ثمة حوارات ثنائية بين القيادة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، وتحديداً في مجال التعاون الأمني، ظهرت نتائجها أخيراً، وينظر إليها المراقبون من الزاوية الأخرى، كي تكون الصورة أكثر وضوحاً، وبناء الآراء والسيناريوهات عليها، خصوصاً وقد أثارت جدلاً واسعاً داخل الحكومة الإسرائيلية، والشارع الفلسطيني سواء بسواء.
في الآونة الأخيرة، أكدت إدارة الرئيس جو بايدن، التزامها المستمر في التعاون مع القيادة الفلسطينية في رام الله، بهدف تحسين الوضع الأمني في الضفة الغربية (وفق تعبيرها) مشيرة إلى أن هذا التعاون يتم بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية.
كان مسؤول رفيع في البيت الأبيض، أكد أن بلاده تواصل حث إسرائيل والسلطة الفلسطينية، من خلال (قوى الأمن) على العمل معاً، لتحسين الأوضاع الأمنية في مناطق الضفة الغربية، لافتاً إلى ان الولايات المتحدة الأمريكية، قدمت لهذا الغرض، أسلحة، وذخيرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية، مؤكداً في الوقت ذاته، أن واشنطن، تشعر بالقلق العميق حيال ارتفاع مستوى العنف في الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، مشدداً على وجهة النظر الأمريكية، بأن الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون التمتع بتدابير متساوية من الأمن والاستقرار.
في السلطة الفلسطينية، يقولون إن المساعدة الأمريكية، لأجهزتها الأمنية، لم تشمل الأسلحة والذخيرة، بل اقتصرت على مركبات أمنية مصفحة، وفي الأثناء قال مراقبون: «إنهم يصرون على ليّ عنق الحقيقة» في إشارة إلى أن المساعدة الأمريكية، شملت أسلحة وذخيرة بالفعل، ومرد إنكارهم، عاصفة الجدل، والاحتجاجات الغاضبة في الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي، من هذه المساعدة. وفيما اعتبر مسؤولون إسرائيليون، ما جرى بأنه لا يخرج عن تسليح لأجهزة الأمن الفلسطينية، بأجهزة ومعدات «غير قاتلة» وأن هذا التسليح تم بموافقة إسرائيلية، ظهرت احتجاجات في الشارع الإسرائيلي، بأن حكومتهم «غير قادرة على صيانة أمنهم». أما في الجانب الفلسطيني، فمن وجهة نظر مسؤولين مقربين من الرئيس محمود عباس (أبو مازن) فهذه المصفحات سيتم استخدامها «لفرض النظام وتطبيق القانون» في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية من الناحية الأمنية، ونقل عن مسؤول فلسطيني كبير، قوله: «إن هذه الخطوة، تأتي في إطار ترتيبات جديدة سوف تشهدها المنطقة، وأن الحملة الأمنية ستستهدف المناطق الأكثر سخونة في الضفة الغربية، ومنها: جنين، نابلس، طولكرم، وأريحا».
المسؤول الفلسطيني، الذي لم يشأ الكشف عن هويته، لم يخفِ كذلك، أن المساعدة الأمريكية هذه، جاءت استجابة لطلب من السلطة الفلسطينية، لتزويدها بالعتاد اللازم لفرض الأمن والقانون، وكبح جماح أي محاولة لإضعاف السلطة، أو العبث بـ»مشروعها الوطني» وإظهارها عاجزة أمام المجتمع الدولي.
وفي ظل تعثر جهود المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام بين الفرقاء الفلسطينيين، لا تزال عـقدة إعادة بناء قوى الأمن الفلسطينية تتسيد الموقف على المستوى الداخلي الفلسطيني، بل إن هذه المعضلة، من وجهة نظر مراقبين، ستظل آخر القضايا التي سيتم الاتفاق بشأنها في أية مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحتى لو استؤنفت المفاوضات، فلن يغامر أي طرف من الجانب الفلسطيني (رام الله وغزة) بتسليم سلاحه، أو الإذعان لسيطرة الطرف الآخر. يوضح الكاتب والمحلل السياسي محمـد رمضان: دون إحداث التوازن الداخلي، فلن يكون هناك جدوى من تسليح أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، فثمة ما هو أكبر من «التنسيق الأمني» بين السلطة وإسرائيل، وسيظهر ما لا يمكن تجنبه، في مسألة فرض القانون، والمقصود هنا، تفكيك المجموعات الفلسطينية المسلحة.