كتبت-دعاء الفولي:
كانت تلك المرّة مختلفة. فحين جلست منار هزّاع أمام برنامج زووم لتسرد القصة على 40 طفلا، أدركت كم تفتقد ورش الحكي المباشر، استرجع عقلها صوت الصغار إذ يجلسون حولها في إحدى المكتبات بالقاهرة، يضحك أحدهم مستمتعا بما ترويه، فيما يُعطيها الآخرون انتباههم، تعود الأم للزمن الحالي، تنظر للساعة المشيرة لتوقيت ولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة، قبل أن تبدأ أولى ورش الحكي عن بُعد في رمضان الماضي.
لطالما أحبّت منار الحكايات، لم يكن مسار السرد للأطفال يخطر بذهنها، لكن انجذابها له حدث مع أول قصة روتها لطفليها، كانت تتفنن في اختيار حكايات مختلفة لهما، لكنها وجدت صعوبة في العثور على كتب عربية ذات محتوي شيق “عشان كدة بدأت أؤلف لهم حكايات بسيطة قبل النوم”، تؤمن الأم أن القراءة للطفل تصنع رابطا لا يخلقه غيرها “بتخليه يتأكد إن اللي بيقرأ له مهتم بيه هو بس”، ظلت منار على ذلك الحال فترة حتى أدركت “إني عايزة أحكي لأولاد تانيين مش بس ولادي”.
قبل حوالي عامين ونصف، أسست منار مشروع “تي شيرت الضفدع”، قررت تسخير وقت أكبر لتنظيم ورش الحكي في أماكن مختلفة، ليس للأطفال فقط “لازم الأم أو الأب يكونوا موجودين، عشان مهم يعرفوا ثقافة الحكي نفسها ويطبقوها مع ولادهم مش مجرد يسيبوهم يحضروا يوم لطيف وخلاص”، بأقل الإمكانيات نفذت ورش عديدة “كنت بأجر مكان وأجيب فشار وفاكهة ومشروبات ونقضي وقت مع الأطفال والأمهات”، رغم أنها أحبت ما تفعله، إلا أن إيجاد قصصا عربية ظل عسيرا “كنت بحاول أنوّع بين القصص الإنجليزي والعربي “لكن للأسف الكتب العربي الحلوة في السوق قليلة جدا”، لذا جاءت الخطوة التالية؛ كتبت منار أول قصة للأطفال باللغة العربية.
بقدر ما يحتاج الأمر لجهود كبيرة بين البحث والخيال، فالأمر ممتع، خاصة وأنها درست علم الإنسان في الجامعة الأمريكية بالقاهرة “دا مخليني قريبة من الحكايات سواء عن الكبار أو الصغيرين”، ظهرت القصة الأولى للنور بعنوان “رحلة اختيار فانوس”، ثم الثانية تحت اسم “أخ” وتحكي عن فتاة صغيرة تنسى دائما لكنها تتعامل مع ذلك بخفة وذكاء، ونُشرت القصتان مع دار نشر “عالية”.
حاولت الأم وضع قيم بسيطة وغير مباشرة في القصص، أرادت توصيل رسائل قائمة على “أنه مش لازم نبقى شبه حد عشان نكون حلوين ولا لازم نكون كاملين طالما بنعمل حاجات كويسة”، زرعت الكاتبة في الصغار فكرة التفاعل “كنا في الورش ممكن نعمل فانوس سوا، وبعدين بقينا بنوزع مع القصص في المكتبات ورق خيامية ونحط الطريقة عشان الأطفال يعملوه في البيت”، كانت تلك الأوقات غنية بالتفاصيل، لكن كل شيء تغير في العام الماضي حين انتقلت منار للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير، تعين عليها حينها إيجاد بديل للتواصل.
لم يكن انتشار فيروس كورونا سيئا بشكل كامل، فقد تعرّف الناس على طرق أخرى للتواصل “يمكن مش بلطافة التواصل المباشرة بس هي فعالة”، طلب منها متابعو المشروع عبر فيسبوك تكرار تجربة الحكي “بس أونلاين”، لا تنكر الكاتبة خوفها مع بداية التجربة “مهما كان دول أطفال، إزاي هقدر ألفت انتباههم واحنا بينا أميال طويلة من خلال شاشة”، لذلك قررت منار إضفاء تفاصيل جديدة على حكاياتها “عشان تبقى شبه الأيام دي”.
عندما استعادت منار قصة “رحلة اختيار فانوس”، وجدت انها غير ملائمة لرمضان 2020 “لأن مفيش أجواء رمضان السنة دي”، جعلت الأم بطلي القصة “ملك” و”كريم” يرويان شعورهما تجاه الجلوس في المنزل، حوّلت مسار القصة ليصبح متعلقا بليلة العيد، صنعت أفكارا جديدة وسردتها للأطفال “زي إنه ملك وكريم قرروا يعملوا كمامات ملونة عشان العيد بما إنه مفيش لبس ولا فسح”، لم تتخل الأم عن بث روح التفاعل بين الأطفال، جعلت كل واحد منهم يحكي تجربته مع المنزل “اللي قال بلوّن واللي قال بيساعد ماما واللي قال بلعب مكعبات”، أسعدت التفاصيل روحها “لما بيتكلمواعن نفسهم بيحسوا إنهم مهمين فعلا وإنهم مش لوحدهم”.
أقامت منار عدة ورش حكي خلال رمضان وعيد الفطر، بعضها كان لأطفال مصريين في أمريكا وأخرى لأسر في مصر، لم تتنازل أيضا عن تواجد الآباء “كنت بلاحظ بعض الناس بتسيب ولادها قدام الجهاز وتقوم ولما دا بيحصل بحس إن الطفل مش هيهتم أوي”، أكدت الأم مرارا أن القصص ليست لمُتعة الصغار فقط “هي كمان عشان تشجع الأهل يشاركوا حاجة مع الولاد خاصة إنها مش حاجة مكلفة ماديا”.
لا تنفك منار تفكر في قصة جديدة تقدمها “أتمنى تكون جاهزة للنشر على الصيف الجاي”، اعتادت لقاءات الحكي عبر الإنترنت “وبعد كدة هتكون الحكاية كل شهر مرة أو أسبوعين”، إلا أنها تنتظر رؤية جمهورها الصغير عن قُرب مرة أخرى، سواء في مصر أو الولايات المتحدة الأمريكية.
عدد المشاهدات: 71
Categoryقصص أطفال