شارع 7 | قصة بساط الريح | قصص اطفال – موقع رييل ستورى


في قديم الزمان كان يعيش في مدينة بغداد فتى لامٍ عابث اسمه نعمان. لم يكن نعمان فتى خبيثًا، بل كان في الواقع كريمًا، حسن العشرة. غير أنه وجد نفسه منذ الصغر مترفًا، محاطًا بالخدم والمساعدين، فمال إلى حياة اللهو ونشأ لا يحسن عملًا. ورث نعمان عن أبيه مالًا كثيرًا وقصرًا كبيرًا، فراح يضيع ماله على رفاق الشباب ومآدب الطعام والشراب. ولم يكن يعمل شيئًا يعوض به ما يبدده من مال، فلم تمض فترة طويلة حتى كانت الثروة كلها قد ضاعت، ووجد نعمان أن رفاقه قد اختفوا من حوله، وأحاط به بدلًا عنهم الدائنون ورجال القانون.

أخذ نعمان يبيع مفروشات القصر ليعيش من ثمنها ويبعد عنه الدائنين. وانتهى الأمر إلى أن يبيع القصر، وهكذا وجد نفسه في الطريق، لا يحسن عملًا، ولا يحمل إلا بساطًا باهت اللون وباليًا. وكان المالك الجديد قد وجد ذلك البساط مرميًا في مكان منعزل من القصر، فحمله وجرى وراء نعمان ورماه عليه، وقال له: “هذه بضاعتك، احملها معك!”

البساط الطائر

أمسك نعمان بالبساط ونظر إليه بتأثر شديد، فقد كان الشيء الوحيد الذي بقي له من أبيه. ثم طواه وتابعه ومشى في طريقه. ظل نعمان سبعة أيام يدور من مكان إلى مكان، باحثًا عن عمل، لكنه لم يكن يحسن عملًا، فلم يرض أحد أن يستخدمه. وكان يفترش ليلًا بساطه البالي، وينام وقد امتلأت عيناه بالدموع.

وبينما كان ذات ليلة نائمًا، رأى أن البساط الذي ينام عليه قد ارتفع عن الأرض وطار. ابتسم وتمتم: “ما أجمل الأحلام!” لكن سرعان ما وجد نفسه يهب من نومه وينظر حوله مذهولًا. لقد كان البساط يطير به حقًا!

رأى نعمان نفسه يطير فوق مدينة بغداد، لكن سرعان ما كانت المدينة قد غابت عن ناظريه وظل يطير فوق جبال وأودية وبحار حتى انقضى الليل وأطلت أشعة الفجر. فجأة لمحت عيناه في الجو غمامة سوداء تقترب منه، لكنه أصيب بالذعر عندما أدرك أن ما حسبه غمامة هو في الواقع نسر أسود عملاق هائل الجناحين.

اللقاء بالشيخ الناسك

ما هي إلا لحظات حتى كان النسر قد مد مخالبه إلى عنق نعمان ليقضي عليه. ولم يعرف نعمان ما يفعل، فانبطح فوق البساط الطائر، وأمسك من خوفه بأهداب البساط يشدها إلى أسفل. وما هي إلا لحظة حتى كان البساط قد انساب صوب الأرض كما تنساب الريح، مبتعدًا عن النسر المخيف، وحط بهدوء على جانب معشب من الأرض. ولم يُبدِ النسر بعد ذلك رغبة في اللحاق بنعمان، فكأنما أراد فقط أن يخلو له الجو فلا ينازعه أحد على سيادته.

التفت نعمان حوله، بعد أن هدأ خوفه، فرأى أنه حط في منطقة جبلية وعرة تكثر فيها الأعشاب البرية والجَنَبات. ورأى نفسه يشرف من تلك البقعة العالية على مدينة كبيرة عامرة. فعزم على أن يتوجه إلى تلك المدينة طلبًا للرزق.

طوى نعمان بساطه وتأبطه ومشى في طريقه الوعرة ساعات، ثم رأى في البرية شيخًا يجلس على صخرة، فعجب من أمره، واقترب منه وسأله عن حاله. قال الشيخ: “أنا ناسك، أعيش في البرية وحدي. خرجت من كهفي أقطف بعض الثمار البرية فأصابني تعب وعجزت عن السير.”

أسرع نعمان إلى الشيخ العجوز يحمله ويمشي به ناحية الكهف، وهو يعجب لهذا الشيخ الهزيل الذي يعيش وحيدًا في الجبل.

