قصة ظلام البدر +21 كاملة بقلم بتول
التعريف بالروايه
رواية اجتماعية باللهجة المصرية
تحذير ⚠ : هذه الرواية تحتوي على ألفاظ ومشاهد عنيفة وجريئة للغاية لا تناسب أقل من عمر ٢١ عاماً وقد لا تليق لدى البعض..
أرجوك لا تقرأ إن كنت لا تتقبل المحتوى أو إن كنت غير منتسب لتلك الفئة العمرية.
بعد الكراهية والعناد تجاه بعضهما البعض جمعهما الحب وبدأت في إضاءة ذلك الظلام بداخله..
ولكن ماذا بعد اكتشافها الجزء المظلم منه؟ ماذا بعد اكتشافها ماضيه الذي لا يتقبله هو نفسه؟
ماذا بعد أن احب تلك البريئة وهو لا يريد أن يتلمسها ذلك الماضي المظلم؟
يعلم أنها ستعاني ولكنه لا يستطيع أن يبتعد عنها وتعلم أنها تحبه مهما كان ما يخفيه..
هل سينتصر حبهما أم سيكون الإنتصار للمنطق المطلق في عدم تقبل هذا الظلام؟!
وأصبح يمشي في البساط فما درى.. إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي…
تم النشر بتاريخ – ٥ يوليو ٢٠١٩
مقدمة
أولاً وحشتوني جداً جداً جداً وبجد آسفة على غيابي وبجد مكنتش عارفة أكتب حاجة جديدة لأني مش لاقية وقت..7
ثانياً مواعيد الرواية هتكون جمعة وسبت علشان دي اجازتي.. ونرلت اول ٣ أجزاء اهو ❤️ ❤️4
ثالثاً الرواية دي هيكون فيها لمحة سادية تاني.. مع إني كانت دماغي في حتة تانية تماماً وكنت هاكتب رواية جديدة خالص بتتكلم عن حاجة مختلفة بس مش قادرة صراحة أبعد عن الجزء السادي ده لأن شخصيات الرجالة السادية من أكتر الحاجات اللي بتستفزني إني أكتب عنها غير إني تقريباً بقيت بحبهم زيادة عن اللزوم 🙈🙈.. أتمنى ان الرواية دي تعجبكم17
رابعاً وللأسف أنا مكنتش عايزة أفتح الموضوع تاني بس أضايقت أوي لما لقيت كاتبة واخدة أجزاء من رواية جسارة الإنتقام بالنص وأسماء كمان وكاتباها في رواية عندها..
بعد كده هكتب تاريخ كل جزء هنشره عشان السرقة بقت كتير بصراحة7
وياريت أياً كان اللي هيقرا الرواية يكون عنده ضمير ويراعي ربنا ويعرف إن مجهود الناس مش لعبة عشان يستبيحه كده بسهولة وياخد التفاصيل اللي بنتعب فيها ويكتبها عنده..
بدر الدين الخولي
Joe Manganiello
نورسين كامل
Alexandra Daddario
شاهندة الخولي
Penélope Cruz
هديل الخولي
Torrey Devitto
حمزة
Eric Bana
كريم
Christian Bale
زياد الخولي
Ryan Guzman
نجوى الشناوي
Susan sarandon
يسري
Al pacino
ليلي
Rachel Weisz
فارس
Brant Daugherty

البارت الاول
صف سيارته مثلما تعود كل صباح ووصد عيناه لثوان متذكراً العديد من الذكريات التي جمعتهما معاً ثم ابتسم بمرارة عندما تذكر ضحاكاتها وأسلوبها المرح في الحديث ثم تحولت ملامحه للإنزعاج عندما تذكر ما حدث لها فأطفأ محرك سيارته على عجل وهو يحاول جاهداً أن ينفض تلك الذكريات من مخيلته وهرول لداخل ذلك البيت الضخم وحاول التصرف طبيعياً حتى لا يبادر أحد ويؤلمه مجدداً ما إن رآه حزيناً.1
“صباح الخير” تحدث لوالدته بنبرته المقتضبة الجادة التي تبدو خالية من المشاعر تماماً
“صباح الخير يا حبيبي” تحدثت والدته بإبتسامة لطيفة فأقترب منها مقبلاً جبينها “هتفضل كده سايبني ومصمم تعيش لوحدك بردو؟ أنا مش عارفة ايه لازمتها تيجي كل يوم الصبح تفطر معانا وتطلع على الشركة.. ما تخليك هنا وخلاص”
“أمي أرجوكي.. سبيني براحتي”
“ما أنا سايباك براحتك يا بدر بقالي سنين.. امتى بقا هتريحني.. لا عايز يا ابنى تكون جنبنا ولا تعيش حياتك زي أي راجل وتتجـ..”
“تاني؟! مفيش فايدة في الموضوع ده؟” صاح بدر الدين حانقاً بهدوء مقاطعاً اياها كاتماً غضبه بكل ما لديه من قدرة تحكم بالنفس
“تاني وتالت ورابع.. حرام عليك نفسك تفضل عايش كده وحداني، حتى فرحتي بولاد ابني البكري حرمتني منها، هتفضل كده لغاية امتى”
“أنا الموضوع ده مش عايز كلام فيه تاني، و اعتبري اني هفضل كده لغاية ما أموت!! ارتاحي بقا” صاح بصوته الرخيم3
“يا حبيبي بص حتى لإخواتك البنات، كل واحدة متجوزة وقاعدة معايا هي وجوزها وأنت قلقني عليك ببعدك ده”1
“بردو مش هنخلص، كل يوم نفس الموضوع لما اتخانقت.. ارحميني أرجوكي” أخبرها بملل وحنقة
“فيه ايه يا جماعة صوتكوا عالي كده ليه”
“أنا زهقت”
“عاجبك كده يا شاهي؟! عاجبك اللي أخوكي بيعمله ده؟”
“فيه ايه بس يا ماما؟” تسائلت شاهندة بحسن نية
“فيه إنها مصممة تفكرني بكل حاجة، مصممة على موضوع الجواز تاني، مصممة إني آجي أعيش هنا في البيت.. أريحكوا خالص ومتشوفنيش؟ يكون أحسنلكم كلكم”
“شوفتي يا شاهي؟ عاجبك كلامه ده”
“معلش يا ماما حقك عليا أنا” حاولت تهدئة والدتها “تعالى يا بدر نروح نجيب حمزة يفطر معانا” أمسكت بذراعه ليسير معها متآففاً بينما هزت نجوى رأسها في إنكار على ما يفعلاه.
“خليكي كده مقوياه عليا وأنا كل اللي نفسي فيه إني أشوفه مبسوط وعايش حياة طبيعية”6
“مش هنخلص بقا من قرف أخوكي ده كل يوم على الصبح” تحدث صوت ذكوري بإنزعاج لما سمعه لتوه
“معلش يا كريم.. ما أنت عارف أكيد ماما فاتحته في الموضوع بتاع جوازه ده” أجابته زوجته بينما ناولته سترته3
“أنا مش فاهم تفكيره، الدنيا خلاص وقفت بعد الست هانم ما ماتت؟ ما يتجوز وخلاص ويريحنا من الخناق بتاع كل يوم الصبح”6
“كان بيحبها أوي وأنت عارف كده كويس.. وبعدين يعني لو جرالي حاجة هتتجوز بعدي بسهولة؟” أحاطت عنقه في دلال ليقبل يدها بإبتسامة مقتضبة
“حبيبتي انتي بسبع أرواح.. متخافيش مش هيجرالك حاجة” أنزل يدها بخفة ثم توجه ليقف أمام المرآة29
“كده بردو؟ دي كلمة تقولهالي.. ده أنا حتى على وش ولادة”
“ما أحنا من يوم ما اتجوزنا وأنتي على وش ولادة.. كان جرالك ايه يعني؟” ابتسم متهكماً وهو يُكمل ارتداء ملابسه “بقا فيه واحدة في الزمن اللي احنا فيه ده تجيب خمس أطفال؟” صاح ساخراً لتعبس هديل لكلامه10
“وفيها ايه يعني.. صحيح النعمة تقيلة.. بص كده على شاهندة وحمزة بقالهم سنين مش عارفين يجيبوا طفل واحد، وبعدين بكرة ولادي دول اللي هيشيلوا كل حاجة معاك.. اديك شايف بدر مش عايز يتجوز بعد مراته ما ماتت، وشاهندة مبتخلفش، وزياد لعبي ومش بتاع التزام.. بكرة كل اللي شايلينه يبقا بتاعنا وولادنا هيساعدوك”9
“مش ممكن تفكيرك اللي بتفكريه ده.. متعرفيش بكرة هيحصل ايه” هز رأسه ساخراً
“خليك أنت بس ورا تفكيري وأنت تكسب” صاحت بإنتصار
“طيب يالا يا حبيبتي عشان نلحق طقوس الفطار من الأول” أخبرها متهكماً ليتوجها سوياً للخارج.2
“طيب يالا يا حبيبتي عشان نلحق طقوس الفطار من الأول” أخبرها متهكماً ليتوجها سوياً للخارج
“يا بدر ما هي بردو نفسها تفرح بيك وماما كبرت ومبقتش زي الأول”
“ربنا يديها الصحة وطولة العمر.. بس هو مش بالعافية وانتي عارفة ان مستحيل حد يجبرني على حاجة”
“ابقا قولها حاضر ولا طيب ولا سايسها شوية.. مش لازم كل شوية خناقات”
“ما أنا ياما عملت كده.. وهي مبتبطلش تفاتحني في الموضوع ده، وشوية والاقيها تقولي سلم على بنت طنط.. وروح وصل فلانة وشغل الخاطبة ده أنا زهقت من كل اللي بتعمله؛ انا مش صغير ولا مراهق للكلام الفارغ ده”
سكتت شاهندة وهي تنظر بشفقة لأخيها ولا تدري ماذا عليها أن تقول، لطالما تحدثت معه بذلك الأمر ولم تحصل منه على أي أمل في أن يغير وضعه هذا1
“طب روق ومتزعلش.. تعالى بس نفطر سوا وكلها نص ساعة وهنمشي.. أنا هحاول أكلمها وأخليها تبطل كلامها ده”
“بتاخديني على قد عقلي.. ماشي يا شاهي”
“ما خلاص بقا” ابتسمت له ثم قبلت وجنه “روق كده بس يا حبيبي دلوقتي.. وليك عليا نتعشى سوا أنا وأنت وحمزة برا النهاردة ويبقا خلصتك من خناقة بليل.. ها ايه رأيك بقا في أختك؟”
“حايليني أوي..”
“اضحك بقا يا رخم”7
“ماشي.. يالا بينا” ابتسم لها هاززاً رأسه بإنكار ليتوجها سوياً للجميع.
“يا صباح الفل يا ست الكل، ايه الجمال ده بس كله” صاح حمزة ثم قبّل يد نجوى
“يا صباح الفل يا ست الكل، ايه الجمال ده بس كله” صاح حمزة ثم قبّل يد نجوى
“صباح الخير يا حبيبي” ابتسمت له ثم توجه لمقعده بجانب شاهندة
“شايف بيعاملها ازاي” همست هديل لزوجها كريم بصوت يكاد لا يسمع ليبتسم لها الآخر ابتسامة لم تلامس عيناه وشرع الجميع في تناول الطعام2
“هو زياد راجع امتى؟” تسائل بدر لتجيبه والدته
“راجع الأسبوع الجاي، ده لسه مكلمني امبارح”
“مينفعش الدلع ده.. لازم يجي وينزل معانا الشغل، هيعتمد امتى ده على نفسه أنا مش عارف” صاح في صرامة
“وفيها ايه.. ماهو نجح السنادي ومـ..”
“يا أمي أنتي عارفة انه بقاله سنتين في سنة تالتة.. يعني نجاحه جي متأخر.. لازم يتشد عليه وكفاية دلع فيه”
“سيبوه براحته” تحدثت هديل “الشغل مش هايروح في حتة.. بكرة هايتعلم” حاولت أن تثني أفكارهم لأنها لا تريد لأي أحد التدخل بطمحوها الذي خططت له17
“كلام بدر صح” صاحت شاهندة “لازم زياد يبتدي يعرف كل حاجة يا دودو وكفاياه بقا دلع لغاية كده، أنا مش فاهمة بس طالع لمين كده، وعموماً كلمني بردو امبارح واتفق معايا انه هيجي الشركة وهيبتدي ينزل طول الاجازة كلها”
“وأنت يا كريم شايف ايه؟!” صاح بدر لتتلاقى أعينهما وهو بالحقيقة لا يريد أن يستمع لرأيه ولكن لطالما شعر بالإنزعاج منه لا يدري لماذا!
“والله أنا مش عايز أتدخل يا جماعة بس هانت، ناقصله سنة وكده كده هينزل معانا وهيعرف كل حاجة.. الموضوع مسألة وقت” هز بدر رأسه متهكماً بينما لم يعجب ذلك كريم وأكمل تناول طعامه دون أن ينظر له حتى لا يظهر إنزعاجه
“طب يالا بقا يا جماعة عشان منتأخرش” صاح حمزة ليغير الموضوع لأن يعرف بدر الدين جيداً
“روحوا أنتو أنا مش قادرة أتحرك.. الحمل تاعبني خالص”
“حبيبتي ربنا يقومك بالسلامة.. معلش هانت كلها شهرين” صاحت والدتها
“والله يا ماما تعبانة جداً وطول الليل امبارح مش عارفة أنام”
“معلش يا دودو.. هو كده الحمل في السابع بيبقا متعب شوية، هانت وإن شاء الله آخر شهرين يعدوا وتقوميلنا بالسلامة” صاحت شاهندة بإبتسامة
“ده متعب جدا يا شاهي.. لما بردو تجربي غير الكلام” صاحت بدلال وتصنع لتبتسم شاهندة في مرارة23
“طيب يا جماعة.. اشوفكم بليل.. باي” توجهت للخارج مسرعة ليلاحظ بدر تأثر شاهندة ولحقها بعد أن نظر لهديل في لوم وغضب جم ولحقهم حمزة في صمت هو الآخر
“مكانش ليه لزوم الكلام ده يا هديل”
“الله يا مامي.. أنا عملت ايه طيب.. مكنتش أقصد حاجة” تصنعت البراءة2
“لازم لما تيجي تعتذريلها”
“ماشي يا مامي.. معلش بعد اذنك هريح في اوضتي شوية” صاحت بإقتضاب وغادرت مسرعة لتتمتم في خفوت حانقة “عاملالي بس فيها فاهمة كل حاجة وكلامها لازم يتسمع.. حشرية!!”12
“يا صباح الخير يا احلى كوكي في الدنيا كلها” صاحت نور وهي تدلف غرفة والدتها حاملة صينية الإفطار
“يا صباح الخير يا احلى كوكي في الدنيا كلها” صاحت نور وهي تدلف غرفة والدتها حاملة صينية الإفطار
“بردو تعبتي نفسك؟ أنا كده هتعود على الدلع ده كل يوم بقا ولا ايه” أخبرتها والدتها بإبتسامة حنونة
“وفيها ايه يعني ما انتي شايلاني أيام الدراسة، وبعدين اتعودي، كل يوم هاصحى واحضر لكوكي حبيبتي الفطار وبعدين هانزل اروح الشغل” وضعت الصينية أمامها وشرعت في تناول الطعام
“شغل!!” صاحت والدتها بدهشة “وانتي يا بنتي ناقصك ايه عشان تشتغلي، الخير كتير، انتي ناقصك حاجة يا نوري يا حبيبتي ومخبية عليا؟”
“يا ماما دايماً خيرك مكفيني وزيادة، الفكرة ان زياد زميلي اللي شوفتيه معايا كذا مرة أهله عندهم شركات خدمات كبيرة واهي فرصة اتدرب شهور الاجازة عشان بردو ابقى اخدت على جو الشغل واخدت خبرة التدريب”
“طيب يا حبيبتي، أنا بس مش عايزاكي تتبهدلي لكن إذا ده كان كويس لمستقبلك أنا معنديش مشكلة، بس يا نوري لازم تاخدي بالك من نفسك وإذا حسيتي ان الموضوع لعب وهزار متكمليش تدريب ومتخليش حد يحملك جمايل.. أنا فاهمة إن زياد زميلك بس بردو خدي بالك كويس انتي بتعملي ايه” حدثتها والدتها ناصحة اياها بخوف أم فطري
“متقلقيش يا كوكي، وأنا بردو لو حسيت إن الموضوع مالوش لازمة مش هاكمل.. أوعدك يا حبيبتي”
“ربنا يوقفلك يا بنتي ولاد الحلال ويارب اطمن عليكي دايماً وأشوفك في احسن حال.. وبعدين أنتي هتعملي ايه في شركة الخدمات دي وأنتي أصلاً بتدرسي Business Administration؟” تعجبت والدتها
“أنا هحكيلك يا كوكي وهافهمك شغلهم” ابتسمت لها نورسين ثم عانقتها وأكملا تناول فطورهما ولم تلاحظ أياً منهما من يسترق السمع ولم يعجبه ما يسمعه.
“أنا هحكيلك يا كوكي وهافهمك شغلهم” ابتسمت لها نورسين ثم عانقتها وأكملا تناول فطورهما ولم تلاحظ أياً منهما من يسترق السمع ولم يعجبه ما يسمعه
“مش كفاية بقا يا بدر؟!” تسائلت شاهندة في ارهاق وملل وهي تدلك مؤخرة عنقها
“يا حبيبتي انتي اللي تاعبة نفسك وأنا قولتلك روحي من بدري”
“بردو؟! يعني مش هاتتعشى معانا؟” صاحت في حزن
“معلش سبيني براحتي”
“ماشي يا سيدي وأنا هاخترع لماما حجة واقولها عندنا عقود بتتجدد وبتتراجع!! عد الجمايل” ابتسم بدر لها ابتسامة لم تقابل عيناه وهو يهُز رأسه في انكار وبعدها خلل شعره الفحمي وأكمل مطالعة ما أمامه متظاهراً بالإنشغال بينما لمت أخته حاجيتها استعداداً للمغادرة “أشوفك بكرة بقا واعمل حسابك انك هتقضي الويك اند معانا.. باي”
“سلام يا حبيبتي” أطلق شهيقاً وهو لا يزال بعد كل تلك السنوات يحاول أن يتعامل مع فرط اهتمام عائلته به ولكن لم يجد حلاً بعد.5
وما إن غادرت شاهندة وتركته حتى خلع بدر الدين ربطة عنقه بعد أن طوى اياها بعناية ثم آخذ يعبث في هاتفه مرسلاً لأحد برسالة ثم نهض ليرتب أشياءه وجمعها استعداداً للمغادرة ولكنه فكر أولاً بأن يحتسي كأساً قبل الشروع في تلك الليلة التي خطط لها منذ اسابيع فهو يريد أن يفعل ذلك الشيء الذي لطالما أزاح الكثير من الضغوط عن رأسه وألهمه بعض السلام النفسي حتى يُكمل ذلك الروتين الذي لازمه منذ سنوات!
توجه زياد خارج ذلك البار بعد أن شعر بالملل ووقف حتى وجد مكاناً هادئاً ثم أجرى مكالمة هاتفية
توجه زياد خارج ذلك البار بعد أن شعر بالملل ووقف حتى وجد مكاناً هادئاً ثم أجرى مكالمة هاتفية
“يا زيزو عامل ايه؟!”
“نور.. وحشتيني”
“وانت أكتر، أخبار أمريكا على حسك ايه؟” تسائلت متحدثة له في هاتفها
“أنا زهقت أصلاً وهانت أنا راجع السبت وهننزل الشركة سوا يوم لحد”
“ومين سمعك، أنا نفسي أنت أو مريم تكونوا معايا بس الندالة بقا واخدة حدها معاكوا، كل واحد سافر وسابني”
“هي راجعة امتى صحيح؟”
“لا دي بترجع آخر الأجازة.. ما أنا قولتلك أنها دايماً بتقضي كل اجازة مع اهلها في الشالية بتاعهم”
“اه صح أنا نسيت..” لاحظ زياد احدى الفتيات ترتدي ثوباً قصيراً عارياً تتوجه نحوه بإبتسامة مليئة بالعهر والدلال المزيف ولكن كان جسدها مثيراً للغاية كما أن خصرها المتمايل بتلك الطريقة عبث بعقله كثيراً فلم يكترث سوى لتخيلاته بقضاء الليلة معها
“زياد أنت معايا؟!” صاحت نورسين من الطرف الآخر2
“ايه؟! معاكي!!..” اجابها بعد أن فاق من شروده ولكنه لم يتوقف عن النظر لتلك الفتاة “معلش يا نور هكلمك تاني، باي” أنهى المكالمة واضعاً هاتفه في جيبه وتوجه نحو الفتاة بإبتسامته التي لطالما سحرت الفتيات، فهي آخر ليلة له هنا ولا يريد أن يضيعها من يده دون الاستمتاع قليلاً.17
شعر بالنشاط والحيوية مجدداً بعد أن أنهى اجازته الأسبوعية بتلك الطريقة، يعلم أن هذا سيوقعه بالعديد من المشكلات مع عائلته ولكن سيتصنع اللامبالاة مرة أخرى وسيمر الجدال كواحد من تلك الجدلات العديدة معهم
شعر بالنشاط والحيوية مجدداً بعد أن أنهى اجازته الأسبوعية بتلك الطريقة، يعلم أن هذا سيوقعه بالعديد من المشكلات مع عائلته ولكن سيتصنع اللامبالاة مرة أخرى وسيمر الجدال كواحد من تلك الجدلات العديدة معهم.
خرج من حمامه ملتفاً بمنشفة قصيرة وتوجه ليرتدي ملابسه حتى يبدأ نفس الروتين الذي أصبح دوامة لا نهائية بالنسبة له.
نظر في ساعته ثم توجه للخارج مستقلاً سيارته وهو يحاول أن يستجمع تلك لشخصية التي يواجه بها الجميع، الجدية، الصرامة، عدم الإكتراث وأخيراً العديد والعديد من المبررات اللانهائية لعائلته حتى يتركوه وشأنه.
“صباح الخير” صاح دالفاً لغرفة الطعام لتقابله والدته بنظرة مليئة باللوم
“أنت كنت فين جمعة وسبت؟ عارف قلقتني عليك ازاي؟”3
“معلش يا أمي كنت بفصل يومين.. أنتي عارفة إن قرار إننا نوسع الشركة والمشاريع الجديدة واخدة كل وقتي.. معلش، الاجازة الجاية هكون معاكوا”
“كل مرة بتقول كدة وفي الآخر بتفضل بردو لوحدك” صاحت ليتنهد بدر في آسى ثم وصد عيناه ليحاول السيطرة على غضبه “هتفضل لحد امتى كـ..”
“بدر!! وحشتني يا كبير” صاح زياد ليقاطع حديثهما ثم توجه نحوه ليعانقه
“حمد الله على السلامة! أخيراً رجعت ونويت تنزل الشركة”
“شوف هابهرك!! هاخد الموظف المثالي..”6
“اما نشوف!”
“بس سيبك أنت السفرية دي كانت محتجاك.. شوية مزز إنما ايه!!”
“أنت يا ولد!! ازاي تتكلم كده قدامي وقدام أخوك الكبير؟!” صاحت والدته زاجرة ايه
“معلش يا نوجا.. سيبيني أعبر عن اللي جوايا” هز بدر الدين رأسه في انكار
“صباح الخير” صاحت شاهندة بإبتسامتها مثلما تفعل كل صباح وتبعها حمزة زوجها “حمد الله على السلامة يا زيزو.. مصحتنيش ليه لما جيت امبارح”
“قولت اسيبك نايمة وبلاش اقلقك” عانقها ثم عانق زوجها وبعدها توجه للمائدة “يالا بقا لحسن ميت من الجوع والنهاردة أول يوم شغل ليا ولزم أتغذى كويس، ولا عايزين المزز اللي عندنا يقولوا عليا مش حلو؟” ضحكت شاهندة ولم يعجب بدر ما يفعله زياد كالعادة
“اتكلم كويس يا زياد ده مش اسلوب”
“آسف يا نوجا..”
“خلاص هتيجي معانا النهاردة؟”
“طبعاً.. أنا وعدتك”
“حمد الله على سلامتك يا زياد.. هتروح فين كده؟” صاحت هديل التي انضمت لهم
“هبدأ شغل النهاردة..”
“يالا Good luck” أخبرته بإبتسامة مقتضبة فهي بالأساس لا تريد له الإندماج بالعمل6
“صباح الخير يا جماعة” صاح كريم ثم شرع الجميع في تناول الطعام ولم يغادر صباحهم تلك الأحاديث الجانبية وخطط نجوى والدتهم للعشاء اليوم وبالكاد تحمل بدر الدين كل هذا
“يالا أنا يادوبك أطير عشان هعدي على بنت زميلتي هتيجي تتدرب النهاردة وهي متعرفش طريق الشركة كويس” صاح زياد وهو يجفف فمه باحدى محارم المائدة1
“زميلتك دي ايه دي كمان!!” صاح بدر حانقاً
“معلش Sorry يا بدر هو قالي وأنا نسيت أقولك.. عموماً هي هتكون في الإدارة عندي متقلقش” حاولت شاهندة إنقاذ الموقف خوفاً من أن يبدأ غضب بدر الدين باكراً
“طب أنا هاسبقكم” اخبر الجميع بإقتضاب بعد عدم إقتناعه بحجة شاهندة الواهية ولم يعجبه تصرف زياد وعدم الرجوع إليه في أي قرار ثم غادر للخارج.4
“طب أنا هاسبقكم” اخبر الجميع بإقتضاب بعد عدم إقتناعه بحجة شاهندة الواهية ولم يعجبه تصرف زياد وعدم الرجوع إليه في أي قرار ثم غادر للخارج
“خدي بالك من نفسك وتطمنيني عليكي أول ما توصلي وتكلميني كل شوية وتعرفيني الناس معاكي أخبارها ايه”
“حاضر يا كوكي، دي المرة المليون اللي بتقوليلي نفس الكلام على فكرة” صاحت على عجلة من امرها حتى لا تتأخر بيومها الأول
“يا حبيبتي مش خايفة عليكي؟ مش لازم اطمن على بنتي الوحيدة بردو؟” تعجبت والدتها في حزن فزفرت نورسين في سأم4
“حقك عليا.. هكلمك كل نص ساعة حاضر.. أنا بس مش عايزة أتأخر أول يوم” توجهت نحوها وعانقتها وقبلتها “يالا سلام”
“ربنا معاكي يا حبيبتي” ابتسمت لها والدتها “معاكي مفاتيح عربيتك وفلوسك وموبايلك؟”
“ايوة يا حبيبتي متقلقيش.. باي يا كوكي عشان متأخرش” توجهت نورسين للخارج ولازالت أمها تتابعها
“مع السلامة يا حبيبتي وخدي بالك من نفسك ومتتأخريش وأنتي راجعة ومتنسيش تسوقي على مهلك الدنيا مش هتطيـ..” بالكاد اختفى صوت والدتها بعد أن غُلق باب المصعد لتتنفس نورسين أنفاس عميقة وهي بداخلها تشعر بالتوتر من يومها الأول.
توجهت للمرأب لتنطلق بسيارتها البيضاء مسرعة حتى لا تتأخر وبنفس الوقت تتفقد ملامحها وشعرها بالمرآة كلما سمحت الفرصة ورن هاتفها فتفقدته لتجده زياد
“ايه يا زيزو فينك..”
“أنا جايلك اهو في الطريق”
“لا جايلي ايه أنا قربت أوصل أصلاً”
“هو احنا مش كنا متفقين إني هعدي عليكي؟” تعجب زياد متحدثاً لها
“لا ملوش لزوم وأنا أصلاً معايا العربية ومكنتش عايزة أتأخر في أول يوم”
“طيب بقيتي فين دلوقتي؟” سألها حانقاً وهو الذي كان يظن أنهما سيقضيا بعض الوقت سوياً قبل الذهاب للشركة3
“خلاص هركن أهو”
“لا أنتي تدخلي الجراج على طول وفهميهم إنك بتشتغلي معايا وأنا قولتلك اركني في الجراج”
“طيب أوكي، مع إني كنت لقيت ركنة خلاص”
“اسمعي بس اللي بقولك عليه وأنا مسافة السكة وهاكون عندك.. أطلعي على شاهندة على طول”
“حاضر.. باي”
“باي” أنهى المكالمة وهو منزعج من تصرفها بينما هي توجهت للمرأب مثلما أخبرها ولكنها توقفت عند البوابة لتضع هاتفها على الكرسي بجانبها ولم تلاحظ أن هناك سيارة مسرعة خلفها وفجأة شعرت بإرتطام سيارتها بسيارة أخرى.
توجهت خارج السيارة على الفور لتلاحظ سيارة أخرى عملاقة غلفها السواد تماماً قد ارتطمت بمؤخرة سيارتها وقد حطمت مصابيح سيارتها وبعضاً من هيكل السيارة الخلفي.
“ايه الغباء ده؟ فيه حد يدخل الجراج بالسرعة دي!!” صاحت في انفعال ليتوجه بدر الدين خارج سيارته منزعجاً من كلماتها5
“أنتي ايه الأسلوب اللي بتتكلمي بيه ده، وبعدين حد يوقف كده في مدخل الجراج؟!” تحدث بهدوء لها لتنظر له في غضب ثم خلعت نظارتها الشمسية لتقع عيناه على أجمل زرقاوتان رآها بحياته
“أنا كنت بشيل الموبـ..” صمتت من تلقاء نفسها ثم عقدت حاجبيها “وبعدين أنت اللي غلطان!!” صاحت به وصر هو أسنانه في غضب
“أنتي في إدارة ايه؟!” تحدث كاتماً غضبه ولم تفترق أسنانه بينما لاحظت هي مدى عجرفته الشديدة
“مالكش دعوة!! أنت تصلحلي العربية زي ما خبطتها” ابتسم بإقتضاب ثم وضع يداه بجيوبه ولأول مرة تلاحظ كم هو طويلاً للغاية بالرغم من أنها تعتبر طويلة بين النساء كما أزعجها ذلك الشموخ العجيب به.2
“لآخر مرة هسألك أنتي في إدارة ايه؟!” سألها بهدوء مجدداً
“مالكش دعوة واتفضل اتصرفلي في العربية، ولا هو تبهدل للناس عربياتهم وتسيبهم”
“تمام، حركي العربية عشان أدخل الجراج” تعجبت من أسلوبه الغريب وكأنه ليس هو من أفسد سيارتها منذ قليل لترفع حاجباها في دهشة
“مش هاتحرك من هنا غير لما تجيب حد يصلحها” وقفت عاقدة ذراعيها أمامه وبمنتهى العند أصرت على موقفها ليومأ هو لها ثم توجه نحو سيارتها دالفاً اياها “ايه ده يا بني آدم أنت بتعمل ايه؟” صاحت سائلة وهي تتابعه بينما هو ادار محرك سيارتها دالفاً للمرأب ليزداد غضبها ثم هرولت خلفه ولكن لم تلحقه وبينما هي تسير في نفس الإتجاه الذي ذهب به وجدته عائداً
“أنت ازاي تسوق عربيتي من غير ما تستأذن؟!” صرخت به وهي في قمة غضبها ولكنه لم يجيبها “هات المفتاح!!” آمرته بينما لم يعيرها أي اهتمام وتوجه لسيارته وهي بالكاد تلاحق خطواته وهي ترتدي ذلك الكعب الذي أعاق من خطواتها “أنت مش سامعني وأنا بكلمك؟!” صرخت به ومجدداً لم يلق لها بالاً وكأنها شفافة كالهواء.
توجه دالفاً سيارته بينما هي تمنت لو هشمت رأسه بطريقته المتعجرفة تلك ومظهره المزعج للغاية ولكنها لن تستسلم!!
وقفت أمام سيارته حتى لا يستطيع المرور فسيكون عليه الإرتطام بها ولم تتوقع أنه قد يفعلها ولكنها وجدته يتوجه نحوها بسرعة وكأنها ليست موجودة على الإطلاق.
لم تصدق ما أوشك على فعله، يبدو وكأنه لن يتراجع عن الإتجاه نحوها، هو يمزح، بالطبع يمزح، لربما يريد إخافتها لا أكثر، لن تتحرك، لن تسمح له بأن يفعلها، ستجبره على التوقف رغماً عن أنفه المتعجرف ولكنها لم تعلم من هو بدر الدين الخولي بعد!1
ظلت واقفة مكانها وهو يتجه نحوها مسرعاً ولم يتوقف بينما هي ازدادت وتيرة تنفسها وقلقها بل ولأول مرة تشعر بالخوف وبالفعل بات هناك أقل من متراً واحداً بينها وبين سيارته وكاد أن يرتطم بها ولكنها في لمح البصر صرخت لتجد من يزيح جسدها عن الطريق.
“نور انتي كويسة؟!” صاح زياد في لهفة الذي تعجب منذ قليل لماذا السيارات متجمعة أمام المرأب في هذا الشكل ولا تتحرك أياً منها “أنتي ايه اللي كان موقفك كده؟!” صاح زياد مرة أخرى بها ولكنها من الصدمة التي تعرضت لها للتو لم تجيبه وظلت صامته بينما أخذت السيارات في التتابع متوالية دخل المرأب وازداد قلق زياد “نورسين ردي عليا ايه اللي حصل عشان توقفي كده؟!” “مش .. عارفـة.. واحد كان هنا وخبطني..” بالكاد نطقت بعض الحروف ولكن قاطعهما بدر
“قولتيلي بقا في إدارة ايه؟!” صاح بدر صارراً أسنانه1
“أهو هو ده الغبي اللي خبطني.. وكان ناوي كمان يخبطني بالعربية لولا أنت لحقتني” صاحت وعاد لها انفعالها مرة أخرى بينما تفقده زياد ليجده بدر الدين أخيه ولن ينكر أنه شعر بالقلق مما أطلقته عليه فهو لن يتهاون معها بالتأكيد!3
“أنتي قولتي ايه دلوقتي؟!” تحدث بمنتهى الهدوء عاقداً كلتا يداه لقبضتان
” خلاص يا بدر معلش هي مكانتش تعرف أنـ…”
“اسكت خالص يا زياد وخليك برا الموضوع ده” قاطعه خالعاً نظارته الشمسية لينظر لزياد بغضب ثم سلط نظرته الثاقبة عليها
“معلش يا بدر ديه نورسين زميلتي اللـ..”
“مش قولتلك تسكت؟!” قاطعه هذه المرة دون أن ينظر له وظل ناظراً لنورسين التي ابتلعت وجلاً من مظهره الذي طغى عليه غضبه الآن ولم يستطع السيطرة على نفسه نهائياً “لآخر مرة هسألك انتي إدارة ايه؟!”
“أنا.. أنا..” تلعثمت قليله من تأثيره عليها ولكنها استجمعت شجاعتها لتُكمل “أنت اللي غلطان ومالكش دعوة أنا إدارة ايه”
“طيب! تستاهلي بقا اللي هيجرالك” ابتسم بإقتضاب مستفزاً اياها ثم ارتدى نظارته مرة أخرى وتركهما متوجهاً للمصعد وكأن شيئاً لم يكن.
“زياد مين بدر ده اللي فاكر نفسه ملك الكون؟!” سألته في انزعاج لتراه يبتلع قبل أن يجيب.
“ده بدر الدين الخولي.. أخويا الكبير.. والكل هنا بيعامله إنه هو الوحيد صاحب الشركة!” اجابها لينفرغ فمها مما سمعته وغرقت في صمتها دون أن تدري ماذا تفعل.7
والكل هنا بيعامله إنه هو الوحيد صاحب الشركة!” اجابها لينفرغ فمها مما سمعته وغرقت في صمتها دون أن تدري ماذا تفعل
البارت الثانى
“يعني اللي شوفته ده كان..؟؟!” توقفت عن الكلام من تلقاء نفسها ليهُز زياد رأسه موافقة على ما فهمه من ملامح الصدمة الواضحة على وجهها عند إدراكها بمن يكون ذلك الرجل الذي تشاجرت معه للتو “بس بردو هو محدش بيسوق بالسرعة دي وهو داخل جراج.. هو غلط!!”
“خلاص يا نور وأنا هاخلي شاهندة تكلمه والموضوع هيعدي على خير”
“بس هو غلطان!” صاحت بإنفعال
“محدش يقدر يطلع بدر أخويا غلطان أبداً!”
“طب هتشوف!!” أخبرته بتحفز وإصرار بداخلها بأن تذهب وتطيح بكتلة الكبرياء والشموخ تلك التي رآتها منذ قليل
“يا ستي ده بدر.. متحطيهوش في دماغك عشان محدش هيقدر عليه”
“طب أنا هاوريك!!”
“ممم.. Good luck with that! بس اوعي لا تزعلي أنتي” 6
“هو فاكر نفسه ايه يعني” زفرت بحنق
“سيبك منه، هنقضي اليوم كله كلام عن بدر ولا ايه.. وعلى فكرة شكلك زي القمر النهاردة.. غير ما بتبقي في الجامعة خالص” ابتسمت له بإقتضاب لمجاملته ثم تذكرت أنه ذلك المتعجرف معه مفاتيح سيارتها ولا تملك أياً من أشياءها كما تذكرت أن عليها مهاتفة والدتها وإلا ستشعر بقلق عليها لا نهائي.
