كشفت أزمة النزوح التي تسببت بها الحرب الروسية على أوكرانيا والتي شملت مئات من المدنيين من جنسيات مختلفة، جانباً أخر للحياة في أوكرانيا التي تعد إحدى أكثر الوجهات استقطاباً للطلاب في شرق أوروبا، بحسب بيانات أشارت إلى احتضانها أكثر من 76 ألف طالب أجنبي عام 2020، بينهم حوالى 25 ألفاً من دول أفريقيا يدرسون الطب والهندسة والأعمال.
وهنا يطرح السؤال نفسه حول سرّ جاذبية أوكرانيا لهذا الكمّ الكبير من الطلاب الأجانب، وتتمثل الأجوبة في تسهيلها إجراءات الطلاب الأجانب، وتدني رسوم جامعاتها التي ينظر أليها أيضاً باعتبارها بوابة لسوق العمل الأوروبي. ويقول باتريك إيسوجونوم الذي يعمل في منظمة تساعد الطلاب من دول غرب أفريقيا الذين يرغبون في الدراسة في أوكرانيا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): “تستقطب الشهادات الأوكرانية الطلاب من أنحاء العالم، خاصة من دول غرب أفريقيا، بسبب مستواها التعليمي الجيد، وأسعارها التنافسية، والأهم توفير الشعب الأوكراني بيئة اجتماعية ودية”.
ويقول الطالب النيجيري تشاينازا موكوودو الذي كان يقيم في مدينة دنيبرو إن “شروط القبول المريحة وكلفة العيش الرخيصة مقارنة بالمدن الأوروبية الأخرى جعلته يلتحق بجامعة الجمارك والمالية قبل أقل من ثلاثة أشهر”.
ويوضح من مقر إقامته الحالية في بولندا أنه استفاد من تقديم الجامعات في أوكرانيا حوافز عدة، أبرزها دورات تقوية باللغة الإنكليزية للطلاب الأجانب، بهدف مساعدتهم في تعليمهم الجامعي، “من هنا أرى أن أوكرانيا فتحت لي أفق حياة فأنا كنت عامل لحام في بلدي، واحتجت إلى التعليم لإنجاز أشياء، وكانت أوكرانيا الخيار الأفضل بالنسبة لي”.
وتكشف بيانات خاصة بالاتحاد الأوروبي أن أكثر من 10000 طالب أفريقي فروا من الحرب في أوكرانيا، حيث تعرض بعضهم بحسب تقارير ولقطات نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، لمعاملة عنصرية على الحدود بعضها على يد مسؤولين أوكرانيين منعوهم من العبور. وقال طالب نيجيري إنه كان ضمن مجموعة من حوالي 20 أجنبيا، بمن فيهم إكوادوريون ومغاربة، أُجبروا على النزول من قطار في كييف في 26 فبراير/ شباط الماضي، وقال: “دخلت الشرطة وسحبتني ودفعتني، وسألت إن كنت ذاهباً إلى لفيف أو بولندا، وأمروني بالخروج”.
واستنتجت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من مقابلات أجريت مع أجانب يعيشون في أوكرانيا قولهم إنهم “واجهوا معاملة غير متساوية وتأخيرات أثناء محاولتهم الفرار من الحرب مع مئات الآلاف من الأوكرانيين، منهم طلاب تحدثوا عن منع أو تأخير في ركوب الحافلات والقطارات، لإعطاء أولوية لإجلاء النساء والأطفال الأوكرانيين.
وتحدث طلاب عن أنهم “طالبوا جامعاتهم قبل بدء الحرب بضرورة الانتقال إلى التعليم عبر الإنترنت، لكن إدارتها رفضت هذا الأمر، فعلقوا في المنازل ولم يستطيعوا العودة إلى ديارهم. وتؤكد طالبة الطب النيجيرية ماري خوفها من فقدان مستقبلها التعليمي، وتكشف أن جامعتها تجاهلت مناشدات الطلاب والمخاوف التي عبروا عنها قبل أكثر من شهر، ومطالبتهم بالسماح بمتابعة الدروس عبر الإنترنت بهدف مغادرة أوكرانيا، فعلقوا في أتون الحرب.
وتخبر ماري أنها تعيش مع أصدقاء في قرية قريبة من الحدود الروسية، تعرضت لقصف قوي جداً، ما حرمها مع أصدقائها من الخروج من البيت منذ بداية الحرب، قبل أن ينفد الطعام.
ومن داخل قبو في مدينة خيرسون (جنوب) التي احتلتها القوات الروسية، تحدث الطالب الكاميروني كريستوف الذي يدرس إدارة الأعمال الدولية عن مخاوفه، وأكد أنه لا يستطيع المغادرة خوفاً من قتله أو استهدافه، موضحاً أنه يعيش مع أكثر من 20 من زملائه في القبو الخالي من الضوء، ويستمعون إلى أصوات القصف وطلقات الرصاص ليلاً نهاراً. أيضاً، يؤكد طالب علوم الكمبيوتر الغيني مامادي دومبويا من داخل قبو مظلم آخر يقبع فيه مع زملاء له من الغابون والسنغال والكاميرون، أنه لم يعد يحتمل أصوات القصف، ويريد العودة إلى دياره، علماً أن الجهود التي تبذلها الحكومات الأفريقية لا تزال ضعيفة لإخراج رعاياها الطلاب مقارنة بعددهم في أوكرانيا.
وفي الأيام الماضية، أطلقت الحكومة الأوكرانية خطاً ساخناً للطوارئ للأفارقة والآسيويين الفارين، بحسب وزير الخارجية ديميترو كوليبا الذي أكد أن “السلطات تعمل في شكل مكثف لضمان سلامة ومرور الطلاب الأفارقة والآسيويين”. في المقابل، يرى طلاب أن العودة إلى بلادهم خيار غير محسوم بعدما أنفقوا أموالاً كثيرة، ويؤكدون أنه يصعب ترك كل شيء والعودة إلى ديارهم، وتقول جيسيكا أوراكبو طالبة الطب في السنة السادسة في جامعة ترنوبل الطبية الوطنية والتي هربت إلى العاصمة المجرية بودابست بعدما كانت على بعد أربعة أشهر من التخرج: “لا يمكنني المضي قدماً في تعليمي، وليس لدي وقت للبدء من جديد وأريد فقط الحصول على درجتي العلمية، ربما استطيع إنهاء الدراسات العليا في مكان آخر”.