نعمان يدخل المدينة

أوصل نعمان الشيخ الناسك إلى كهفه، ومكث عنده ساعة حتى اطمأن عليه، ثم تأبط بساطه ومشى صوب المدينة. دخل المدينة منشرحًا راضيًا، فقد عزم على أن يكسب رزقه بالعمل، وأحس لذلك بسعادة كبيرة. رأى قصرًا منيفًا يحرسه رجال أشداء، فتوقف هناك يطلب عملًا. صاح به أحد الحراس: “ألا تعرف أن هذا قصر الملك؟”

اتفق في تلك اللحظة أن مرّ طباخ الملك. رأى نعمان يتراجع عن بوابة القصر، فقال له: “تعال معي، في مطبخ الملك متسع لعامل نشيط.”

العمل في مطبخ الملك

اطمأن الطباخ إلى نعمان، فقد رآه فتى حسن العشرة، يحسن اختيار ملابسه ويحافظ على نظافتها. وسرعان ما أدرك أنه أيضًا ذو معرفة بألوان الطعام والشراب وأدب الموائد. فتعجب من أمره، ثم استدعاه يومًا وقال له: “الأميرة قمر الزمان، ابنة الملك، تتناول اليوم طعامها في الحديقة مع رفيقات لها. أريدك أن تقدم أنت الطعام.” ثم قال مبتسمًا: “قمر الزمان أجمل النساء، لكن، حذارِ أن تطمع بها، فلا أحد يجرؤ على طلب يدها!”

بدت الدهشة على وجه نعمان، وقال: “لماذا؟ هل بها علة؟” ضحك الطباخ وقال: “قلت لك إنها أجمل النساء. لكن والدها الملك يحبها حبًا شديدًا، وهو لا يجد أن في الدنيا رجلًا يليق بها، ويخاف عليها من زوج خبيث. لذلك يشترط على من يطلب يدها أن يجتاز امتحانًا يستحيل اجتيازه. وعندما يعجز الطامع عن ذلك يُرمى به في سجن لا يخرج منه أبدًا.”

اللقاء بالأميرة قمر الزمان

في ذلك اليوم، حمل نعمان الطعام إلى الحديقة. وعندما وقعت عيناه على قمر الزمان وقف ذاهلًا، فقد كانت حقًا أجمل النساء. أسرعت الأميرة تغطي جانبًا من وجهها بخمارها، ثم نظرت إلى نعمان بعينيها الخضراوين الفاتنتين نظرة اندهاش، وأحست بميل شديد إليه. انحنى نعمان أمام الأميرة وقال لها: “مولاتي، هذا طعامكِ، وأنا خادمكِ!”

بعد ذلك تكررت مهمة نعمان في الحديقة، وبدا كأن قمر الزمان تستطيب طعامها في حديقتها وبين رفيقاتها. كان نعمان في الواقع قد أحب الأميرة منذ أن وقعت عليها عيناه، وكان يزداد تعلقًا بها يومًا بعد يوم. وكان هو أيضًا قد أحست به وتعلقت به.

وذات يوم، وقف نعمان أمام طباخ الملك وقال له: “قلت لي، يا سيدي، إن على طالب يد الأميرة أن يجتاز امتحانًا مستحيلًا؛ ما هو ذلك الامتحان؟”

الامتحان المستحيل

قال الطباخ: “يطلب الملك ممن يرغب في الزواج من ابنته أن يمثل أمامه ثلاث مرات، وفي كل مرة يُخبئ في عباءته شيئًا ويسأله عنه، فإذا لم يحزر ما هو، رماه في السجن. وقد وقع في السجن عشرات الأمراء، حتى لم يعد أحد يجرؤ على طلب يد الأميرة.”

لكن ذلك لم يضعف من عزيمة نعمان. فإما أن يفوز بقمر الزمان، وإما كانت حياته ومماته عنده سواء. عزم نعمان على أن يقابل الملك ويطلب يد الأميرة. لكنه لم يرغب أن يفعل ذلك وهو في ثياب الطباخ. فخرج إلى السوق واشترى ثيابًا فاخرة واتجه إلى كهف الشيخ الناسك. استقبله الشيخ استقبالًا حسنًا، واستمع إليه بصمت وهو يحدثه عن قمر الزمان، وعن عزمه على طلب يدها من أبيها الملك. ثم قال له: “يا بُني، إذا أحب المرء هانت عليه المخاطر. لن أشير عليك بما تفعل، فالعاقل ينصح لنفسه أولًا. لكني سأروي لك ما رأيت، لعل في ذلك فائدة. في الليلة السابقة، رأيت نسرًا أسود عملاقًا يخرج من قصر الملك، ويطير إلى رأس هذا الجبل، فيختفي حينًا، ثم يعود من حيث انطلق.”