“أنا عايزة مفاتيحي اللي معاه، هو مكتبه فين؟!”
“لا انسي انك تيجي جنبه النهاردة ويُستحسن طول ما انتي بتدربي هنا متجيش جنبه، كفاية انك قولتي عليه غبي وسمعها بودانه، حاولي تتحاشيه على قد ما تقدري”2
“أنا مش فاهمة يعني بدر ده ايه، ملك الكون وأنا مش واخدة بالي؟!”1
“هو شخصيته غريبة.. أحسنلنا نفتكره ملك الكون ونبعد عن طريقه” نفخت وجنتاها في براءة وهي تشعر بالغيظ من كل ما حدث “سيبك منه وتعالي يالا نطلع زمان شاهي جت وهي هتحل كل حاجة، وخديها نصيحة مني لو عايزة تتقي شر بدر صاحبي شاهي، هي الوحيدة اللي بتقدر عليه، وكمان هتتدربي في الإدارة اللي ماسكاها وكده كده هي لذيذة وطيبة اوي وهتحبيها، انسي بقا اللي حصل ويالا بلاش عكننة في اول يوم” ابتسم لها تلك الإبتسامة الساحرة التي تؤثر على جميع الفتيات عدا هي!4
“يالا بينا”
“يالا بينا”
ووسط كل ذلك تُعجب بإثنان..
ا…
“خلاص بقا يا بدر اعتبرها عيلة وغلطت، دي من دور أخوك الصغير” تحدثت له شاهندة بينما لم يعيرها هو اي اهتمام يُذكر وتظاهر بالإنشغال أمام حاسوبه بينما بداخله يحترق غيظاً من تلك الفتاة “طب حقك عليا أنا واديني المفتاح عشان فعلاً كل حاجتها في العربية ومحتاجاها”
“تيجي تعتذر على اللي عملته وأنا اديها المفاتيح” أخبرها بعد أن نظر لها نظرته تلك التي لا تحتمل النقاش وقد عرفتها شاهندة جيداً
“أنت مكبر المواضيع كده ليه، كان ايه يعني اللي حصل لكل ده” زفرت في سأم لينظر لها بإنتصار
“هو ده اللي عندي! وسيبيني بقا عشان محتاج أخلص اللي ورايا، مبقاش ورانا حاجة من الصبح غير حتت عيلة جاية تتدرب وهتقرفنا بقا!”
“يا ساتر عليك يا بدر لما بتعند!”
“روحي على شغلك.. ومتنسيش النهاردة فيه اجتماع أنا وأنتي وكريم وحمزة عشان فيه لخبطة كده مش عجباني!” أخبرها وهو يوجهها دافعاً اياها نحو الباب وما إن أغلقه حتى هز رأسه في إنكار “زفتة اللي قفلتلي اليوم دي!”3
توجهت شاهندة لمكتبها ثم عادت وملامح وجهها لا تدل على الخير أبداً لتلاحظها نورسين وكذلك لاحظها زياد
“مداكيش المفاتيح؟!” سألتها نورسين لتومأ لها بالإنكار
“عايزك تعتذريله” أخبرتها في قلة حيلة
“مكتبه فين يا شاهي؟!” سألتها في تحفز عاقدة ذراعيها2
“آخر دور” اجابتها ليصيح زياد مندهشاً
“أنتي فعلاً هتعتذريله؟!” 1
“قال اعتذرله قال!! ده بعده” أجابته وتوجهت للخارج على الفور
“مجنونة!!” صاح زياد
“أنا مش عارفة هو مكبر المواضيع كده ليه وهو موضوع تافه وصغير”
“أنا لولا إن بدر أخويا كنت كسرتله عضمه على اللي بيعمله معاها ده”
“لا والله!! ده ايه بقا ده إن شاء الله؟! بتحبها وبتغير عليها ولا ايه؟!” اندهشت متعجبة لتجد زياد يحك مؤخرة رأسه تلقائياً وابتسم لها3
“بصي يا شاهي، مش حب، بس حاسس إن دي الوحيدة اللي أقدر أتجوزها وأنا مطمن”
“جواز!!!” صاحت في إندهاش رافعة حاجبيها
“عارف إني لازم أخلص الجامعة الأول بس..”
“بس ايه، اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش الصبح وأنت بتتكلم على البنات” قاطعته شاهندة “اعقل يا زياد وأعرف كويس أنت عايز ايه بالظبط وأوعى تظلم بنات الناس معاك” تنهد ياد ناظراً لها في حيرة
“أنا عايزها..”
“أنت فاتحتها في حاجة؟!” 3
“لأ!”
“طيب اهدى كده واعقل وشوف هي كمان عايزة ايه ومتستعجلش على حاجة”
“اما نشوف” أخبرها باقتضاب شارداً بينما هي توجهت لتجلس على مكتبها وتبدأ في العمل.1
ازدردت وهي لا تدري ما الذي يؤخرها عن أن تطرق باب مكتبه وتدخل حتى تتحدث معه وتحصل على مفتاح سيارتها منه، أخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب ولم تنتظر رداً وولجت مكتبه وهي تتشبث بكل ذرة ثقة بداخلها
ازدردت وهي لا تدري ما الذي يؤخرها عن أن تطرق باب مكتبه وتدخل حتى تتحدث معه وتحصل على مفتاح سيارتها منه، أخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب ولم تنتظر رداً وولجت مكتبه وهي تتشبث بكل ذرة ثقة بداخلها.
لم تصدق تلك الفخامة التي يصرخ بها مكتبه الذي يبدو عصرياً لغاية، هي بالأصل لم تتوقف عن الإندهاش بمستوى الشركة ككل ولكن مكتبه كان شيئاً آخر.
حائطان بأكملهما زجاج، يرى مكتبه ذلك المنظر الخلاب الذي يتوسطه بحيرة صناعية وحولها مساحات خضراء شاسعة، حائط بأكمله خلف مقعده امتلئ بكتب شتى لا تظن أنه أنهاها قراءة، بينما خشب الأرض الرمادي وذلك الأثاث الأسود العصري المطعم بالإكسسوارات الفضية كان غاية في الأناقة.4
نست ما آتت من أجله وهي تطلع تفاصيل مكتبه الضخم وزرقاوتاها تجوبان المكان بأكمله ولم يخرجها من شرودها غير صوته الذي آتى لتشعر وكأنما صعقة أصابتها1
“لا كله هيوقف لغاية ما اجتماع بليل ده يخلص، بكرة هبقى اشوف، طيب سلام!” ابتلعت مجدداً ما إن أدركت أنه ينهي مكالمته وعليها أن تفاتحه بالحديث
“لو سمحت عايزة مفاتيحي” صاحت به وهي تحاول ألا تنظر له مباشرة فهي لم تنسى تلك النظرة الغريبة الثاقبة التي تخللت روحها صباح اليوم ولكنه لم يجيبها وتظاهر بالإنشغال لتذهب هي بالقرب من مكتبه ووقفت أمامه “لو سمحت المفاتيح!” صاحت بحنق لتجده يرفع رأسه وينظر لها بتلك العينان الثاقبتان لتبتلع مجدداً في توتر ثم أخفضت رأسها ناظرة للأرض
“لما تتكلمي معايا تتكلمي بأدب!” أخبرها بهدوء لترفع هي حاجباها في إندهاش ثم نظرت له مباشرة2
“لا مسمحلكش.. أنا بتكلم بأدب وكويس أوي كمان، المفاتيح بعد اذنك”
“نبرة صوتك توطى وأنتي بتكلميني بدل ما أعلمك الأدب من أول وجديد” تحدث بهدوء مرة أخرى لتنفعل هي من تلك الكلمات الموجهة إليها 1
“لا لو سمحت!! أنا مغلطتش فيك من الصبح وأنـ..”1
“كدابة!” قاطعها بصوته الرخيم لتتسع تلك الزرقاوتان التي لم يرى مثلهما بحياته من قبل وظل محدقاً بعيناها بنظرته التي يعلم أنها تبعث الخوف في نفوس من أمامه لتتوسع مقلتيها وحلقا حاجباها في دهشة
“أنت ازاي تقولي كده وفاكر نفسـ..”
“الصبح قولتي ايه؟!” في لمح البصر توجه نحوها مقاطعاً اياها لتجده هي واقفاً أمامها مُجبراً رأسها على النظر للأعلى لفارق الطول بينهما
“قولت إنك غلطت، لأنك فعلاً غلطان” صاحت بإنفعال
“وايه كمان؟” ظل ناظراً لها واقترب منها خطوة لتغضب هي منه
“أنك.. كنت بتسوق بسرعة وغلطان وهتصلحلي العربية” تحدثت في غضب ليقترب منها أكثر
“ولما كنتي بتكلمي زياد قولتيله ايه عليا؟”أقترب هو منها ثانية لتشعر هي بالتوتر وازدادت وتيرة أنفاسها
“قولتله إنك خبطني” اجابته بتلقائية بينما لاحظت أقترابه منها مجدداً لتبدأ هي في آخذ خطوات للخلف
“انتي قولتي ايه بالحرف؟.. عيدي تاني عشان عايز أسمعك كويس” ظل يقترب منها بينما هي حاولت التذكر وبمنتهى التلقائية تذكرت واجابته
“قولتله إنك الغبي اللي خبطتني وده فعلا لأنك غـ..” توقفت من تلقاء نفسها وازدردت ريقها في توتر عندما تأكدت الآن أنها أخطأت بحقه ولكن عيناه الثاقبتان لم يجعلا الأمر عليها هيناً، وكأنما هناك شيئاً بنظرته تلك تتغلغل بداخلها مسببة عاصفة ضارية فابتعدت للخلف عله يتوقف وأعادت نظرها للأرض ولكن هذا ليس ما خطط له هو، يريد أن يكتشف ما بتلك الزرقاوتان العجيبتان.1
“اعتذري حالاً!” آمرها بين أسنانه المتلاحمة
“أنت غلطت!” صاحت في إصرار ليتوجه هو نحوها أكثر لتستمر في آخذ خطوات للخلف حتى شعرت بإرتطام ظهرها بإحدى الحوائط الزجاجية وكادت أن تسقط لتجده بتلقائية يمسك بخصرها خشية من أن تسقط وهنا تلاقت أعينهما وكأنما توقف الزمن للحظات، لم يرى مثل تلك الأعين، كم كره تلك الخصلة التي سقطت لتعكر صفو استمتاعه بالنظر لتلك الزرقة وتخفيها خلفها، ولكنها هي سرعان ما لاحظت ذلك الوضع الغريب الذي جمعها معه وفي ثوانٍ استعادت توازنها حتى جذبت يده بعيداً عن جسدها
“اعتذري!!” آمرها بصوته الرخيم الخافت لتومأ له بالإنكار
“لأ أنت اللي كنت سايق بسرعة وخبـ..”5
“مش هكررها تاني” نظر لها نظرة محذرة مقاطعاً اياها وهو لا يزال يسيطر على أعصابه
“لأ مش هعتذر وأنت غلطت وهتجيب المفاتيح وابعد عنـ..”
“اعتذري!!” صاح بها صارخا والغضب يتطاير من عيناه بعد أن أمسك بكلا ذراعيها بقوة لتتلاحق أنفاسها في توتر وهي لأول مرة تواجه مثل هذه الشخصية.
“أنا آسفة” صاحت مسرعة وتمنت لو تتخلص من منظره المهيب هذا أمامها بأي طريقة حتى لو بالإعتذار له.4
ابتسم نصف ابتسامة ونظر لها بإنتصار بعدما حقق مبتغاه ولكن هناك شيئاً بها أجبره على أن يكون قريباً منها فلم يبتعد فأرخى قبضتاه قليلاً بينما هي نظرت للأرض لتتحاشى تلك العينان الثاقبتان.
“اياكي تنسي أنا مين وممكن أعمل فيكي ايه، بدر الخولي تتعاملي معاه بأدب وتاخدي بالك كويس بتتكلمي معاه ازاي!! أنتي حتة عيلة صغيرة جاية تتدرب وهتمشي، فاكرة نفسك هتغلطيني في مكتبي وشركتي اللي أنتي جاية تتدربي فيهم، نصيحتي ليكي إنك تمشي على الصراط المستقيم وأحسنلك متشوفيش قلبتي عشان هيكون يوم أسود على دماغك يوم ما تفكري توقفي قدامي، أنا ممكن أنسفك في ثواني!! فاهمة ولا أعيد تاني؟!” عاد لهدوءه مرة أخرى بينما هي تعجبت لكل ما أخبرها به فهي لم تكن تتوقع كل تلك الكلمات اللاذعة منه4
“لا وعلى ايه، مش عايزة تدريب ولا زفت وأشبع بشركتك ومكتبك، وأنت كمان تتعامل معايا بأدب، ملكش أي حق تلمسني كده، حاسب..” صاحت به في انفعال ولكن هنا نظرت له ولم تفترق زرقاوتاها عن عيناه السودواتان المزعجتان ودفعته بعيداً بكلتا يداها ولكنه لم يتحرك ولو مقدار أنملة
“أشبع بيهم!!” رفع احدى حاجباه مكرراً كلماتها
“لو سمحت ابعد عني وهات مفاتيحي وأنا هامشي من هنا ومش هاتشوفني تاني أبداً” تحدثت في وهن وقلة حيلة بعد أن فكرت بأن ذلك هو الحل الوحيد حتى تتخلص من وجودها معه.
“فاكراني عيل هتضحكي عليه زي زياد، مش كده؟!” نظر لها تلك النظرة الثاقبة مجدداً لتشعر وكأن الموت أهون لها من أن تتحمل النظر لذلك الرجل أمامها، هي فقط تريد أن تتخلص من ذلك الوضع وتلك النظرات الغريبة “فاكرة أنك زي ما دخلتي في دماغ زياد هتعمليهم عليا أنا كمان، ده بعدك!” عقدت هي حاجبيها لما يقوله 12
“ابعد عني واديني المفاتيح”
“اياكي أشوفك بتهوبي بس جنب الشركة تاني، وزياد ده أحسنلك تنسيه خالص” جذبها من احدى ذراعيها ليجبرها على السير وتوجه خارج مكتبه لتلاحظ سكرتيرته الشخصية ذلك وعيناها صرخت بالدهشة ولكن لن تتجرأ على التدخل في الأمر وأكتفت بمتابعتهما بعينيها.
“لو سمحت سبني، أنت ايـ…”
“اخرسي خالص واياكي اسمع حسك” آمرها مقاطعاً اياها لتتعجب هي مما يفعله معها ودلف معها للمصعد الذي ضغط به على زر المرأب ثم دفعها لترتطم بأحدى جدران المصعد الداخلية وهي لا تدري ما الذي حدث لكل ذلك وكيف له أن يعاملها بتلك الطريقة وندمت أشد الندم أنها آتت هنا، ولكن كلماته تلك لا تستطيع نسيانها بسهولة ولن تدع الفرصة دون أن ترد عليه.
توقف المصعد ليجذبها مجدداً وتوجه نحو سيارتها التي قادها بنفسه صباح اليوم ثم ألقى بمفتاح سيارتها أرضاً أمامها لتتعجب لسبب كل ذلك “اياكي أعرف إنك جيتي هنا تاني” صاح محذراً لتلتقط هي المفتاح من على الأرض ثم واجهته بكل ما أمتلكت من شجاعة
“لعلمك أنا أصلاً مش هاطيق أهوب ناحية الشركة دي، ويكون في علمك أخوك فضل سنة يتحايل عليا عشان آجي أتدرب هنـ..”
“أخرسي..” قاطعها “حركاتك دي مش هاتدخل عليا.. غوري في داهية من هنا واياكي أشوف وشك تاني” ترقرقت زرقاوتاها بالدموع لتنساب على كلا وجنتاها دون تريث
“أنت شخصية نرجسية وإنسان قليل الذوق وقليل الأدب!! وأنا مبعملش حركات، وأشبع بشركتك كلها، وابقا أسأل أخوك بنفسك، ده يعني لو كنت تعرف حاجة عنه” ألقت بتلك الكلمات التي لا تعلم من أين آتت ودلفت بسيارتها وتوجهت مسرعة للخارج.9
خلل شعره الفحمي وهو يتذكر تلك الزرقاوتان وكأنه لا يزال يلمح تلك الزرقة الجلية حوله بكل مكان، تلك المقلتان المليئتان بالدموع، تلك اللحظة التي انسلتت دموعها لترسم شلالات على كلتا وجنتاها، يعرف جيداً أنه لم يشعر بالشفقة من قبل على احد ولكن هناك شيئاً…
خلل شعره الفحمي وهو يتذكر تلك الزرقاوتان وكأنه لا يزال يلمح تلك الزرقة الجلية حوله بكل مكان، تلك المقلتان المليئتان بالدموع، تلك اللحظة التي انسلتت دموعها لترسم شلالات على كلتا وجنتاها، يعرف جيداً أنه لم يشعر بالشفقة من قبل على احد ولكن هناك شيئاً ما بداخله يخبره أنه كان قاسياً معها بلا داع!
ابتلع وهو يتذكر وصفها له بالشخصية النرجسية ليعقد حاجباه منزعجاً فلم يخبره أحد بهذا من قبل، ولكن آتت هي في دقائق قليلة لتتجرأ وتفعلها دون خوف أو تردد.3
بينما لا زال هناك ذلك الجزء بداخله الذي لن يتوانى عن حماية عائلته، أخيه الصغير الذي ولابد أنها تتحكم بعقله، لربما سحرته بجمالها الذي لن ينكره ولكن لن يتركه ليقع فريسة سهلة لينفذ لها كل ما تتمناه، كما أن شاهندة كانت ولازالت أطيب إمرأة على وجه الأرض وبالطبع لن يتركها لتقع في مكيدة بنت صغيرة لم يتعدى عمرها عشرون عاماً.2
قاطع أفكاره تلك الجلبة التي حدثت عندما رأى كلاً من شاهندة وزياد أمامه فنظر لكل منهما بعيناه الثاقبتان وعلم جيداً أنهما آتيا بسبب تلك اللعينة الذي ظن أنه تخلص منها لتوه.
“نورسين فين؟ من ساعتين كانت المفروض معاك، راحت فين يا بدر؟” سألته شاهندة في تحفز وهي لتوها علمت من سكرتيرته الشخصية كيف غادرت مكتبه.
“معرفش! اسألوها..” تصنع عدم المعرفة ليغضب زياد وابتسمت شاهندة في سخرية
“كل الشركة شافتك وانت نازل معاها الجراج، قولتلها ايه عشان تمشي يا بدر؟” نظرت له بأعين متسائلة1
“كلموها أسألوها..” اجابها ببرود ليزداد غضب زياد
“مبتردش وبعدين موبايلها اتقفل، أنت أكيد زعلتها؛ قولتلها ايه؟” سأله في انفعال ليرفع بدر حاجباه مندهشاً من ردة فعل أخيه ثم أراح جسده في كرسيه واجاب بمنتهى البرود حتى يرى ما هي دوافع زياد تجاه تلك الفتاة
“تغور في ستين داهية ويجي عشرة بدالها”
“مينفعش كده يا بدر وهي معملتلكش حاجة وكان ده ممكن يحصل مع أي حد غيرها، أكيد أنت قولتلها حاجة خليتها تمشي” تحدث زياد له بعصبية ليرفع بدر احدى حاجباه
“وأنت محموق عليها أوي كده ليه؟ حتة بت زي ديه متعصب علشانها ليه كده؟” ابتسم نصف ابتسامة لم تلامس عينه وتحدث بتعجرف متسائلاً
“لو سمحت متقولش عليها كده، وآه اتحمق عشانها و..”
“محدش يجيب سيرتها قدامي تاني ومش هتعتب باب الشركة برجليها” قاطع أخيه بصوته الرخيم دون أن ينفعل مثله وأعاد نظره لحاسوبه
“بس أنا محتجاها” تحدثت شاهندة ليرفع نظره لها بنظرة فهمتها جيداً “أنا مش بتحداك يا بدر ولا بعاندك، بس البنت شاطرة، هتعرف تتعامل مع كل الموردين، وجايبة امتياز التلت سنين اللي فاتت، وأنت عارف إن الـ Assistant بتاعتي مشيت ومحتجاها معايا”2
“لا بقا، ده أنتو زودتوها أوي، أنا مش عايز أسمع سيرتها تاني، وأنا قولت انها مش هتهوب هنا تاني يعني مش هتهوب هنا وابقوا وروني مين هيكسرلي كلمة” صرخ بهما بعد أن شعر وكأنهما يتحدياه
“وأنا بقول انها هتكمل تدريبها هنا، هي مش شركتك لوحدك” هنا تدخل زياد لينظر له بدر في تحدي بينما نظرت له شاهندة في صدمة
“زياد.. عيب اللي أنـ..”
“لا مش عيب” قاطع زياد أخته التي كانت تحاول أن تزجره “العيب إن بدر الدين باشا متحكم في حياتنا، متحكم في كل حاجة بنعملها، بيعمل كل اللي على مزاجه وكأننا كلنا عيال صغيرين، الشركة دي بتاعتنا زي ما هي بتاعته.. وإذا كان زي ما بيقول انه عايزني انزل واعرف الشغل يبقى ليه بيتصرف معايا اني عيل، لأ ده مش معايا بس، مع الكل.. وأنا بقولك يا بدر لو نورسين مرجعتش أنا مش هعتب أنا كمان الشركة دي برجلي أبداً” صاح منفعلاً ولم يدرك إلي من يتحدث وانصدمت شاهندة من كلامه الذي ألقاه بوجه بدر وكاد أن يغادرولكن أوقفه صوت أخيه الرخيم
“وأنت ليه عاملها خاطر أوي كده؟ تهمك في ايه؟ فيه ايه ما بينكم؟!”
“ايوة عاملها خاطر، وتهمني أوي لأنها في يوم من الأيام هتكون مراتي!” اجابه بإصرار وتحدي بينما وصدت شاهندة عيناها في خوف مما سيحدث لاحقاً بين كلاً من أخواتها
“لا والله وكبرت ورايح تجيبلنا واحدة لا نعرف أصلها ولا فصلها وعشان ضحكت عليك بكلمتين صدقتها وعاملها قيمة أوي.. لما تبقا راجل وتعرف تتحمل مسئولية وتعرف تحكم على نوايا الناس ابقا تعالى قول دي هتبقا مراتي”
“راجل غصب عنك.. وهو يعني مافيش راجل غيرك، أنت زمان في نفس سني بين يوم وليلة أتجوزت اللي اخترتها ومحدش وقف قدامك، أنت ايه.. هتفضل تتحكم فينا لغاية امتى؟ مفيش كبير غيرك خلاص؟ تعمل كل اللي على مزاجك إنما احنا لأ؟! ولا هو يعني عشان ابونا مات هتبيع وتشتري فينا.. يا أخي أنا قرفت من وجودك في حياتنا، ياريتني ما كان ليا أخ زيك، كان يوم أسود يوم ما دخلت بيتنا، كفايـ..”6
قاطعه بدر بصفعة قوية انتهى معها كلامه بينما صُعقت شاهندة لما حدث لتحاول التدخل وكادت أن تتحدث ليشير لها بدر بأحدى أصابعه محذراً اياها
“امشي اطلع برا وحصلها، مش عايز أشوف وشك تاني” آمره بمنتهى الهدوء لينظر له تلك النظرة الثاقبة وهو يرى وجه أخيه الصغير محتقناً بالدماء وأسنانه كادت أن تتهشم من كثرة صره لها.
“هحصلها، ومش هتشوف وش حد فينا تاني، ومن دلوقتي أنت ماليكش أخ اسمه زياد ولا أنا ليا أخ اسمه بدر!”10
سمع طرقات على باب مكتبه لتدخل شاهندة وهي تنظر له على حذر وبنفس الوقت فاضت عيناها شفقة عليه وهو لا يكره أكثر من تلك النظرة بحياته فأشاح بنظره عنها بعيداً1
سمع طرقات على باب مكتبه لتدخل شاهندة وهي تنظر له على حذر وبنفس الوقت فاضت عيناها شفقة عليه وهو لا يكره أكثر من تلك النظرة بحياته فأشاح بنظره عنها بعيداً.
“بدر أنت لسه مـ..”
“لو سمحتي يا شاهندة سبيني لوحدي” أخبرها دون أن ينظر لها لتبتلع هي
“ما أنا سايباك بقالي كتير، وأنت عارف إن اللي حصل ده كان غصب عن زياد، ده عيل صغير و..”1
“عيل صغير وغلط وعمره ما هيبقا راجل أبداً بعمايله دي” قاطعها ولا زال محتفظً بهدوءه
“أنت بردو كنت ممكن تفهمه وجهة نظرك في البنت بهدوء”
“أفهمه ايه يا شاهي، ده خلاص كبر، أنا مكنتش زيه وأنا في السن ده، ناوي يعقل امتى!”
“بس ارجع وأقولك انت اتسرعت في حكمك على البنت، على فكرة إنسانة طيبة وكويسة وشاطرة وبنت ناس و..”
“أنا مش فارق معايا الزفتة دي.. أنا فارق معايا أخويا اللي مضحوك عليه.. حتة عيلة فرحانة بإنها هتتجوز زياد الخولي وطمعانة فيه وكان شكلها باين عليه اوي انها جاية تتمحك فيه” قاطعها مُصراً على وجهة نظره
“تتجوزه ازاي بس وهو حتى مقلهاش حاجة ولا فاتحها في الموضوع، لسه بـ..”1
“وهي اللي زي دي محتاجة يقولها ولا يفاتحها؟ ده شغل بنات قذرة وعرفت تلعب عليه كويس اوي، ولعلمك يا شاهندة أنا متأكد بنسبة مليون في المية أنه نزل الشركة الأجازة دي عشان خاطرها هي وبس”
“طيب وفيها ايه لو هي انسانة كويسة وبتشجعه يكون انسان احسن!”
“بتشجعه!!” ابتسم متهكماً مكرراً لما قالته “البنت دي بتلعب على تقيل وطمعانة فيه وبكرة تشوفي.. وعموماً أنا مش هاتكلم في الموضوع ده تاني”
“أنا عارفة إنك مضايق وإن الكلام اللي قاله زياد كان مـ..” نظر لها نظرة مُحذرة لولا أنه أخيها الذي تعرفه لكانت ارتجفت خوفً من ملامحه
“اياكي تكرري كلمة واحدة.. ولو سمحتي سيبيني يا شاهي دلوقتي” أعطاها ظهره ثم أخبرها بتلك الكلمات لتلمس شبحاً من الحزن بنبرته لتتوجه نحوه ثم قبلت كتفه في ود أخوي
“هسيبك عشان تهدى.. بس عارف إني هافضل قلقانة عليك.. حاول تكلمني لما تكون أحسن.. تصبح على خير يا بدر” أخبرته ثم غادرت لأنها تعلم جيداً لن يكون في صالح أحد أن يقترب منه الآن ولطالما كان هذا طبعه يهدأ وحده دائماً.
تصبح على خير يا بدر” أخبرته ثم غادرت لأنها تعلم جيداً لن يكون في صالح أحد أن يقترب منه الآن ولطالما كان هذا طبعه يهدأ وحده دائماً
“نور أنتي فين؟ قافلة موبايلك ليه؟ أنا كنت هموت من القلق عليكي!” تحدث زياد بلهفة1
“متقلقش أنا كويسة.. بس بعد اذنك يا زياد أنا مش هكمل التدريب”
“بدر قالك ايه؟” سألها بعد برهة من الصمت وهو يمتلئ غضباً من اخيه ليحصل هو الآخر على صمتها لدرجة أنه ظن أنها أنهت المكالمة “نور أنتي معايا؟” صاح سائلاً لتجيبه
“أنا معاك.. وبدر مقاليش حاجة واداني المفتاح ومشيت، وأنا غلطت فيه بصراحة.. عموماً حصل خير بس معلش انا قراري اني مش هاكمل” كانت تلك هي الكلمات التي ظنت أنها ستنهي الموضوع تماماً
“نور!! أنتي بتخبي عليا اللي قالهولك بدر؟!”
“زياد أنت عارف احنا أصحاب ازاي ولا يمكن أخبي عليك حاجة، بس معلش أنا حسيت إني قلبي أتقبض من ساعة ما دخلت الشركة، ويا سيدي أنا زي الفل أهو، وعلى فكرة موبايلي كان مقفول عشان فصل ومكنش معايا charger، متقلقش كله تمام!” حاولت أن تطوي تلك اللحظات التي مرت عليها مع ذلك الرجل الغريب وشرعت في تناسيها بالفعل ووجدت أن هذه هي أول خطوة نحو ما تريده.1
“طب لو احنا أصحاب وبقولك عشان خاطري تيجي معايا بكرة، هترفضيلي طلبي؟!” سألها بنبرة متوسلة ليسمع تنهدها من الطرف الآخر 1
“ربنا يسهل، ومعلش هاقفل معاك دلوقتي لأني طالعة البيت.. باي”
باي”
“كان ينفع اللي أنت قولتهوله ده؟ مهماً كان ده أخوك الكبير، مكنش ينفع تكلمه بالطريقة دي، نسيت ده مين؟ نسيت وقف جنبنا ازاي بعد ما بابا ما مات ولولاه كانت كل حاجة هتتهد؟ نسيت يا زياد أنك طول عمرك بتبصله على إنه باباك مش أخوك الكبير وبس؟” صاحت شاهندة في انفعال
“يا شاهي أنا منستش بس بردو بدر بيزودها أوي! وأنا مكنتش متوقع أنه يعمل كده مع نور” تنهد في حزن 1
“أنت لازم تعتذرله بكرة، وأياً كان اللي ممكن يحصل ما بينكم مينفعش تقول لبدر بالذات كده”
“خلاص هعتذرله، بس أنتي كمان ساعديني وحاولي تقنعيه إن نور ترجع، مينفعش أطلع عيل قدامها!”1
“أنت كلمتها؟” ضيقت عيناها وهي تنظر له
“ايوة كلمتها والغريب أنها مصممة أن بدر معملش حاجة وأنه اداها المفتاح عادي وسابها تمشي” تعجبت شاهندة لما تسمعه
“مممم.. طب سبلي بدر وأنا هتصرف.. بس أهم حاجة تعتذرله الصبح أول ما يجي”
“خلاص أتفقنا”
تعجبت هديل من ذلك الحديث بين كلاً من شاهندة وزياد ومن نور تلك وما الذي حدث؟ وماذا كانت تقصد شاهندة بتلك الكلمات عن بدر؟ ولماذا يجب على زياد أن يعتذر له؟
أخرجت هاتفها لتتصل بسكرتيرتها الشخصية التي تنقل لها كل ما يحدث ولكنها لم تجيب لتبتسم في خبث وتحدث نفسها “يا خبر دلوقتي بفلوس بكرة يبقا ببلاش!”.
توجهت لتغادر وهي مصممة بداخلها على أن تعرف كل ما حدث اليوم.4
تلاحقت أنفاسه بعد أن هشم كل ما وقعت عليه عيناه بغرفته، وقف ليلتقت أنفاسه ليلاحظ تلك الإبتسامة بالصورة المعلقة أمامه على الحائط لينظر للصورة وامتلئت عيناه بالدموع المكتومة التي تأبى أن تفر منها ليتحدث للصورة بصوته المتحشرج
تلاحقت أنفاسه بعد أن هشم كل ما وقعت عليه عيناه بغرفته، وقف ليلتقت أنفاسه ليلاحظ تلك الإبتسامة بالصورة المعلقة أمامه على الحائط لينظر للصورة وامتلئت عيناه بالدموع المكتومة التي تأبى أن تفر منها ليتحدث للصورة بصوته المتحشرج
“وحشتيني أوي، كان نفسي تبقي معايا النهاردة، كان نفسي أفتح الباب وأجري عليكي أحكيلك كل اللي حصل، لسه كل حاجة زي ما هي، لسه محدش قابلني زي ما أنا، لغاية أمتى هفضل كده، أنا فكرت كتير أبعد عنهم بس مبقدرش، ليه كل الناس بتفهم خوفي عليهم غلط إلا انتي، ليه سيبتيني يومها ومشيتي؟ مكنتيش يعني عارفة إني من غيرك مش هاقدر أعيش؟!” سحق أسنانه وهو يبتلع في آلم ثم وصد عيناه يعتصرهما وهو يُفكر في أحداث اليوم بأكمله وأكثر ما آلمه هو كلمات زياد له.2
توجه لمكتبه حيث البار الخاص به وسكب كأساً ليتجرعه مسرعاً ثم أمسك بالكوب وآخذ يضغط عليها بقبضته حتى تهشمت وأختلطت شظايا الزجاج بدماءه وآخذ يسترجع العديد من الذكريات المؤلمة مراراً وتكراراً.1
للمرة الآلف تقلبت في فراشها وهي تعيد كل ما حدث اليوم، تذكرت كل ما فعله، هيئته التي أزعجتها، ربما وترتها، أهذا لأنها لم ترى رجل مثله من قبل؟ لماذا يبدو مُخيفاً هكذا؟ وكيف لها أن تعود لتلك الشركة وتخسر كرامتها بعد كل ما فعله بها؟ لماذا كل ذلك الكره …
للمرة الآلف تقلبت في فراشها وهي تعيد كل ما حدث اليوم، تذكرت كل ما فعله، هيئته التي أزعجتها، ربما وترتها، أهذا لأنها لم ترى رجل مثله من قبل؟ لماذا يبدو مُخيفاً هكذا؟ وكيف لها أن تعود لتلك الشركة وتخسر كرامتها بعد كل ما فعله بها؟ لماذا كل ذلك الكره والتحكم من ذلك الرجل؟ لا يشبه أخيه المرح في أي شيء وكأنهما ليسا بأخوة على الإطلاق، تذكرت كيف كانت كلماته بغيضة لا تطاق وكأنه يكرهها بسبب شيء ما، لا تعرف ما الذي قصده بأنها قد خدعت زياد، وصدت عيناها لتحاول النوم ونفض كل تلك الأفكار بعيداً عن عقلها ولكنها رآت تلك السوداوتان تحدقا بها ففتحت عيناها على الفور وهي تتعجب لماذا تتذكر نظراته الآن لتتنهد في سأم وهي لا تعلم ما قرارها بعد لتحاول مجدداً ترك كل هذا للصباح بينما كل ما أرادته فقط هو الحصول على قسط من الراحة..+
البارت الثالث
فتح عيناه بصعوبة وهو يشعر بذلك الآلم اللعين من آثار تلك الخمر التي احتساها الليلة الماضية فنهض بصعوبة وآخذ بعض أقراص المُسكن ليبتلعها دون مياة وتوجه للحمام مستعداً لروتينه اليومي المرير الذي بات لا يتحمله أكثر من ذي قبل.
تنهد وهو يجذب تلك المكابح اليدوية لسيارته التي صفها مثلما تعود أمام منزل عائلته ثم توجه للخارج ولأول مرة يشعر بعدم رغبته لإكمال الطريق للداخل، لا يدري لماذا هو متريث تلك المرة أكثر من المرات السابقة، لا يزال لديه ذلك الشعور الدفين الذي لم يفارقه بأنه غريب عن الجميع.4
كاد أن يلتفت ويعود لسيارته ولكن كان زياد ينتظره منذ الصباح الباكر أمام بوابة المنزل التي يدلف منها دائماً ليستمع لصوته منادياً اياه
“بدر” صاح منادياً ليلتفت بدر الدين تجاه الصوت ليرى زياد الذي بدا كالطفل الصغير أمامه مشتتاً فعقد حاجباه ولم يجيبه ونظر إليه فقط دون كلام “أنا آسف” همس بها دون مقدمات أخرى ليحدق بدر في عيناه دون حديث ثم أماء له بالموافقة “خلاص بقا يا عم عيل وغلط، هتعمل راسك براسه يعني؟” صاح مازحاً ليهُز بدر رأسه في إنكار من أفعال ذلك الصغير الذي لن يكبر أبداً “سماح بقا المرادي.. حقك عليا وهات ايدك ابوسها” جذب يد أخيه 5
“بس يا زياد بطل تفاهة” أخبره حانقاً1
“ما هو لو مكونتش طويل كنت قولتلك هات راسك أبوسها، بس أعملك ايه أنت اللي فِرع زيادة عن اللزوم” أخبره مازحاً مجدداً ليزيد بدر من عقدة حاجباه ليستمع لصوت شاهندة التي كانت تراقب كل شيء على مقربة منهما
“ما تفك بقا يا بدور، مهما هزرنا معاك كده مفيش ضحكة حلوة تحن بيها علينا” 2
“ما قولتلك يا شاهي بلاش بدور دي بتنرفزني” التفت نحوها غاضباً
“طيب خلاص ايه رأيك أقولك يا بدوري ولا بدبد” حاوطت عنقه في دلال ليستمع لقهقهة زياد بينما نظر لها في غضب “يا باي!! عاملنلك قرود على الصبح.. أضحك بقا وفك التكشيرة دي” نظرت له بتوسل ليومأ لها بالموافقة وبدأت ملامحه تلين شيئاً فشيئاً وللحظة انضمت لهم هديل التي كانت تراقب كل شيء دون ملاحظة أحد
“وأنا بقا ملياش نصيب في الهزار ده ولا يعني عشان منفوخة كده مش هعرف احضنك واتدلع عليك” صاحت في دلال متصنعة الحزن 4
“بصراحة بقيتي شبه البطيخة” أخبرها زياد أمام الجميع ليضحكوا سوياً بينما ابتسم بدر الدين ابتسامة هادئة لم تظهر أسنانه ولكن غضبت هديل من كلمات أخيها الصغير
“أنا بطيخة!! ماشي يا زياد، والله أولد بس وأفوقلك!” توعدته ثم عقدت ذراعيها لتتعالى ضحكات شاهندة وزياد بينما هز بدر رأسه في إنكار مبتسماً 1
“طب يالا بقا عشان نوجا هتعورنا لو أتأخرنا” صاح زياد للجميع ليتوجهوا سوياً للداخل ولم يرى أحد نجوى التي كانت تراقبهم من نافذة غرفتها وابتسمت عندما رأتهم هكذا
“ربنا ما يحرمكوا من بعض أبداً ويخليكوا لبعض.. نفسي دايماً أطمن عليكوا وأشوفكوا مبسوطين قبل ما أموت” لانت ابتسامتها بعد أن تحدثت لنفسها وتوجهت للأسفل حتى تتناول معهم الإفطار.
