شارع 7 | قصة الثعلب التائب | قصص اطفال – موقع رييل ستورى


يحكى أن التعالب في منطقة ريفية اجتمعت لتتشاور في أمر طعامها. فقد كان الطعام في تلك المنطقة قليلاً، وكثيرًا ما كانت التعالب تنام دون عشاء. قال ثعلب: “الدجاج اليوم ينام في قنانٍ متينةٍ مقفلة، وأصحاب المزارع ينصبون لنا الفخاخ ويقتلوننا. لم يعد سهلاً أن تحتال على أحد هذه الأيام!”. وقال آخر: “إذا بقينا على هذه الحال، متنا جوعًا. أرى أن نترك الدجاج للآدميين، وأن نأكل نحن أوراق الشجر والثمار والزهور!”. غضبت التعالب، وقال واحد منها: “ولكننا عندئذٍ لا نكون تعالب!”.

ظلت التعالب تتشاور وتتناقش أيامًا طويلة. وكانت تزداد ضعفًا وهزالًا كل يوم. وأخيرًا، اتفق الرأي على أن تترك تلك المنطقة من الريف وتهاجر. استعدت التعالب، كبارها وصغارها، للرحيل، إلا واحدًا منها اسمه ثعلبوط، فقد جلس وأسند ظهره إلى صخرة ولف ساقًا على ساق. قال له أحد أصدقائه: “من يراك تجلس هذه الجلسة يظن أنك باق هنا!”. أجاب ثعلبوط: “أنا باق هنا!”.

ظنت التعالب في البداية أن ثعلبوط يمزح، لكنها سرعان ما أدركت أنه باقٍ في مكانه فعلاً. حين جاء وقت الرحيل، وقف ثعلبوط يودع رفاقه التعالب ويراقبها وهي تترك كهوفها وتختفي وراء التلال. ثم أخذ يرقص ويقول: “أنا الفتى المجرب، أجد حين ألعب، إن كان غيري أرنبًا، فتعلبوط تعلب”.

لقاء الثعلب مع الناطور

في صباح اليوم التالي، ذهب ثعلبوط إلى كوخ في البرية، متسلقًا سطح الكوخ وظل هناك يعمل لساعة. ثم نظر إلى القرية من بعيد، وملأ صدره بالهواء الطلق، واتجه صوب كوخ الناطور. تعجب الناطور عندما رأى الثعلب، وأسرع إلى سكينه وعصاه. صاح ثعلبوط: “عفوًا يا سيدي، أنا لا أنوي شرًّا. أنا جارك، وقد جئت اليوم أسلّم عليك وأضع نفسي بين يديك!”.

ضحك الناطور ضحكة غاضبة وقال: “ولعلك يا جار تطمع في أن أقدم لك دجاجةً أو ديكًا!”. قال ثعلبوط: “لا يا سيدي! لقد تبت عن ذلك. أنا الآن لا أطمع إلا في أن أعيش معكم وعند بوابات منازلكم، آكل مما ترمونه لي من طعام!”. تعجب الناطور من كلام الثعلب وقال في سره: “لم أسمع أن التعالب تتوب!”.

عزم الناطور على أن يأخذ الثعلب إلى أعيان القرية، لكنه خاف أن تكون توبته حيلة من حيله، فربطه بحبل، ومشى يمسك بطرف الحبل. خرجت القرية كلها تتفرج على الثعلب المربوط، وتعجب مما ترى. أما الدجاجات والديكة فقد اختبأت كلها في زوايا القنان، ولم تجرؤ حتى على النظر إليه.

موقف أعيان القرية من الثعلب

اجتمع أعيان القرية وأخذوا ينظرون إلى ثعلبوط الهادئ الوديع. بدا لهم وكأنه أرنب في هيئة ثعلب، فعجبوا، ومال بعضهم إلى تصديقه. لكن واحدًا منهم قال: “أكلت التعالب نصف دجاجاتي، ولن أصدق أبدًا أن ثعلبًا يتوب!”. ظل أعيان القرية يتحاورون ويتشاجرون ساعات، ولم يصلوا إلى رأي.