نعمان يواجه التحدي الأول

في صباح اليوم التالي، لبس نعمان ثيابه الفاخرة وذهب لمقابلة الملك. سأله الملك عن نفسه، فأجاب وقد تعمد أن يخفي اسمه: “أنا صفوان البغدادي يا مولاي. جئت من بغداد طمعًا بيد الأميرة قمر الزمان.” أعجب الملك بجواب نعمان، لكنه أحس بالأسف، فهو يعلم أن مصير هذا الشاب سيكون كمصير الأمراء الذين سبقوه. ثم أعلن أن اللقاء الأول سيكون في اليوم الأخير من ذلك الشهر.

عاد نعمان إلى كهف الناسك، فخلع ثيابه الفاخرة ولبس ثياب الطباخ، وعاد إلى القصر يزاول عمله. سمع أهل القصر كلهم يتحدثون عن ذلك الشاب الذي جاء من بغداد يطلب يد الأميرة. بدت قمر الزمان نفسها حزينة، فقد كانت تعرف ما ينتظر طالب يدها من مصير.

ليلة اللقاء الأول

في الليلة السابقة للقاء الأول، تسلل نعمان من القصر متأبطًا بساطه، واتجه إلى سفح الجبل قريبًا من كهف الناسك، وجلس ينتظر. كان الظلام حالكًا في تلك الليلة، وتسلل القلق إلى قلب نعمان، فقد أدرك أن الملك يختار الليلة الأخيرة في الشهر لسوادها. خشي أن يمر النسر الأسود من هناك دون أن يراه، فراح يحدق في الظلام ويدور بعينيه في كل اتجاه.

فجأة سمع صوتًا يشبه الريح في السماء. التفت إلى مصدر الصوت، فأدرك أن ذلك هو في الواقع صوت انطلاق النسر العملاق. انبطح على بساط الريح واستعد للطيران. طار نعمان ببساطه وراء النسر، وحرص على أن يظل بعيدًا عنه لئلا يلفت انتباهه. فقد أدرك أن ذلك النسر العملاق المخيف هو نفسه الذي كان قد اعترض طريقه يوم وصل إلى ذلك الجبل وكاد أن يقتله.

حط النسر فوق قمة الجبل، ودخل كهفًا من الكهوف الكثيرة المنتشرة هناك. حط نعمان ببساطه أيضًا، وتسلل وراءه وتبعه. توقف النسر أخيرًا في فتحة ضيقة، ومد منقاره الضخم فالتقط جسمًا يتألق في الظلام كنجمة زرقاء. حدق نعمان في ذلك الجسم فإذا به لؤلؤة زرقاء كبيرة لا شبيه لها في تألقها وجمالها.

المواجهة مع الملك

اختبأ نعمان وراء صخرة إلى أن خرج النسر وطارت واختفى في الظلام. خرج نعمان أيضًا، وركب بساطه وعاد إلى سفح الجبل. بات في كهف الشيخ الناسك، وفي اليوم التالي وصل إلى القصر في حلة تليق بأمير وتاجر ثري خطير. دخل البلاط فإذا بالملك متربع على الديباج والحرير، ومن حوله رجال بلاطه في أبهى حلتهم.

قال الملك: “أيها الشاب، لقد حذرناك وبيَّنا لك ما جرى لسواك. فلا تلوم إلا نفسك. وإليك الآن سؤالي: ماذا أخبئ في عباءتي؟”

رفع نعمان رأسه وقال بعزم: “مولاي، جئت لأفوز بيد الأميرة، وسأفوز بها! إن في عباءتك لؤلؤة زرقاء!”

بدا الذهول على وجه الملك، وصمت طويلًا. أدرك الحضور أن الشاب قد جاء بالجواب الصحيح، فضجوا كلهم، فإنه لم يحدث أن تمكن أحد من قبل من إعطاء جواب صحيح. وسرعان ما وقف الملك وأعلن أن اللقاء الثاني سيكون في آخر الشهر القمري التالي، ثم خرج من المجلس على عجل. عاد نعمان إلى كهف الشيخ الناسك ليخلع ثياب الأمراء والأثرياء ويلبس ثياب العمال والطباخين.