أمسكت بصينية الطعام ودلفت على والدتها مثلما تعودت كل صباح لتجد يُسري زوج والدتها بالداخل فنظرت له بإبتسامة بريئة وتوجهت نحوه “لو كنت أعرف إنك هنا كنت عملتلك الفطار بنفسي بس فكرتك نزلت الشغل بدري” ناولته الصينية “صباح الخير
أمسكت بصينية الطعام ودلفت على والدتها مثلما تعودت كل صباح لتجد يُسري زوج والدتها بالداخل فنظرت له بإبتسامة بريئة وتوجهت نحوه “لو كنت أعرف إنك هنا كنت عملتلك الفطار بنفسي بس فكرتك نزلت الشغل بدري” ناولته الصينية “صباح الخير.. يالا أفطر انت والقمر الجميلة دي على ما أحضر لنفسي أكل وأجي الحقكوا”
“شكراً يا نور.. صباح الخير” ابتسم لها تلك الإبتسامة الخبيثة التي لطالما أزعجتها ولكن لم ترى والدتها غير لطفه الدائم معها ولم تعلم شيئاً عن نواياه السيئة تجاه ابنتها أبداً.7
“ايه يا يُسري ايه أخبار الشركة.. مبقتش تحكيلي حاجة خالص..” صاحت كاميليا ويُسري يقترب منها واضعاً صينية الطعام أمامها وبدأ في تناوله وهو يبتسم لها3
“ماتقلقيش يا حبيبتي كله ماشي تمام التمام والدنيا زي الفل واحتمال نفتح فرع تاني قريب كمان”
“بجد يا يُسري؟!” صاحت بلهفة سائلة
“طبعاً يا حبيبتي، وأنا من امتى كدبت عليكي؟!” نظر بعيناها العسليتان التي تشع فرحاً من سماعها تلك الأخبار
“الحمد لله يارب.. أحسن بردو عشان من السنة الجاية نوري تبتدي تنزل معاك.. هي كمان ابتدت تدريب في شركة كبيرة بتاعت أهل واحد زميلها بس أنا كان نفسي تكون في شركتنا أحسن عشان تكون براحتها ومحدش يضايقها”
“أكيد طبعاً.. تتخرج بس وأنا تحت أمرها” ابتسم يُسري لها لتلين ابتسامته بينما شرد بعيداً بعد استماعه لتلك الكلمات من كاميليا وآخذ يحدث نفسه “وأنا بقا مش ناقص غير البت المتدلعة دي تيجي تبوظلي كل حاجة زيادة عن ما هي بايظة خلقة.. أنا مش ناقص قرف!!” تمتم لنفسه بينما أفاقه صوت كاميليا1
“ايه يا حبيبي روحت فين؟!”
“ايه.. أبداً.. بس آآ بفكر في موضوع كده لو تم هيبقى فتحة خير علينا وهينقلنا نقلة تانية”1
“ربنا يوفقك يا حبيبي”
“يالا بقا عشان متأخرش.. سلام يا حبيبتي” انحنى ليقبل رأسها بإقتضاب ومن ثم توجه ليغادر فالتقى بنورسين في طريقه التي أمسكت بصينية الطعام لها
“ايه ده أنت ماشي؟” تسائلت في براءة وهي التي كانت تظن أنهم سيتناولون الطعام سوياً، فبالرغم من عدم الراحة التي تشعر بها تجاهه إلا أنها لطالما أفتقدت ذلك الجو الأسري وخاصة حنان الأب الذي لم تعرفه يوماً.
“اه عشان ألحق الشغل وعندي اجتماع بدري يادوبك ناقص عليه نص ساعة” نظر لها يتفحص عيناها ونظراته الغريبة تلك التي لم تستطع تفسيرها يوماً
“ممم.. أوك.. باي” كادت أن تغادره لتجده أقترب منها وقبل جبينها وأطال القبلة حتى شعرت بالريبة من تصرفه 3
“مع السلامة” أخبرها ثم توجه للخارج وهو يتمتم في نفسه “امتى بقا هنفذ للي في دماغي!!”6
“بدر استنى” نادته شاهندة قبل أن يغادر ليلتفت لها بأعين متسائلة فحمحمت وهي تقترب منه “وحياة شاهي عندك وإن كنت بتحبني وبتعز أختك لا توافق إن نورسين ترجع” نظر لها بغضب وضغط أسنانه في غيظ
“بدر استنى” نادته شاهندة قبل أن يغادر ليلتفت لها بأعين متسائلة فحمحمت وهي تقترب منه “وحياة شاهي عندك وإن كنت بتحبني وبتعز أختك لا توافق إن نورسين ترجع” نظر لها بغضب وضغط أسنانه في غيظ
“أنا قولت محدش يجيب سيرتها قدامـ..”
“عشان خاطري، إن كان ليا خاطر عندك.. البنت دي ممتازة والله وأنا محتجاها.. اديها فرصة تانية” قاطعته وهي تتوسله ليوصد عيناه في غضب حانقاً
“ماشي يا شاهندة عشان خاطرك.. بس ابعديها عني على قد ما تقدري” تحدث بين أسنانه الملتحمة لتقبله شاهندة على وجنه لزفر في حنق.
“ربنا ما يحرمني منك يارب.. كنت عارفة إن قلبك طيب ومش هاهون عليك”
“طيب.. متتأخريش عشان ملحقناش نعمل اجتماع امبارح.. الساعة عشرة بالدقيقة تكوني عندي في مكتبي”
“عيوني يا بدور”
“يوووه” صاح في غضب ليغادرها وضحكت هي في خفوت من غضبه ذلك وفوراً أمسكت بهاتفها لتحدث نورسين.
“يوووه” صاح في غضب ليغادرها وضحكت هي في خفوت من غضبه ذلك وفوراً أمسكت بهاتفها لتحدث نورسين
“ياما نفسي أشوفك يا نوري الدراع اليمين ليسري.. لسه كان بيقولي أنه قرب يفتح فرع تاني للشركة”
“ايه ده بجد يا ماما؟” تعجبت في لهفة لتومأ لها والدتها
“تشتغلي في شركتنا أحسن ما تروحي للغريب”
“أكيد طبعاً يا كوكي بس هي الفكرة إن الشركة اللي أنا روحتها امبارح عالمية.. وأنا نفسي أعرف الشركات دي بقت كده ازاي عشان أكبر شركتنا”
“ربنا يوفقك يا حبيبتي..” ابتسمت لها والدتها ليرن هاتف نورسين الذي وجدت أن رقم المتصل ليس مسجلاً بهاتفها
“آلو”
“يا صباح النور” أجابتها شاهندة من الطرف الآخر
“صباح الخير، مين معايا؟!” تعجبت نورسين
“أنا شاهندة، ألبسي وتعاليلي حالاً على الشركة عشان عندنا اجتماع الساعة عشرة وبدر ممكن زرابينه تطلع علينا لو أتأخرنا”
“ازي حضرتك.. لا أنا كنت قولت لزيـ..” توقفت من تلقاء نفسها عندما رآت والدتها تنظر لها بأعين متسائلة بينما لم تعطيها شاهندة فرصة
“ولا قولتي ولا مقولتيش.. وبعدين ايه حضرتك دي، طول ما احنا سوا تقوليلي يا شاهي، والنبي يا نور ما توقعيني في مشاكل مع بدر ما صدقت فك شوية.. يالا مستنياكي.. باي” تحدثت لها مسرعة ثم أنهت المكالمة لتشعر نورسين أنها بموقف صعب للغاية
“خير يا حبيبتي مين؟!” صاحت كاميليا
“دي..دي.. مديرتي في الشغل” ابتلعت وهي تجيب بتلعثم وكأنما ضاعت منها الكلمات
“ومالك كده مخطوفة؟!”
“ها.. لا مفيش.. بس عندنا اجتماع مهم ويادوب ألحق ألبس.. سلام يا كوكي” فرت نورسين مسرعة لغرفتها قبل أن تتواتر أسئلة والدتها خاصة أنها لم تخبرها ما حدث أمس وآخذت تستعد وهي بالكاد ترى ما ترتديه والأفكار لا تتوقف عن الإنفجار بعقلها..
مائة سؤال ومائة تخمين دوى بعقلها وهي لا تدري ما الذي ستفعله عندما تراه اليوم وكيف ستنظر له من الأساس، لا تعلم لماذا لم تخبر والدتها البارحة بما حدث وهي التي أوصتها بأن تغادر ما إن شعرت بعدم الراحة..
تذكرت تلك الأعين التي افترستها حية صباح أمس لتبتلع من تذكر تلك السوداوتان وهي تشعر بالتوتر يتآكلها داخلياً من مجرد فكرة الذهاب إلي الشركة مجدداً ورؤيته!! ماذا سيظن بها؟ أنها ليست لديها كرامة! 2
“أنا ليا بالكام شهر تدريب وبعدين مش هاشوف وشه تاني!!” تحدثت لنفسها وهي تمرر مرطب الشفاة الوردي ثم نثرت بعضاً من عطرها “كان لازم يعني شاهي تزنقني الزنقة ديه” تنهدت بينما جمعت أشياءها في حقيبة يدها وتوجهت على الفور للخارج.
“أنا ليا بالكام شهر تدريب وبعدين مش هاشوف وشه تاني!!” تحدثت لنفسها وهي تمرر مرطب الشفاة الوردي ثم نثرت بعضاً من عطرها “كان لازم يعني شاهي تزنقني الزنقة ديه” تنهدت بينما جمعت أشياءها في حقيبة يدها وتوجهت على الفور للخارج
“كويس إنك جيتي قبل معادك” صاحت شاهندة وهي تنظر بحاسوبها ما إن لاحظت وصول نورسين لمكتبها “يووه Sorry، صباح الخير الأول” ابتسمت نورسين لها بإقتضاب
“صباح النور”
“بصي يا نور ده هيكون مكتبك وأنا عموماً بحب الـ Assistant بتاعتي تكون معايا دايماً.. الـ Laptop اللي على المكتب ده بتاعك وخليت الـ IT department تظبطلك كل حاجة الـ Email و الـ Programs اللي هتحتاجي تشتغلي عليها وشوية تعريفات عن الشركة وآه.. أي حاجة تحتاجيها ممكن تطلبيها من الـ Administration department.. بالحق صحيح زياد حكالك حاجة عن شركتنا أو..”
“متقلقيش أنا قريت عنها كتير Online” قاطعتها نورسين عندما شعرت بتوترها الزائد وسرعتها في الحديث
“معلش ملحقناش نقعد سوا امبارح بس أنا كده هقولك بإختصار بسرعة احنا بنعمل ايه، الإدارة اللي أنا مسكاها يعني وهديكي اختصار سريع لأن مقدمناش غير ساعة واحدة لغاية الإجتماع” تركت شاهندة حاسوبها ونظرت لنورسين ثم غمزت لها “لا لا بقا أنا مش هقدر على الحلاوة دي كلها، ايه الجمال ده بس.. محظوظة أنا عشان يبقى معايا أجمل وأحلى بنوتة في الشركة”
“ميرسي” توردت خجلاً وابتسمت لها
“تعالي اقعدي جنبي بدل شغل المكاتب ده أنا مبحبوش”
“أوك”
“كريم بقولك كان فيه خناقة امبارح والنهاردة الصبح زياد كان بيعتذر لبدر وشاهي هي اللي قالتله يعتذرله”
“كريم بقولك كان فيه خناقة امبارح والنهاردة الصبح زياد كان بيعتذر لبدر وشاهي هي اللي قالتله يعتذرله”
“يووه بقا يا هديل، وأنا مالي، أنتي عارفة إني مسحول في المشاريع الجديدة اللي أخوكي عمال يدخلها دي ومش فاضي أشوف مين بيعمل ايه”2
“امال ايه لازمة إنك في الشركة وقاعد معاهم ليل نهار، أنا اللي اسمي في البيت بعرف دبة النملة”
“اه صح، واللي بيلف على المواقع واللي بيشوف البلاوي السودا اللي كل شوية بتحصل هيفضى للتفاهات دي”3
“تصدق إني فعلاً مش هسألك على حاجة تانية.. خليك كده زي الطور في الساقية وأنت مش فاهم ايه اللي بيحصل حواليك.. هاولد بس وافوق لكل اللي أنت مش عارف تفوقله”
“طيب يا حبيبتي.. سيبيني بقا أفوق لساقيتي وروحي انتي اولدي سلام”
أنهى كريم المكالمة الغريبة التي تلقاها من هديل بينما هي كادت أن تهشم هاتفها بيدها، تود أن تعلم كل شيء، تريد أن تتحكم في كل شيء، دائماً تشعر وأن كريم غير مكترث لكل ما تخطط له على الإطلاق.
“ماشي يا كريم.. إن مكنتش أنت هتفوق لمستقبلي ومستقبل ولادي أنا هاعرف أفوقله كويس” تمتمت لنفسها ثم جلست لتفكر كيف تستعيد كل شيء مرة أخرى ثانيةً.6
إن مكنتش أنت هتفوق لمستقبلي ومستقبل ولادي أنا هاعرف أفوقله كويس” تمتمت لنفسها ثم جلست لتفكر كيف تستعيد كل شيء مرة أخرى ثانيةً
“تمام كده عرفتي هتعملي ايه؟!” صاحت شاهندة لتومأ لها نورسين بالموافقة
“متقلقيش.. كله تمام”
“معلش يا نور امبارح أنا عارفة أكيد بدر ضايقك و..”
“مضايقنيش ولا حاجة” قاطعتها “أنا اعتذرتله عشان فعلاً أسلوبي مكانش كويس ومن العصبية غلطت فيه غصب عني” قاطعتها بإبتسامة هادئة “على العموم حصل خير” نظرت لها شاهندة في تعجب ثم ضيقت عيناها1
“أنتي بتتكلمي عن بدر أخويا مش كده؟!” تسائلت وهي تنظر لتلك الزرقاوتان تتفحصهما
“ايوة يعني امال عن مين!” ابتسمت لها لتسمع تنهيدة شاهندة
“ماشي يا نور هانم.. نخلص الـ meeting واجي أشوف الموضوع ده، يالا بينا”
“يالا” جمعتا أشياءهما استعداداً للإجتماع ثم توجهتا للدور الأخير حيث يقع مكتب بدر وغرف الإجتماعات فتوجهت شاهندة لأحدى الأبواب وليس مكتب بدر الدين الذي ذهبت إليه بالأمس فتبعتها في صمت وما إن دخلت حتى آخذت تعرفها على كل من بالغرفة، من تكون مساعدة من ومنصب كلاً من كريم وحمزة زوجها.
“كريم الدمنهوري Head of operations وجوز أختي” قدمته لها ليبدأ هو بمصافحتها
“نورسين الـ Assistant بتاعتي الجديدة” لا تدري لماذا لم يروقها ذلك الرجل منذ الوهلة الأولى بالرغم من تلك الإبتسامة التي لا تفارقه5
“حمزة أبو الفضل CFO وزوجي الحبيب” صاحت ليضحك كل من بغرفة الإجتماعات فيما بينهم نورسين وصافحته “ايه يا جماعة مش من حقي أحب جوزي ولا ايه” تعالت ضحكات الجميع بنفس اللحظة التي دلف بها بدر الدين الغرفة ليتعجل الجميع لمقاعدهم بينما استمرت نورسين في الإبتسام لتقع عيناه السوداوتان عليها ولم يستطع أن يحرك عيناه إلي أي أحد آخر.
تصلب مكانه وهو يحدق بتلك الإبتسامة التي لم يلاحظها يوم أمس. ظل ينظر لها لتدرك عيناه ما يرى، جسدها الممشوق في ذلك الرداء النبيذي الذي أعطاها مظهراً رسمياً ولكن لا يعبث بأنوثتها بل العكس تماماً هو يبرز أنوثتها بطريقة لم يرها بإمرأة قط، ذلك اللون الذي امتزج مع بشرتها الحليبية أفقده عقله بثوان، كيف لذلك الرداء أن يحتضن منحنياتها بشكل يزعجه للغاية، كيف لم يلاحظ ذلك الخصر المرسوم منذ البارحة، كيف لم يرى ثديياها المثاليان وهما جليان كشمس الصباح، ظل ناظراً لها مُفكراً أنه لو كان يحلم بإمرأة لما وجدها بأحلامه بذلك الكمال الذي يراه الآن.18
أقتربت بجانب شاهندة لتهمس بأذنها شيئاً ما فتمايل شعرها لينخفض معها لترفعه هي برقة متناهية تلقائية لتعبث بعقله أكثر، لماذا عليها أن تكون بمثل هذا الكمال وهي أصبحت أكثر ما يغضبه منذ الأمس؟
ابتلع وهو لا يزال يتفحصها عاقداً حاجباه، عقله بمكان آخر، لقد كان منذ يومان مع احدى النساء ولكن ما الذي يجذبه بتلك الفتاة، هو حقاً لا يعلم!
“بدر.. مش هنبتدي الاجتماع ولا ايه؟! هتفضل واقف كده كتير؟” صاحت شاهندة التي تعجبت لصمته طوال كل ذلك الوقت فحمحم بعد أن أدرك أنه لتوه فاق من شروده بتلك اللعينة ثم نظر لأخته
“لا كنت مستني تخلصوا ضحك الأول..” رد لها الصاع صاعين، فهو كما يظن نفسه لا يخطئ أبداً ولن يسمح لأحد بأن يتحدث عنه هكذا أمام الجميع حتى ولو كانت شاهندة نفسها. امتعضت ملامح نورسين من إجابته الجافة أما الباقين فنظروا لما أمامهم خوفاً من غضب بدر!
“دلوقتي بقا نفسي أفهم ايه قصة الـ Materials المتأخرة واللي مش موجودة في المخازن؟” توجه لشاهندة التي جلست بجانبها نورسين التي دونت شيئاً ما بالقلم الرصاص ثم حجبت خصلاتها خلف أذنها وعبثت بالقلم في شفتيها الكرزيتان ليصر بدر أسنانه غاضباً من تأثير تلك الفتاة عليه وحاول التركيز في كلام شاهندة بكل ما أوتي من قدرة على التركيز.8
“…… وبعدين أنا مبيتأخرش عندي حاجة وأنت فاهم وعارف شغلي كويس” توقفت شاهندة عن الكلام وقد لاحظت غضب بدر وعدم تركيزه لتجده يحمحم ثم نظر أمامه
“الـ Reports و الـ Analysis بتاعت الاستهلاك فين يا كريم؟” توجه لكريم الذي جلس أمام شاهندة على الطرف المقابل من الطاولة وهو يطلق نفساً شاعراً بالراحة أنه لا ينظر نحوها بعد الآن بعد أن حاول إخفاءه أنه لم يستمع لما قالته أخته.
“سهيلة هتوريهالنا حالاً” وصلت سهيلة مساعدة كريم الشخصية حاسوبها الخاص لتستعرض تلك التقارير والتحليلات التي سأل عنها بدر منذ قليل ليبدأ كريم في شرحها وما إن انتهى حتى اعتدل بدر في جلسته
“يعني كل يوم الكميات دي ليه، ماسكين بلد بحالها” صاح بغضب لتبتلع نورسين في توتر من صوته
“يا بدر اديك شايف الـ..”
“كريم الكميات دي مش مظبوطة، استحالة يكون كل ده استهلاكنا في اليوم الواحد” قاطعه ليتوجه لشاهندة مرة أخرى “وأنتي ازاي سايباه يطلب كل ده من غير ما تبلغي؟” صاح بشاهندة لترتعب نورسين وعضت على شفتاها ليلاحظها بدر الذي كسر ذلك القلم الممسك به دون أن يدري!1
“يا بدر أنا..”
“ولا كلمة أسمعها تاني” ازداد غضبه بعد أن أدرك ما يحدث له من تأثير نورسين عليه
“وأنت يا حمزة.. ايه.. موقف ليه الموافقات المالية؟ عايز يبقى منظرنا زفت قدام الناس؟”
“بدر بعد اذنك أنا في الأول وفي الآخر ملتزم بميزانية، وقبل كده اشتكيت من كميات الاستهلاك الغير طبيعية حتى في المشاريع اللي المفروض انها ثابتة ومعروف كمياتها وكريم قالي ان كل الـ Reports صح على الـ system وانه مينفعش يسيب المخازن فاضية بس أنا فعلاً مش هاقدر أوفر السيولة دي كلها بالذات عندنا مشاريع جديدة محتاجة تجهيزات” انتهى حمزة ليوجه بدر نظر لكريم
“فعلاً هي دي الـ Reports اللي بشوفها كل يوم، أنا كمان عندي طلبات مخازن مقدرش اقولها لأ” صدق كريم على كلام حمزة ليخلل شعره الفحمي في عصبية
“يعني نفترض شركة، احتياجها من يوم ما اتعاقدنا معاها X ونفس الربح اللي بيجلنا منها ثابت والشركة زي ما هي بنفس أعداد كل حاجة، ازاي فجأة يبقى احتياجها ضعفين الـ X؟” تحدث بعصبية زائدة بينما ساد الصمت لتقترب نورسين من شاهندة لتهمس لها شيئاً لينظر لها بدر نظرة قاتمة وهي التي جنت على نفسها، ستكون ملجئه الوحيد ليفرغ عليه كل ذلك الغضب
“جرى ايه يا هانم، مش شايفة أننا بنتكلم في كلام مهم، لو مش قد المسئولية والإلتزام تقدري تمشي، مش رحلة هي ولا فسحة، دي مليارات بتتصرف على الأرض، حاجة زي المصيبة اللي فيها دي لازم نكون مركزين عشان نعرف المشكلة فين..”
“يا بدر لو سمحت مـ..” قاطعته شاهندة ليقاطعها
“بعد اذنك متدخليش.. ما دام الإجتماع معايا أنا مش بسمح بالتهريج والهزار، مش في مدرسة احنا عشان شغل العيال بتاع المدارس ده يحصل، اللي عنده حاجة يضيفها واللي معندوش يقعد ساكت!” صرخ بكلماته ليحتقن وجه نورسين من تلك الإهانة التي كيلها لها دفعة واحدة ولكن لا، لن تسمح له تلك المرة بأن يٌفرض عليها هيمنته تلك.1
“حضرتك يا Mr بدر أنا مقدرة المسئولية وملتزمة وفاهمة كويس إن ده مش لعب عيال، بس في نفس الوقت مقدرش اتعدى مديرتي من غير ما استئذنها، وعموماً عندي حاجات أضيفها وحاجات مهمة” تريثت لثوان حتى جذبت انتباه الجميع بينما نظر لها كريم أكثرهم في دهشة خاصة عندما نهضت حتى تنظر ملياً للشاشة العملاقة التي أحتلت الغرفة، بينما عينا بدر الدين تتابعها كالنسر
“ليه منقولش إن الـ Reports دي فيها حاجة غلط وتكون مشكلة من الـ System نفسه؟”
“منقولش” قهقه بدر الدين ساخراً على كلماتها “اقعدي يا شاطرة مكانك واعرفي الشغل كويس الأول وأعرفي الـ System اللي احنا شاغلين بيه وبعدين ابقي تعالي اتكلمي” تعجب الجميع من تصرف بدر فهو عادة لا يتصرف هكذا بينما ألتفتت له نورسين رافعة احدى حاجبيها في تحدٍ
“الشركة شاغاله بأغلى ERP System في السوق، وعارفة انه المفروض معموله Upgrade لغاية أحدث نسخة منه، بس ايه رأي حضرتك لو جيبنا الـ IT Manager وسألناه على الـ Reports اللي قدامنا وطلبنا منه يطلعها من الـ System بنفسه، وياريت يعملها أكتر من مرة لو سمحت عشان نتأكد أنه مفيش خلل.” 12
“وماله..” ابتسم متهكماً ليرسل مساعدته الشخصية في استدعاء مدير قسم الـ IT بينما لم تتحرك عينا بدر الدين من عليها وهو يشعر بكامل الثقة بأنها ستكون مخطئة أمام الجميع وينتظر فقط تلك اللحظة ليُسمعها ما لذ وطاب ويخرج عليها غضبه، فهي من بدأت بتحديه.5
“ايه اللي أنتي عملتيه ده بس؟” همست لها شاهندة وهي تلعن حظها
“أكيد فيه غلط في الـ system” همست مجيبة وهي تتدعو بداخلها أن تكون على حق.
“سمير أنا عايز الـ Report بتاع مخازن الموقع اللي قدامك ده من على الـ System direct، الاقيه 5 مرات مطبوع حالاً قدامي” آمره بهدوء وعيناه لازالتا مسلتطان على نورسين وابتسامة التهكم تتراقص على شفتاه وبدأ في التخيل كم سيكون صارماً وجافاً معها بعد أن تحدته بتلك الطريقة أمام الجميع، بينما تحاشته هي تماماً وهي تدعو من داخلها أن تكن على حق
“حاضر يا Mr بدر”
ترقب الجميع تلك الدقائق التي مرت على نورسين كالسنوات وشاهندة كذلك هي الأخرى بينما بدأ الباقون يتململون في مقاعدهم حتى آتى سمير واضعاً التقارير كما طلبها بدر ليطالعها في صمت ثم ازداد غضبه واشتدت ملامحه لينظر لسمير في منتهى العصبية
“أنت متخلف ولا غبي عشان كل تقرير الاقيه كميته زايدة، بتاخد مرتبك أصلاً ليه، لو مش قد الشغل نشوف غيرك” صرخ به ثم ألقى تلك التقارير بوجهه لتبتسم نورسين في انتصاروأطلقت زفيراً كانت تحبسه منذ الكثير بينما بدأ الجميع ينظرون إليها في دهشة بين حاقد وبين معجب بينما تاقبلت زرقاوتاها بتلك النظرة الكارهة منه فازدادت ابتسامتها بينما هو سحق أسنانه
“أنت بايت هنا في الشركة لغاية ما المشكلة دي تتحل.. سامع يا زفت أنت”
“سامع حضرتك.. بعد اذنك أروح أشتغل على المشكلة” أشار له بيده غاضباً وما إن وصد الباب خلفه حتى صب بدر الدين المتبقي من غضبه على كريم 1
“أنت Head of operations أنت؟! ده أنا أجيب عيل بقا بيعرف يسحب تقارير من الـ system وأشغله مكانك، أزاي مبتنزلش تشوف لمخازن بنفسك؟ ازاي ده يحصل رد عليا؟” صرخ به بمنتهى الغضب
“أنا… أنا.. بنزل وشوفت الـ..”1
“أنت مش شايف شغلك يا بيه.. وأعتبروا كلكم ده انذار للكل، وأنتي يا شاهندة كان لازم تعرفي ان فيه مشكلة لما بتطلب منك كل الكميات دي” قاطعه ثم نظر لشاهندة
“أنا سألت كريم وهو قالـ..”
“بلا سألتي بلا زفت، كلكوا غلطانين، اتفضلوا دلوقتي الإجتماع خلص” قاطعها وصرخ في الجميع لتنهض شاهندة في غضب وتغادر على الفور بينما لحقها زوجها وفر كريم في لمح البصر هارباً، بينما فعلتا مساعدتيهما الشخصيتان تحاشياً لغضب بدر، بينما نورسين جمعت أشياءها ثم أشياء شاهندة وكادت أن تحملهما ليوقفها صوته “ايه ساعة بتلمي الحاجة، اتفضلي برا”2
“حضرتك كل واحد لم حاجته ومشي، أنا بلم لأتنين مش واحد، كمان مفيش واحدة اهتمت تقفل لشاشة وسابوا كل حاجة ومشيوا، وعموماً أنا عايزة امشي بسرعة أكتر ما أنت عايـ..”1
“انجزي وامشي ومش عايز اسمع صوت” قاطعها غاضباً ثم وجه لها ظهره وهو يجوب الغرفة كالمجنون، فهو لا يُصدق أنها تحدته وجعلته مخطئ أمام الجميع.
كادت أن تغادر بينما لمحت مكالمة من زوج والدتها فأنهت المكالمة حتى تخرج وقررت أنها ستحدثه لاحقاً لتفاجأ أنه هاتفها أكثر من ثلاثون مرة لتندهش وشعرت بالقلق الشديد لتجده يتحدث مرة أخرى فلم تنتظر واجابته على الفور وهي تحمل الحاسوبات الخاصة بها وبشاهندة وبعض الأوراق بيدها+
“آلو” لم تمر ثوان منذ أن أجابت حتى سقط كل ما بيديها محدثا جلبة لينظر لها بدر غاضباً لذلك الصوت المزعج بينما صرخت هي “بتقول ايه!! ماما ماما.. أنت.. متـ.. استحالة.. ماما ما..” ودون مقدمات سقطت أرضاً مغشياً عليها.3
البارت الرابع
توجه نحوها مهرولاً وهو ينظر لجسدها الملقى أرضاً وأمسك بالهاتف ليعلم ما الذي حدث حتى تقع أرضاً فاقدة الوعي بهذه الطريقة قبل أي شيء آخر بالرغم من غضبه منها ومما فعلته معه منذ قليل ولكنه عليه أن يعرف ماذا هناك2
“آلو..” تحدث ليجيبه صوت ذكوري
“آلو.. نورسين فين، لازم تيجي بسرعة” تريث برهة ثم تحدث مجدداً “وبعدين أنت مين؟!” تعجب يسري من ذلك الشخص الذي يجيبه بينما ابتلع بدر قبل أن يتحدث بأي شيء وفكر جيداً قبل أن يجيبه
“أنا زميلها.. خير فيه ايه؟”
“والدتها اتوفت..” أخبره يسري ليشعر بدر بالشلل التام وهو لا يدري ما عليه فعله “هي فين؟ كانت بتكلمني حالاً”
آخذ يفكر سريعاً أيخبره أنه فقدت وعيها أم ماذا عليه أن يفعل؟ تأخر في الرد حتى تعجب يُسري من ذلك الصمت “آلو..” صاح ليدرك بدر أنه قد آخذ وقت أكثر من اللازم ولأول مرة يشعر بعدم إجادته للتصرف 1
“ايوة.. معاك.. هي بس من الصدمة مش مصدقة..”
“طيب بلغها أنها لازم تيجي دلوقتي حالاً” أنهى يسري المكالمة ليتعجب بدر من تصرفه وكاد أن يغادر ليذهب لشاهندة ولكن ما أن وصل لباب غرفة الاجتماعات توقف من تلقاء نفسه وكأنما شعر بشيء يناديه ليعاود أدراجه ولكنه وجد نفسه يوصد الباب ثم توجه نحوها مرة ثانية.
أنخفض بمستوى جسده ليقترب منها وهي مغشي عليها ليرفع خصلاتها الحريرية التي سقطت على عينيها التي لم يرى مثيلاً لها من قبل ليجد نفسه يحدق أكثر بملامحها.11
كم كانت رائعة الجمال.. وجهها بريء للغاية.. تفاصيل ملامحها تجبر على ألا يتوقف للنظر لها.. شفتاها تلك التي شابهت حبتي الفراولة أجبرته على أن يتلمسها بأنامله.. أخذ يتلمس شفتاها بسبابته ثم مررظهر كفه على وجها الناعم وهو يتطلعها ثم تنهد ليلاحظ جسدها الراقد أمامه ليحملها ثم وضعها على احدى الارائك ثم ذهب ليُحضر بعض المياة من على الطاولة لتساعده في افاقتها وجلس بجانبها مرة أخرى ليجد نفسه يتطلعها في صمت مجدداً ولا يريد أن يفيقها.
“ايه مالها نور؟ ايه اللي حصلها؟” لم يشعر بالوقت وهو ينظر لها ليفاجأ بصوت شاهندة بجانبه ليدرك أنه جلس ينظر لملامحها أكثر من اللازم!
“والدتها اتوفت واغم عليها لما عرفت الخبر” تحدث بهدوء بينما ناول شاهندة المياة ونهض مبتعداً ليفسح لأخته مكان للجلوس بجانبها ثم أعطاهما ظهره
“يا نهار أبيض!! الكلام ده من امتى؟” صاحت شاهندة في دهشة
“بعد ما مشيتو على طول” اجابها بإقتضاب وهو يحاول أن يخفي مدى تلهفه للذهاب والجلوس بجانبها مرة أخرى لتشعر شاهندة بالخوف على نورسين وبدأت في أن تفيقها بنثر بعض قطرات المياة على وجهها ولكن لم تستجب لها.
“البنت مش عايزة تفوق خالص يا بدر” صاحت بعد عدة محاولات منها بأن تفيقها
“ايوة يعني اعمل ايه أنا؟” تسائل في حنق ليلتفت ناظراً لها
“معلش ساعدني، ممكن تشيلها بس لغاية عيادة الشركة”
“نعم؟!” نظر لها ساخراً “ما نكلم الدكتور ولا زياد بيه يجي يشيلها!”
“زياد مشي من شوية راح فرع أكتوبر، والدكتور على ما نكلمه ويجيب كرسي هياخد كتير.. لاحظ إنها داخلة في ساعة بالمنظر ده، معلش يا بدر عشان خاطري” توسلت له ليتآفف ثم توجه نحوها ليحملها لتبدو كالعصفور بين ذراعيه القويتان.2
توجهت هي وأخيها مع نورسين لتتعجب رنا سكرتيرة بدر الشخصية لتتابعهما بأعينها وهما دالفان للمصعد ففرت خلفهما وهي تصيح “فيه حاجة محتاجينها أو أقدر أساعد فيها؟”
“شكراً يا رنا احنا رايحين للدكتور خلاص” اجابت شاهندة وهي بطريقها بينما صر بدر أسنانه حانقاً عندما أدرك أنه قد تمت رؤيته في هذا الوضع ولولا شاهندة معه لم يكن ليفعلها.
دلفا المصعد وشاهندة تحاول أن تمرر أناملها على وجه نورسين وتتفقدها في عناية بينما شعوره بجسدها الملامس لجسده جعله غاضباً لدرجة كبيرة ولكن لا يدري لماذا.3
“البنت جسمها كله ساقع” أخبرته ليزفر هو في ضيق
“ادينا اهو مودينها للدكتور وهو يتصرف بقا”
ترجلا من المصعد ليدلفا غرفة طبيبب الشركة الذي فوجأ ببدر الدين وأخته شاهندة وتلك الفتاة التي يحملها الذي تخلص بدر من حملها في ثوان وألقى جسدها على السرير بمنتهى السرعة
“براحة يا بدر مش كده” زجرته شاهندة لينظر لها في غضب ولكنه لم يغادر بالرغم من استطاعته فعلها ولكن شيء ما أجبره على الوقوف والإنتظار.
“هي ضغطها منخفض جداً وهعلقلها محاليل واديها حقنة بس لازم تروح المستشفى حالاً، واضح إنها في حالة صدمة شديدة لدرجة انها مش بتستجيب لأي مؤثرات خارجية” صاح الطبيب بعد أن فحصها وبنفس الوقت رن هاتف شاهندة التي اجابته وتوجهت لخارج الغرفة ليقع بدر في حيرة من آمره وهو يراقب الطبيب وهو يكمل عمله
“كلم الإسعاف طيب ويجوا ياخدوها” تحدث للطبيب بينما آتت شاهندة مجدداً بنفس اللحظة
“لا إسعاف ايه، احنا نوديها” تحدثت معقبة على كلماته
“أنتي بقا هتسيبي شغلك عشان خاطر البت دي.. ما تيجي الإسعاف تاخدها”
“معلش يا بدر.. وبعدين أنا لسه هقولك إن فيه خامات ناقصة لازم أتصرف واجيبها حالاً لأن كل إدارة المشتريات مش عارفة تتصرف والمورد اللي بنتعامل معاه عنده حالة وفاة، لو بس أنت ينفع توديها عشـ..”5
“يا سلام!! وأنا مالي” صاح في غضب2
“معلش عشان خاطري، تخيل لو كنت أنا مكانـ..”