وقف ثعلبوط في آخر النهار أمامهم وقال: “آسف أني كنت سببًا للشجار بين الأعيان الكبار. أنا عائد إلى التلال، ولن تروا وجهي بعد اليوم أبدًا!”. أتعرف ما جرى؟ أسرع الأعيان يطلبون من ثعلبوط البقاء في قريتهم ليعيش معهم وعند بوابات منازلهم. وسلّموه إلى الناطور ليطعمه ويراقب توبته.

الثعلب الماكر

وبدا كأن الثعلب قد تاب فعلاً. فقد كان إذا رأى دجاجة انحنى وقال لها بصوت لطيف: “صباح الخير، يا سيدتي!”. وكان إذا رأى رجلًا من الأعيان مقبلًا، راح يغفر ويهز ذيله فرحًا، ويقول: “أنا ثعلبك الأمين، يا سيدي!”. وسرعان ما أخذ الناس يثقون به، وحتى الدجاج بدأ بعد حين يعتاد قربه وينسى خوفه.

أحبت زوجة الناطور فروة ثعلبوط، وصارت كل يوم تمد يدها إليها وتتحسسها، وتتمنى أن تضعها يومًا على كتفيها، مثلما تفعل زوجات الأعيان. وجاء يوم لم تعد فيه تطيق السكوت، فقالت لزوجها: “أريد فروة هذا الثعلب!”. غضب الناطور وقال: “أتريدينني أن أقتل الثعلب الذي سلمه الأعيان إليّ لأطعمه وأراقب توبته؟”. لكن الزوجة لم تسكت، وصارت تلاحق زوجها صباح مساء، حتى نكدت عيشته، فقال في نفسه: “لن أنكد عيشتي من أجل ثعلب!”، ثم قال لزوجته: “سأقتله وأعطيك فروته، لكن عليّ أولًا أن أنصب له فخًا، وإلا علقت مع الأعيان!”.

خطة الناطور

في ليلة من الليالي، وكعادته، كان ثعلبوط يدور في طرق القرية. لحقه الناطور وأدرك ثعلبوط أن أحدًا يراقبه، لكنه تظاهر بأنه لم يلاحظ شيئًا. بعد حين، سمع ثعلبوط صوت دجاجة شاردة، فعجب كثيرًا، إذ إن أهل القرية حريصون جدًا على دجاجاتهم، ومنذ نزوله في القرية لم يرَ دجاجة شاردة واحدة.

انحنى ثعلبوط أمام الدجاجة، وقال لها: “مساء الخير، يا سيدتي! الدنيا ظلام، وأنا أخاف عليك! تعالي، سأرافقك إلى القن!”. ثم مشى مع الدجاجة إلى قنها، وودعها من غير أن يلتفت إلى الوراء. جمد الناطور في مكانه، لا يصدق ما يرى ويسمع. وعندما أفاق من عجبِه، عاد إلى كوخه وصاح في وجه زوجته: “لن أقتل ثعلبًا تاب توبة صالحة!”.

انتشار القصة في القرية

ذاعت في القرية حكاية ثعلبوط والدجاجة الشاردة. صدق الناس كلهم هذه المرة أن الثعلب قد تاب، وصاروا ينسون أبواب قنانهم مفتوحة. بل رأى بعضهم أن على الناطور الآن أن ينام في كوخه نومًا هانئًا.

وذات يوم، رأى ثعلبوط دجاجة سمينة شهية اسمها دجدج، فقال لها: “صباح الخير، يا سيدتي!”. أجابت الدجاجة: “صباح الخير، يا ثعلبوط!”. اقترب ثعلبوط من دجدج، وراح يحدثها بلطف شديد، ويسألها عن زوجها الديك عرفط وعن فرخها الصغير كتكوت. ثم قال لها: “ليتني كنت دجاجة!”. عجبت الدجاجة مما سمعت، وقالت: “لم أسمع قط أن ثعلبًا يتمنى أن يكون دجاجة!”.

الشك بين الدجاجة والديك

هز الثعلب رأسه في حزن، وقال: “لو كنت دجاجة، لما احتجت إلى طعام، فإني أعرف أرضًا في البرية تمطر فيها السماء حبًا!”. أسرعت دجدج إلى زوجها الديك عرفط، وحكت له ما سمعته من ثعلبوط. جلس عرفط على الأرض وأسند ظهره إلى الجدار، وقال في وقار: “كم مرة قلت لك ألا تصدقي كل ما تسمعين؟”.

