؤلاء يشبهون الأصنام، لكنها حية، وهم قادرون على الحيلولة دون التفكير الحر والنقدي والاختيار المسؤول للناس، قال تعالى:” وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا”[6].

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | صدور كتاب” في تاريخ النظام القانوني الإسلامي”

[ad_1]

صدر حديثا عن مركز نهوض للدرسات والبحوث كتاب “في تاريخ النظام القانوني الإسلامي” والذي يعد مدخلا جديدا في تاريخ التشريع الإسلامي، يسلم من المآخذ التي عيبت على كتب المداخل السابقة، ويستدرك في الوقت نفسِه ما شابها من أوجه النقص والقصور، سواء تلك التي ألَّفها المستشرقون أو تلك التي وضعها الكُتَّاب المسلمون. وقد احتذى فيه المؤلف منهجا راشدا مباينًا للمعهود من المناهج التي ألفهَا طلاب الشريعة وأساتذتها؛ حيث تغيَّا استعراض التجربة القانونية الإسلامية في تاريخها الطويل الذي يربو على أربعة عشر قرنًا، ودراسة الأطوار المتعاقبة التي اجتازتها هذه التجربة، والإحاطة بالمقومات التي شكلتها، وتمثَّلت من الوجهة النظرية والعملية في التشريع والقضاء والفقه.

ويقسم هذا الكتاب النظام القانوني الإسلامي إلى أربع مراحل متعاقبة: مرحلة التأسيس والتكوين التي تنتهي بنشأة المدارس الجغرافية والمذاهب الفقهية، ومرحلة تطوير النظام والتمكين له بإعماله وتطبيقه في الدول الإسلامية الكبرى: العباسية والعثمانية والمغولية والصفوية، ومرحلة الاضطراب وفرض القوانين الغربية، ثم مرحلة العودة عن ذلك إلى التماس الطرق البديلة لاستعادة تطبيق النظام القانوني الإسلامي في حدود الملاءمات السياسية والاجتماعية.

مؤلف الكتاب

مؤلف الكتاب هو الدكتور محمد أحمد سراج أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تخرّج في كلية دار العلوم عام ١٩٦٩م، ثم عيّن معيدًا بها، ليحصل منها على درجتي الماجستير والدكتوراه، ثم تدرّج في قسم الشريعة الإسلامية حتى أصبح رئيسًا له عام ١٩٨٩م. وقد أُرسل مبعوثًا دراسيًّا لجامعة كامبريدج لمدة عام واحد. كما عمل أستاذًا للشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وأسهم في إنشاء الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، حيث عمل أستاذًا مشاركًا للشريعة الإسلامية، وعميدا لكلية الشريعة والقانون، ومديرًا عاما لأكاديمية تدريب القضاة والمشتغلين بالمهام القانونية بباكستان. وقد ألَّف وحقَّق وترجم أكثر من عشرين مؤلفًا في الفقه الإسلامي.

[ad_2]

معرض الكتب والروايات
شارع 7 | صدور الترجمة العربية لموسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين”

[ad_1]

بعد جهد استمر أكثر من خمس سنوات، يعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن صدور الترجمة العربية لكتاب المستعرب الألماني وعالم اللاهوت والآثار واللغات القديمة غوستاف دالمان الموسوم بعنوان “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين” ( 2023 عشرة مجلدات). ويعد هذا الإصدار حدثًا معرفيًا استثنائيًا؛ فالكتاب وثيقة فريدة تاريخية وأنثروبولوجية، تسجيلية وتحليلية، يتناول فلسطين بحضارتها وتاريخها وتراثها ومعالمها وأرضها وشعبها، ويدرس مدينة القدس ومحيطها الطبيعي والبشري بمنهجية علمية رفيعة. وهذا الكتاب هو في الأساس ثمانية أجزاء في تسعة مجلدات، وقد ارتأى المركز العربي للأبحاث أن يرفدها بمجلدٍ عاشر كتبه دالمان عن القدس، فأصبح مجموع المجلدات عشرة.

استغرق تأليف هذا الكتاب نحو أربع عشرة سنة، فيما صرف المؤلف غوستاف دالمان نحو عشرين سنة في جمع المعلومات وتدوينها ومطابقتها على الواقع الجغرافي حتى تمكّن من تأليف كتابه القدس ومحيطها الطبيعي. وكان المجلد الأول من هذا الكتاب قد صدر في سنة 1928، ثم صدر الجزء الثامن الأخير في سنة 1942، أي بعد وفاة دالمان بسنة واحدة. وتكمن أهمية هذا العمل في أن المؤلف الذي عاش في فلسطين بين عامي 1899 و1917 لم يكن على غرار المستشرقين والرحالة واللاهوتيين والمستكشفين الآثاريين الذي كانوا يترددون على فلسطين لفترات محدودة، ثم يعودون إلى بلادهم لإلقاء محاضرات أو لكتابة مقالات وصفية عن رحلاتهم أو لتقديم تقارير إلى المؤسسات العسكرية أو الاستخبارية..

فدالمان شُغف، أيما شغف، بالقرى الفلسطينية وحياة البدو وطرائق العيش التي أتقنها الفلسطينيون في مدائنهم وقراهم وبواديهم، فكان يجول في الأمكنة، وينام في بيوت الفلاحين وخيام البدو. وتمكن من جمع معلومات ثرية جدًا عن الحياة في فلسطين، واستطاع أن يعقد صلة متينة بين الماضي والحاضر، وبين الجغرافيا والآثار والإثنولوجيا والحياة اليومية للسكان. ويتضمن الكتاب كل ما تلحظه عين الباحث المراقب في فلسطين في تلك الفترة، بدءًا من فصول السنة وما يرافق ذلك من رياح وأمطار وحرث وغرس وزراعة وحصاد، علاوة على التقاويم والمواسم والأعياد والاحتفالات والترفيه والأغاني والموسيقى وطقوس العبادة والموت والأعراس. وتزدحم في هذا السفر بمجلداته العشرة مئات الصور التي تُعد اليوم وثائق بصرية تكاد تنطق بأحوال الزمان الماضي القريب. وقد تنكب مهمة هذه الترجمة مجموعة من المترجمين الذين أتقنوا الألمانية واعتنوا بمراجعتها وتدقيقها، وهم: محمد أبو زيد (المترجم الرئيس) وعمر الغول وفيوليت الراهب ومتري الراهب وجوزف حرب. وتولى عملية التحرير وضبط المصطلحات وتدقيق أسماء الأماكن والمواقع واللهجات المحلية صقر أبو فخر، فيما أنجز قسم التحرير في المركز العربي للأبحاث الفهارس العامة (الأماكن والأعلام والجماعات)، فضلًا عن التوثيق.

[ad_2]