“ماشي يا شاهندة، مبقاش ورايا أنا غير زفتة هانم دي!! قولتلك ابعديني عنها وأنتي مصممة بردو، بس ماشي لولا الموقف كان هيبقالي تصرف تاني” تحدث مقاطعاً اياها ثم توجه نحوها في قمة غضبه حاملاً اياها هي والحقيبة البلاستيكية للمغذي الذي وضعه الطبيب منذ ثوان.1
“أنا بس هخلص وأحصلك وبعدين ما أنت ممكن تحطها على الكـ..”
“شاهندة اتقي شري وابعدي عني الساعادي” قاطعها مجدداً بمنتهى العصبية ثم أنصرف خارجاً في لمح البصر ليتوقف بالمرأب واضعاً اياها بالمقعد الخلفي للسيارة ثم توجه مسرعاً للمشفى.
“شاهندة اتقي شري وابعدي عني الساعادي” قاطعها مجدداً بمنتهى العصبية ثم أنصرف خارجاً في لمح البصر ليتوقف بالمرأب واضعاً اياها بالمقعد الخلفي للسيارة ثم توجه مسرعاً للمشفى
ظل محدقاً بها وهو لا يدري لماذا لا يغادر؟ عقله يصرخ به كي يتركها ويذهب، ولكن هناك شيئاً وكأنما كبله في مكانه. سحق أسنانه للمرة الآلف وهو لا يستطيع إشاحة نظره من عليها، خلل شعره لأكثر من مرة وهو يسأل نفسه للمرة المليون ما الذي يبقيه إلي الآن؟ لقد آتى بها، لقد أخبره الأطباء أنها لن تستيقظ إلا بعد ساعات بسبب تلك المهدئات القوية التي حقنت بها، لماذا ينتظر؟ لماذا لم يتحدث مجدداً لذلك الرجل الذي أخبرها بأن والدتها قد توفت؟ ولماذا أغلق هاتفه؟ لماذا يريد أن يكون وحده بجانبها دون إزعاج؟1
ثقلت أنفاسه غضباً ليقرر أن يعود بدر الدين الخولي الذي يلمح نوايا الجميع منذ الوهلة التي تقع سودوتاه عليهم، هذه مجرد فتاة صغيرة طماعة، تبحث عن المال ليس إلا، لذلك استحوذت على عقل زياد، هي مجرد طفلة من عمر أخيه، ليس لديه أي مبرر آخر سوى ذلك!4
قرر تركها وهو يعاود فتح هاتفه ليلقي عليها نظرة أخيرة ثم توقف للحظة ناظراً لهاتفها ثم لها مجدداً ولا يدري لماذا امتدت يداه آخذاً هاتفها مُغلقاً اياه ووضعه بجيب سترته الداخلي ثم ترجل آخذا خطوات واسعة كما هي عادته وذهب لصالة الإستقبال وترك مبلغاً من المال في حسابها أكثر من المصاريف المطالب بها وكاد أن يغادر ليلتقي بشاهندة وزياد على بوابة المشفى ليسحق أسنانه وتزايد غضبه
“عاملة ايه يا بدر؟ بقت أحسن؟” صاحت شاهندة في لهفة
“ادوها مهدئات وقالوا مش هتفوق دلوقتي”اجابها بإقتضاب وكاد أن يغادر لتوقفه شاهندة
“ايه انت هتسبنا وهتمشي؟”
“يعني اعمل ايه اكتر من كده، مش من بقيت اهلنا هي عشان افضل معاها”
“طيب معلش استنى بس معانا هنطمن عليها ونمشي على طول”
“يووه بقا!! خليكو انتو وانا ماشي” صاح بغضب لتقترب منه شاهندة هامسة له بالقرب من أذنه حتى لا يسمعهما زياد الذي انشغل فجأة بمكالمة هاتفية
“بدر أنا محتجاك لغاية ما حد من أهلها يجي، معلش بس لو حصل حاجة أنت هتعرف تتصرف غير زياد” تآفف بدر الدين الذي تحدث بين أسنانه المُطبقة 1
“انجزي يا شاهندة ومتخلنيش مستني كتير” أخبرها ليدلف للمشفى مرة ثانية باحثاً عن أقرب كافيتيريا ليتناول فنجاناً من القهوة وتركهما وغادر.
وضع كوب القهوة أعلى سقف سيارته ثم خلع سترته وأراح ربطة عنقه وتوجه داخل سيارته ليخرج من الصندوق الجانبي علبة سجائره الذهبية وقداحة تشبهها ليستند على مؤخرة السيارة ويشعل السيجارة آخذاً منها نفساً عميقاً ثم غرق مُفكراً في كل ما حدث منذ البارحة
وضع كوب القهوة أعلى سقف سيارته ثم خلع سترته وأراح ربطة عنقه وتوجه داخل سيارته ليخرج من الصندوق الجانبي علبة سجائره الذهبية وقداحة تشبهها ليستند على مؤخرة السيارة ويشعل السيجارة آخذاً منها نفساً عميقاً ثم غرق مُفكراً في كل ما حدث منذ البارحة.
لا يزال غاضباً حتى أنه لجأ لذلك النيكوتين الذي أقلع عنه منذ سنوات عديدة ولا يلجأ له إلا عند إنشغاله بالتفكير، كل ذلك بسبب تلك الفتاة، ولا يزال مصمماً على أن تلك الفتاة مجرد باحثة عن الثراء السريع ليس إلا، صمم أن يعرف عنها كل شيء ليرسل اسمها لأحد معارفه حتى يستطيع تبين كل شيء عنها.
فتح هاتفها مجدداً ليضعه على وضع الطائرة ثم آخذ يعبث به قليلاً ليرى أنه هاتف فتاة عادي ليس به شيء عدا بعض الصور لها ولوالدتها كما خمن، وبعض الصور لها ولفتاة أخرى، صورتان لها هي وزياد ولم يثير ريبته أي شيء بتلك الصورتان.3
ذهب ليرى محادثاتها على بعض البرامج مع زياد التي بدت عادية للغاية وليس بها هناك ما يثير القلق، حتى الرسائل الصوتية عادية للغاية هي الأخرى. شعر أنه في منتهى الغباء ليظن أنه سيحصل من هاتفها على أية معلومات ولكنه كان مخطئاً.. مجدداً!.
زفر بغضب وهو لا يزال يتذكر كل مرة تحدثت له، كيف تحدته أمام الجميع واستطاعت أن تجعله مخطئ أمام الجميع مرة وأمام نفسه مرة أخرى، ثم تذكر كيف جلس بجانبها خائر القوى وكأنما تأسره وتجبره على ألا يبتعد عنها. لم يظن أن بإمكان إمرأة أن تلفت انتباهه بعد زوجته، ولكنه عرف جيداً كيف سيوقف هذا الهراء الذي وقع به لتوه!!
لم يلاحظ أنه قد فرغ من نصف علبة سجائره بأكملها وقد مر من الوقت ما يقارب الساعة فقرر أن يذهب ليتفقد أخته التي أخذت من الوقت أكثر من اللازم!
لم يلاحظ أنه قد فرغ من نصف علبة سجائره بأكملها وقد مر من الوقت ما يقارب الساعة فقرر أن يذهب ليتفقد أخته التي أخذت من الوقت أكثر من اللازم!
“ايه ده؟ امال فين زياد؟” صاح متسائلاً عندما وجدها وحدها بالغرفة
“معرفش بيقول راح كان عنده معاد مع أصحابه” اجابته ليبتسم متهكماً عند علمه بمغادرتها بكل تلك السهولة بينما رأى إنشغال شاهندة بهاتفها3
“طيب حضرتك ناوية تمشي امتى عشان زهقت.. مش كفاية اليوم كله ضاع بسبب ست زفتة هانم؟” سألها ساخراً3
“لسه محدش من أهلها يعرف إنها هنا، بحاول أوصل لحد من لـ HR يجيبلي رقم أهلها، أنا بس مش عارفة موبايلها راح فين، مشوفتوش صحيح يا بدر؟” نظرت له بأعينها ليبتلع وهو يحاول أن يبدو طبيعياً
“لأ متزفتش.. انجزي بقا يا شاهندة.. مش هنفضل هنا كتير.. أنا ورايا بلاوي” أخبرها في حنق 1
“يووه عليك يا بدر، بص امشي وأنا هافضل معاها لغاية ما أوصل لجوز مامتها، كده كده هي مالهاش اخوات وهو بس اللي عايش معاها.. أنا هتصرف!!”
“أنتي بردو مصممة!! خليكي بقا قاعدة جنبها وأنا ماشي يا شاهندة، ولو حصلك حاجة كلميني، أنتي مش هي” صاح ناظراً لنورسين على سرير المشفى بكراهية ثم غادر مسرعاً لتتنهد شاهندة
“أنا مش فاهمه هو كاره البنت كده ليه..” تمتمت ثم أخيراً حصلت على رقم منزل هاتفها الذي ما إن اتصلت به حتى أجاب عليها صوت ذكوري1
“آلو..”
“آلو..”
“مين معايا؟” صاح يُسري لتجيبه شاهندة على الفور
“أنا شاهندة الخولي.. مديرة نورسين في الشغل.. البقاء لله وربنا يجعلها آخر الأحزان”
“ونعمة بالله..”
“هو حضرتك جوز والدتها الله يرحمها؟”
“ايوة معاكي يُسري ، بس هي فين نورسين لغاية دلوقتي؟ ازاي متجيش؟ هي متعرفش إن والـ..”
“نور وقعت من الصدمة أغم عليها وهي دلوقتي في المستشفى ولسه مفاقتش.. أنا آسفة إني مبلغتكش غير دلوقتي لأني مكانش معايا رقم البيت ولا رقم حضرتك..”
“طيب هي في مستشفى ايه؟”
“مستشفى ……. “
“تمام.. هخلص دفنة واروحلها”
“أنا هاستنى جنبها متقلقش”
“متشكر جداً.. سلام” انهى المكالمة لتتعجب شاهندة من طريقة ذلك الرجل الفظة والجامدة ليتمتم هو بخفوت بعد إنهاءه المكالمة
“كنت ناقص كمان!! هدفنها وابقا فوقتلك يا حيلتها، مبقاش فيه حاجة تمنعني عنك خلاص.. منجم الدهب بتاعك ماتت.. ده أنا همرمطك!” توعد لها وهو كل ما يريده أن يفرغ فقط من مراسم دفن كاميليا زوجته ليذهب لها.12
في المساء بدأت في الإستفاقة بينما كانت بجانبها شاهندة التي تحدثت لها على الفور ما إن لاحظت حركة جفناها وامتعاض ملامحها”نور أنتي كويسة؟” صاحت متفقدة اياها في لهفة لتفتح نورسين عيناها لتتساقط تلك الدمعات التي شابهت حبات اللؤلؤ من بحور عيناها الزرقاء…
في المساء بدأت في الإستفاقة بينما كانت بجانبها شاهندة التي تحدثت لها على الفور ما إن لاحظت حركة جفناها وامتعاض ملامحها
“نور أنتي كويسة؟” صاحت متفقدة اياها في لهفة لتفتح نورسين عيناها لتتساقط تلك الدمعات التي شابهت حبات اللؤلؤ من بحور عيناها الزرقاء الحزينة بينما شاهندة لا تدري ما الذي عليها فعله!
كيف ستقنع ذات العشرون ربيعاً بأن تتماسك وكل ما لديها من عائلة قد تركتها وذهبت؟!1
عانقتها لتحاول مواساتها بينما لم تتفوه نورسين بشيء عدا الدموع التي تواترت من عيناها بلا إنقطاع أو تريث وحاولت تهدئتها ولكن دون جدوى.
“طب قوليلي انتي حاسة بإيه؟ فيه حاجة تعباكي؟ محتاجة حاجة اجيبهالك؟” سألتها في لين ولكن لم تجيبها ولم تتوقف عيناها عن ذرف الدموع “نور.. ممكن بس تردي عليا؟” نادتها بينما لم تحصل منها حتى على نظرة واحدة واكملت تحديقها بالفراغ وذرفت المزيد من دموعها..
شعرت شاهندة بالقلق فذهبت للخارج مسرعة لتبلغ الأطباء بإستفاقتها وعدم تحدثها ذلك الذي تعجبت له.
دلف الأطباء وانتظرتهم بالخارج لتستطيع معرفة حالتها وراعت ألا تتعرض لجرح مشاعرها بكلمات الأطباء أمامها.
“هي بقت كويسة؟ طمني يا دكتور” صاحت شاهندة بعد أن ترقبت حوالي عشر دقائق
“هي اكيد احسن من الحالة اللي جت فيها، مازال ضغطها مش مظبوط ومنخفض جداً.. بس عندها حالة إنكار لكل اللي حصل ورافضة تستجيب لأي مؤثرات خارجية تماماً، الصدمة واضح انها كانت شديدة عليها.. ممكن تفضل كده فترة وممكن تتحسن.. مفيش حاجة مؤكدة”
“طب يا دكتور فيه حاجة نقدر نعملها عشان تساعدها؟” تسائلت شاهندة في حزن وهي لا تعلم ما الذي عليها أن تفعله
“هي محتاجة اهتمام زيادة، تعمل الحاجات اللي بتحبها، تقعد مع الناس القريبة منها، طبعاً متتعرضش لأي حاجة تضايقها او تعصبها؛ والموضوع كله نفسي ملناش ايد فيه وممكن نستعين بأخصائي نفسي يمكن يسرع شوية من حالة الصدمة”
“تمام. متشكرة جداً.”
“العفو”
وقعت شاهندة في حيرة وهي لا تدري ماذا عليها أن تفعل، فبالرغم من شعورها بالألفة بجانب نور إلا إنها ليست تعرف عنها الكثير بعد، فتوجهت للداخل لتهاتف زياد ربما هو من يستطيع المساعدة.
لاحظتها بعيناها لتراها شاردة تماماً في الفراغ تتساقط دمعاتها وأصبح وجهها شاحب للغاية ليست كمثل أول مرة رآتها كانت فتاة شابة مفعمة بالحيوية.
آخذت تهاتف زياد لأكثر من مرة بينما لم يجيبها لتتعجب أين عساه ذهب ولماذا لا يجيب خاصةً وأنه يعلم حالة نورسين التي من المفترض أنه يشعر بشيء تجاهها.. “ماشي يا زفت.. أنا هوريك” تمتمت بداخلها وتركت هاتفها على احدى الطاولات بالغرفة ثم توجهت بالقرب من نورسين لتجلس جانبها.1
“حبيبتي لازم تكوني قوية، لازم تخرجي من الحزن ده وتدعيلها.. أنا عارفة إنك بتحبيها وهي كمان بتحبك ولازم يوصلها دعائك وعمرها أكيد ما كانت هتتبسط لو شافتك كده” حاولت أن تخرجها من تلك الحالة بينما لم تحصل على ردة فعل تُذكر لتزم شفتاها في حيرة ثم آخذت تمرر يدها على كتف نورسين دون التحدث لها.
“أدخل” صاحت بعد أن سمعت طرقات على الباب
“مدام شاهندة؟!” صاح يسري لتومأ له ليمد يده ليصافحها “يُسري راتب، جوز المرحومة، كنت أتمنى نتقابل في ظروف أحسن من كده” صاح والحزن الذي زيفه برع به.
“البقية في حياتك..”
“حياتك الباقية ومتشكر جداً إنك فضلتي جنب نور”
“العفو على ايه دي زي اختي الصغيرة” ابتسمت بإقتضاب مرير ثم نظرت لها واشارت له للخارج فتبعها. “نور حالتها صعبة ورافضة الكلام تماماً الصدمة كانت شديدة عليها والدكاترة حذروا من اي حاجة ممكن تضايقها او تثير اعصابها”
“اكيد.. هي والمرحومة كانوا قريبين جداً لبعض..” زيف حزنه مجدداً ثم أكمل “متقلقيش، نور دي بنتي وهاخد بالي منها، ومتشكر جداً ومش هاقدر اعطلك أكتر من كده، اكيد انتي معاها من الصبح”
“مفيش داعي للشكر.. ارجوك لو احتاجت حاجة كلمني”
“اكيد.. ومتشكر مرة تانية”
“العفو على ايه.. تصبح على خير وإن شاء الله هاعدي عليها بكرة..” أومأ لها يسري ثم توجهت هي لتُمسك بحقيبتها ثم عانقت نورسين دون أن تخبرها بأي شيء وغادرت موصدة الباب خلفها.
آخذت تُفكر في حالة نورسين وهي مليئة بالحزن لأجلها، كم أشفقت على حالتها وهي حقاً لا تدري ماذا عليها أن تفعل من أجلها!!
تنهدت ثم آخذت تبحث عن هاتفها لتحدث زوجها ولكنها لم تجده فتذكرت أنه لا زال بغرفة نورسين فأعادت أدراجها مرة أخرى حتى تحضره.
“لا بصيلي كده وفوقي للي هقولهولك كويس.. عياطك وزعلك ده مش هيفيد.. اسمعي كلامي أحسنلك وفوقي من الهبل اللي أنتي فيه ده، هتقومي تلبسي وتروحي معايا.. أمك اللي كانت مدلعاكي ماتت وأنا معنديش دلع، مش هاصرف عليكي زمان ودلوقتي كمان ومستشفيات وقرف، فوقي كده وأعرفي إن يُسري اللي عيشتي معاه زمان واحد ويُسري اللي بيكلمك ده دلوقتي واحد تاني خالص” صرخ بها لتتوقف عن البكاء ما إن سمعت صوته ونظرت له في حزن وملامح مصدومة
“هتمثلي عليا تاني؟! طيب ما تيجي بقا أفوقك.. تعالي أقولك أنا نفسي في ايه من زمان، تعالي أوريكي حلاوتك دي عاملة فيا ايه من زمان..” أقترب منها وكاد أن يٌقبل شفتاها وأمسك بثدييها في جرأة يتحسسهما وما أن شعرت بلمساته الشهوانية القذرة تشنج جسدها وأخذ يرتجف بقوة وآخذت في الصراخ الهستيري والبكاء “يخربيتك هتفضحيني” صاح بها ثم كمم فمها ليجد الباب يُفتح بقوة مُحدثاً صوتاً خلفه فنظر ليجدها شاهندة واعتلت ملامحه الصدمة التامة وابتعد عن نورسين في ثوان.1
“دكتور.. حد يلحقنا بدكتور بسرعة” صرخت بكل ما أوتيت من قوة بينما اندلعت ملامح الإرتباك على وجه يُسري ثم ساوى من خصلات شعره
“أنا.. أنا..”
“دكتور يا جماعة” صرخت مجدداً وجرت نحو هاتفها “أنت لو ممشتش من هنا حالاً هافضحك.. أنا سمعت كل كلمة قولتهالها.. ولو قربت منها تاني أنا مش هاسيبك في حالك.. أعتبره أول وآخر تحذير.. ولو مش عارف أنا ابقى مين وبنت مين أفتكر كويس اسم شاهندة الخولي وأسأل بنفسك..” 3
دخلت الممرضات بالغرفة مهرولات ليتبعهم احدى الأطباء وتوجه جميعهم نحو نورسين بينما أقتربت شاهندة من يُسري لتهمس له وملامح الغضب تكسو وجهها “غور اطلع برا واياك تهوب هنا تاني” ابتلع من تهديدها وتوجه للخارج بينما هي أمسكت بهاتفها لتحدث زوجها بينما تابعت الطبيب بعينها الذي أعطى لنورسين حقنة مهدئة ورآتها تهدأ من حالة التشنج تلك.
“حمزة حبيبي أنت فين؟” صاحت دون أن تشعره بالقلق بالرغم من احتياجها الشديد له
“حبيبتي وحشتيني.. وبعدين ما أنتي عارفة إني في meeting مع صاحب مجموعة المستشفيات اللي قولتلك عليها، مش فاهم ليه قرر يعمله في اسكندرية، وبدر صمم اني أنا اللي اتناقش معاه في العرض المالي.. بس كويس أصلاً إن عرفت أرد، ده يا دوب لسه مستأذن عشان يرد على موبايله”
“وأنت كمان وحشتني.. تيجي بالسلامة يا حبيبي.. أنا بس حبيت اعرفك اني في المستشفى مع نورسين عشان تعبت شوية لما عرفت ان مامتها اتوفت واحتمال ارجع متأخر”
“طيب يا حبيبتي آلف سلامة عليها وياريت تكلمي حد من اخواتك يروحك أو السواق وأرجوكي يا شاهي متتأخريش لأني كده هافضل قلقان عليكي”
“لا متقلقش يا حبيبي.. أنا بس هطمن عليها وارجع على طول”
“طيب يا روحي.. لو فيه اي حاجة Text me وانا هرد على طول”
“متقلقش..”
“خدي بالك من نفسك.. سلام”
“سلام” أنهت المكالمة ثم توجهت للطبيب على الفور “دكتور هي كويسة”
“اديناها حقنة مهدئة وهتفضل نايمة للصبح.. هو فيه حد ضايقها ولا ده حصل كده فجأة”
“لا لا..” هزت رأسها وصاحت في توتر “للوحدها كده.. فجأة واحدة”
“طيب حاولوا تتعاملوا معاها براحة.. ممكن تتعرض لإنهيار، خدوا بالكم منها كويس”
“أكيد، متقلقش يا دكتور” أماء لها
“بعد اذنك” استئذن منها وهم أن يغادر لتلحقه
“دكتور لو سمحت” صاحت لتلحقه ليلتفت لها
“اتفضلي”
“هو..” حمحمت بعد أن واتتها تلك الفكرة “هو ينفع لو وفرنالها دكتور وممرضة ننقلها البيت؟؟” صاحت سائلة وكل ما تريده أن تحميها من زوج والدتها الذي قد يأتي مجدداً بأي وقت “اقصد يعني.. أحسن من جو المستشفيات”
“أكيد طبعاً مفيش مشكلة، بس لازم اللي وصلها المستشفى يوافق بنفسه ويمضي على تحمل مسئولية خروجها”
“أكيد مفهوم.. طب ينفع التصريح ده نعمله دلوقتي ولا لازم نستنى للصبح؟!”
“لأ عادي أنا سهران النهاردة وأنا هوافق على الخروج والتصريح وتقدر تروح، بس لازم عناية في البيت وتاخد أدوية بإنتظام وكمان لازم دكتور يشوفها كل ست ساعات”
“أكيد يا دكتور.. متشكرة جداً”
“بعد اذنك” تركها وذهب لتشعر هي بالقلق ودلفت غرفة نورسين ووصدتها عليهما خوفاً من أن يأتي يسري مرة ثانية ثم نظرت لنورسين وهي نائمة في مريول المشفى الباهت ورغماً عنها فرت دمعة من عيناها وهي تشعر بالحزن الشديد من أجلها وهي تتذكر كل كلمات زوج والدتها الحقير ولمساته لها بتلك الطريقة.
أمسكت بهاتفها وهي تبتلع ثم هاتفت أخيها وهي تشعر بالقلق من قرارها الذي أخذته لتوها وتعلم أن بدر الدين لن يتقبله بسهولة خاصةً وأنه يكرهها بشدة
“بدر.. تعالالي المستشفى.. محتجالك اوي” همست ليشعر هو بالقلق
“فيه ايه يا شاهندة؟ انتي كويسة؟”
“أنا تمام.. مش هاعرف أكلمك واشرحلك في الموبيل”
“طيب..ربع ساعة وأكون قدامك”
أنهت المكالمة وهي بداخلها تتمنى ألا يبالغ بدر الدين في غضبه ويوافق على قرارها..3
البارت الخامس

“على جثتي، أنا مش هوافق على الكلام ده أبداً” صاح بدر الدين في منتهى الغضب لتزم شاهندة شفتيها ثم اقتربت منه بأعين متوسلة3
“اللي أنا سمعته من جوز مامتها مكنش سهل يا بدر، ده كان عايز يمضيها على أنها تتنازله على كل حاجة ورثتها وتخيل وهي في الظروف دي مفرقتش معاه، وكان كمان جايب حبر وهيخليها تبصم وهيزور كل حاجة، أنت لو أختك مكانها، لو أنا مكانها، هترضى ليها تعيش مع واحد زي ده”11
“كفاية بقا لو أختي مكانها، احنا مش مكانها، واحنا مش عيلتها، تروح لأي حد تاني.. استحالة تيجي تعيش معانا” صرخ في غضب شديد5
“تعرف.. زياد حكالي انها متعرفش أهل باباها ومامتها وحدانية ملهاش اخوات ومن يوم ما اتجوزت يسري ده وأهل جوزها قاطعوها، يعني دلوقتي نورسين ملهاش حد”
“مش مشكلتي ولا مشكلتك، كفاية اوي اننا وقفنا جنبها كل ده، عملنا اكتر من الواجب، تروح تغور في اي حتة بعيد عننا” صمم على موقفه لتزدرد شاهندة في صمت ثم جلست على احدى المقاعد وبدأت الدموع تحتبس في عيناها
“لا مشكلتي يا بدر، مشكلتي ان حياتي فاضية، ولولا وجود حمزة وشغلي كنت اتجننت، مشكلتي إن ربنا حرمني من الخلفة، من ان حياتي تكون مليانة أولاد اديلهم حنان وحب واربيهم وآخد بالي منهم، لولا وجودكم جنبي كان زماني موت نفسي.. أنا من ساعـ..”4
“شاهندة” قاطعها متنهداً ثم توجه بالقرب منها ولانت نبرته “احنا كلنا جنبك ومش هنسيبك وولاد هديل مالين علينـ..”
“ولاد هديل بكرة يكبروا وأنا بالنسبالهم هكون خالتهم وبس، زياد بكرة يشوف حياته، ماما ربنا يديها الصحة وطولة العمر بس مش هتعيش قد اللي عاشته، وأنت!! أنت إنسان غريب وقافل على نفسك وراضي بوحدتك، إنما أنا؛ أنا نفسي يكون جنبي حد تاني، كتير بحس حياتي فاضية، اه صحيح موجودين جنبي بس بمجرد ما حمزة يتشغل ولا يسافرله يومين ببقا حتجنن، يوم ما ماما بتتشغل ولا بتسافر لحد من قرايبها ببقا حاسة إني لوحدي، وهديل أنت عارفها كويس..” قاطعته ودموعها تنهمر رغماً عنها
“تعرف يا بدر إني فكرت كتير الفترة اللي فاتت اتبنى بنت أو ولد؟! قولت يمكن حياتي تتغير شوية” بدأت في النحيب ليشعر بدر الدين بآلام أخته ثم أكملت “فيها ايه لما أعتبر نورسين أختي الصغيرة وزي بنتي؟ فيها ايه لما أقف جنب بنت زيها على الأقل كام شهر ولا كام سنة لغاية ما أطمن عليها؟ هي مش نور دلوقتي يتيمة الأب والأم؟ بنت زي دي مش محتاجة رعاية وحد يوقف جنبها.. أنا فضلت أتخيل لو جوز مامتها كان عمل اللي كان عايز يعمله يا عالم كان مستقبلها هتغير ازاي، كان ممكن يبهدلها ويعمل فيها بلاوي، أنا زي ما يكون ربنا باعتني في الوقت المناسب عشان أعرف اللي بيحصل..” تريثت وهي تزيح دموعها بعيداً عن عيناها ثم نظرت لبدر الذي لم يستطع أن يتفوه بحرف 4
“أرجوك وافق.. وافق إنها تيجي تعيش معايا وجنبي في البيت.. أنا هتكفل بكل حاجة تخصها.. هساعدها تخرج من اللي هي فيه وتكمل تعليمها، حرام بنت زي دي وبالمستوى اللي عاشت فيه طول حياتها وبنت شاطرة زيها تتدمر وفجأة متلاقيش حد جنبها، عشان خاطري إن كنت بتحبني وافق” توسلت له ليوصد عيناه في غضب وصر أسنانه في عصبية
“اعملي اللي أنتي عايزاه.. بس خدي بالك إنها هتعيش في نفس البيت مع شاب عايز يتجوزها.. ” بالكاد تحدث بين أسنانه المتلاحمة غضباً6
“متقلقش يا حبيبي، وبعدين احنا في بيت طويل عريض، ماما وهديل وجوزي وجوزها وأنت والناس اللي بتساعدنا، يعني مش هيفضلوا لوحدهم أبداً.. وأنا هاخد بالي منها كويس”2
“وتفتكري ماما وهديل هيوافقوا بسهولة؟”
“سيبك من هديل ما دام أنت وافقت وماما طبعاً أنت فاهم هتتعاطف معاها ازاي، أنت بالذات عارف إنها مرت بحاجة شبه كده و…”1
“أرجوكي متفكرنيش.. بلاش يا شاهندة” نهاها قاطعاً ناظراً لها في لوم امتزج بغضبه لتتدارك ما قاربت من قوله5
“أنا آسفة يا بدر والله ما أقصد” صاحت في حزن وهي تتلمس ذراعه في ود أخوي
“أنا رايح أخلص الإجراءات..” أخبرها بإقتضاب ثم غادر في ثوان وملامحه يعتريها الآلم
“ياربي بقا.. أنا مكنتش أقصد حاجة.. ربنا يستر وميضايقش مني!” تمتمت لنفسها ثم توجهت داخل غرفة نورسين لتجمع ملابسها التي آتت بها وبدأت في الاستعداد للمغادرة.
فتحت عيناها وهي تشعر بآلم يهشم رأسها لتتعجب من ذلك المكان الذي تواجدت به الذي كان مختلف عن المشفى أمس وشعرت بالخوف الشديد ما أن تذكرت كل شيء حدث معها
فتحت عيناها وهي تشعر بآلم يهشم رأسها لتتعجب من ذلك المكان الذي تواجدت به الذي كان مختلف عن المشفى أمس وشعرت بالخوف الشديد ما أن تذكرت كل شيء حدث معها..
بنفس الوقت لمحت شاهندة على أريكة أمام السرير ليزداد تعجبها وودت لو أن تتحدث وتناديها لتستفسر عن ذلك المكان التي هي به ولكن وكأن الكلمات لا تريد الخروج من حلقها وكأنما عُقد لسانها أو شُل تماماً عن الحركة.3
تذكرت موت والدتها وما فعله معها يُسري لتتهاوى دموعها في صمت ولم تستطع التحرك ولم يدل على الحياة بها سوى حركات جفنيها البطيئة ودموعها التي تتساقط دون توقف.
لا تعلم متى دلفت تلك الممرضة التي يبدو وكأنها تفحصها وتتفقد ذلك الشيء الموضوع بيدها، ألهذا الحد هي مريضة؟؟ أستفسر عقلها وهي لا تتوقف عن البكاء بينما لاحظت شاهندة تتوقف بالقرب منها وتحدث الممرضة
“طمنيني هي كويسة؟”
“بقت أحسن يا مدام بس لسه موضوع الضغط زي ما هو، منخفض جداً وضربات قلبها ضعيفة.. لازم تبتدي تاكل وتتغذى كويس، مش كفاية المحلول والفيتامينات.. وكده كده الدكتور جاي كمان ساعة وهيطمنا أكتر..”1
“متشكرة..”
“العفو.. بعد اذنك”
غادرت الممرضة لتتنهد شاهندة ثم جلست بالقرب من نورسين التي لازالت على نفس حالتها ولربما تشعر بأنها أسوأ خاصةً بعد ما حدث لها ليلة أمس.
“عارفة بقا انا مش هينفع الـ Assistant بتاعتي الشاطرة واحلى واحدة في الشركة تبعد عني كتير وتسبني بالذات بعد ما لحقتيني قدام بدر وكنتي سبب اننا نعرف إن فيه غلط في الـ System، اوعي تفتكري إني هفرط فيكي بسهولة.. وبعدين أنا استحالة اسيبك بقا خلاص على كده قفلت، فأنا قررت إنك هتفضلي معايا هنا في البيت طول اليوم ومعايا في الشغل كمان.. ويكون في علمك هتخلصي جامعة بسرعة بسرعة عشان تيجي تلحقيني بقا في الشغل..” نظرت لها بعد أن حاولت بكل ما استطاعت أن تحدثها بنبرة مازحة ومتفائلة بينما لم يتغير تعبير وجهها فشعرت شاهندة بالآسى تجاهها فاقتربت منها لتجلس وتعانق رأسها لصدرها وقررت أن تحاول مرة ثانية وهي تربت على شعرها
“أنا متأكدة إنك سامعاني وفهماني، عايزاكي تركزي معايا وتفكري في كلامي كويس، تعرفي يا نورسين أنا عندي واحد وتلاتين سنة، أنا وحمزة حبينا بعض من أيام الجامعة، واتجوزنا أول ما اتخرجنا على طول، وبعد سنتين أتأكدت إني استحالة أكون أم، مفيش أي حلول نفعت معايا.. أفتكرت إن دي نهاية الدنيا وإن لازم اسيب حمزة عشان مش ذنبه يتحرم من الأطفال وفي نفس الوقت بابا مات.. كنت متدمرة ساعتها واللي بهدل الدننيا خالص إن الشركة بتاعتنا وقعت وكان شغلنا كله هيضيع وشبه هنفلس، كان لازم ساعتها أفوق وسط كل ده وأتحمل المسئولية مع ماما وبدر..
أنا باحكيلك كل ده عشان تعرفي إن مش كل حاجة وحشة بتحصلنا نسيبها تأثر علينا، بالعكس، بتخلينا أقوى، وهو ده اللي أنا محتجاه منك، محتجاكي تفوقي، مش بقولك إن كل اللي حصلك كان سهل، لأ أنا حاسة اوي بيكي وعارفة إن الموضوع صعب، بس لازم تقومي تاني وتبقي اقوى، لازم تعلمي جوز مامتك الأدب، لازم يشوفك ناجحة في حياتك.. واوعي تخافي لأني هفضل جنبك، يسري مش هيقدر يلمس شعرة منك.. محدش هيقدر يقربلك طول ما أنا في ضهرك..
خدي كل الوقت اللي هتحتاجيه، اسكتي وعيطي وصرخي، بس مستنياكي تقومي تاني عشان تكوني اقوى وتعرفي توقفي على رجليكي كويس.. اعتبريني أختك الكبيرة.. مامتك الصغيرة.. صاحبتك حتى بس اللي عايزاكي تتأكدي منه إني مش هاسيبك لوحدك أبداً” قبلت رأسها لتشعر بتنهيدتها لتلين شفتاها في شبح ابتسامة فلربما فهمت كل ما أخبرتها بها واستعابته جيداً.8
ستعطيها كل الوقت الذي تريده، ستقف بجانبها مهما كان، لن تدعها أبداً لحالة اليأس تلك لتتغلب عليها.2
“مين البنت دي يا شاهي؟ وايه اللي حصل وازاي تجبيها البيت من غير ما تفهميني اللي حصل؟” تسائلت والدتها مستفسرة ولكن دون إنفعال أو عصبية
“مين البنت دي يا شاهي؟ وايه اللي حصل وازاي تجبيها البيت من غير ما تفهميني اللي حصل؟” تسائلت والدتها مستفسرة ولكن دون إنفعال أو عصبية
“هحكيلك يا ماما كل حاجة بس حاولي تراعي أنا عملت كده ليه..” آخذت تقص عليها كل شيء حدث منذ أن قابلت نورسين بالشركة إلي ما حدث معها وأضطرت إلي أن تحضرها معها للمنزل حتى تحميها من يُسري ومما قد يفعله معها..
لم تخفي عنها الحقيقة مثلما فعلت مع بدر الدين، تأكدت أن والدتها ستسطيع فهمها ومراعاة هذا على عكس بدر فربما قد تزداد ريبته تجاه نورسين وربما لن يتقبلها أبداً.
“يا عيني يا شاهي.. كل ده وكنتي لوحدك؟ طب ليه مكلمتنيش كنت قدرت أتصرف؟” زفرت والدتها في آسى 1
“وكمان يا ماما الأكبر إني غصب عني وأنا بحاول أقنع بدر امبارح فكرته دخل بيتنا ازاي وعاملتيه ازاي! أنا خايفة يكون زعلان مني”9
“يا نهار أبيض، كده بردو؟ إزاي متخديش بالك..”
“غصب عني يا ماما”
“عموماً متقلقيش، بدر دماغه كبيرة وهو بيحبك اوي وانتي اقرب واحدة ليه في اخواته، الموضوع هيعدي متقلقيش.. بس إيه حكاية زياد ونور؟”1
“مش عارفة.. أنا متأكدة بنسبة كبيرة إن زياد مش عارف هو عايز ايه ولا بيعمل ايه، ده حتى امبارح سابها في المستشفى وراح لصحابه”
“ممممم.. بردو زياد عشان صغير ومتدلع ممكن يكون مجرد إعجاب إنما مش لدرجة الجواز”2
“أنا كمان حاسة كده، ولو على الإعجاب أنا شخصياً أعجبت بيها.. دي زي القمر مش ممكن بجد فيه كده”
“لا ده أنا أقوم أشوف بقا بنفسي”
“اه يا ماما لازم تبتدي تتعرف على اللي في البيت ونحاول نخرجها من mood الزعل ده شوية”
“يا حبيبتي لسه بردو صُغيرة على كل ده.. بتفكرني بهديل لما صابر مات” أماءت شاهندة بالموافقة وشردت للحظة
“بس بردو هديل شخصية ونور حاجة تانية”2
“طب يالا بينا نقوم نشوفها..”