قلق قمر الزمان

ظن أهل القصر أن قمر الزمان ستفرح عندما تسمع أن الشاب البغدادي الوسيم الشجاع قد تمكن من إعطاء الجواب الصحيح، لكن قمر الزمان لم تكن سعيدة. في ذلك اليوم كان في عينيها دموع، فقد كانت تحسب أن لذلك الشاب قوة سحرية، وخشيت أن يتمكن في المرتين الآتيتين أيضًا من إعطاء الجواب الصحيح، فيفوز بها، ولا ترى نعمان بعد ذلك أبدًا.

اللقاء الثاني

في الليلة السابقة لموعد اللقاء الثاني، تسلل نعمان من القصر متأبطًا بساطه، واتجه مرة ثانية إلى سفح الجبل، قريبًا من كهف الناسك، وجلس ينتظر. ثم اشتد الظلام، وسمع نعمان هذه المرة أيضًا ريحًا تهب فجأة، فأدرك أن النسر قد أقبل، فانبطح فوق بساطه وطار وراءه.

هبط النسر الأسود العملاق فوق قمة الجبل، لكنه دخل كهفًا غير الكهف الذي دخله أول مرة. فتسلل نعمان وراءه، ورآه يلتقط جسمًا براقًا يتألق تألقًا شديدًا. ومن وراء صخرة، حدق نعمان في ذلك الجسم، فإذا به وردة ذهبية.

المواجهة الثانية

في اليوم التالي، نزل نعمان إلى القصر في حلة جديدة أخرى أشد بهاء من حلته الأولى. كان الملك هذه المرة عابسًا، وكأنه كان يخشى أن يحزر الفتى الجواب الصحيح. أما أهل البلاط فقد جلسوا حوله صامتين مترقبين. قال الملك: “كنت محظوظًا في المرة الأولى، والآن أرنا إن كان الحظ سيحالفك هذه المرة أيضًا. قل لي: ماذا أخبئ في عباءتي؟”

أجاب نعمان: “أنا لا أنتظر الحظ، يا مولاي. فأنا أعرف ما في عباءتك. إن فيها وردة ذهبية!” بدا الذهول على وجه الملك، لكنه أخرج من عباءته الوردة الذهبية التي حملها إليه النسر الأسود. وقال: “موعدنا الأخير في نهاية الشهر القمري الآتي.”

الخطة الأخيرة

لم يستطع أهل البلاط أن يخفوا فرحهم وإعجابهم بذلك الشاب، وحسبوا أنه جنّي أو أنه يملك قوى عجيبة، فتحدثوا إليه بخوف واحترام. أما الملك فقد كان واثقًا أن نعمان قد اكتشف سر الجبل. لكنه لم يعرف كيف تمكن من اكتشاف ذلك السر، أو كيف لحق بالنسر الأسود العملاق إلى الجبل ورآه يحمل اللؤلؤة الزرقاء والوردة الذهبية. راح الملك يفكر في طريقة تمنع نعمان من اللحاق بالنسر في رحلته الثالثة والأخيرة. وظل يومين يحبس نفسه عن أهل البلاط، إلى أن توصل أخيرًا إلى خطة أرضته، فخرج إلى الناس منشرحًا.

الاستعداد للقاء الأخير

كانت قمر الزمان قد حبست نفسها هي أيضًا في جناحها، لا تخرج منه أبدًا ولا تكلم أحدًا. فقد باتت واثقة، مثلما كان أهل البلاط واثقين، أن ذلك الشاب البغدادي جنّي يتخذ هيئة إنسان، وأن ذلك الجني سيبعدها إلى الأبد عن نعمان. أدرك نعمان السر وراء احتباس الأميرة في جناحها، لكنه كان يعتقد أن من الخير له ألا يكشف عن نفسه، فقد يفشل في إعطاء الجواب ويكون حزن الأميرة عليه عندئذ عظيمًا. كما أن انكشاف أمره قد يعرض حياته للخطر. أما الآن فلا يعلم أحد أن الشاب البغدادي الوسيم الشجاع هو عامل المطبخ نفسه.