انتفضت دجدج وصاحت غاضبة: “الآدميون كلهم صدقوا الثعلب، وأنت يا الديك لا تصدقه!”. صاح الديك غاضبًا: “الآدميون يصدقونه لأنه لا يأكل لحمهم! لو كان يأكل لحمهم لما صدقوه!”. ونشب بين عرفط ودجدج شجار، ووقف كتكوت بين أمه وأبيه يستمع إلى صياحهما بخوف، ويتلفت إليهما حائرًا.

القرار المصيري

رأت الدجاجة فرخها الصغير خائفًا، فاقتربت منه وغطته بجناحها. في ذلك اليوم، ذهبت دجدج إلى ثعلبوط وقالت له: “خذني إلى الأرض التي تمطر فيها السماء حبًا!”.

الثعلب والمكيدة

مشى ثعلبوط ودجدج جنبًا إلى جنب، وخرجا إلى البرية، ودخلا الكوخ المهجور المسور. قال ثعلبوط: “الآن يا سيدتي، ما علينا إلا أن ننتظر سقوط الحب من السماء!”. شعرت دجدج بالخوف، فاقتربت من الشباك تراقب السماء. في هذا الوقت، مد ثعلبوط يده إلى حبل موصول بوعاء من الحب معلق فوق السطح. شد الحبل فسقط الحب على الأرض أمام عينَي الدجاجة.

قفزت دجدج وراحت تصيح بصوت شديد، وأسرعت إلى الحب لتأكل منه وتشرب من حوض ماء، وترفع عينَيها إلى السماء. عاد ثعلبوط ودجدج إلى القرية. استقبل الديك عرفط زوجته بوجه غاضب، وصاح قائلاً: “كيف تتركين القن من غير إذني؟”. لكن دجدج لم تسمع صراخه، فهي كانت تقفز وتصيح وتقول: “رأيت السماء تمطر حبًا، رأيتها بعينَي!”.

الشجار بين الديك والدجاجة

هدأ عرفط أخيرًا وأخذ يستمع إلى حكاية دجدج باهتمام بالغ. ثم قال: “سنذهب أنا وأنتِ ودجاجات القن لنأكل الحب الذي تمطره السماء. لا أريد أن تتعبي أنتِ والدجاجات بعد اليوم في العمل!”. كانت دجدج تريد أن تذهب وحدها إلى ذلك المكان دون باقي الدجاجات. كانت تريد أن يكون ذلك الحب لها ولعرفط وكتكوت فقط. وكانت تبغض دجاجات القن بُغضًا شديدًا. غضبت كثيرًا وعلت صياحها، وعلت صياح الديك. خاف كتكوت هذه المرة أيضًا، وخرج إلى مكان قريب واختبأ وراء جَنْبة عُلّيق، يريد أن يسد أذنَيْه فلا يسمع صياح أمّه وأبيه.

كان صياح الديك أعلى من صياح الدجاجة وأقوى، فسكنت دجدج أخيرًا، وقبلت أن تأخذ معها دجاجات القن الأخرى. رفع الديك رأسه ونفش ريشه، ومشى يتقدم دجاجاته، ووراءه مشت دجدج ثم دجاجات القن الأخرى.

الاختفاء الغامض

لم يكن كتكوت في الموكب، فقد أحس وهو وراء جَنْبة العُلّيق بالنعاس فنام. ولم يتنبه أحد إلى غيابه، فقد كان الديك ودجاجاته في لهفة شديدة للوصول إلى الأرض التي تمطر فيها السماء حبًا. مرّ الموكب بقنّ آخر، وكان بين عرفط وديك ذلك القن، دبشة، نفور. قال دبشة لزوجته: “إلى أين يذهب عرفط ودجاجاته في هذه الساعة؟”. سألت زوجته دبشة صديقتها دجدج: “أين أنتِ ذاهبة يا دجدج في هذه الساعة؟”. بدأت دجدج تروي حكايتها مع الثعلب، فمال عرفط عليها، وقال لها: “قولي لها إنّي أنا الذي رأيت السماء تمطر حبًا!”.