“يالا”
“يالا”
“صباح الخير يا أمي” صاح بدر الدين بعد انتظاره لأن تحضر والدته وشاهندة مثلما تعود كل صباح بأن يأتي ويتناول الإفطار مع عائلته
“صباح النور يا حبيبي..” اجابته والدته
“صباح النور يا بدر” وكذلك فعلت شاهندة
“فينكو.. ملقتش غير كريم وهديل” تعجب فيه هدوء
“معلش كنا بنطمن على نور” اجابته شاهندة بينما نظرا هديل وكريم لبعضهما البعض في استغراب
“نور مين؟” صاحت هديل بينما سحق بدر الدين أسنانه غاضباً أما كريم فهو خمن من هي، تمنى أنها هي نفس الفتاة التي قابلها البارحة، فهو منذ اجتماع أمس يحاول جاهداً أن يجد الطريقة ليبدأ معها بالكلام ولكن لم يجدها بالشركة أمس، فقرر الصمت حتى يتبين كل ما حدث لها.10
“دي زميلة زياد والـ Assistant بتاعتي اللي جاية تدريب.. مامتها اتوفت امبارح وجاتلها حالة صدمة.. وهي وحيدة فمحبتش اسيبها لوحدها..” اجابتها شاهندة وهي تحاول أن تختصر قدر لإمكان
“وكنتو بتطمنو عليها في المستشفى كده الصبح بدري؟” عقدت هديل حاجباها في تعجب
“لا لأ.. دي فوق في الأوضة اللي كانت فاضية جنب اوضتي أنا وحمزة.. حالتها صعبة اوي ومكانش ينفع اسيبها لوحدها”
“يا سلام يا شاهي.. وهي عشان صعبانة عليكي تدخليها بيتنا بالسهولة دي؟” تركت هديل الطعام لتنظر لأختها بغضب وتحفز 3
“خلاص يا هديل.. سيبي شاهي براحتها.. وعموماً البيت لسه بيتي وأنا معنديش مانع”
“بس يا مامي”
“قولت خلاص!!” صاحت والدتها بلهجة قاطعة لا تقبل النقاش لتغضب هديل وتنهض مغادرة بينم زمت شاهندة شفتاها في ملل فهي تعرف كيف هي أختها.
“حمزة فين؟!” سأل بدر لتجيبه أخته
“لسه نايم، هيروح الشغل بس متأخر شوية.. أنت عارف إنه رجع بعد الفجر من اجتماع اسكندرية وجه نام على طول”
“اه صح أنا نسيت.. وزياد؟” سأل مجدداً لتجيبه نجوى هذه المرة
“رجع متأخر ولسه نايم” تفقد ساعته ثم أماء ونهض من على المائدة
“هو ده اللي هيبقى راجل وهيتدرب معانا.. متبقوش بس تزعلوا من عصبيتي عليه.. أنا ماشي..”1
“بس يا بـ..”
“هتيجي يا شاهندة ولا عشان زفتة هانم ناوية على اجازة؟” قاطعها قبل أن تعطيه اعذار واهية
“أنا هشتغل من البيت وأنت عارف اني مبعملهاش غير للشديد القوي” اماء في تهكم ثم غادر دون حديث لتنظر شاهندة لوالدتها نظرات حزينة وتتنهد هي الأخرى بآسى. أما عن كريم فأكمل طعامه بمنتهى التلقائية وهو يُفكر ما الذي جعل شاهندة تأتي بها للمنزل، لابد وأن هناك شيئاً ما تخبأه.6
كتمت نحيبها وهي لا تُصدق كل ما عانته طوال تلك الأيام المنصرمة
كتمت نحيبها وهي لا تُصدق كل ما عانته طوال تلك الأيام المنصرمة.. وكأن موت والدتها كان هو الشيء الوحيد الذي كشف حقيقة زوجها.. وكأنها كانت لا تعرف أن بموت والدتها ستنكسر بتلك الطريقة.. لم تكن تتخيل بيوم ما أن والدتها ستتركها في ثوان دون أي مقدمات.
بالرغم من تلك الرعاية الشديدة التي تتلقاها من شاهندة ونجوى وكل وسائل الراحة التي تتوفر لها بهذا المنزل إلا أنها لا تعرف إلي أين تذهب بعد أن تكن بخير؟ تأكدت أنها لن تستطيع العودة لمنزلها! لم تعرف يوماً ما معنى الأمان إلا أسفل سقف ذلك المنزل الذي منذ سنواتها الأولى قد عاشت به، كل ذكرياتها تملكها هناك، لا تعرف أي وصف للأمان غير ذاك المنزل.. لا تستطيع إدراك أن كل حياتها أنتهت للتو، كلما تتذكر كلماته التي بدت كتهديد واضح لها تدخل في نوبة بكاء مجدداً لمجرد أنها لن تستطيع العودة لذلك المنزل مرة أخرى.
“حرام عليك أنت ليه بتعمل فيا كده” تمتمت داخل نفسها وشردت في ضعف وحزن.
بعد فترة من استرجاع كل أحداث تلك الأيام تعجبت بينها وبين نفسها لماذا لا تجد الإهتمام الذي توقعته من زياد؟ كان يأتى يومياً بالبداية ليطمئن على حالتها ربما لدقيقتان أو ثلاثة ثم يغادر، أما آخر ثلاثة أيام فهي لم تراه أبداً!! سألت أيضاً نفسها أين هي مريم صديقتها وهل يا تُرى عرفت أن والدتها توفت؟!2
وقعت في حيرة من أمرها بينما في نفس اللحظة دخلت عليها شاهندة وهي تحدث جلبة وكالعادة بإبتسامتها الواسعة المفعمة بالحيوية توجهت نحوها وأمسكت بيدها لتنظر لها نورسين في تعجب لتتحدث شاهندة “يالا يا نور اجازتك خلصت.. كفاية عليا اسبوعين بشتغل من غيرك.. ويكون في علمك احنا نازلين حالاً عشان نعمل Shopping ولازم اخد رأيك، وعلى فكرة بقا أنا أشطر مديرة مشتريات في الدنيا.. يعني مبقبلش الرفض أبداً!! يالا عشان نلبس وننزل وأوعدك إنه هيبقا من أحلى الأيام في حياتك!”
جذبت يدها لتنهض معها رغماً عنها وملامحها ليست مستاءة خاصةً وأنها بدأت في التحسن قليلاً، أحيانا تبتسم بخفة لشاهندة ونجوى ولكنها لا تستطيع الحديث بعد.
توجهتا سوياً لأحدى المراكز التجارية العملاقة بعد أن أعارتها شاهندة احدى ملابسها وقضتا اليوم بأكمله تجوبان بين المحلات التجارية العالمية ذائعة الصيت ولم تشتري شاهندة الكثير لنفسها بل كل تركيزها كان على نورسين ولم تتوقف عن المزاح معها وإطراءها بالكلمات كلما ارتدت ما يناسبها.
تناولا الغداء سوياً بأحدى المطاعم ولم تتوقف شاهندة عن التحدث بالكثير والكثير من الأمور عن زوجها وعملها وعائلتها وآخذت تقص عليها العديد من الطرفات التي تحدث لها لتجد نفسها تبتسم رغماً عنها بل وبدأت في أن تشير لها بعض الإشارات البسيطة ولم تضغط عليها شاهندة في أن تتحدث لها بل بالعكس تصرفت وكأنما ليس بها شيئاً على الإطلاق.
عادتا للمنزل وقد أخبرت شاهندة احدى العاملين أن يحمل الحقائب الكثيرة من السيارة لغرفة نورسين ولغرفتها ثم توجهتا للأعلى فوراً حين لم تجدا أي أحد بالمنزل سوى العاملين به فقط.
دلفت غرفتها ولا زالت شاهندة بجانبها لتقع عينا كلتاهما على بدر الدين الذي كان يجوب غرفة نورسين كالأسد الهائج بعرينه وما إن تقابلت زرقاوتاها بسواد عيناه المخيفتان حتى أخفضت رأسها متحاشية النظر إليه..
“طبعاً.. حضرتك مش في البيت، وموبايلك أكلمك عليه مليون مرة مبترديش قولت اكيد مع زفتة هانم!!” رفعت نورسين نظرها له وهي تعلم جيداً أنه يقصدها بينما نظرت له أخته في دهشة2
“أنا آسفة يا بدر.. أكيد مسمعتش غصب عني”
“أكيد، ماهو من ساعة ما البتاعة ديه ما دخلت حياتنا وأنتي مبقتيش شايفة غيرها.. حتى شغلك مبقتيش مركزة فيه” صرخ في غضب بينما شعرت نورسين بأنها على مشارف البكاء ونظرت للأرض
“لو سمحت.. مسمحلكش يا بدر تقولي إني مقصرة أبداً!! انا بقالي خمس ساعات برا!! خمس ساعات بس.. خمس ساعات من سنين كتيرة كنت صاحية نايمة في الشغل، ايه بقا المستعجل اوي ومش عارف تجيبه غير مني؟!”
“افتحي الـ Email بتاعك وانتي تعرفي.. عشان مش بدر الدين اللي يتكسف قدام عميل جديد بسبب إن مديرة المشتريات عندي مش فاضية!!” صرخ بها بينما عقدت حاجباها وغادرت لتتفحص حاسوبها.
وجد نفسه واقفاً معها بنفس الغرفة.. ينظر لها.. يحاول أن يبحث على تلك الزرقة التي شابهت المحيط ويبحر فيهما إلي الأبد، ولكن غضبه أعماه.. غضبه من أخته وغضبه تجاه نفسه بسبب تلهفه ذلك على تلك الفتاة الصغيرة.. كره كم تحكمت في زياد وبعده شاهندة ثم والدته وبالنهاية يأتي هو ليبقا الأسبوعان الماضيان بأكملهما لا يفكر غير بسواها ويحاول معرفة كل شيء عنها.2
“وأنتي” صاح بغضب مقترباً منها قابضاً على كلتا ذراعيها لتوجل هي منه وتنظر له من المفاجأة ليعتريها الخوف من تلك النظرة الثاقبة بعيناه “اوعي تكوني فاكرة ان شوية التمثيل اللي دخلو على أمي وأختي وزياد دخلوا عليا.. ولا جو الدراما اللي عاملاه ده أنا مصدقه.. أنا لولا شاهندة كنت رميتك تاني مطرح ما جيتي.. ومتفتكريش إني قابل ده.. بكرة كل خططك القذرة واللعبة اللي بتلعبيها هتبان للكل.. صبرك عليا بس وأنا هوريكي وهكشفك قدامهم” صرخ بوجهها لتنهمر دموعها وهو يحدثها بتلك الطريقة الفظة بينما لم تدري لماذا يفعل كل ذلك
“ايوة ايوة مثلي ونزلي الدمعتين عشان يشوفوكي وانتي بتعيطي وتصعبي عليهم اوي.. إنما أنا لأ، أنا فاهمك وفاهم كل اللي بتعمليه كويس.. وفي يوم من الأيام هرجعك تاني لجوز أمك اللي أخدتيه حجة عشان تدخلي بيتنا.. بس مش هتمشي من هنا إلا وكل اللي واقفين جنبك دول كارهينك ومش طايقين يبصوا في وشك” صرخ بها مجدداً لتتحول دموعها لنحيب وشهقات متتالية 3
“لا غلبانة اوي وصعبتي عليا.. بس اوعي تفتكري إن بدر الخولي بيضحك عليه من عيلة لا راحت ولا جت.. ويكون في علمك العيشة اللي انتي عيشاها دي قريب هتختفي.. متتعوديش يا شاطرة على حاجة مش بتاعتك كلها يومين وهترجعيله تاني وتغوري في ستين داهيـ..”
“حرام عليك أنت بتعمل فيا كده ليه؟ أنا عملتلك ايه عشان تعمل فيا كل ده؟!” صرخت بوجهه بين بكائها لتستمع شاهندة لصوتهما وتتعجب أنها بالنهاية وأخيراً نطقت.
دلفت لتباعد بينهما وهي في قمة غضبها وبنفس الوقت مندهشة أن نورسين استطاعت التحدث.
“ايه يا بدر حرام عليك اللي بتعمله.. البنت تعبانة مش كده”
“ايوة ايوة.. واضح انها عرفت تضحك عليكي.. إنما اهي زي القردة وبتتكلم! عرفتي انكم كلكم مضحوك عليكو؟ بكرة تعرفي إني صح..”
“لو سمحت يا بدر سيبنا لوحدنا شوية، وأنا رديت على اللي أنت عايزه في الـ email”
“بعد ايه؟! بعد ما خليتي شكلي زفت قدام الناس بسبب الزفتة دي؟!”
“قولتلك يا بدر اخرج وسبنا دلوقتي!” صرخت بوجهه وهي لا تعلم لماذا يتحفز ويغضب كلما كان بجانب نورسين بهذا الشكل المبالغ فيه لتسمع طرقات على الباب بنفس الوقت ليتضح أنها احد العاملين بالمنزل “خير يا زينب فيه ايه؟!” صاحت بإنفعال
“واحد تحت عايز حضرتك وبيقول إن اسمه يُسري راتب!” صُدمت شاهندة عندما سمعت اسمه بينما انكمشت نورسين خلفها في رعب تام ليصيح بدر بلكنة متهكمة
“اهو.. اتفضلي، بيتنا خلاص بقا مفتوح لكل من هب ودب..” ازدردت شاهندة وتوترت للغاية وهي لا تدري كيف ستواجهه وما الذي ستخبره به خاصةً وأنها أخفت الحقيقة عن بدر، وهل سيساعدها في الوقوف أمامه أم سيتركها وحدها لتواجهه؟!
البارت السادس

“نور.. خليكي هنا ومتتحركيش!!” آمرتها خوفاً عليها من رؤية يُسري الآن فقد يحدث مالا يُحمد عقباه.. تنهدت بعد أن اتخذت قرارها بأنها ستفعل كل ما بوسعها حتى تتخلص من ذلك الرجل..
ارتدت وجه الشجاعة خاصتها ثم توجهت للأسفل دون حتى أن تطالب بدر الدين بأن يذهب معها لينظر بدر لنورسين في سخرية بينما قتلتها هي تلك النظرات التي لطالما شعرت بعدها وكأنما روحها أُخترقت وأقترب منها بينما هي نظرت للأرضية حتى لا تحدق أكثر بعيناه
“خليكي هنا ومتتحركيش” همس بصوته الرخيم متهكماً مُكرراً كلمات شاهندة “بس بكرة هرميكي عنده بنفسي وارجعك مكان ما جيتي بنفسي” همس لها لتتجمع الدموع بعيناها دون أن تقابله بهما ولكنه كره تلك الدموع التي تستطيع ذرفها بسهولة وتخدع بها الجميع.2
توجه خارج الغرفة ليتبع أخته بعدما رمقها بنظرات الحقد والكره، أكانت كراهية؟ أم انزعاج لملامحها الخائفة وبكائها الذي شعر منذ الوهلة لأولى أنها كلما بكت أمامه تصاعدت وتيرة ضربات قلبه.. تريث للحظة حتى يعاود انضباطه وهو ممتلئ غضباً وتسائل بنفسه لماذا يحدث له ذلك كلما رآها؟!
“نور مش هتخرج برا البيت ده.. مش هتروح معاك في حتة.. بعد اللي شوفته منك في المستشفى استحالة اخليك تقرب منها!” صاحت شاهندة بنبرة قاطعة ورافضة تماماً بينما سمعها بدر الدين الذي دلف لتوه وأصبح قادراً على رؤيتهما.
“نور دي بنتي وأنا اللي مربيها.. يعني ايه بتمنعيني تكون معـ..”3
“متقولش بنتك.. واتفضل امشي اطلع برا” قاطعته بإنفعال
“وأنا هبلغ عنكو وهرفع قضية وهقول إنكوا خاطفينها.. وبكرة تشوفي أنا هاعمل فيكوا ايه” صاح هو الآخر بإنفعال مهدداً ليبتسم بدر الدين متهكماً ثم توجه نحوه ووقف أمامه بطوله الفارع وظل يتفحصه بعيناه الثاقبتان بينما شاهندة كاد قلبها أن يتوقف من كثرة الخوف.. تمنت ألا يحدث شيئاً يجعله يكتشف الحقيقة.
“أنت تحترم نفسك، وأنت بتتكلم جوا البيت ده تتكلم بإحترام ولغاية دلوقتي أنا سايبك ومش عايز اطردك برا، وأعرف كويس إنك حتى لو رفعت قضية مش هتاخد مننا لا حق ولا باطل..” حدثه بهدوء نافى غضبه العارم الذي تملكه منذ دقيقتان ولا يدري هل تدخل من أجل أخته أم من أجل نورسين!
“يا سلام!! ايه الإإفترا ده.. ليه تحرموني من بنتي، بأي حق تاخدوها مني” صاح وهو يزيف كل حرف نطق به
“وأنت بقا واللي عملته معاها كان ايه؟ مكنش افترا..” نظر له بدر يتفحصه وهو يرى حقيقة ذلك الرجل واستطاع أن يتبين كذبه بسهولة، بينما شاهندة شعرت بالرعب وهو كاد أن يقترب من معرفة الحقيقة
“أنتو فهمتوا غلط.. أنا مكنتش بعملها حاجة.. أنا بس كنت بحاول أخـ..”1
“أطلع برا بيتي حالاً واياك تهوب من نور أو حد من ولادي” هنا دلفت نجوى بمنتهى التحفز “انصحك تبعد عن عيلة الخولي ونور.. واوعى تهوب من هنا مرة تانية.. زينب.. اندهي الحرس” تنفست شاهندة الصعداء بعد تدخل نجوى فهي الوحيدة من عرفت حقيقة الأمر.1
“فاكرين نفسكو ايه.. أنا مش هاسكت على كل ده.. وهاعرف ازاي اخد نور منكم.. بكرة تشوفوا” صاح بينما توقف حارسان خلفه وكادا أن يُمسكوا به بينما صاح “سيبوني أنا هاخرج لوحدي زي ما جيت.. ويكون في علمكم هنتقابل تاني وساعتها هاعرف اخد نور منكم ازاي..”
“خدوه” صاح بدر الدين وهو واقفاً بشموخ واضعاً يداه بجيبي بنطاله بغرور وما ان غادر حتى توجه لشاهندة “عاجبك؟ جيلنا واحد منعرفش هو مين وبيهددنا في بيتنا وكله بسبب زفتة هانم.. يارب تكوني مبسوطة” كادت أخته أن تجيبه ولكن تدخلت نجوى
“بدر لو سمحت.. متكلمهاش بالطريقة دي قدامي.. شاهندة مغلطتش لما حبت تساعد بنت صغيرة، أنا فاهمة وعارفة إنك خايف علينا من اي ناس غريبة.. لكن كده الموضوع زاد عن حده معاك.. ومالكش دعوة بالموضوع ده خالص طول ما أنا عايشة ولسه فيا الروح أنا مسئولة عن البنت دي” أخبرته بحزم لينظر لها بدر بآلم امتزج بغضبه
“أنا مش فاهم.. مش فاهم عملتلكوا ايه كلكوا عشان تدافعوا عنها اوي كده.. اعملوا اللي تعملوه وأنا غلطان” توجه للخارج مغادراً لتهرول شاهندة خلفه لتلحقه 2
“بدر استنى.. أنا مكنـ..”
“ابعدي عني الساعادي” صاح مقاطعاً اياها وهو بطريقه لتعاود هي ادراجها للداخل بينما أقتربت منها نجوى ونظرت لها ابنتها نظرة امتنان
“متخافيش.. محدش هيعرف حاجة عن اللي حصل في المستشفى.. وطول ما أنا جنبكم محدش هيقدر يأذيكم” عانقتها في حب بينما احتمت شاهندة بذلك الحضن الدافئ ولكن لم تلاحظ أياً منهما كريم الذي استمع لكل شيء وابتسم بخبث
“كنت حاسس بردو إن فيه حاجة!! بكرة هاعرف كل حاجة..” همس بخفوت متمتماً ثم وضع يداه بجيباه ومشى يدندن بشيء ما.3
“أنا امي تكلمني كده عشان حتة الزفتة دي؟!” صاح متحدثاً لنفسه “ماشي، أنا هوريكي” صاح ثم بعث برسالة نصية لأحد ما وآخذ يقود كالمجنون تماماً عائداً لمنزله
“أنا امي تكلمني كده عشان حتة الزفتة دي؟!” صاح متحدثاً لنفسه “ماشي، أنا هوريكي” صاح ثم بعث برسالة نصية لأحد ما وآخذ يقود كالمجنون تماماً عائداً لمنزله.
ترك سيارته بالباحة الأمامية ثم توجه دالفاً منزله بمنتهى الغضب وهو يخلع سترته ملقياً اياها أرضاً وخلع ربطة عنقه واضعاً اياها بجيب بنطاله الخلفي وتوجه لمكتبه..
أشعل حاسوبه وهو يعيد كل ما توصل له من معلومات عن تلك الفتاة وعائلتها.. مستواها المعيشي ليس مثل عائلته ولكنه لا يستطيع أن يقول أنها فقيرة، بينما تلك الشركة التي يملكها يُسري تبدو وكأنها ستُفلس حتماً، فوضعها المادي ليس بجيد نهائياً!! إذن لماذا آتت من اللا شيء لتدخل حياتهم هكذا فجأة.
اخرج احدى سجائره مدخناً اياها وتوجه لبار مكتبه ليسكب بعضاً من الويسكي بكأسه وتجرعه مرة واحدة ليتمتم لنفسه “هاعرف انتي وراكي ايه بالظبط.. ويوم ما توقعي تحت ايدي مش هارحمك” ابتسم متهكماً توجه لغرفته ومنها إلي ذلك الباب السري الذي لا يعلمه غيره ليهبط درجاً في الظلام الدامس ذلك ثم أشعل الأضواء الخافتة ليرى تلك العاهرة التي أرسل لها برسالة منذ ساعة. 2
نظر لجسدها العاري وجلستها وانتظارها له المليء بالخضوع ليبتسم وازداد سواد عيناه ثم تحدث بهدوء “كويس إنك متأخرتيش وإلا أنتي عارفة كان هيحصلك له” توسعت ابتسامته ثم توجه نحوها جاذباً اياه من شعرها لتنهض أمامه “مدي ايدك” آمرها لتفعل فأخرج ربطة عنقه ليقيد يداها ودفعها حتى سقطت أرضاً وبدأ في خلع حزامه الجلدي ثم ثناه على يداه لتبدأ انفاسه في التثاقل وازداد لمعان سودواتاه.14
نظر لجسدها العاري وجلستها وانتظارها له المليء بالخضوع ليبتسم وازداد سواد عيناه ثم تحدث بهدوء “كويس إنك متأخرتيش وإلا أنتي عارفة كان هيحصلك له” توسعت ابتسامته ثم توجه نحوها جاذباً اياه من شعرها لتنهض أمامه “مدي ايدك” آمرها لتفعل فأخرج ربطة عنقه ليق…
“أنا خايفة.. خايفة أوي يا شاهي..” همست وهي تبكي لتعانقها شاهندة
“متخافيش.. مش هيقدر يهوب ناحيتك” فرقا عناقهما لتنظر لها شاهندة مضيقة عيناها “ايه بقا! كان لازم خناقة مع بدر عشان اسمع صوتك الحلو ده تاني”
“أنا مش عارفة ازاي ده حصل” اجابت في ثوان وهي تتذكر ما حدث لها معه منذ قليل “زي ما يكون لساني نطق لوحده من غيرما اتحكم فيه” ابتلعت ثم عضت على شفتاها “هو ليه دايماً بيكرهني؟ ليه دايماً فاهمني غلط؟!” 2
“سيبك من بدر، ده مقتنع دايماً بنظرية المؤامرة.. متحطيهوش في دماغك.. بس هو والله طيب جداً” ابتسمت نورسين بإقتضاب على كلمات شاهندة 5
“اوي.. بالذات وهو عامل فيها ملك الكون!!” صاحت نورسين وبرقت زرقاواتها وهزت رأسها في تهكم لتضحك شاهندة على ملامح وجهها ولم تستطع التوقف عن الضحك
“ملك الـ إيه؟” تحدثت بين ضحكاتها “يالهوي لو سمعك بتقولي عليه كده..” ظلت تضحك لتنفجر فجأة نورسين بالكلام
“مش طبيعي أبداً بوقفته وبصاته دي.. إنتي في إدارة ايه!! اأنا مش بسمح بالتهريج والهزار.. مش في مدرسة احنا..” نهضت لتقف مثله ثم ضيقت عيناها لتبدو مثل عيناه المخيفتان تلك وصاحت وهي تحاول تقليد نبرته الذكورية لتستمر شاهندة في الضحك
“يخرب عقلك.. ده أنتي طلعتي مسخرة” هدأت ضحكاتها وهي تنظر لها في ود بينما نظرت لها نورسين بتلك الأبحر المتسائلة بعيناها
“هو ليه دايماً كده جامد ومبيضحكش ولا يهزر”
“يااه دي قصص طويلة اوي بقا هاحكيلك بس تعالي الأول ناكل حاجة لحسن أنا واقعة من الجوع” 6
“أوك..”
توجهتا سوياً للمطبخ الذي وجدته نورسين عملاقاً للغاية، وبدا وكأنه احدى مطابخ مسابقات الطهي العالمية من كثرة تلك الأدوات المتواجدة به، بينما ذوق تلك المسطحات والجزيرة الضخمة به والأخشاب التي صنع منها كبائنه كان رفيعاً للغاية.
“ها بقا نفسك تاكلي ايه؟؟ أنا نفسي مش رايحة لغدا النهاردة اللي عملته زينب وعايزة آكل حاجة تانية.. ولعلمك أنا نيلة أساساً ومش بعرف أطبخ بس هحاول عشان خاطرك” أخبرتها شاهندة وهي تتفحص محتوى الثلاجة الضخمة “تاكلي اومليت وجبنة شيدر؟” التفتت لها بأعين متسائلة لتضحك نورسين
“لا بقا موضوع الطبخ ده سيبهولي.. وريني كده فيه ايه” نظرت لها شاهندة في دهشة وأفسحت لها المجال لتبدأ نورسين بالتحرك بحرية وتفقد محتويات المُبرد والثلاجة “بيكاتا فراخ بالمشروم والكريمة ورز بني!!” نظرت لشاهندة في تحفز 1
“لا ده أنتي الشيف نورسين واحنا مش واخدين بالنا بقا”
“ده أنا بعملها تحفة.. يالا بس ساعديني عشان مش عارفة مكان الحاجة طلعيلي الرز وقوليلي التوابل فين والحلل والطاسات وكده؟” أخبرتها بينما أمسكت بالمشروم بيدها وأخرجت الدجاج من المبرد وآخذتا تعدان الطعام سوياً بإشراف من نورسين وهما تضحكان وتتسامران سوياً
“ايه ده؟!” صاحت نجوى لتلتفتا كلتاهما على صوتها “بتعملوا ايه؟!” تصنعت الجدية
“حضرتك أنا كنت بـ..”
“لا متحاوليش.. كده انتي هتبوظيلي كل حاجة” قاطعتها في صرامة لتتوتر نورسين وهي تنظر لها بإحراج وكادت شاهندة أن تتحدث بينما سبقتها والدتها “الريحة حلوة اوي وهتخننوني بقا!! عاملين بزيادة؟” لمعت عينا نجوى وتوجهت نحوهما ليضحكن سوياً وآخذت ترص الأطباق معهما وأخرجت بعض العصير لتضعه على المائدة
“الله.. ايه الريحة الحلوة دي على بليل كده” انضم لهن حمزة الذي آتى بسبب تلك الرائحة الشهية “أنا كده مش هعرف أركز ولا أخلص شغل غير لما آكل من اللي بتعملوه ده” 1
“حماتك بتحبك يا حبيبي” صاحت شاهندة
“بتموت فيه” أضافت نجوى بينما بدأت نورسين في توزيع الطعام في الأطباق وساعدهن حمزة بسكب العصير في الكؤوس وجلسوا معاً ليتناولوا الطعام.
“بتموت فيه” أضافت نجوى بينما بدأت نورسين في توزيع الطعام في الأطباق وساعدهن حمزة بسكب العصير في الكؤوس وجلسوا معاً ليتناولوا الطعام
ازاح حبات العرق التي تدلت على عيناه ثم خلل شعره الفحمي وترك حزامه ليقع أرضاً بجانب حذاءه وهو ينظر لجسد تلك المرأة بعد أن أطلق العنان لكل ما بداخله لينعكس راسماً تلك اللوحة البديعة كما رآها ثم خلع قميصه ملقياً اياه أرضاً بجانبها وابتسم بتشفي وانتصار ثم تركها وصعد لغرفته مرة أخرى ومنها لحمام الغرفة الملحق بها.7
خرج ليرتدي ملابس غير رسمية فاختار قميصاً قطنياً رمادي اللون وبنطال جينز كحلي اللون وحذاء ضخماً أسود من ماركة Timberland العالمية وارتدى ملابسه ثم نثر عطره بمزاج مغايراً تماماً لمزاجه صباح اليوم وتناول مفاتيح احدى سياراته الرياضية وتوجه لمنزل عائلته.4
ظل يفكر بهدوء طوال الطريق كيف سيكشف مخطط تلك الفتاة الصغيرة التي تظن أنها ستستطيع أن تخدعه مثلما تفعل مع الجميع ولكن لا.. ليس معه هو.. ليس هو ذلك الرجل الذي ينخدع بتلك الدمعات الزائفة، بل هو من يصنع الدمعات الحقيقية.
ليس هو ذلك المراهق الذي قد تستحوذ على عقله فتاة لمجرد جمالها، بل هو من يحول ملامح الجميلات وإنحناءتهن لفوضى عارمة.
لم يكن يوماً ذلك الرجل الذي يُفرض عليه شيئاً لتأتي تلك الصغيرة وتُفرض عليه وجودها بحياته وحياة عائلته بأكملها.
سيريها من هو حقاً.. إذا كانت لا تزال مصممة على لعبتها السخيفة تلك، حسناً، فليلهو معها قليلاً ولكن ليس بمثل تلك الطريقة التي دخلت بها لحياتهم جميعاً “أنا هوريكي أنا غبي بقا ازاي” تمتم عندما تذكر ما قالته عند أول يوم رآها وهو يصف سيارته خارج منزل عائلته ثم توجه للداخل ليجد زينب بالبهو 4
“همَّ فين يا زينب؟”
“مدام هديل نايمة، وأستاذ كريم لسه مرجعش وأستاذ زياد لسه برا والباقي كله في المطبخ” عقد حاجباه في تعجب فهو لم يأتي يوماً ما ليجد عائلته بأكملها في المطبخ “حضرتك محتاج حاجة” اماء لها بالإنكاء لتومأ له هي في احترام بينما توجه حيث الجميع.
“بدر.. وبليل.. عندنا لأ أنا بحلم” صاحت نجوى بإبتسامة ليتسلل لأنفه رائحة الطعام الشهية وتذكر أنه لم يتناول سوى الإفطار
“ابن حلال.. تعالى الحقلك حبة لحسن الأكل قرب يخلص” صاحت شاهندة بينما نهضت لتعد له صحناً ثم ناولته اياه ليجلس معهم وهو يتحاشى النظر لنورسين
“شوف الدلع.. خليكي كده دلعي فيه” صاحت نجوي وهي تتناول الطعام
“مش أخويا حبيبي” صاحت شاهندة بإبتسامة ثم نظرت له ليبادلها بشبح ابتسامة ارتسمت على شفتاه وبدأ في تذوق الطعام الذي لم يتذوق مثله بحياته من قبل
“تسلم ايدك.. الأكل حلو اوي” أخبرها بدر لتتعجب نورسين لإستطاعته أن يتفوه بكلمة جيدة دون غضب أو تفكيراً بمؤامرة ما!!
ظل الجميع يتناولون الطعام ولم تتوقف الأحاديث الجانبية والضحكات بين شاهندة ونورسين ونجوى ليحاول بدر الدين تحاشيها تماماً بالرغم من تحرقه ليعرف ما الذي تتحدثن به.
“ياااه.. تسلم ايدك يا نور.. تعمليلنا أكل كل يوم بقا وسيبكوا من زينب خالص” صاح حمزة ثم أكمل “خلاص مش قادر اتنفس من كتر الأكل” أخبر الجميع بينما نهض ليضع صحنه بغسالة الأطباق بعد أن فرغ محتوياته ليتوقف بدر عن مضغ الطعام وترك شوكته وابتلع ما في فمه مُحدثا جلبة في عنقه بتحرك تفاحة آدم بها ثم نهض ليغادر.
“ايه يا بدر.. مش هاتكمل؟!” صاحت شاهندة وهو الذي لم يجلس سوى لدقيقتان فوجه ظهره مغادراً
“لا مش جعان” صاح مجيباً اياها بطريقه للخارج.4
“كريم الدمنهوري” مد يده ليصافحه وهو واقفاً على باب شقة كاميليا والدة نورسين
“كريم الدمنهوري” مد يده ليصافحه وهو واقفاً على باب شقة كاميليا والدة نورسين
“أنت تعرفني؟!” تعجب يسري ولم يبادله المصافحة
“هتعرفني حالاً.. أنا أكون جوز أخت شاهندة الخولي” ابتسم له في خبث وظل منتظراً مصافحته ودعوته للدخول “متقلقش أنا جي أساعدك إنك ترجع نور تاني وتكون معاك” صافحه يُسري بإقتضاب بينما دعاه للداخل 4
“اتفضل” ولج كريم المنزل لتجوب عيناه هنا وهناك بتفاصيله التي دلت على رُقي ذوق محتوياته
“أنا عارف إنهم رافضين إنها ترجع ليك.. بس لازم تحكيلي ايه اللي حصل عشان أقدر أساعدك.. أنا بردو أب وعارف يعني ايه أب يتحرم من بنته، لكن شاهندة وبدر عمرهم ما هيحسوا بالإحساس ده..” حاول أن يتظاهر بمساعدته اياه ولكن بالحقيقة هو أراد أن يعرف ما الذي حدث بالمشفى
“بدر مين؟” تسائل يُسري
“بدر الدين الخولي.. أخو شاهندة، اللي أنت قابلته النهاردة” اماء له يُسري في تفهم “ايه بقا اللي حصل عشان شاهندة تصمم انها متسيبش نور ترجع معاك؟” تسائل وهو ينظر له مضيقاً عيناه
“منها لله فهمت كل حاجة غلط.. كنت قاعد جنبها على سرير المستشفى و…” ظل يُحيك يُسري كذبة جديدة من نوعها وكم انهارت نورسين عندما ذكر والدتها أمامها، وحاول اقناعه أن كل ما اراده فقط هو احتضانها كابنته بينما تفهمت شاهندة الوضع بطريقة خاطئة تماماً.
” ظل يُحيك يُسري كذبة جديدة من نوعها وكم انهارت نورسين عندما ذكر والدتها أمامها، وحاول اقناعه أن كل ما اراده فقط هو احتضانها كابنته بينما تفهمت شاهندة الوضع بطريقة خاطئة تماماً
“الوقت اخدنا وادينا اهو مش هنلحق ننام ومش هنعرف نصحى للشغل بكرة” أخبرتها شاهندة
“طيب خلاص.. تصبحي على خير” تحدثت نورسين
“وانتي من أهله” قبلت جبينها ثم تركت غرفتها وتوجهت لخاصتها.
توجهت نورسين للشرفة لتستمتع بنسمة الهواء تلك في بداية أشهر الصيف الذي لطالما كرهته وتنهدت وهي تُفكر بكل ما حدث لها مؤخراً.
لولا وجود شاهندة بجانبها وعدم تركها اياها لما كانت لتتحسن أبداً، بل كانت لترى يُسري على حقيقته البشعة الذي هو عليها.
لبرهة تذكرت عدم وجود زياد الذي تعجبت له، ولكنها نفضت هذا الفكر من رأسها، فلماذا عليها أن تتعجب؟ هو دائماً ما يظهر فجأة ويختفي بالأيام فجأة، ولكن نوعاً ما هو السبب في إنقاذها من شر ذلك الكريه الذي أدعى حب والدتها وحبها كأبنته وهو بعيداً كل البعد عن هذا الإدعاء.
تذكرت أيضاً معاملة بدر الدين الجافة لها، كلماته واتهامه الدائم لها، لماذا عليه أن يظن دائماً أنها تخدع الجميع؟!! تعجبت لطريقته الجامدة الخالية من الحياة وكأنه آلة للعمل والغضب ليس إلا، كما أنها تذكرت أنها سألت شاهندة لماذا هو كذلك دائماً ولكن لم يكملا حديثهما!!