الرحلة الثالثة

في الليلة السابقة لموعد اللقاء الثالث والأخير، تسلل نعمان من القصر متأبطًا بساطه، واتجه كعادته إلى سفح الجبل، قريبًا من كهف الناسك، وجلس ينتظر. وبعد اشتداد الظلام، سمع كما حدث في المرتين السابقتين، ريحًا تهب فجأة. فأدرك أن النسر قد أقبل، فانبطح فوق بساطه وطار وراءه. لكن بدا كأن النسر يتمهل في طيرانه، فعجب نعمان لذلك. وزاد في عجبه أنه رآه يتجاوز قمة الجبل فلا يحط عندها، بل يستمر في طيرانه بعيدًا فوق سهول وأودية وبحيرات.

اكتشاف الخدعة

فجأة توقف نعمان عن اللحاق بالنسر، فقد أدرك أنه وقع في فخ. هذا النسر لم يكن نسر الجبل، بل كان نسرًا أرسله الملك لتضليله. أصيب نعمان بالذعر، فقد ضاع الآن وقت اللحاق بنسر الجبل. ظل حينًا يطير في الفضاء، لا يعرف ما يفعل. ثم فجأة لمعت في ذهنه فكرة، فقام بإدارة بساطه واتجه صوب القصر، حيث حط عند شرفة الملك، واختبأ وراء بعض الأزهار.

لم يمض وقت طويل حتى سمع نعمان ريحًا تقترب من ناحيته. رأى النسر الأسود العملاق يحط أمامه على شرفة القصر. وسرعان ما أقبل الملك ومد يديه ليتسلم شيئًا من النسر، لكن بدا وكأن الملك يتسلم شيئًا خفيًا لا تراه العيون. أصيب نعمان بالذعر مرة أخرى، فطار ببساطه إلى كهف الناسك وقد تملكه يأس شديد.

العودة إلى الناسك

حط نعمان عند كهف الناسك، ورآه الناسك حزينًا بائسًا، فاقترب منه وفي يده كتاب، وقال له: “اقرأ يا بني، لعل في هذا الكتاب ما يعيد إلى نفسك راحتها.” رد نعمان قائلاً: “أتظن، يا سيدي، أن هذا وقت التروي بالمعرفة؟” أجاب الناسك: “بالمعرفة وحدها تفوز، يا بني!”

أمسك نعمان الكتاب وظل طوال الليل يقرأ فيه. قبيل بزوغ الصباح، شعر ببصيص من الأمل يدخل قلبه، فطوى الكتاب وقام يستعد للذهاب.

المواجهة الأخيرة

نزل نعمان إلى القصر في حلة بهية. فوجد الملك جالسًا على ديوانه الملكي منشرحًا ومطمئنًا. أحس أهل البلاط أن وراء انشراح الملك سرًا، فجلسوا صامتين مترقبين. قال الملك: “الآن نعرف إن كنت تستحق ابنتي حقًا أم كان يتوجب عليك العقاب لتجرؤك على طلب يدها. قل لي: ماذا أخبئ في عباءتي؟”

رفع نعمان رأسه وقال بثقة: “أنت، يا مولاي، تخبئ في عباءتك سيفًا حفيًا. إنه سيف أسرتك الذي تسلمته من أبيك، وتسلّمتَ معه اللؤلؤة الزرقاء والوردة الذهبية.”

النهاية السعيدة

هَبّ الملك واقفًا وفتح ذراعيه وقال: “يا بني، أنت تستحق أن تكون زوجًا لابنتي الأميرة قمر الزمان. لن أخاف عليها ما دامت معك. لقد كنت شجاعًا فطنًا عالمًا.” ثم أمر باستدعاء ابنته.

دخلت الأميرة قمر الزمان خافضة الرأس، وقد غطت وجهها بخمارها وامتلأت عيناها بالدموع. ثم سمعت صوت أبيها الملك يقدّم لها الشاب البغدادي الذي فاز بيدها. رفعت رأسها ناحيته، فإذا أمامها نعمان. بدا أول الأمر أنها لا تصدق عينيها أو أنها ترى حلمًا من الأحلام.

أطلق الملك سراح الأمراء المسجونين، فخرجوا وقد أسعدهم أن أحدًا قد فاز بالأميرة وخلصهم من سجنهم. وعاش نعمان والأميرة قمر الزمان حياة هانئة. وكثيرًا ما كانا يزوران بغداد وغيرها من البلدان على بساط الريح.

وعندما زار نعمان بغداد أول مرة، حاول رفاقه القدامى أن يعودوا إلى صحبته، لكنه أبعدهم عنه وقال: “ما يكسبه المرء بعرقه لا يضيعه على رفاق الطيش.”