اكتشاف الحقيقة

استيقظ كتكوت من نومه، فلم يسمع صياح أمه وأبيه. وظن أنهما توقفا عن الشجار، فأسرع إلى القن، لكنه وجد القن خاليًا. خرج كتكوت يجري في القرية خائفًا، يسأل عن أمه وأبيه. وقيل له إنهما مشيا في طريق البرية، فجرى في تلك الطريق طويلًا. أخيرًا، رأى الثعلب عند بوابة الكوخ المهجور يستقبل أمه وأباه والدجاجات.

عندما اقترب كتكوت من الكوخ، سمع صراخًا وصياحًا وأجنحة تصفق تصفيقًا شديدًا. ظن في البداية أن أبويه يتشاجران، ثم بدا له أن الثعلب يأكل أمه وأباه، فوقع من خوفه أرضًا. وكان الليل قد أخذ ينتشر، فغلبه التعب والنعاس بعد حين، ونام.

في فجر اليوم التالي، رأى كتكوت الثعلب يترك الكوخ، فأسرع هو ليدخل الكوخ. لم يجد كتكوت أمه ولا أباه ولا الدجاجات، لم يجد إلا ريشًا متطايرًا. لم يصدق ما حصل، ووقف في صدمة مما جرى لأبويه والدجاجات.

مكيدة الثعلب

وصل ثعلبوط إلى القرية قبل طلوع الشمس، وراح يدور حول قنّ الديك دبشة. كان دبشة في ذلك الوقت يصيح بصوت عالٍ وينفش ريشه أمام دجاجاته. عندما رأى الثعلب قال له: “أصحيح أن السماء تمطر حبًّا؟”. أجاب ثعلبوط: “صحيح يا دبشة، لكن كيف عرفت؟ فأنا لا أريد أن تسمع بذلك دجاجات القرية كلها!”.

رأت زوجة دبشة ريشة من ريشات صديقتها دجدج عالقة في فم ثعلبوط، ففزعت وقالت مرتعشة: “ما هذا يا ثعلبوط؟”. أمسك ثعلبوط الريشة للحظة، ثم ابتسم واقترب من الدجاجة، وقال لها بصوت خفيض: “كدت أنسى! لقد أرسلت لك دجدج هذه الريشة إشارة منها إلى أنها بخير، وأنها تريدك أن تذهبي إليها لتأكلي معها الحب!”.

ثم زاد في خفض صوته وقال: “لكنها ترجوك ألا تأخذي زوجك معك، فعرفط لا يحبه!”.

انتشار الفوضى في القرية

ما إن أدار الثعلب ظهره حتى أسرعت الدجاجة تخبر زوجها بالأمر. صاح الديك دبشة بصوت عالٍ وقال: “الديك عرفط يريد أن يكون وحده هو ودجاجاته في الأرض التي تمطر فيها السماء حبًّا! لن أسمح له بذلك أبدًا!”. وبلغ صياحه القنان الأخرى، وعرفت كلها بالحكاية.

وصل كتكوت في هذا الوقت إلى القرية، وجرى إلى قنّ الديك دبشة ووقف أمامه يرتعش، وقال: “يا عمي دبشة، لقد أكل الثعلب أمي وأبي!”. صمت الديك دبشة للحظة، ثم صاح: “أرسلك أبوك عرفط بهذه الحكاية ليأكل وحده هو ودجاجاته الحب كله!”. ثم صاح بدجاجاته آمرًا إياها أن تتبعه.

خروج الدجاج من القرية

مشى الديك دبشة في طريق البرية رافعًا رأسه، نافشًا ريشه، ومشت خلفه دجاجاته. ولحق بموكبه ديكة القرية كلها، وكل واحد منهم تتبعه دجاجاته. ولم يبقَ في القرية إلا كتكوت الصغير. جلس كتكوت في زاوية القن وحده يبكي.

أشرقت الشمس في سماء القرية، واستيقظ أهلها من نومهم الهانئ، لكن القرية كانت هادئة على غير ما تعودوا. وسرعان ما اكتشفوا أن الثعلب قد اختفى، واختفت معه ديكتهم ودجاجاتهم كلها.