“بس اتجنن لما عرف إن أنا اللي عملت الأكل” تمتمت مبتسمة ورفعت احدى حاجباها لتتذكر كيف بدا الليلة فتنهدت وقضمت على شفتاها وغرقت في تذكر صورته التي أختلفت تماماً عن تلك البزات الرسمية وربطات العنق خاصته اللانهائية وكأنما لديه مصنعاً ما لينتج له تلك الربطات.
لقد بدا شاباً بالرغم من تناثر تلك الشعرات البيضاء بمنتصف ذقنه، وجسده بدا رياضياً للغاية بذراعاه القويتان وعنقه العريضة التي ارتجفت عندما شاهدت تفاحة آدم تتحرك بها بتلك الطريقة عندما ابتلع طعامه ليبدو وكأنه صبي بالعشرينات من عمره، أحبت ذلك المظهر كثيراً لتبتسم ثم أدركت ما تُفكر به لتهز رأسها فجأة لتنفض ذلك التفكير بعيداً.1
تناولت رداءاً طويلاً سماوي فهي لا تشعر بالراحة بالخروج خارج غرفتها بمثل تلك الملابس القصيرة التي ابتاعتها لها شاهندة ثم أحكمت ربطه حول خصرها وتوجهت للمطبخ لتسكب كوباً من اللبن ثم توجهت لحديقة المنزل للإستمتاع بذلك الجو في مثل هذه الساعة.
بدأت في السير وهي تحتسي من كوبها لتتوقف موصدة عيناها أسفل شجرة وآخذت في الإستمتاع بذلك النسيم العليل ليلاحظها بدر الدين من بعيد، فوصد حاسوبه ونهض متوجهاً نحوها دون إدراك منه لما يفعله ثم توقف أمامها بهدو واضعاً يداه بجيباه وظل ناظراً لها في صمت يتفقد ملامح وجهها لتتناول هي مجدداً من الكوب وترك اللبن آثاره أعلى شفتها كرزية اللون ليضحك هو دون أن يدرك.
فتحت عيناها بصدمة على صوت ضحكته التي توقفت وتحولت لإبتسامة على شفتاه وعندما قابلت زرقاوتاها عيناه السوداوتان وشعرت بقصر قامتها أما طوله الفارع عقدت حاجبيها في دهشة “أنت بتضحك على ايه؟” صاحت متعجبة ثم مررت ظهر يدها أعلى شفتيها بطفولة
“مالكيش دعوة واحد في بيته وبيضحك براحته”
“هه هه” أصدرت صوتاً لتقلده ليعبس وجهه ويتحول مجدداً للجمود الذي عهدته دائماً وظهرت عقدة حاجباه مرة أخرى
“امشي اطلعي فوق واياكي المحك في مكان أنا فيه..” آمرها بصوت هادئ لتحلق حاجباها في دهشة
“لا بقولك ايه بقا، أنا مش فاهمة انت بتكرهني كده ليه، بس شاهي وماما نجوى موافقين إني أكون في البيت وهاعمل اللي أنا عايزاه مادام مبضايقش حد”
“ماما نجوى!!” اقتبس كلماتها في تهكم “طب منظرك بيضايقني، شكلك كله على بعضه بينرفزني!! امشي من وشي الساعادي” 4
“يا سلام!” عقبت على كلماته في تحفز ثم تجرعت باقي كوب اللبن ومسحت فوق شفاهها ليتابعها بدر بعيناه الثاقبتان ليرى تلك الطريقة التي تفرقت بها شفاهها عندما لامستها ليجدها تهبط لتضع الكوب أرضاً ثم عقدت ذراعيها في تحفز “لما أنت مضايق مني ومتنرفز اوي بص بعيد عني.. متجيش تقف قدامي وتقولي امشي.. محبكتش الحتة اللي أنا فيها” تثاقلت أنفاسها وآخذ ثدييها المكتنزان في الصعود والهبوط بين ذراعيها ليسحق هو أسنانه لكتلة الإثارة التي اندلعت به 2
“لا بقولك ايه.. تعرفي مقامك وأنتـ..”
“رأى الحوووووووب سوووكاااارى.. سوكااااارى زيي أنا” قاطع جدالهما ذلك الصوت لينظرا بنفس اللحظة لمصدره ليرى كلاً منهما زياد يترنح فتوجها نحوه على الفور “سكااارى .. رأى .. الحوووب زيي أنا تيرا را را، ههههههه” تعالى صوت قهقهاته لينظر له بدر غاضباً بينما رفع زياد رأسه في صعوبة وما إن لاحظ بدر أخيه “هشششش” وضع سبابته على شفتاه “بدر أخويا هيتعصب وهيخلي ليلتي سوداا” تحدث هامساً ثم قهقه مجدداً ليدرك كلاهما أنه ثمل بشدة.3
أسنده بدر الدين وتوجه معه لغرفته بالأعلى بينما دفعه حتى حمام غرفته ومنها إلى حوض الإستحمام وفتح المياة لتنساب على رأسه وملابسه بعد أن أخرج ما بجيوبه ولكنه وبالرغم من مساعدته اياه غضب منه كثيراً.
غادر بدر الدين للغرفة وهو يسحق أسنانه بعد أن تأكد من استفاقته “بدر.. أنا.. غصب عني.. كنت..” تلعثم ليزداد غضب بدر الدين الذي رمقه بإحتقار ثم ذهب خارجاً.
عاد مرة أُخرى ليُكمل عمله وهو بالكاد يحاول أن يسيطر على غضبه ليرفع عيناه ليلاحظ كلاً من كريم ونورسين يتحدثان سوياً..
دقق النظر مرة أخرى ليرى كريم فجأة مد يده لوجه نورسين ثم بنفس الحظة نظرت نورسين حولها لتلمح بدر الدين الذي كادت أن تُقسم أنها شعرت بعيناه الثاقبتان يتخللاها حتى بالرغم من تلك المسافة بينهما.
سحق أسنانه لذلك المنظر وتجدد ذلك الشك بداخله وازدادت ريبته من تلك الفتاة وظلا ناظران لبعضهما البعض حتى غادرها كريم وابتلعت هي بعد أن شعرت بالتوتر من الموقف فهي حقاً لم تعرف ما الذي أزاله كريم من على وجهها وماذا قال بعدها!
نهض هو يتوجه نحوها لتحمحم هي وفرت مسرعة بكل ما تمتلك من قوة للأعلى حتى لا تواجهه مجدداً.
دلفت غرفتها وهي توصد الباب خلفها وحاولت أن تهدأ من دقات قلبها المسرعة وابتلعت في خوف ووجل لا تدري لماذا، ما بين نظرات بدر الدين لها، وثمالة زياد، وحركة كريم التي لم تستطع تفسيرها تجولت أفكارها وما إن هدأت حتى خلعت رداءها وقررت الإستسلام للنوم.. حاولت الإستلقاء ولكن رغماً عنها تذكرت ضحكته التي رآتها لأول مرة ووجدت شفتاها تبتسم لمجرد تذكره بهذا المظهر لتنفض كل ما حدث من رأسها وتُجبر نفسها على النوم..3
لقد نامت منذ تلك الضحكة، هي متأكدة أنها فعلت، ولكن لم يلامسها سوى كريم بوجهها، إذن لماذا تشعر بشي ما يمر على ساقها؟؟ حاولت ازاحته ثم استغرقت في النوم مجدداً ولكن شعرت بنفس الشيء مرة أخرى لتنهض جالسة ونظرت لتفاجأ بمن أمامها وكادت أن تصرخ ولكنه وضع يده على فمها مسرعاً.
البارت السابع

“مش عايز صوتك يطلع عشان لو حد عرف حاجة هنتفضح احنا الاتنين سوا، وفي الآخر أنا راجل وأنتي ست والكل هيشك فيكي مش فيا أنا وهيفتكروا انك انتي اللي سمحتيلي ادخل اوضتك في ساعة زي دي وهمّ نايمين!” آمرها بنظرة محذرة
“هشيل ايدي واسمعيني للآخر وبعدين قرري” تحدث لها ليخفض كف يده في بطئ بينما نظرت هي له في توتر وتثاقلت أنفاسها ليكمل هو “وعموماً أنا جايلك في حاجتين.. الأولانية إن جوز امك بيخطط لحاجة مش سهلة وواضح عليه إنه انسان طماع ومادي جداً ومش بعيد يبيعك للي يدفع أكتر” نظرت له والدموع كادت أن تنهمر من زرقاوتاها عند سماع كل ذلك عن يُسري الذي لم تتوقع أن يكون بهذه الدناءة
“الحاجة التانية اني هقدر احميكي منه كويس بس لو طاوعتيني وعرفتي تنفذيلي اللي أنا عايزه” تحدث في خبث وهو يتطلع ملامحها التي شرد بها لثوان ثم مد إبهامه ليتحسس شفتاها الكرزيتان في جرأة ليفرقهما ليشعر بأنفاسها المرتعدة الرقيقة.
“أنت.. أنت.. عايز ايه بالظبط؟” سألته هامسة في خوف3
“يعني عايز اللي جوز أمك كان عايزه..” نظر لها في وقاحة يتفحص جسدها وساقيها المكشوفتان أسفل ذلك الرداء القصير ثم ابتلع وهو يتفقد ثدييها في شهوة “بس في الحلال طبعاً.. ولو اتجوزتيني محدش هيقدر يقربلك.. لا بدر ولا يسري وهنتجوز على سنة الله ورسوله وقدام الناس كلها، بس محدش هيعرف حاجة عن كل ده في البيت هنا!” أكمل بعد أن حدق بزرقاوتاها2
“أنت اتجننت! اكيد اتجننت! أنت راجل متجوز ومراتك حامل وعندك أولاد، ازاي تفكر تفكير زي ده و…”
“هشششش..” قاطعها ليقترب منها لتشعر بالخوف وحاولت الابتعاد عنه حتى لامس ظهرها رأس السرير خلفها “أنا عارف إن شاهندة وحماتي بس اللي يعرفوا حقيقة اللي حصل في المستشفى، لكن تخيلي لو بدر عرف.. مش بعيد يفكر إنك أصلاً عاملة مسلسل وحوار عليه ومتفقة مع يسري إن شاهندة تشوفكم بالطريقة دي عشان تيجي تعيشي هنا وبعدها بسهولة تدخلي العيلة هنا عشان تلهفي مبلغ محترم!” ابتسم نصف ابتسامة في خبث لتندهش هي في صدمة وتوتر بنفس الوقت
“متفقة ايه.. ده كلام فارغ.. أنا.. أنا.. استحالة أفكر فيـ..”1
“لو اتجوزتيني هدفع لجوز أمك اللي هو عايزه، وهبعدك عن قرف بدر.. فكري كويس وقرري وإلا بدر هيكون عارف عنك كل حاجة ومش بعيد يرميكي في الشارع بالذات لما يتأكد إنك متفقة مع جوز امك.. وساعتها يا إما الرجوع ليسري يا إما الشارع” قاطعها وهو ينظر لها بإبتسامة “أنا متأكد إنك شاطرة وذكية وهتختاري صح.. متخلنيش مستني كتير..” نظر لجسدها بأكمله ثم مرر سبابته على فخذها المكشوف لترتجف هي للمسته وتحشرجت الكلمات بحلقها “تصبحي على خير يا قمري” نهض مبتسماً لتنظر هي له في احتقار ثم تركها وتوجه للخارج لتتبعه هي موصدة الباب بالمفتاح.
مشى في ذلك الرواق الذي يجمع بين الغرف بالدور الثاني الذي يوجد به غرفتي شاهندة ونورسين كما كان يوجد به أيضاً غرفة هديل بالسابق ولكنها منذ حملها الأخير وهي تمكث بالطابق الأرضي ليقابله بدر الدين ثم نظر له ببرود وعيناه الثاقبتان تتفحصا كريم “كنت بتعمل ايه هنا يا كريم؟!” سأله بهدوء ليعقد كريم حاجباه
. ووسط كل ذلك تُعجب بإثنان..
ا…
“جرى ايه يا بدر؟ أنت هتعملي تحقيق ولا ايه؟” تسائل بإبتسامة مريبة ليحاول بدر الدين التحكم في أعصابه وبرع في السيطرة عليها وتأكد أن هناك شيئاً ما مريباً قد فعله منذ قليل.
“لا أبداً، أنا بس مستغرب إن حد صاحي في البيت غيري والوقت أتأخر أوي” اجابه دون تعابير على وجهه ليبتسم كريم ابتسامة امتلئت بالثقة المُزيفة التي استطاع بدر قرآتها
“كنت بدور على شوية اوراق في حاجاتي القديمة بس ملقتهومش، الظاهر كده هلقيهم في المكتب.. بكرة هبقا ادور تاني.. كفاية كده الوقت أتأخر.. تصبح على خير” أخبره تلك الفكرة التي آتت برأسه في ثوان ليومأ بدر الدين له في تفهم وتوجه لغرفته ساحقاً أسنانه ليعيد تذكر رؤيتهما سوياً بالحديقة والآن هو قادم بالقرب من غرفتها..
خلع سترته وبنطاله وارتدى سروالاً قطنياً قصيراً ثم أراح جسده على السرير وسند ساعده على رأسه ووصد عيناه متنهداً ليُفكر بتلك التي دخلت حياتهم فجأة.
جميلة، صغيرة ويافعة، في مقتبل حياتها، مستوى عائلتها ليس بالفقير، ولكن زياد الخولي يبدو فكرة جيدة، شاب غني ووريث محتمل تلك هي أقصر الطرق للثراء دون عناء بالنسبة لفتاة مثلها، ولكن زياد ليس ذلك الرجل المسئول، ليس هو من تستطيع الإعتماد عليه، ليس هو ذلك الرجل ذو الشخصية القوية، ليس له منصباً كباقي أخوته، وهي أيضاً ليست بالشخصية المثابرة التي تستطيع أن تتحكم برجل ما وتعمل على أن تغير شخصيته وتجعله مسئولاً، ويبدو أنه ليس مولعاً بها، فهو لم يهتم بها كالمتوقع عندما أدعت مرضها بسبب موت والدتها..
فماذا عن آخر؟! ماذا عن رجل آخر يستطيع توفير كل ما تتمناه ولكن بنفس الوقت دون تحمل تلك المسئوليات؟ لا يهم أكان أكبر منها، متزوج، صغير، المهم ما تريد تحقيقه لنفسها!!
حمزة أم كريم؟! كلاهما وسيمان، مناصب مرموقة، أسهم في مجموعة شركات ذائعة الصيت، ولكن حمزة يستحيل أن يفعلها بالرغم من أن ظروفه التي مر بها مع شاهندة تعطيه الأحقية لأن يتزوج مرة ثانية، ولكن لا، لن يبدر هذا منه، هو يعشق شاهندة وأكثر من عارضها عندما أرادت تركه بعد معرفتها بإستحالة إنجابها.. 1
حمزة ذلك الشاب الثري الهادئ الطباع والمحب لزوجته الذي بالكاد يتركها لأمر طارئ… هكذا هو منذ أن دخل حياتهم جميعاً ولا يزال بنفس تلك الشخصية التي تجذب الجميع من حوله وتُجبر الجميع على احترامه.. لا يزال يتذكر عندما كادت شركتهم أن تُفلس ليقف بجانبهم حمزة بكل نصيبه من أملاكه من والده بل وترك عمل عائلته وظل يعمل مع بدر الدين ونجوى وشاهندة حتى مرت تلك الأيام العصيبة..
كريم!! ذلك الوسيم الذي سحر أعين الجميع مثلما أخبرتهم هديل ولكنه بالنهاية وقع لها هي؟! وقع لها أم لأملاكها؟ نعم هو ذكي، كان يعمل وتدرج في سُلمه الوظيفي كمهندس بسرعة البرق ولكن أهذا لذكائه أم دهاءه وحيلته الواسعة؟ لم يثق أبداً به بالرغم من أنه حتى الآن لم يُرى عليه ما يثير الريبة.. 1
شاهندة أم هديل!! الاثنتان اخواته، الاثنتان لديهما حياة، بالرغم من قرب شاهندة منه كثيراً ولكن كلتاهما أخواته، لم يختر ذلك، عليه حمايتهما، كل الإحتمالات تشير إلي أن كريم افتتن بتلك اللعينة الصغيرة، نظراته إليها وطريقته معها كلما صادف ورآهما ولكن لا، لربما هو متعاطف معها هي الأخرى مثلما انخدع الجميع بها..
سيتريث وسيراقبها ويراقب الجميع، لابد وأن كل شيء سيتضح قريباً، عليه فقط أن يحاذر ويحمي عائلته بكل ما استطاع من قوة، لن يضيع عناءه هو وأخوته ووالدته من قبل هباء.. هكذا اهتدى عقله، قرر أن يعطي الجميع المزيد من الوقت ويدعهم يتصرفون على سجاياهما وألا يتسرع لأنه يعلم جيداً إذا صحت ظنونه تجاه أحد منهما لن يرحم أحد!!
هكذا اهتدى عقله، قرر أن يعطي الجميع المزيد من الوقت ويدعهم يتصرفون على سجاياهما وألا يتسرع لأنه يعلم جيداً إذا صحت ظنونه تجاه أحد منهما لن يرحم أحد!!
جلس الجميع على طاولة الطعام مكررين نفس الطقوس الصباحية بمحادثات جانبية وبعض الضحكات الخافتة ولكن بدر الدين هذا الصباح ليس غاضباً.. هو فقط هادئ أكثر من المعتاد، بالكاد ألقى الصباح على الجميع ولم يسأل أسئلته المعتادة، لم ينظر بغضب لنورسين مثلما يفعل، لم يُعلق على أي شيء..
لاحظ الجميع تجول عيناه الثاقبتان بينهم ونظراته المبهمة الخالية من التعابير والكلمات، كانت نظرات فارغة ولكنها كالعادة بعثت التوتر في نفس نورسين التي توترت أيضاً بنظرات كريم لها..
“يالا أنا ماشي.. سلام” نهض وتوجه للخارج ليفر خلفه زياد الذي لحقه قبل دخوله سيارته
“بدر.. أنا.. امبارح كان غصب عني اصحابي قالـ..” تحدث متلعثماً ليقاطعه بدر الدين بهدوء
“أظن إنك راجل كبير وعارف أنت بتعمل ايه كويس.. مالوش لزوم تبررلي حاجة أنت مقتنع أنها صح”
” انا مقولتش ان اللي بعمله صح بس أنـ..”
“خلاص يا زياد.. مالوش لازمة الكلام.. لو جايلي تعتذر على حاجة أنت شايفها غلط فعموماً الاعتذار مبيكونش بالكلام وبس وأنت ياما اعتذرت.. أنت عارف إني عايز أشوف أعتذارك ده في افعال وانت عارف إني مبحبش الكلام الكتير اللي مفيش منه فايدة” قاطعه بهدوء مجدداً ليتعجب زياد لذلك الهدوء الذي تحدث له به ليقع في حيرة من أمره وهو لا يدري ما الذي اعترى أخيه للتو.
أنت عارف إني عايز أشوف أعتذارك ده في افعال وانت عارف إني مبحبش الكلام الكتير اللي مفيش منه فايدة” قاطعه بهدوء مجدداً ليتعجب زياد لذلك الهدوء الذي تحدث له به ليقع في حيرة من أمره وهو لا يدري ما الذي اعترى أخيه للتو
“ايه يا شاهي، مش هتروحي تشوفي مصنع الـ Uniform (زي موحد) اللي قولتلك عليه؟!” صاح كريم في هاتفه
“هاروح اهو بخلص حاجة بس”
“ماشي يا جميل.. على فكرة اضغطي عليه شوية هينخ.. كده كده أصلاً نفسه يتعامل معانا من زمان.. خدي وقتك بقا براحتك وقوليلنا الموضوع هيرسى على ايه”
“تمام.. هخلص وأكلمك أعرفك عملت ايه”
“وأنا مستنيكي” أنهى كريم المكالمة معها وهو يبتسم بخبث ثم جلس ينظر بساعته ليعد الدقائق التي سيذهب بعد مغادرتها لينفرد بنورسين.
“معلش يا نور.. رنا سكرتيرة بدر اجازة وفيه Proposal (عرض) لمجموعة شركات كبيرة لازم يتقدم النهاردة، وأنا والله لولا الإجتماعات اللي عندي كنت عملت الحاجة بنفسي، ممكن بس تطبعي اللي على Flash Memory ديه أربع نسخ وتختميهم وتبعتيهم مع أي مندوب هنا من الإدارة؟” سألتها في توسل وناولتها الذاكرة1
“طبعاً يا شاهي.. من غير كل المقدمات دي هاعمل اللي أنتي عايزاه”
“ميرسي يا نور.. بالا يادوبك أنا الحق أنزل وعلى فكرة الـ Dead Line (الموعد النهائي) عشان نسلم الحاجة قبل 2 الضهر” جمعت أشياءها لتستعد للمغادرة “أشوفك بليل.. معلش ممكن أرجع متأخر شوية”
“تيجي بالسلامة ومتقلقيش كله هيبقا تمام” ابتسمت لها ثم نظرت في حاسوبها لتتفقد تلك الملفات على الذاكرة مثلما أخبرتها شاهندة
“باي”
“باي” ودعتها نورسين التي صبت كل تركيزها بتفقد ملحقات الملفات ليقاطع تركيزها صوت شاهندة
“آه على فكرة الختم عند بدر الدين” أخبرتها ثم فرت مسرعة فهي تعلم جيداً كيف هي علاقتهما سوياً!
الختم بمكتبه!! لماذا عليها أن ترى وجهه الآن؟! صرخ عقلها ثم تنهدت لتفر مسرعة حاملة حاسوبها وتلك الذاكرة المتنقلة بعد أن رآت أن أعداد الأوراق ستكون كثيرة وستتعدى النسخة الواحدة فوق الآلف ورقة فرآت أن من الأفضل ألا تحملها كل تلك الطوابق لثقلها ولتطبعها بجانب مكتب بدر الدين الذي احتوى على الختم.
وضعت سماعات الأذن بأذنتيها بعد أن وصدت الباب حيث أن لديها الكثير والكثير من الوقت فلماذا لا تستمع لبعض الأغاني التي أحبتها كثيراً ثم أعطت آمر الطبع للنسخ ووقفت لترتب الأوراق التي استغرقت حوالي ساعة ونصف حتى ترتبها وتجلدها بشكل يليق بصورة الشركة ود…
وضعت سماعات الأذن بأذنتيها بعد أن وصدت الباب حيث أن لديها الكثير والكثير من الوقت فلماذا لا تستمع لبعض الأغاني التي أحبتها كثيراً ثم أعطت آمر الطبع للنسخ ووقفت لترتب الأوراق التي استغرقت حوالي ساعة ونصف حتى ترتبها وتجلدها بشكل يليق بصورة الشركة ودون إدراك منها بدأ جسدها يتمايل على أنغام ما تستمع إليه..
شعر بصوت ما خارج مكتبه ليعقد حاجباه في تعجب فهو يعلم أن رنا مريضة ولن تأتي اليوم ولكن يا تُرى من آتى وهو قد قام بإلغاء كل مواعيده لليوم حتى يستعرض الوضع المالي للشركات ويقارن أرباح السنوات السابقة بآخر ربح سنوي!
نظر بشاشة كاميرات المراقبة لتتصلب سوداوتاه على جسدها الذي يتمايل بمنتهى المرونة والأنوثة الناعمة في آن واحد في ذلك الثوب الأسود الذي فسر جسدها ببراعة.
آخذ يتأملها ولاحظ رشاقة قوامها المرسوم داخل ذلك الرداء اللعين الذي احتضن خصرها ليبتلع لعابه وأراح جسده بالكرسي خلفه وجفناه لم يتقابلا نهائياً ثم ضغط بزر في حاسوبه لتمتلئ الشاشة بأكملها بذلك الجسد المثير أمامه.
تفقد ثدييها المثيران الذي لاحظهما كل مرة توقفت أو مرت من أمامه، خاصةً وأنهما يرتجان الآن ليدفعا تلك الإثارة بدمائه فمسك بكرسيه بكلتا قبضتاه وعيناه تذهبان مع جسدها يميناً ويساراً كلما تحرك.
أشعل احدى سجائره بعد أن اراح ربطة عنقه واستمر في مشاهدتها واضعاً قدماً فوق الأخرى وكأنها ترقص له هو وحده وتعطيه عرض خاص اقتصر عليه هو فقط.
خلل شعره الفحمي وهو يتآكل سجائره عندما حركت رأسها في تمايل ليتمايل شعرها الحريري كذلك هو الآخر.
عضت على شفتاها ثم ابتسمت وهي تدندن بشيء ما وجسدها لا يزال يتمايل ولازالت تُكمل ترتيب الأوراق لتتثاقل أنفاسه وسحق أسنانه وكاد أن يهشمها من كل ما تفعل به ووصد عيناه في غضب عارم ليغلق حاسوبه في عنف ثم توجه للحمام.5
آخذ يلقي بالماء البارد على وجهه وهو يحاول أن يفيق نفسه ويتناسى حركاتها المثيرة تلك ثم صفف شعره وأعاد إحكام ربطة عنقه وحاول العودة لهدوءه مرة أخرى ثم أعاد أدراجه للجلوس على مكتبه.
أشعل حاسوبه مرة ثانية ورغماً عنه كانت لازالت الشاشة مثبتة على مكتب رنا الذي تواجدت به ليرها قد توقفت عن عرضها المثير وجزء بداخله شعر بالراحة ليطلق زفيراً حبسه طوال مشاهدته لها منذ البداية.. تلك الصغيرة قد كتمت أنفاسه! حقاً لا يُصدق.
وجدها تتوجه أمام باب مكتبه ليحمحم وأغلق الشاشة وأعاد فتح بريده الإلكتروني وحدق به ولكنه لا يستوعب شيئاً مما امامه حقاً وبنفس الوقت سمع طرقات على الباب.
“ادخل” صاح بصوته الرخيم وحمحم مجدداً وهو يتصنع النظر في حاسوبه لتدخل هي وتوقفت أمامه
“بعد اذنك محتاجة الختم عشان شاهي قالتلي أختم الـ Proposal اللي هيروح شركة …. النهاردة” رفع نظره لها ليجدها لا تنظر له مباشرة وعيناها تنظران للأرضية فكره كثيراً منعها اياه بأن يرى تلك الزرقاوتان
“بتقولي ايه عشان مسمعتكيش” تظاهر بالإنشغال بينما هو سمع ما قالته جيداً
“محتاجة الختم عشان شاهي قالتلي أختم الـ Proposal اللي هيروح شركة …. النهاردة” لا زالت ناظرة للأرضية فابتلع لعابه بعد أن توقفت عيناه على شفتيها الكرزيتان.
“احنا مش في البيت هنا عشان تقولي شاهي كده من غير ألقاب.. مدام أو Mrs. بعد كده” أخبرها بمنتهى الجمود ولكنه كان هادئا ليشعر بتنهدها سئماً ليبتسم في تهكم ثم قرر أنه سيدعها ترى الملل بعينه.
“فين الـ Proposal ده وريهوني؟” أراح جسده بكرسيه ثم سند ذراعه على يد الكرسي وعبث بسبابته على شفتيه ملامساً اياهما لتومأ له هي.
“حاضر.. ثواني” أخبرته ثم توجهت للخارج ودخلت مكتبه وهي تحمل العديد من النسخ التي بدت ثقيلة الحجم بين ذراعيها الضعيفتان وأقتربت من مكتبه لتضعها ولكن رغماً عنها تعثرت عندما تشابكت سلسلتها الرقيقة بملابسها ولاحظتها فحاولت ابعادها ونست تماماً ما تحمله لتتهاوى الملفات التي أعدتهم من بين يديها أرضاً لتسقط على قدمها اليسرى
“آه..” صرخت ثم حاولت التوازن على قدمها اليمنى بينما حاولت لمس الأخرى التي شعرت بآلمها بعد أن سقط عليها كل ذلك الثقل وبالطبع لم تستطع التوازن أكثر بسبب ذلك الكعب اللعين لتسقط بالنهاية أرضاً بعد أن التوت قدمها أسفلها.
تعالت هو ضحكته بعد أن شاهد تلك الحركات البهلوانية لتنظر له في غضب لجزء من الثانية ثم شعرت بالإهانة من تصرفه لتبدأ في الشعور بالإحراج ونظرت للأرض وكادت أن تجمع تلك الملفات ولكنها لاحظت لمعان حذاءه الشديد بجانب الملفات.
ابتلعت لعابها وهي لا تدري لماذا توقف أمامها هكذا بهذا الشكل لترفع زرقاوتاها إليه لتراه واقفاً بشموخه أمامها واضعاً كلتا يداه بجيبي بنطاله ونظر بطرف عينه للأسفل دون أن يحني رأسه لتتقابل أعينهما سوياً وكأنما توقف الوقت من حولهما.
شعر بنشوة غريبة من نوعها وراحة وسلام داخلي ما أن رآها أسفل قدماه بتلك الطريقة التي لا تفعلها إلا خاضعة مخضرمة؛ أما عن نظرة التوسل التي صرخت بها عيناها الزرقاء ووجها المحتقن بدماء الخجل كادا أن يفقداه عقله.3
ظلا يتبادلان النظرات الصامتة لتبدأ هي في الشعور بغرابة الموقف وقد قرأ عيناها ليخرج يده من جيبه ويمدها لها لتستند عليها وأماء لها بالإشارة فترددت هي لثوانٍ ولكنها وضعت يدها بيده في النهاية لتجده يجذبها بقوة ولكنها صرخت آلماً.
“آآه..رجلي بتوجعني اوي مش قادرة اقف عليها” صاحت في صراخ وانهمرت دموعها وتآوهت ليسحق هو أسنانه وتمنى أنها لا تدعي كل ذلك الآلم والبكاء وحملها في لمح البصر لتشهق من مفاجأته اياها وتتوقف عن البكاء في صدمة تامة لفعلته ونظرت له في غير تصديق والتفت يدها حول عنقه في تلقائية تامة رغماً عنها.
نظرت لملامحه الجامدة عن قرب وشردت بها لتتساقط حبات اللؤلؤ المتساقطة من أبحر عيناها المنسابة أعلى وجنتيها على ملابسه وآخذت تتفحص جفونه الثقيلة التي تحاوط تلك المقلتان الثاقبتان وخصلات شعره الفحمية وذقنه النامية التي اختلط فيها سواد شعره ببعض الشيب الذي جعله جذاباً للغاية من وجهة نظرها وأنفه الذي لطالما لعب دوراً في تشبيهه بالصقر خاصة عندما ينظر بغضب.
نظر لها بطرف عينه لتخجل وتتوتر من مقابلة أعين بعضهما البعض فأخفضت رأسها لتشتم عطره الذي تسلل لأنفاسها دون استئذان ليشل جسدها تماماً عن الحركة ووصدت عيناها تشتمه في استمتاع.
انحنى بجسديهما سوياً ليجلسها على احدى الارائك بمكتبه فاقترب منها دون قصد لثوان لتشعر بضربات قلبه تكاد تهشم صدريهما معاً. ورفعت رأسها لتنظر إليه بتلك الزرقة بعيناها ليشرد هو بهما.
بدأت في استغراب قربهما الشديد فاخفضت ذراعاها من حول عنقه بينما هو لازال ممسكاً بها لتخفض نظرها ربما يتركها ولكنه لم يفعل فأعادت النظر إليه في تعجب امتزج بشيء آخر لتتلاقى أعينهما وقد علم أنها ستعترض على اقترابه منها الآن فابتعد قبل أن تبدأ بالكلام وذهب ليوليها ظهره وغادر واختفى داخل حمامه.6
حاول جاهداً السيطرة على تلك العاصفة بداخله وعمل على أن ينظم أنفاسه المتلاحقة من قربها الذي أضرم بجسده لهيباً فريداً من نوعه لم يشعر به قط، ثم ازاح آثار دموعها من على سترته.
لن يغضب.. لا لن يفعلها هو يريد لها أن تتصرف بمنتهى التلقائية حتى يعرف ما وراءها، سيحاول السيطرة على أعصابه بكل ما أوتي من قوة وسيرى إن كانت تدعي ذلك أم لا!
بعد أن هدأ امسك بصندوق الإسعافات الأولية وخرج ليضغط بزر ما بجانب مكتبه لتتابعه زرقاوتاها ثم توقف أمام مبرد صغير بمكتبه أحضر منه شيئاً لم تتبينه بعد، وازداد توترها في صمت ثم جلس أسفل قدميها لتجذب قدماها لصدرها خوفاً من أن تلامسه لتجده يتحدث لها في هدوء تام
“انهي اللي بتوجعك؟” 2
“اليمين” همست لينظر لها والتف بجسده وثنى قدمه اليسرى أسفل اليمنى التي تدلت أرضاً ليقابلها ونظر لها نظرته تلك التي لا تتحملها فابتعدت قليلاً للخلف مستندة بيديها جانب جسدها ولكنها شُلت تماماً عندما أمسك بكاحلها الأيمن وخلع حذاءها ووضعه أرضاً لتزيح هي خصلاتها الحريرية خلف أذنها ونظرت له في وَجس.3
أخفض نظره لكاحلها ليرى التورم به فهي حقاً كانت لا تدعي.. أنقذتها قدمها تلك المرة من غضبه فتنهد ثم رفع نظره لها وابتلع ثم تحدث “حاولي تحركيها يمين أو شمال” حاولت ولكن لم تستطع من الآلم وهزت رأسها في إنكار
“مش عارفة، حاسة بوجع فظيع فيها” أخبرته بنبرة امتلئت بالآلم ليومأ لها في تفهم
“هتوجعك شوية”
“أنت هتعمـ.. آآآه.. ” صرخت عالياً ولم تستطيع أن تكمل كلماتها عندما مسك كاحلها بيداه القويتان وأثناه بطريقة ما لتشعر هي بآلم أسوأ من ذي قبل “أنت عملت ايه حـ..”
“حركيها كده يمين أو شمال” قاطعها وهو ينظر لتلك الدمعات المتراكمة بعيناها فنظرت لكاحلها وحاولت لتستطيع أن تحركها على عكس المرة الأولى.
“أنت عملت كده ازاي؟!” سألته بتلقائية ولكنه لم يكترث لها
“لسه الوجع فيها زي ما هو؟” سألها لتهز كتفيها في عدم معرفة ليزفر هو ثم نهض واضعاً يداه بخصره “قومي كده وحاولي توقفي عليها” آمرها لتفعل بحذر شديد لتتآوه ولكن ليس مثل المرات السابقة
“هو احسن بس لسه فيه وجع” أجابته ليشير بعيناه للأريكة خلفها فجلست وجلس أسفل قدميها مجدداً ليقابلها بجسده وأمسك بقدمها وبدون مقدمات مزق ذلك الجورب الأسود الشفاف الذي كانت ترتديه “أنت ايه اللي عملته ده؟” صرخت به لينظر لها نظرته الثاقبة 3
“ما هو يا إما تقومي تقلعيه، يا أقطعه، يا اقلعهولك أنا!!” خفضت رأسها لتنظر بعيداً عن عيناه وهي تتخيل منظره وهو يساعدها لتخلعه خاصة وأنه امتد لخصرها فابتلعت في توتر.11
شعرت بيده تدلك كاحلها ليتثاقلا جفنيها رغماً عنها ووصدتهما وعضت على شفتاها ليصر هو أسنانه من التهامها لتلك الكرزيتان بمثل هذه الطريقة ودون إدراك منه اشتدت حركة يده على كاحلها لتغادر شفتيها آهه جعلت الدماء تنفجر بعروقه.5
توقف عن تدليكه لقدمها ثم شعرت بشيء مثلج يلامسها “اح.. ايه ده” تحدثت بتلقائية ليجد هو كلماتها تثيره رغماً عن محاولاته في إرغام نفسه على ألا يستجيب لها.22
“خدي ده” ألقى بشريطاً من الدواء إليها ثم أحضر لها المياة لتتناوله بعد أن قرأت اسمه وعرفت أنه مُسكناً قوياً..
جلس مجدداً ولكن لم يواجهها وضغط ذلك الكيس المثلج على قدماها لتصيح هي في آلم
“كفاية ساقع اوي مش قادرة استحمله” نظر لها بطرف عينه ثم تنهد ليزيحه جانباً ثم آخذ الرباط الضاغط وأخذ يلفه حول التورم بكاحلها ثم فرغ ونهض وتركها وتوجه لمكتبه لتصيح هي في صدمة “الـ proposal لازم ابعته كمان ساعة..” حاولت النهوض ليآمرها ناهياً
“خليكي” 2
أحضر تلك الملفات التي سقطت أرضاً والختم ثم توجه بجانبها واضعا الأوراق على منضدة أمام الأريكة “تختمي ولا تقلبي الورق؟” نظرت له في شرود وهي حقاً لا تصدق أنه يساعدها “انجزي عشان الوقت” اخبرها في ضيق لتجيبه هي مسرعة
“هقلب الورق” جلس بجانبها وكذلك فعلت هي الأخرى وأخذت في تقليب الأوراق له بينما طبع هو بالختم على كل صفحة وآخذت تنظر بتركيز فيما تفعله لتتهاوى خصلاتها الحريرية على عيناها لتحاول رفع رأسها كل بضع ثوانٍ حتى تزيحها للأعلى فيداها شُغلتا بتقليب الأوراق له ليفاجأها بإزاحة خصلاتها خلف أذنها ببطئ فنظرت له في تعجب وتوقفت عن إكمال الأوراق
“خيلتيني.. عشان كده رفعتلك شعرك.. انجزي خلينا نخلص”صاح بإقتضاب كاذباً وهو منذ ذلك اليوم الذي فقدت به وعيها أراد أن يتلمس شعرها مرة أخرى. 2
أنهيا كل شيء بعد حوالي ساعة إلا ربع لتنظر بساعتها وكادت أن تنهض لينظر لها في تحذير ثم أخرج هاتفه ليتحدث به لأحدى الأشخاص وأخبره ما عليه فعله بالملفات ليوصلها للشركة ثم توجه لخارج المكتب واضعاً الأوراق على مكتب رنا وعاد مرة أخرى.5
“مددي رجلك وخليكي رافعاها” آمرها ثم توجه لمكتبه وهو يحاول بكل ما لديه من قدرة أن يركز بعمله وألا ينظر لها ولكن دون جدوى، رغماً عنه وجد نفسه يسرق بعض النظرات لها كل دقيقتان.
جلست وهي لا تدري هل ستُكمل باقي يومها هُنا أم ماذا، وماذا عن حاسوبها الذي تركته بالخارج، وباقي أعمالها، لا تُحب أن تُقصر بعملها أبداً ولكنها بنفس الوقت لا تستطيع أن تخبره بالذهاب ليحضر لها أشياءها.. يكفي مساعدته وعدم غضبه عليها حتى الآن بل يكفي أنها استطاعت أن تتصرف معه منذ قليل بعد تقاربهما الشديد الذي قتلها حيرة وتوتراً.
غرقت بالتفكير وفقط تنبهت عندما سمعت رنين هاتفها الذي سقط منها أمام مكتبه لينظر لها نظرة الصقر تلك وهز رأسه في انكار ثم نهض متآففاً ليمسك بهاتفها وأقترب ليلقيه على الأريكة بجانبها فتفقدت المتصل لتجده رقماً غريباً لا تعرفه فأجابت على الفور..
“آلو..”
“أنتي فين يا نور بقالك أكتر من تلت ساعات مش في مكتبك” صاح كريم من الطرف الآخر
“مين معايا؟” تعجبت نورسين
“لحقتي تنسيني؟!” صاح ساخراً “أنا كريم.. تعاليلي حالاً!” لقد نست تماماً ما حدث معها ليلة أمس لتشعر بالفزع عندما أنتعش عقلها بالتفاصيل
“أنا.. أأنا.. عندي شغل فـ..”
“اتصرفي وتعالي دلوقتي تكوني قدامي”
“أنا عند Mr بدر.. لما أخلص هاجي.. سلام دلوقتي” وصدت هاتفها وكادت أن تموت خوفاً فهي لم تُفكر حتى كيف ستتصرف معه!!
لقد قررت مسبقاً بأن تخبر شاهندة ولكنها شعرت بالخوف مما قد يترتب على ذلك ومما قد يحدث مع زوجته، قد تخبرها شاهندة، وحينها ستواجه كريم وقد يذهب ويخبر بدر الدين بذلك المخطط الذي نسجه من محض خياله وقد يرغمها على العودة لزوج والدتها وهذا آخر ما قد تريده بحياتها.. فرأت أن الحل المناسب أن تلتصق بشاهندة دائماً وألا تتركها وبالمساء ستوصد بابها بالمفتاح حتى لا يستطيع أن يأتي لها مرة أخرى.
لم تلقي بالاً لذلك الذي جلس أمامها وتابعها ولاحظ تغير نبرتها وتوترها بسبب تلك المكالمة ليصيح سائلاً اياها بعد أن أقترب ووقف أمامها ناظراً لها في تمعن شديد واضعاً يداه بجيبي بنطاله
“كنتي بتكلمي مين؟!”
البارت الثامن

“أأأنا؟” تلعثمت وهي تراه يتفرسها بنظرته المُزعجة تلك ليومأ لها بالموافقة “ده.. ككان..مممـ.. مممعرفش” ازداد تلعثمها وابتلعت لعابها في توتر.
“انتي هتستعبطي؟!” نظر لها في غضب لتتدارك هي ما قالته
“مممكنتش أعرف الرقم” تريثت لثوان ثم استجمعت شجاعتها واجابت “وبعدين عرفت إنه كان Mr كريم!” سكتت لبرهة ليصر أسنانه في غضب وبدأ الشك يتآكل عقله مجدداً “كان بيسألني Mrs شاهندة رجعت ولا لأ عشان يسألها على حاجة لأنها مبتردش على موبايلها.. وكان عاوز حاجة في الشغل بس أنا قولتله إني هنا” نظرت للأرض ولم تتحمل أن تظل ناظرة لعيناه الثاقبتان تلك.
تلعثمها وشحوب وجهها المفاجئ جعله يرتاب أكثر.. يعرف جيداً أن هناك شيئاً ما تخفيه ولكن لربما تخبره الحقيقة، فلقد أخبرته منذ ثوان بمنتهى السهولة أنه كان كريم، ثم حقيقة ماذا الذي يظن أنها أخبرته بها؟! أتخدعه تلك الصغيرة هو الآخر؟ لا لن يصدق تلك التراهات التي تحدثت به! بالطبع هناك شيئاً ما تُخفيه وسيعرفه عاجلاً أم آجلاً.2
لماذا يسألها عنه؟ أسمع شيئاً؟ أيعرف ما الذي حدث بينهما؟ نظراته تلك لا تبشر بالخير، ومتى كانت نظراته تبشر بالخير؟ ستتجاهله، نعم ستفعل، أهم شيئاً أن تبتعد عنه هو وكريم وكل شيء سيكون بخير..
“طب أنا هقوم عشـ..” صاحت وهي تنهض بينما أختل توازنها ليلحقها وهو ويمسك بخصرها كي لا تسقط وتوقفت عن الحديث من تلقاء نفسها بعد أن أقترب منها وتلاقت أعينهما مجدداً في ذلك الصمت العجيب وتلك الأنفاس المتهدجة منها وأنفاسه هو المتثاقلة وتلك المرة ظلت تنظر له وتحدق بملامحه لترى الغضب يرتسم على وجهه مرة أخرى.5
“أنتي مبتفهميش؟ قولتلك متتحركيش دلوقتي خالص!!” تحدث بعصبية حانقاً ليدفعها راغماً اياها على الجلوس مرة أخرى على الأريكة خلفها
“يعني أنا هافضل قاعدة كده طول اليوم؟ الساعة بقت اتنين ونص وأنا مخلصتش غير الـ proposal وبعدين أنا جوعت! سيبني بقا اروح آكل وأشوف شغلي” تحدثت هي الأخرى بإنفعال رافعة رأسها وهي تنظر إليه بتلك الزرقاوتان التي قتلته ليعقد حاجباه في غضب 1
“لا طبعاً مش هتفضلي قاعدة كده..” تحدث بين أسنانه المتلاحمة غضباً ثم توجه لمكتبه موليها ظهره وأمسك بهاتفه ليفعل به شيئاً لمدة دقيقتان وهي تتابعه بعيناها ثم آتى مُحضراً حاسوبه وبعض الملفات وأقلام ثم جلس على كُرسي بجانب تلك الأريكة مُلقياً كل ما لديه على المنضدة أمامهما “مش عايزة تشتغلي.. اتفضلي” أخبرها دون أن ينظر لها وبدأ في اشعال حاسوبه وكأنما يبحث به عن شيء ما ثم أعطاه لها بطريقة فظة.. “مليني الأرقام اللي هسألك عليها من الـ Sheets (أوراق) والـ System” ظل لا ينظر لها عاقداً حاجباه لتتنهد هي في سأم وتوتر وبدأت في فعل ما أخبرها به.4
دافع عنها لشيء ……
وعاد لينتقم لنفس الشيء ….
كيف يتحول عاشق…
اتصلت بها أكثر من مرة ليتسلل الخوف لقلبها! أين هي؟ وأين حاسوبها؟ تستطيع أن ترى أن حقيبتها بنفس مكانها ولكن أين هي نورسين؟ بدأت في السؤال عنها ولم تحصل على إجابة من أحد لتفاجأ بكريم أمامها2
اتصلت بها أكثر من مرة ليتسلل الخوف لقلبها! أين هي؟ وأين حاسوبها؟ تستطيع أن ترى أن حقيبتها بنفس مكانها ولكن أين هي نورسين؟ بدأت في السؤال عنها ولم تحصل على إجابة من أحد لتفاجأ بكريم أمامها
“ايه عملتي ايه؟ نقول بقا عندنا supplier (مورد) جديد؟!” ابتسم تلك الإبتسامة الواسعة بأسنانه تلك ناصعة البياض ونظرته تلك الغير مريحة بعيناه البُنيتان
“جرا ايه يا كيمو.. جايلي مخصوص من الموقع عشان الـ supplier، كنت ممكن تكلمني على فكرة!! وعموماً اه الـ Collection (مجموعة) بتاعنا زاد واحد.. اطمن!!” نظرت له بإبتسامة مُضيقة عيناها ثم أعادت نظرا لحاسوبها
“وأنتي يعني شايفاني قلقان!” سألها ليجلس على مكتب نورسين
“لا مش قلقان.. اقصد اطمن ياللي واكلها والعة” غمزت له بعيناها ليرفع حاجباه في تعجب
“يعني مش هو ده شغل المشتريات.. أظن حقي.. وبعدين عدي الجمايل يا ستي” غمز لها هو الآخر ليبتسما سوياً1
“قال يعني مش طالع بمصلحة!” صاحت بإبتسامة وهي تنظر له بدهشة
“والله كل واحد وشطارته” ابتسم لها وكلاهما يعلمان جيداً تلك العمولات التي يحصل عليها عند توقيع مثل هذه العقود
“ماشي يا سيدي.. انا مفوتالك بمزاجي على فكرة”
“متحرمش من حنيتك عليا أبداً” نظر لها في امتنان مزيف1
“إلا قولي صحيح مشوفتش نور؟” نظرت له عاقدة حاجباها في استفسار بينما هو ابتسم داخلياً لأنها هي من بدأت بالسؤال عنها
“كنت كلمتها من شوية عشان أسأل عليكي قالت انها مع بدر” هز كتفاه وكأنه لا يعرف، هو فقط سيموت شوقاً ليراها ولكن لن يستطيع الدخول لمكتب بدر الدين بينما شاهندة فهو متأكد أنها ستذهب لهناك على الفور.1
“بدر! دي موبايلها مقفول.. اما اروح اشوفها” تنفس براحة بعد علمه بأنها ستذهب لتتفقدها ولكنه سيتأكد الليلة جيداً أن يريها كيف لها أن ترفض المجيء إليه، وكيف توصد هاتفها بتلك الطريقة وسيعلمها ألا تُكررها مرة ثانية!
اما اروح اشوفها” تنفس براحة بعد علمه بأنها ستذهب لتتفقدها ولكنه سيتأكد الليلة جيداً أن يريها كيف لها أن ترفض المجيء إليه، وكيف توصد هاتفها بتلك الطريقة وسيعلمها ألا تُكررها مرة ثانية!
تآففت وهي تنظر في حاسوبه وقد قتلها الجوع، لقد أصبحت الرابعة ولم تتناول شيئاً منذ الإفطار، كما أن وجوده أمامها بنظراته وطريقته التي توترها لا تجعل عليها الأمر سهلاً.. لم تتوقف عن التفكير بكلمات كريم كما أنها لا تدري كيف ستتهرب منه الأيام القادمة وهل حقاً سيخبر بدر الدين بتلك الخطة التي نسجها من خياله أم كان يهددها ليصل لمبتغاه ليس إلا!1
تعرف أنه ليس من حقها أن تمكث مع تلك العائلة ولا بذلك المنزل الضخم ولكن أين عساها أن تذهب؟ كيف ستتصرف وهي وحيدة تماماً؟ وجود شاهندة بجانبها مثّل لها الحياة وكأنها ولدت من جديد، لقد عوضها وجودها كثيراً عن الصديقة والأخت وبالطبع لم ولن تعوضها عن وجود والدتها التي لم تحب مثلها بحياتها ولكن شاهندة لم تترك لها الفرصة حتى تشعر بالوحدة أو الخوف من زوج والدتها!4
أمّا الآن فهي لا تدري كيف تخبرها بتخوفاتها، كريم يبدو شخصاً حقير ومصمم على ما يريد!! لا تستطيع البوح لها بأن زوج أختها يريد أن يتزوجها، هي حتى لا تتقبله، ماذا عليها أن تفعل وهي لا تملك أحداً بجانبها غير شاهندة التي لربما تتطور الأمور وتتركها هي الأخرى؟
تهاوت دموعها في صمت وكأنما الدنيا بأكملها تصمم على أن تنهال على رأسها بالمصائب المتتالية التي لم تواجها من قبل ولن تستطيع أن تواجهها وهي ذات الخبرة المعدومة في الحياة.1
لاحظ بدر الدين بكائها الصامت ودموعها التي انسابت على وجنتاها ليلقي القلم من يده في عصبية على الأوراق أمامه ثم تفحصها جيداً وهو لا يدري لماذا بداخله يشعر بالغضب وشعور آخر غير مفهوم لديه بأن بكائها ذلك يدفعه لفعل العديد من التصرفات الغير مفهومة هو حتى لا يدري بمّ يُفكر وكأنما يحدث بداخله تعقيدات لا يستطيع تبينها أو فهمها كلما رآها تبكي!
“بتعيطي ليه؟” سألها وهو يحاول أن يتحكم بعصبيته وانفعاله لتنظر له ولم تكن تظن أنه سيلاحظ بكائها
“جعانة” اجابته وهي بالطبع لن تستطيع البوح بما تُفكر به ليهز رأسه في تهكم ليطرق بابه فتركها لينهض وذهب ليتفقد الطارق ثم آتى وبيداه صندوقان علمت ما هما جيداً
تلهفت على ما يحمله كثيراً وابتلعت لعابها ثم بللت شفتاها أكثر من مرة وقبل أن يضع ما بيده على المنضدة جذبت احداهما منه بسرعة وتركت العمل جانباً لتفتح صندوق البيتزا الكرتوني ثم همهمت وهي تشتم رائحتها في شهية.
نظر لها هاززاً رأسه بسخرية وهو لا يُصدق ما تفعله، تبدو حقاً كطفلة صغيرة بتصرفاتها تلك ليجلس هو على كرسيه وبدأ في أن يُرتب الأوراق أمامه بعناية شديدة وكأنما نظم كل ما على المنضدة بأكملها وحتى جذب ما أمامها وأغلق الحاسوب واضعه جانباً وشرع في تنظيم طعامه أولاً لتلمحه نورسين وتتعجب بداخلها من يأكل بمثل تلك الطريقة التي يتناول طعامه بها ولكنها لم تهتم وتناولت طعامها في هرج تام لتسد ذلك الجوع بداخلها!
شعر بالإنفعال من طريقتها التي تفتقر للنظام ولآداب تناول الطعام وتلهفها الذي لم يُصدقه حقاً، ألهذا الحد كانت جائعة؟! سأل نفسه ليهُز رأسه في إنكار وفي ثوانٍ ودون أي مقدمات وجد بقعاً من الكاتشب تلتصق بقميصه الأبيض وربطة عنقه.3
توقفت تماماً عن تناول البيتزا وجحظت عيناها عندما أدركت ما حدث للتو فهي قد ضغطت على حقيبة الكاتشب بطريقة خاطئة ولسوء حظها كان اتجاهها ناحية بدر الدين.1
وضعت كف يدها تغطي به عيناها ثم رفعت رأسها ببطئ شديد لتنظر له بين أصابعها لتجد نظرة أرعبتها وجعلتها لا تريد أن تأكل مجدداً طوال حياتها لتبتلع في وجل من نظرته.
“أنا آسفـ..”
“أخرسي!!” قاطعها زاجراً اياها بين أسنانه المتطابقة ونبرته لا تقبل النقاش مطلقاً وغضبه ازداد للغاية ونهض خالعاً سترته ثم ربطة عنقه وهي تنظر له في وجل ومن ثم بدأ في خلع قميصه لتنفرغ شفاهها وشهقت في خفوت
“أنننت.. أنت.. بتعمل ايه؟” تلعثمت وهي تراه يفك أزرار قميصه
“مش عايز اسمعلك صوت” صاح بها في عصبية وهو يسحق أسنانه ثم خلع قميصه في غضب لتطلع هي جسده وضربت تلك الحمرة في وجهها وهي تراه بذلك المنظر!1
تلك االتقسيمات بمعدته وعضلاته القوية ثم نهاية خصره، لا تصدق أنه مجرد رجل عادي، لابد وأنه بطل رياضي ويخفي الأمر عن الجميع، لم تقع من قبل بمثل ذلك الموقف ووجدت نفسها تحدق بجسده في إعجاب وبلاهة تامة ثم بلت شفتاها وآخذت زرقاوتاها تنظر لعنقه ومنكبيه الرجوليان وتفاصيل جسده لتجد نفسها تشعر بشيء لم يسبق لها اختباره من قبل!11
لاحظ نظراتها له ليبتسم بداخله ثم تلاقت أعينهما فخفضت نظرها والتوتر سيطر على حركاتها ليرى هو حُمرة الخجل تلك بوجهها ليتنهد وبالكاد استطاع أن يتوقف عن النظر لها وولاها ظهره متجهاً لمكتبه لتشاهد هي ظهره المثيرالرجولي المليء بتلك التقسيمات والعضلات التي رُسمت بطول ظهره بداية من أسفل شعر رأسه حتى خصره.29
رآته يتوقف أمام مكتبته الضخمة ثم مد يده ليجذب مقبضاً لتفاجأ أن هناك دولاب كامل للملابس أمامه، كانت تظن أنها ستحتوي على المزيد من الكتب ولكنها كانت مخطئة.
آخذ قميصاً أبيضاً ثم ارتداه دون أن يغلق ازراره ثم فتح درجاً بالأسفل آخذاً منه ربطة عنق جديدة ووضعها حول عنقه وأغلق الدرفة ليجد خبطات على الباب ليذهب في غضب يفتح الباب بمضض ليجدها شاهندة التي امتلئت عيناها تسائل لمظهر أخيها فدلفت مكتبه بعد أن تركها وتوجه للداخل مُغلقاً ازرار قميصه بينما نظرت لتجد وجه نورسين يصرخ بالحمرة فتعجبت خاصةً بعد أن رآت ملابس أخيها ملقاة على الأرض بينما نورسين جوربها ممزق وقدمها يبدو وكأن بها شيء ما.5
اتجهت نحو بدر الدين حتى وقفت أمامه ثم نظرت له بأعين مستفسرة “ايه ده؟” وأماءت لقميصه ثم نظرت للملابس الملقاة أرضاً لتجده يجذب يدها ثم امسك بقميصه الملقى ليريها بقعة الكاتشب
“وقعت كاتشب من غير ما اخد بالي”
“وانت من امتى بتاكله؟” تعجبت لأنها تعرف ان بدر لا يحبه
“هو تحقيق ولا ايه؟” تآفف بدر وهو يعيد ربط ربطة عنقه بينما اتجهت لنورسين
“وانتي يا نور فينك؟ عارفة قلقت عليكي قد ايه؟ قافلة موبايلك ليه؟” صاحت في لهفة ثم عقدت ذراعاها ووقفت أمامها منتظرة ردها بينما سمع بدر جيداً وانتظر اجابتها ولكن دون أن يبدي اهتماماً ملحوظ
“ده.. ده فصل شحن” اجابت بإقتضاب فاقتربت شاهندة جالسة بجانبها
“ايه اللي على رجلك ده؟ مالك انتي كويسة؟” أشارت للرباط الضاغط
“أنا.. كنت.. ممم” تلعثمت ليزفر بدر حانقاً
“اتكعبلت ووقعت ورجليها اتلوت” اجاب بدلاً من نورسين لتتعجب شاهندة بداخلها، منذ متى وبدر يتحدث هكذا؟ لتراه يآخذ سترته يرتديها وجلس ليكمل عمله وازاح الطعام جانباً
“طب انتي كويسة، تحبي نروح لدكتور عشـ..”
“متقلقيش بقيت احسن” ابتسمت لها بإقتضاب لتقاطع لهفتها
“اعملي حسابك إنك هتشتغلي معايا الفترة الجاية!” تحدث بدر الدين دون أن يزيح نظره من الأوراق أمامه إلا عندما أماء لنورسين لتجحظ عيناها الزرقاوتان1
“يا سلام!! وأنا مش عاجباك مثلاً ولا مش واخد بالك انها الـ Assistant بتاعتي ولا ايه؟!” صاحت شاهندة في انفعال
“مش هاكرر الكلمة تاني.. رنا واخدة اجازة مرضي والفترة الجاية عندي اجتماعات كتيرة”
“لا يا بدر ده ظلم بقا، أنا مش هاسيب نور و..”
“مترغيش كتير يا شاهندة.. كلمتي تتنفذ من غير نقاش” تحدث بلهجة لا تحتمل المزيد من الجدال لتنهض شاهندة في انفعال
“وأنا قولت إن..”
“ميهمنيش قولتي ايه، اللي يهمني إن شغلي محتاجها” قاطعها مجدداً دون أن ينظر لأي منهما
“طب وشغلي؟” تسائلت بغضب
“اتصرفي.. أنتي عندك في الإدارة ناس كتير.. لكن انتي عارفة ان شغلي هيوقف عليها”
“ماشي يا بدر، براحتك، اعمل اللي أنت عايزه!!” صاحت في انفعال وتوجهت للخارج في حنق
“بس أنا مش عايزه أشتغل معاك” تحدثت في هدوء ليرفع رأسه وتتلاقى أعينهما
“وأنتي ايه أصلاً عشان تعوزي أو متعوزيش” اهانها بتلك الكلمات لترفع حاجبها في تحفز
“أنا جاية هنا اتدرب في إدارة معينة عشان اخد خبرة أنا عايزاها، لكن شغلي معاك مش هايديني أي خبرة”
“ومين بقا اللي قالك كده؟” اراح جسده في الكرسي ووضع قدماً على أخرى وعبث بسبابته في شفاهه وهو ينظر لها نظرة الصقر خاصته يتفحصها بها
“من غير ما حد يقول.. أنت عايزني اشتغل Reminder (مذكرة) واستقبلك ضيوف وأناولك ورق.. استحالة أنا اعمل كده! لا تفكيري ولا طموحي!!” تحدثت في تحفز لتعقد ذراعيها ولأول مرة تنظر له مباشرة دون خوف ورأى الاعتراض يغلف نظرة تلك الزقاوتان
“كويس”
“هو ايه ده اللي كويس!!” عقبت على كلمته التى قالها بعد أن ابتسم بسخرية1
“قدامك حل من الاتنين.. يا تشتغلي معايا يا تتفضلي برا الشركة كلها واتفضلي اتدربي مكان ما يعجبك” نظرت له في دهشة وهو يتحدث هكذا بمنتهى الهدوء بينما اشتعلت هي غضباً ونهضت ليعتري ملامح وجهها الآلم بينما اقترب هو ليساعدها ولكن لم تعطه الفرصة
“لا هتفضل برا الشركة يا Mr بدر.. مفيش شغل بالعافية”
“عندك حق” قلب شفتاه متهكماً لتنظر هي في حزن امتزج بإنفعالها ثم توجهت بخطوات بطيئة وتعرج واضح للباب حتى تغادر وكادت أن تُمسك بمقبض الباب بينما أوقفها كف يده الذي منع به أن يُفتح فالتفتت له لتحاصر بينه وبين الباب الذي أصبح خلفها
“سيبني اعدي”
“اتكلمي بأدب وبأسلوب كويس وبعدين ماشية حافية ورايحة فين بمنظرك ده”
“أولاً أنا مؤدبة وأسلوبي كويس، ثانياً مش هاقدر البس حاجة بكعب دلوقتي، ثالثاً مالكش دعوة بيا وسيبني امشي”
“خليني اوضحلك حاجة انتي مش قادرة تشوفيها من يوم ما دخلتي الشركة دي بس لآخر مرة الفت نظرك ليها، أنا بدر الدين الخولي، اللي من غيري الشركة دي كانت هتقع في يوم من الأيام، يعني كل اللي فيها بيرجعلي قبل ما ياخد خطوة، والكل عارف حدوده كويس معايا عشان مأذيهوش.. فأنتي باللي بتعمليه ده بتجني على نفسك، بس ارجع وأقول إنك عيلة صغيرة مش عارفة الصح من الغلط، وعشان كده هاسيبك لغاية بكرة الصبح عشان تقرري، يا تيجي بكرة وتبدأي شغلك معايا يا هأذيكي.. وأعتبري إن اللي قولتهولك ده فرصة وفي نفس الوقت تحذير!” نظر لها بعيناه الثاقبتان لتشعر هي بالإرتباك الشديد ثم أقترب منها وبنفس الوقت أجرى مكالمة هاتفيه ليسألها “مقاس رجلك كام؟!”
“38” اجابته ثم عقدت حاجباها متعجبة لسؤاله
“هاتلي Ballerina سودا مقاس 39” رفعت حاجباها في دهشة بينما هو اعاد هاتفه لسترته ونظر لها ملياً لتنفجر هي بالكلام
“تأذيني بتاع ايه؟ أنت أصلاً مالكش عندي حاجة، واسمع بقا أما أقولك عشان كده اللي بتعمله ده زاد عن حده، أنا جيت هنا عشان اتدرب مع شاهي، والبيت شاهي وماما نجوى موافقين إني أكون معاهم، سواء هنا أو هناك تبعد عني وملكش دعوة بيا تاني ابداً.. كفاية عصبيتك وكلامك السم اللي كل شوية بسمعه” صاحت بجرأة لينظر لها نظرة ارعبتها بالرغم من تحاملها على نفسها ومحاولاتها اللانهائية في التغلب على توترها وخوفها منه.3
“أفتكري كل كلمة قولتيها وأنا أوعدك إنك هتتحاسبي عليها، وحسابها هيكون غالي اوي عليكي” ابتسم متهكماً لتنظر له هي بإنفعال وعيناها تصرخ غضباً
“هافتكر.. وهتشوف إنك مش هتقدر تعملي حاجة”
“أما نشوف” اخبرها بتهكم لتلتفت وتغادر ولكنه استند على الباب بيده لتلتفت له مرة أخرى لتجده قريب للغاية منها حتى شعرت بأنفاسه الساخنة على وجهها فنظرت له في ارتباك وابتلعت لعابها “لما تبقي تلبسي حاجة في رجلك هبقى اسيبك تمشي، مش هستنى حد يقول كلمة على بدر الدين الخولي، ادخلي الحمام وغيري الشراب اللي انتي لابساه وبعد كده ممكن تغوري حتى في ستين داهية عشان ارتاح من وشك!” همس لها بكراهية تنهال من عيناه ولكن قربه منها وترها للغاية ليمكثا لدقائق على هذا الوضع يحدقان بعينا بعضهم البعض في صمت تام ليبتلع هو ثم انتقلت عيناه لشفتاها الكرزيتان في تلقائية عندما تآكلتهما في ارتباك وبدأت أنفاسه في التثاقل ليقترب منها أكثر وآخذ يُفكر ماذا لو أطاع ذلك الشعور الداخلي بأن يقبلها، مرة واحدة فقط ليرى كيف مذاق تلك الشفتان، لن يحدث شيئاً، هي تبدو مستسلمة للغاية، لن تمانعه، وحتى لو مانعته، سيبرر لها فيما بعد، أهم شيء هو أن يتذوقها الآن ويريح ذلك الإلحاح بداخله بأي شكل.11
رائحة أنفاسه الرجولية تشتتها داخلياً، لماذا يقترب منها بهذا الشكل بعد أن تلفظ لها بأبشع الأقوال؟ لماذا لسانها عُقد ولا يستطيع الحديث؟ تود أن تصرخ، أن تقول له ابتعد ولكن صوتها لا يغادر حلقها، قوتها انعدمت، لا تستطيع التحرك، لا تستطيع السيطرة على أنفاسها المتهدجة، تشعر بالخجل الشديد من اقترابه، لا تستطيع أن تنظر لملامحه أكثر بعد الآن لتنظر للأرض لتجده فجأة يلامس أسفل ذقنها بسبابته مُرغماً اياها على أن تنظر لعينتيه الثاقبتين مرة أخرى بينما ابتلع لترى بعنقه تفاحة آدم تحدث زوبعة بتحركها ذلك ليزداد ارتباكها وأقترب لها أكثر حتى لفحت شفتاها سخونة أنفاسه وكاد أن يقبلها ولكن أفاقهما تلك الطرقات على الباب ليحمحم بدر الدين وتفر هي هاربة لحمام مكتبه وبداخلها عاصفة من المشاعر لا تستطيع التحكم بها.
رائحة أنفاسه الرجولية تشتتها داخلياً، لماذا يقترب منها بهذا الشكل بعد أن تلفظ لها بأبشع الأقوال؟ لماذا لسانها عُقد ولا يستطيع الحديث؟ تود أن تصرخ، أن تقول له ابتعد ولكن صوتها لا يغادر حلقها، قوتها انعدمت، لا تستطيع التحرك، لا تستطيع السيطرة على أن…
لا يدري لماذا هذه الأيام عاد لتلك العادة السيئة ولا يستطيع التوقف عن التدخين طالما هو وحده، وقف في شرفته وهو يُفكر بتلك اللحظة التي جمعتهما وكاد أن يقبلها، تلك اللعينة لم تعترض اقترابه كما لم تعترض اقتراب كريم منها تلك الليلة بالحديقة عندما رآهما، تلك اللعينة تريد أن تخدعه هو الآخر.. لا.. لن يحدث ولو بعد مائة سنة!!
إن لم تأتِ بنفسها وتقر بأنها قبلت أن تعمل معه سيجعل أيامها بلون الليل الحالك، هذا هو الحل الوحيد ليبعدها تماماً عن كريم ويعرف ما الذي يجمعهما، يعرف أن شاهندة طيبة للغاية، قد تستغلها فتاة مثل نورسين بمنتهى السهولة، كذلك نجوى والدته تلك المرأة التي لطالما وقفت لأبيه ودافعت عنه دائماً واحتمى بها منه قد تستغلها هي الأخرى، إنما هو فلا.. لن يحدث هذا معه..2
وقف يحدق بالفراغ في شرفته لا يرتدى سوى بنطالاً قطنياً اسود اللون واضعاً يد بجيبه والأخرى امسكت بالسجائر التي لا يستطيع تركها ليتنهد مجدداً وهو يُفكر بها مرة ثانية وبتلك الطريقة التي يخفق قلبه بها عندما يقترب منها.
لمح كريم يدلف للمنزل بعد أن ترجل من سيارته ليعقد حاجباه وكاد أن يرتدي قميصاً ويذهب ليتفقد إلي أين سيذهب كريم فلربما سيذهب لنورسين مرة ثانية ولكنه فوجأ بطرقات على باب غرفته ففتح ليجد أن الطارق هي من لم يبارح عقله التفكير بها
“عايزة ايه؟!” سألها بهدوء خالف الغضب الذي بداخله لترفع رأسها ناظرة إليه بزرقاوتان مرتعدتان
“أنا هاشتغل معاك.. مش.. مش..” تلعثمت وهي تهز رأسها في انكار ثم أكملت بصعوبة “مش هاكمل مع شاهي ولا هاسيب الشركة” عقد حاجباه لمظهرها الذي يثير التساؤلات العديدة بعقله ولم تعطه الفرصة للتحدث معها وغادرته على الفور مسرعة وكأنما تهرب من شيء ما.5
” تلعثمت وهي تهز رأسها في انكار ثم أكملت بصعوبة “مش هاكمل مع شاهي ولا هاسيب الشركة” عقد حاجباه لمظهرها الذي يثير التساؤلات العديدة بعقله ولم تعطه الفرصة للتحدث معها وغادرته على الفور مسرعة وكأنما تهرب من شيء ما
قبل قليل بغرفة نورسين..
لماذا تشعر بكل ذلك الإرتباك أمامه هو؟ ليس مثل زياد ولا كريم ولا حتى زوج والدتها، لماذا كل شيء معه مُربك ويوترها قربه للغاية، نظراته تلك، أنفاسه الساخنة، لماذا اعتنى بها عندما التوى كاحلها اليوم؟ ولماذا اقترب منها بتلك الطريقة عندما أخبرته أنها ستذهب ولا تريد العمل معه؟ وبعد كل ذلك يأتي ليخبرها بتلك الكلمات اللاذعة وترى الكراهية تفيض من عينيه ودائماً هو غاضب!!
“ملك الكون!!” تمتمت وهي تهز رأسها في سخرية ثم فتحت هاتفها بعد أن وصدت بابها جيداً لترى رسالة من كريم
“طيب واضح إنك مبتسمعيش الكلام.. بس أنا بردو لسه عايزك ومتأكد إنك عاوزاني ومحتاجاني.. عايز ردك عليا يكون النهاردة بليل، هطلعلك زي امبارح في نفس الوقت.. وأول وآخر مرة اتصل بيكي واقولك تعاليلي ومتجليش”
تصلبت زرقاوتاها بشاشة هاتفها وهي لا تدري ما الذي عليها فعله، تلك الرسالة منه بتلك الطريقة لا توضح أنه يبتزها ولكن هي تعرف جيداً ما يقصده.5
آخذت تجوب غرفتها في رعب تام، لن تستطيع إخبار شاهندة، هي حتى لم تراها منذ عودتها في وقت متأخر من الشركة حيث أرهقها بدر الدين بمراجعة كل تلك الأرقام اللعينة ولم يسمح لها بالمغادرة، بالطبع لن تستطيع الرفض فإنه سيخبر بدر بالخطة تلك التي سيصدقها بالطبع وهو الذي لم يكف عن إخبارها بأنها تلاعبت برأس زياد وأنها مُستغلة وطماعة ولا تريد شيئاً غير الأموال ليس إلا..
حسناً.. كيف عليها الإبتعاد عن كريم؟ آخذت تفكر مرااً وتكراراً حتى وجدت الحل الوحيد أن تُثبت لبدر الدين براءتها، ستكون بجانبه طوال اليوم، أمام عيناه، ستعمل معه حتى عودة سكرتيرته وسترى بعدها كيف ستتصرف مع كريم!
غادرت غرفتها مُسرعة بعد أن وصدت هاتفها مرة أخرى خوفاً من أن يتحدث معها أو يرسل لها برسالة لتخبر بدر الدين ذلك وبداخلها تدعو ألا ترى وجه كريم بطريقها..
البارت التاسع

جلست ودموعها تنهمر في صمت.. خائفة من أن تخرج من باب غرفتها؛ ودت لو فقط ذهبت لشاهندة وبكت بين ذراعيها في عناق حنون. لماذا كل ذلك يحدث لها؟ لماذا عليها أن تتحمل حقارة كريم وكراهية بدر وعناده؟ لماذا عليها كلما أشتاقت لمنزلها التي قضت به أحلى أيام عمرها الصغير تتذكر دناءة زوج والدتها؟
ماذا تفعل الآن وأين تذهب وهي حرفيا لا تملك أحد بالحياة؟ أستظل بذلك المنزل؟ أستظل تحتمي بسراب؟ ماذا لو كريم فعلها حقاً وأقنع بدر الدين والجميع بأن كل ما حدث قد خططت له مُسبقاً مع زوج والدتها لتأتي لذلك المنزل حتى تستفيد منهم مادياً؟ أحقاً سيصدقون؟ أيملك دليلاً على كلامه؟ ربما ذهب ليُسري وأتفق معه على كل شيء.. ولكن يبقى السؤال، لماذا يريدان أن يفعلا بها كل ذلك؟
تكورت بسريرها تبكي وحدها وهي تشعر بإشتياق لا نهائي لوالدتها، ودت لو تزورها، ودت لو فقط حصلت على عناق يجمعها بها قبل أن تذهب، لم تكن تتصور أنها ستذهب وستتركها بكل هذه السهولة، دون وداع، دون عناق، دون أي شيء ليبقى الذكرى الأخيرة بينهما لتتذكرها بها.
ظلت تنتحب وتبكي والأفكار تدوي بعقلها وهي مرتعدة وتراقب الساعة، تعلم جيداً أنه لم يتبقى على مجيء كريم الكثير من الوقت، تحاول أن تهدأ نفسها وستتظاهر بالنوم وسيمر كل شيء على خير.. أو هكذا تتمنى!3
ماذا بها لتأتي له في تلك الساعة المتأخرة من الليل وتخبره بهذا الآن؟ لماذا بدت بذلك الخوف الذي كان جلياً على وجهها ونظراتها كالشمس في وضح النهار؟ أيُعقل أنها تخفي شيئاً ما مجدداً لا يعلم عنه شيء؟
ماذا بها لتأتي له في تلك الساعة المتأخرة من الليل وتخبره بهذا الآن؟ لماذا بدت بذلك الخوف الذي كان جلياً على وجهها ونظراتها كالشمس في وضح النهار؟ أيُعقل أنها تخفي شيئاً ما مجدداً لا يعلم عنه شيء؟2
ظل يتجول بغرفته إلي أن شعر بالإختناق فجذب قميصاً قطنياً قصير الكم ثم ارتداه وتوجه للخارج حتى يتمشى قليلاً بالحديقة وهو يُفكر ليشعر بحركة على الدرج فتريث وهو يحاول أن يعلم من الذي يصعد او يهبط الدرج.
تخفى جيداً وهو يحاول النظر ليجده كريم ليضغط أسنانه في حنق وهو يراقبه ليجده يتوقف عند غرفة نورسين ومد يده ليفتح الباب فوجده موصد..
طرق كريم الباب أكثر من مرة وفي النهاية ابتسم في غضب ممزوج بالغيظ من فعلتها ثم توجه ليهبط الدرج مرة أخرى ولم يرى عينا الصقر تلك التي تتابعه ورآت كل ما فعله..1
شعر وكأنما الغضب يجري بعروقه بدلاً من الدماء، حسناً، هو الآن تأكد أن هناك شيئاً بينهما، لا يوجد أي عذر أو سبب أو مبرر لذهاب رجل لفتاة بعد الساعة الثانية صباحاً غير أمر لا يستطيع أياً منهما أن يواجهها به الجميع.
فارت دماءه بعد أن غلت بعروقه ليتوجه للأسفل وآخذ يجوب الحديقة في نفاذ صبر وبالكاد منع نفسه من الذهاب وجذب كريم من جانب أخته وإبراحه ضرباً إلي أن يموت أسفل يداه، أما تلك اللعينة الأخرى فهو تمنى لو جذبها من شعرها وألقاها خارج منزلهم للأبد ولكن لا.. سيكشفهما أمام الجميع، عاجلاً أم آجلاً سيفعلها ويومها لن يرحم أياً منهما.7
مرت الليلة على الجميع، منهم من يشعر بالحزن الشديد، ومنهم من يشعر بالغيظ ويُخطط للكثير من الأفعال المشنية التي سيتخذها ضد هذا الرفض، وأحدهم كاد أن يحترق غضباً، وأما شاهندة فهي لا تطيق ما فعله بدر الدين منذ أمس
مرت الليلة على الجميع، منهم من يشعر بالحزن الشديد، ومنهم من يشعر بالغيظ ويُخطط للكثير من الأفعال المشنية التي سيتخذها ضد هذا الرفض، وأحدهم كاد أن يحترق غضباً، وأما شاهندة فهي لا تطيق ما فعله بدر الدين منذ أمس.
جلس جميعهم حول طاولة الإفطار وبدر يوزع نظراته ويحاول أن يتمسك بهدوءه قدر الإمكان ولمح تلك النظرة من كريم لنورسين ليصر أسنانه في غضب شديد بينما لاحظ أن شاهندة يظهر على وجهها الحزن وليست مبتسمة ببشاشة مثل كل صباح.
“ايه يا ولاد خير.. مالكم ساكتين كده” صاحت نجوى وهي تنظر لأولادها، فحتى زياد الصغير المشاكس لم يتكلم مثل كل صباح.
“معلش يا ماما أنا ماشي عشان ورايا شغل كتير.. سلام” قبل زياد رأس نجوى ثم غادر ليتعجب الجميع من طريقته
“يا ما شاء الله.. من امتى وزياد عنده شغل كتير؟” صاحت هديل وهي تُجبر شفتاها على الإبتسام ثم همست لزوجها “وده من امتى بيحصل وأنا نايمة على وداني؟” سألته لينظر لها بإبتسامة ثم اجابها بهز كتفاه بأنه لا يعلم
“ربنا يهديه” صاحت نجوى التي نظرت لنورسين
“مالك يا حبيبتي؟ أنتي كويسة؟ ولا لسه رجلك من امبارح بتوجعك؟” تسائلت نجوى بإهتمام بعد أن لاحظت شرودها لتتلمس شاهندة كتفها في حنان ولاحظت أنها لم تأكل شيئاً وكانت تعبث في طعامها ليس إلا
“نور؟ أنتي فيه حاجة مضايقاكي؟” حركت يدها في ود على ذراع نور التي كانت شاردة تماماً
“هه.. بتقولي ايه؟!” رفعت نظرها لها
“احنا بنكلمك من الصبح.. مخدتيش بالك ولا ايه؟”1
“أنا آسفة يا شاهي.. معلش”
“من غير آسف يا حبيبتي..” صاحت نجوى بإبتسامة بينما بدر يحترق بداخله على تلك الطريقة التي يعاملوا بها تلك اللعينة المُخادعة “مال وشك كده مخطوف؟ أنتي تعبانة؟” تسائلت نجوى في قلق1
“لا لا يا ماما.. أنا كويسة.. بس معرفتش أنام كويس امبارح..” اجابت بأي كلمات وجدتها منطقية لينظر لها كريم بإبتسامة متهكمة بينما لاحظه بدر جيداً.
“يالا عشان نمشي” صاح بدر الدين ليلتفت له الجميع بينما تعجبت نجوى
“تمشوا؟! مين دول اللي يمشوا؟”
“ياااه.. واضح انها مقالتلكوش انها هتشتغل معايا لغاية ما سكرتيرتي ترجع من اجازتها” أخبرهم بدر ليشرق كريم وسعل لتناوله هديل المياة وتفحصه ليبتسم بدر نصف ابتسامة لم تقابل عيناه لتنظر شاهندة لنور في دهشة “يالا عشان منتأخرش!!”
“استنى يا بدر أنا عاوزة أتكلم معاك شوية” أخبرته نجوى ثم نهضت “تعالى نتكلم في المكتب” أخبرته ليتبعها في صمت تام.
“كده.. وكنتي ناوية تقوليلي امتى؟” صاحت شاهندة في انفعال
“ممكن نتكلم في الجنينة؟” استئذنت منها لتنهضا سوياً ويتوجها للخارج.
“طيب يا جماعة.. أنا هقوم عشان متأخرش وعندي اجتماع بدري.. اشوفك يا كريم في الشركة.. سلام” استئذن حمزة منهم بلباقة ثم تركهما وغادر.
“حلو اوي اللي بيحصل ده، أسرار في البيت وبلاوي بتحصل في الشركة وأنت نايم على ودانك! وأنا معرفش حاجة” صاحت هديل ليلتفت لها كريم متآففاً1
“يعني عاوزاني أعمل ايه؟ ادخل جوا دماغ بدر الدين ولا أعرف أنا منين إن نور بقت بتشتغل معاه، أشم على ضهر ايدي مثلاً ولا اعمل ايه عشان ابسطك.. ما أنتي شوفتي اهو بعينك شاهي نفسها مكانتش تعرف..”
“عايزاك تفوق.. تفهم اللي بيحصل حواليك.. عايزاك متضيعش سنين تعبنا هدر.. تعرف البنت اللي دخلت حياتنا دي أصلها وفصلها ايه، الأول زميلة زياد وبعدين حبيبة شاهي وفجأة بقت مع بدر الدين غير مدح ماما ليها طول الوقت، مش شايف إن فيه حاجة غلط بتحصل؟”
“ولا شايف ولا مش شايف.. أنا ماشي، سلام!” غادر كريم قبل أن يتحول هذا الجدال لخصام جديد بينهما.
“ماشي.. أولد بس وأفوقلكم.. هانت، هانت أوي..” تمتمت لنفسها ثم تركت الطعام هي الأخرى.5
” تمتمت لنفسها ثم تركت الطعام هي الأخرى
“مالك يا بدر فيه ايه يا حبيبي؟ شايفاك متضايق اليومين دول، فيه حاجة مضايقاك؟” تحدثت له نجوى في لين وهدوء وسألته ونظرت له ملياً وهي منتظرة اجابته
“مفيش يا أمي.. أنا تمام”
“طب مش عيب، لما تيجي تخبي على حد متنساش إن هو اللي مربيك.. أحكيلي بقا يا سيدي مضايق ليه من نور؟” سألته ليعقد حاجباه وتسائل بداخله كيف عرفت
“لا مش متضـ..”
“بلاش تكدب عليا أنا.. احكيلي وفهمني فيه ايه!” قاطعته ليزفر هو
“أنا مش مطمنلها.. فيها حاجة مش طبيعية، مش قابل دخولها وسطنا كده”
“طيب بنت مكانها تعمل ايه؟ اديك شايف جوز امها، شكله راجل نصاب وطماع”
“يا أمي بس مينـ..”
“اديها فُرصة تانية يا بدر، احنا اللي بنعمله معاها ده لوجه الله، عمر ما ربنا هيضيع حاجة كده لوجه الله من غير ثواب، حتى لو هي انسانة مش كويسة ربنا هيكشفهالنا” نظرت له وابتسمت بعذوبة ثم ربتت على كتفه “حاول يا بدر عشان خاطري، أنا فاهمه انك خايف علينا دايماً وخايف اي حاجة وحشة تحصلنا، وأنا أوعدك لو اي حاجة ثبتت إن البنت دي مش تمام أنا بنفسي مش هاسكت”
“حاضر يا أمي.. بعد اذنك عشان امشي”
“روح يا حبيبي.. ربنا يوفقك” نظرت له بينما يغادر لتتمتم “امتى يا بدر هاحس انك انسان طبيعي؟ لا وأنت صغير ولا وأنت كبير.. ربنا يريح بالك يا ابني ويسعدك”4
ربنا يريح بالك يا ابني ويسعدك”
“شاهي معلش.. أنتي عارفة أخوكي كويس.. أنا بس عايزة أخلص من كرهه ليا، يمكن موضوع شغلي معاه ده يخلصني شوية من عصبيته، وكلها شهر ورنا ترجع”
“بس كنتي تعرفيني، متسبنيش كده زي الأطرش في الزفة”
“معلش حقك عليا.. أنا مش متظبطه من امبارح، رجليا اتلوت وبعدين قعدت اشتغل كتير مع بدر ولما رجعت حسيت إن ماما وحشاني..” تريثت للحظة لتنظر لها شاهندة في آسى “وحشتني اوي يا شاهي.. نفسي اروح ازورها” تساقطت دموعها لتحتضنها شاهي وربتت على ظهرها في ود وحنان
“ربنا يرحمها.. ادعيلها يا نور”
“كان نفسي احضنها قبل ما تمشي.. كان نفسي اخر يوم معاها يبقا يوم مختلف وافضل معاها طول اليوم.. ليه معرفتش اللي هيحصل، ليه كده تمشي وتسبني فجأة واحدة” نحبت وتعالى صوت بُكائها لتستمر شاهندة في معانقتها والربت على ظهرها لتحاول أن تهدئها.
استمع بدر الدين لكل ما قالته وجزء منه قد شعر بالشفقة لأجلها ونحيبها عاد ليقتله داخلياً، ولكن لم يظهر ذلك على ملامحه وعقدة حاجباه ثم ابتلع لعابه وتوجه نحوهما 1
“يالا عشان منتأخرش” صاح لها لتبتعد عن شاهندة التي نظرت لبدر الدين في لوم “اعملي حسابك هتروحي وتيجي معايا” املى كلماته عليها لتندهش شاهندة التي اختارت ألا تتحدث له لأنها لازالت غاضبة منه أما نورسين فقد سكتت عن الكلام وأماءت بالموافقة ليتعجب بداخله وآخذ يُفكر أي خطة تُحيكها الآن بعقلها.
دلفا السيارة وشرع بدر الدين في القيادة وجو الصمت يخيم عليهما معاً ليكسره بدر بسؤاله “كنتي بتعيطي ليه؟” نظرت له بطرف عيناها الزرقاوتان لتنهمر دموعها وهي تجيب
“ماما وحشتني اوي.. كان نفسي تكون معايا.. كان زمان كل حاجة أحسن”
“ربنا يرحمها” اخبرها بإقتضاب ولعن داخل نفسه على بكائها هذا الذي يُحدث عاصفة داخله ثم آخذ يقود السيارة في صمت حتى دلفا المرأب ومنها للمصعد.1
“ربنا يرحمها” اخبرها بإقتضاب ولعن داخل نفسه على بكائها هذا الذي يُحدث عاصفة داخله ثم آخذ يقود السيارة في صمت حتى دلفا المرأب ومنها للمصعد
“مبحبش الكلام الكتير والفركشة والهرجلة، النظام عندي مهم جداً والنضافة، أنتي مسئولة تتابعي ده مع المسئوليين عن المكتب.. مواعيدي كل يوم تتبعتلي الساعة خمسة ونص الصبح، أي مكالمة تجيلي بيتبعتلي بيها email أول بأول بكل الـ Data (معلومات) بتاعت اللي اتصل ورقمه عشان لو عايز أكلمه تاني.. القرارات أنا اللي باخدها يعني مفيش حاجة تعمليها غير لما ترجعيلي.. لأي سبب كان استحالة تسيبي المكتب وتمشي أو آجي مالاقيكيش، ساعات هتحضري معايا Meetings (اجتماعات) برا، وقليل لما هنسافر إذا كان فيه حاجة تستدعي حضورك هتيجي معايا.. الحجوزات أنتي اللي بتعمليها بعد ما اديكي (confirmation) على المعاد المناسب ليا.. فيه list (قائمة) فواتير هبعتهالك بتدفع كل يوم 1 في الشهر.. وفيه Visa تلاقيها في مكتب رنا، دي بتكون لأي حاجة أطلبها وكل يوم 30 في الشهر بتوريني كشف مصروفات باللي أنتي عملتيه، ده غير طبعاً إنك مسئولة عن كل الأوراق والملفات اللي بستخدمها وترتيبها.. فيه حاجات هبعتهالك ببقا عايزك تدوري عليها وتجبيلي عنها معلومات وتبعتيهالي منظمة في Email .. الغدا كل يوم الساعة اتنين ونص بالدقيقة يكون قدامي، القهوة الساعة تسعة وواحدة ونص وأربعة، قهوتي سادة.. شغلك معايا ممكن يستمر لبعد الساعة خمسة وده بيكون على حسب كل يوم تيجي تعرفيني أو تكلميني قبل ما تمشي، موبايلك دايماً معاكي لأنك مش هتشتغلي في الشركة وبرا كمان.. ساعات بيكون فيه Personal tasks (مهام شخصية) ليا هتخلصيهالي.. أول شهر ملكيش اجازات خالص.. الـ breaks (مواعيد الراحة) بتاعتك ساعة، نص ساعة من 11 لـ 12 ونص ساعة من 2 ونص لغاية 3.. والرسمية اهم حاجة عندي.. وكل اللي قولتهولك ده حاجة والسرية عندي حاجة تانية، اي حاجة بتحصل في مكتبي أو أي حاجة بكلفك بيها متطلعش برا حتى لو قولتلك صباح الخير.. مفهوم؟!” آخذ يملي عليها واجباتها ومسئولياتها وهي تكتب أمامها في مُذكرتها وبعد أن توقف تمتمت هي في خفوت 6
“أنا قولت ملك الكون!!” همست في سخرية وهي تتلقى كل تلك الأوامر دفعة واحدة ليعقد هو حاجباه في تعجب2
“بتقولي حاجة؟!”
“مفهوم يا Mr بدر” نظرت له بتلك الزرقاوتان وهي تتصنع الجدية لينظر لها في غضب مضيقاً عيناه ثم أشار لها لتخرج ففعلت بسرعة وتوجهت لمكتب رنا الذي سيصبح مكتبها من اليوم.
“ده ايه الشغل المعفن ده.. ناقص يقولي قبل ما تدخلي الحمام تستأذني مني.. وايه قهوته وأكله دول اللي انا المفروض مسئولة عنهم؟ كنت خلفته ونسيته أنا؟! يارب اليومين دول يعدوا على خير ومن غير مشاكل” تمتمت ثم بدأت في اشعال حاسوبها ونقلت كل ما أملاه عليها ثم فتحت موبايلها وآخذت تضع كل تلك المواعيد التي أخبرها عنها كمنبهات حتى لا تنسى ثم توجهت لتكتشف مكتب رنا وما يحتويه من أوراق وملفات حتى لا يسألها عن شيء وتكون على عدم معرفة به.2
آخذ يراقب ما تفعله خلال الكاميرات الموصولة بمكتبها وهو غارق في تفكيره بتلك الفتاة التي استحوذت على عقل الجميع وهو لا يدري كيف سيكشف خطتها وعلاقتها هي وكريم أمام الجميع.
أقسم بداخله أنه لن ينخدع بهذا الوجه البريء وتلك الدموع المُزيفة وسيبرهن لعائلته أنها مجرد محتالة صغيرة لا تريد سوى الأموال السريعة التي ظنت أنها ستملكها بمجرد معرفتها بزياد.
رن هاتفها مُعلناً عن اقتراب موعد قهوته ولم تصدق أن الساعة أقتربت من الواحدة والنصف فتوجهت لتصنع له القهوة بملحق صغير بمكتبها يحتوي على كل ما تحتاجه لصنعها فصنعت له قهوته ثم طرقت الباب لتسمع صوته صادحاً بالسماح لها بالدخول ففعلت ووضعت القهوة على مك…
رن هاتفها مُعلناً عن اقتراب موعد قهوته ولم تصدق أن الساعة أقتربت من الواحدة والنصف فتوجهت لتصنع له القهوة بملحق صغير بمكتبها يحتوي على كل ما تحتاجه لصنعها فصنعت له قهوته ثم طرقت الباب لتسمع صوته صادحاً بالسماح لها بالدخول ففعلت ووضعت القهوة على مكتبه وكادت أن تخرج ولكن أوقفها صوته
“هبعتلك كل حساباتي في البنوك، عايز أعرف كل حساب فيه قد ايه، عندك الـ Online banking تقدري بالـ User name والـ Password (اسم المستخدم وكلمة السر) تعرفي اللي أنا عايزه، الحاجات دي تخلص قبل الغدا” التفت لتومأ له
“حاضر، حضرتك محتاج حاجة تانية؟” سألته ليومأ لها بالنفي فخرجت وهو بداخله يبتسم وسينتظر أن يرى كيف سيكون رد فعلها بعد أن ترى كل تلك الأموال.
ظل يراقبها ولكنه لم يرى شيء يثير ريبته، وما أدهشه حقاً هو إرسالها لكل ما طلبه منها في خلال نصف ساعة، لاحظ حيوتها وطريقة عملها المتسمة بالنشاط والإلتزام ليتعجب من كل ما تفعله ولكنه صمم ألا ينخدع بكل ذلك..5
أعدت له غداءه بعد أن طلبته ثم نظمته على صينية وطرقت الباب في تمام الثانية والنصف لتدخله إليه ثم أقتربت لتضعه على مكتبه بينما أشار لها أن تضعه أمام الأريكة ففعلت ثم توجهت للخارج دون أي كلام.
جذب حاسوبه وتوجه ليراقب ماذا ستفعل في وقت الراحة الخاص بها ليجدها تدلك عنقها في تعب ثم سندت يدها على مكتبها وأراحت رأسها عليه لتبدو مُرهقة وتعجب أنها لم تتناول شيء طوال اليوم بل هي حتى لم تترك المكتب ولم تتحرك ليزداد تعجبه من كل ما تفعله تلك الفتاة.1
وجد بابها يُفتح ويدخل زياد لترفع هي رأسها وبدأت مه بحوار ففعل الصوت حتى يسمع كل شيء..
“ايه.. فجأة كده أعرف إنك بقيتي مع بدر وسيبتي شاهي؟”
“زيزو.. عامل ايه؟” ابتسمت له بإقتضاب
“أنا تمام.. نفسي أخرج اوي واغير جو.. تيجي نخرج النهاردة بليل؟”
“مش عارفة أخوك هيديني شغل تاني ولا لأ.. سيبها بظروفها، لو خلصت بدري ممكن نخرج” اجابته بينما صدح هاتفها بالرنين ولكنها أطفأته ووضعته جانباً
“يااه.. بقيتي سكرتيرة بدر الدين أوي في نفسك كده من أول يوم.. بس بردو أنتي مش عجباني بقالك كام يوم، أنتي كويسة يا نور؟” سألها وهو ينظر لزرقة عيناها لتهز رأسها
“أنا تمام.. متقلقش عليا”
“طيب تيجي نروح ناكل اي حاجة في التلت ساعة اللي باقيالك دي؟”
“لا أنا تمام.. مليش نفس” أجابته بعد أن تعجبت أنه يعرف مواعيد راحتها “أنت عرفت منين ان باقيلي تلت ساعة؟”
“الشركة كلها تعرف.. ده نظام بدر من زمان” اجابها بإبتسامة لتومأ له
“وحشتيني اوي يا نور” أخبرها ثم بجرأة مد يده ليزيح خصلاتها الحريرية خلف أذنها لتبتعد هي عنه
“ايه يا زياد فيه ايه.. لو سمحت متعملش كده تاني” صاحت بإنفعال بينما بدر الدين تآكله الغضب مما يفعلا وقطب زياد جبينه
“عادي يعني أنا مقصدش حاجة، وبعدين شكلك كده بيكون أحلى”
“لو سمحت بقولك متعملش كده تاني!!” صاحت في عصبية ثم نهضت وولته ظهرها وكاد بدر الدين أن ينهض ويصب غضبه عليهما ولكن دخلت شاهندة مكتبها بإبتسامتها البشوشة دائماً3
“وحشتيني يا نور هانم” أخبرتها لتلتفت لها نور مبتسمة
“وأنتي أكتر”
“خلاص عاجبك الشغل مع بدر وهـ..”
“أول ما رنا ترجع هرجعلك أنا كمان متقلقيش” قاطعتها بإبتسامة
“ماشي أما نشوف.. صحيح فيه فيلم هموت وأشوفه وحمزة مش فاضي، تيجي نروح نتفرج عليه سوا بليل؟”
“لا أنا حاجز قبل منك.. لو خلصت قالت هتخرج معايا أنا” صاح زياد ليخلل بدر الدين شعره غاضباً وأغلق حاسوبه وتوجه للخارج
“ايه الدوشة دي.. اتفضلوا كل واحد على مكتبه.. وأنتي تعالي عايزك” صاح بالجميع ليبتلع زياد ثم توجه للخارج بينما نظرت له شاهندة في غضب وعتاب شديد وتوجهت هي الأخرى للخارج بينما فعلت نورسين ما آمر به.
“هو ده النظام اللي قولتلك عليه؟!” صاح بها لتنظر له في آسى
“أنا آسفة” همست ليعقد حاجباه فذلك لم يتوقعه منها، لقد توقع أن تصرخ به، أن تخبره بأن الصوت لم يكن عالياً، أنها في وقت راحتها ولكن أن تعتذر!! حسناً لقد فاقت توقعاته..
“شيلي الأكل ده واندهي حد يجي ينضف” آمرها ثم وضع يداه بجيبي بنطاله
“حاضر” توجهت تحت عيناه الثاقبتان لتنحني ثم حملت الصينية وخرجت ثم فعلت ما آمرها به واستدعت مختصي النظافة ثم جلست على مكتبها وأكملت عملها.
مرت ثلاثة أسابيع على هذا الوضع، هو يراقبها ويتعجب لأنها لم تثير قلقه بأي شيء، لا يراها مع كريم أبداً، تصد زياد بكل مرة يحاول أن يتقرب منها، لا تتحدث سوى لشاهندة ولا تقوم بأية نشاطات إلا معها هي فقط، كاد عقله أن يُجن من كل تلك التصرفات، لقد ظن بالب…
مرت ثلاثة أسابيع على هذا الوضع، هو يراقبها ويتعجب لأنها لم تثير قلقه بأي شيء، لا يراها مع كريم أبداً، تصد زياد بكل مرة يحاول أن يتقرب منها، لا تتحدث سوى لشاهندة ولا تقوم بأية نشاطات إلا معها هي فقط، كاد عقله أن يُجن من كل تلك التصرفات، لقد ظن بالبداية أنها مُستغلة وتبحث عو الثراء السريع لتُثبت له كل يوم أنها ليست كذلك.
أثقل عليها بكثرة الأعمال لأوقات متأخرة وحتى أيام أجازتها ولم تبدي هي أي أعتراض يُذكر، يتذكر كلما عادا متأخران وغفت أحياناً بالسيارة لكثرة ارهاقها ولكنها لم تشتكي أبداً من أي شيء..
لقد رآى كريم أكثر من مرة يهاتفها وينظر لها تلك النظرات المُريبة ولكنها لا تستجيب لأي مما يفعله، حتى عندما يذهب لغرفتها دائماً ما تكون موصدة بينما رآى انفعال كريم الذي يزداد مرة مع مرة ليزداد غضب بدر الدين من كل ذلك..
لا يعرف ماذا يفعل! لا يعرف كيف يُفكر! لابد من أن خلفها شيئاً ما! لابد أنها تُخفي كل شيء ببراعة تامة حتى لا يلاحظه، سيعرف عاجلاً أم آجلاً.. 7
كره تحكمها الدائم به وهو الذي تعود السيطرة على كل شيء، يجد نفسه دائماً يحدق بها وبتفاصيلها رغماً عنه، لن يُنكر أنها تثيره بل وبشدة، كلما اشتد عليه ما تفعله يذهب لمنزله حتى يُفرغ ذلك الإحساس بأن يتملك إمرأة ما ويمارس عليه ساديته وأبشع طرق التعذيب حتى يشعر بالكفاء ثم يعاود أدراجه لمنزل عائلته مرة أخرى.. ولكنه سأم كل هذا ولم يعد يحتمل.
“بدر.. يالا بسرعة.. هديل بتولد في المستشفى ولازم كلنا نكون معاها” قاطع شروده دخول شاهندة عليه بهرجلة ليوقفها قبل أن تغادر
“شاهي.. أنتي لسه زعلانة مني؟!”
“مش وقته يا بدر” نظرت له في عتاب “نشوف البطيخة دي هتجيبلنا ايه وبعدين نبقا نشوف أنا زعلانة منك ولا لأ!” أخبرته لترتسم على شفتاه ابتسامة بسيطة
“طيب روحي يالا وأنا هحصلكوا” أخبرها لتومأ له
“متتأخرش بس”
توجه لدولاب ملابسه وأخرج زياً غير رسمي ليرتديه متعجلاً ثم أمسك بمفاتيح سيارته وتوجه للأسفل حتى يلحق بالجميع ولكن المنزل بدا خالياً تماماً خاصة أن الساعة تعدت الثانية عشرة صباحاً.
آخذ يُكمل طريقه وخرج من المنزل لينسى أن هاتفه كان بغرفة المكتب منذ أن أنهى أعماله فتوجه إلي هناك حتى يآخذه فدلف بهدوء ودون أن يشعل الأنوار أقترب من المكتب ليبحث عن هاتفه ولكنه سمع أصواتاً تصدر من الحديقة فتوجه إلي هناك على الفور+
“… بردو.. هتقولي كده تاني..أنتي ليه مش عايزة تقدري إنك عايزك وبحبك.. أنا مبقتش بحب هديل، زهقت منها ومن حياتي معاها، إنسانة استغلالية وطماعة، أنا بحبك أنتي يا نور، كفاية بُعد عني..” شعر بالصدمة عندما سمع ذلك
“يبقا تسيبها، تسيبها وتبعد عنها، متفضلش معاها وتظلمها.. كل اللي بتقوله أصلاً مش مبرر إنك بتحب حد.. مينفعـ..” توقفت من تلقاء نفسها عندما رآت بدر الدين يحدق بعيناها بنظرة مرعبة جعلتها ترتجف وأقشعر جسدها بأكمله وتعالت نبضات قلبها وابتلعت لعابها في خوف تام!
البارت العاشر

سحق أسنانه وهو ينظر بعيناها الزرقاوتان بينما لاحظ كريم توقفها المفاجئ عن الكلام ليترك يدها ثم التفت ليلكمه موقعاً اياه أرضاً..
“ببدر.. متفهمش غلط.. أنـ.. أنا” تحدث كريم متلعثماً
“إخرس.. وأنتي بقا! جنيتي على نفسك” قاطعه بدر الدين ثم جذب يد نورسين وهو في قمة غضبه وتوجه لسيارته ليلقيها بها دافعاً اياها بالكرسي الأمامي ثم توجه لكرسي السائق وانطلق ليقود مُسرعاً بعصبية.
“متفهمش غلط ده كريم هو اللـ..” صاحت في خوف ليقاطعها بصفعة قوية لتندهش هي ثم سمعت زئير مكابح سيارته التي أوقفها فجأة4
“أنتي واحدة قذرة.. مش عايز اسمعلك صوت..” صاح بها بين أسنانه الملتحمة غضباً لتنظر له هي بزرقاوتان مصدومتان “فكراني نايم على وداني ولا طيب وغلبان زي أمي وأختي؟ لا يا هانم أنا شايف وساختك من أول يوم، عارف إنك شايفة زياد عيل وصغير ففكرتي توقعي كريم عشان يتجوزك لأنك أصلاً كلبة فلوس.. أنا عارف كل حاجة من بدري وشايفها كويس بس كنت مستني أواجهك، نسيتي اللي حذرتك منه، نسيتي إن بدر الدين الخولي حذرك بنفسه منه بس إنتي لعبتي لعبة مش قدها، أنا اديتك فرصة قولت يمكن أختى وأمي عندهم حق، إنما أنتي أوسخ واحدة شوفتها في حياتي.. أنا بقا هرميكي زي ما دخلتي ما بيننا.. هوريكي يعني ايه تلعبي معايا!! فكرك أهلي هسيبهم لحتة بت تلعب بيهم الكورة؟ ولا فاكرة هسيبك تدمري حياة أختي اللي عندها خمس ولاد؟ ده بعدك!!” صرخ بها ثم أكمل طريقه بسرعة جنونية لتتهاوى دموع نورسين في صمت وهي لا تصدق كل ما حدث.2
لقد كانت خائفة مما قد يفعله كريم هو ويُسري، إنما أن يكتشف بدر الدين بنفسه ويصدق أن يجمعهما شيئاً، هذا لم يخطر على بالها من قبل، والأسوأ أنه لم يعرف الحقيقة بأكملها، لابد وأنه أستمع لجزء من حديثهما فقط، ماذا ستفعل الآن وخاصةً أنه لن يتقبل أن يستمع لها أبداً؟!
أوقف السيارة بعنف مجدداً ثم نظر لها بإحتقار وكراهية شديدة وتحدث “لمي نفسك وإياكي تحسسي حد بحاجة لغاية ما الليلة دي تعدي على خير.. سمعاني يا قذرة” صرخ بها بغضب لتومأ هي له دون أن تنظر إليه ليترك السيارة ويغادرها وفعلت هي على الفور لتتبعه في صمت وهي تجفف دموعها.
دلفا الغرفة على هديل لتقع عينا بدر الدين الثاقبتان على كريم الذي جلس بجانبها وبمنتهى الحقارة يبتسم لها ويحمل طفلتهم الصغيرة بينما امتلئت الغرفة حولهما بإبتسامة الجميع والنظر لتلك الصغيرة
“بدر.. عقبالك يا حبيبي” همست هديل بإرهاق بينما نظرت إليه بإبتسامة “تعالى شوف زينة” اماءت له ثم قدمتها إليه ليبتسم بإقتضاب وتوجه نحوها2
“حمد الله على سلامتك يا هديل”
“الله يسلمك.. شوفت كريم جابلي ايه؟” أشارت بإصبعها الذي التف حوله خاتماً مرصعاً بالألماس ليومأ لها بدر الدين ولمح كريم بنظرة مُسرعة
“يعيش ويجبلك يا حبيبتي” أجاب بإقتضاب وتصنع الهدوء وهو بداخله بركان ثائر وصل أشد درجات غليانه لتتحدث نجوى
“يا سيدي على الحب.. طول النهار ناقر ونقير.. إنما فجأة كده بتقلبوا”
“ربنا ما يحرمكم من بعض أبداً ويخليكوا لبعض” صاحت شاهندة بإبتسامة بينما توجهت لتحمل تلك الصغيرة وتوجهت نحو نورسين التي وقفت بركن بالغرفة وهي تتحامل على نفسها أن تبدو طبيعية “عقبالك يا نور يا حبيبتي..” تقدمت نحوها لتحمل زينة لينظر لها بدر الدين وهي تحملها عاقداً حاجباه لتلاحظ نظرته إليها وتقابلت عيناها بعيناه الثاقبتان لثوانٍ ثم أرغمت نفسها على الإبتسام ونظرت للصغيرة..
“أنا بقا ماليش فيه.. تخلصي جامعتك وتجبيلي نونو صُغير يقولي يا تيتا.. مستنياكي بقا تسمعيني الكلمة دي” صاحت شاهندة لها بإبتسامة لتقابلها بإبتسامة مُجبرة مجدداً ثم أعطتها الصغيرة
“مبروك يا هديل.. تتربى في عزك إن شاء الله”
“عزي وعز باباها الحلو ده اللي هيجنني” صاحت هديل وهي تتلمس وجه كريم مبتسمة له2
“طب راعوا يا جماعة إن معاكم سناجل في الأوضة مش كده” صاح زياد ليضحك الجميع “مش كده ولا ايه يا نور؟” نظر لها بعد أن سألها ولاحظ أخيه بدر نظراته لها ليغضب أكثر.
“هه.. نعم؟!” لم تستمع لما قاله ليتدخل بدر الدين
“طيب يا جماعة أنا لازم أمشي عشان عندي سفر كمان شوية” صاح لتتعجب والدته
“ايه ده.. ازاي هتسافر والسبوع خلاص كمان كام يوم.. أنت مسافر فين أصلاً وراجع امتى؟!”
“متقلقيش يا أمي، هرجع يومها، كام يوم في لندن هخلص واجي على طول”
“طيب يا حبيبي تروح وتيجي بالسلامة” ابتسمت له نجوى في حب
“يالا..” نظر بدر الدين لنورسين التي أماءت له بإقتضاب لتندهش شاهندة
“ايه ده انتي مسافرة معاه؟!”
“ايوة.. فيه اجتماعات كتيرة وعايزها معايا” اجاب بدر بدلاً منها لتبتلع نورسين في وجل مما سمعته لتوها وبداخلها ازداد الرعب مما قد يفعله بها.2
“يووه يا بدر.. حبكت يعني وأنا محتجاها معايا في تحضيرات السبوع؟!” صاحت في سأم ليزفر بدر الدين في غضب وصر أسنانه “خلاص خلاص متتعصبش.. أهم حاجة تيجوا يوم السبوع.. ثواني يا نور تعالي عاوزاكي” صاحت ثم جذبت يد نورسين لتتبعها للخارج بينما تابعهما بدر الدين بعيناه
“حبيبتي أنا عارفة إن مصاريف كليتك ممكن ندفعها الأسبوع ده.. عايزة أسمك بالكامل ابعتيهولي على الـ Whatsapp ورقم بطاقتك عشان أروح أخلص ولما ترجعي تلاقي كل حاجة تمام..”
“مالوش لزوم أنا هابقـ..”
“لا ازاي.. اعملي بس اللي قولتلك عليه وبالمرة عشان اجيبلك الكتب” قاطعتها لتومأ لها ولم تستطع أن تفعل أكثر من ذلك.4
“مش يالا ولا ايه!” صاح بدر في عصبية
“خلاص بقا الدنيا مش هتطير” صاحت شاهندة التي احتضنت نورسين لتودعها ورغماً عنها تهاوت دموعها من ذلك المصير المجهول الذي ينتظرها “يا بنتي متقلقيش.. هما كام يوم وهنشوف بعض تاني” أخبرتها شاهندة التي ظنت أنها تبكي لفراقها ولكن لم تعرف الحقيقة لتومأ نورسين بينما تهكم بدر بداخله “كلميني لو احتاجتي حاجة وبطلي عياط” أماءت لها نورسين مرة أخرى “باي يا حبيبتي”1
“باي” همست ثم تبعت بدر الدين في صمت وهي لا تدري ماذا سيفعل بها.1
“باي” همست ثم تبعت بدر الدين في صمت وهي لا تدري ماذا سيفعل بها
فتح باب الجناح الذي وقع بأحدى الفنادق في المدن الساحلية بآخر دور ليلقيها أرضاً لتلاحظ هي هذا الأثاث العملاق الغريب الذي يبدو وكأنه خرج للتو من أحد القصور وتهاوت دموعها في حسرة ورعب من كل ما يفعله؛ هو بالطبع لم يخبرها بأن هناك سفر من الأساس، لربما فعل كل ذلك لأجل ما رآه وليس هناك داعياً للسفر، لماذا يريد أن ينفرد بها وحدها؟!
تذكرت آلم فكها بسبب صفعته الثانية بالسيارة عندما حاولت أن تسأله إلي أين هو ذاهب!! تعلم جيداً أن الحرف الزائد معه الآن بمثابة مقابلة الموت فتابعته بعيناها ليجلس على أحدى الكراسي بمنتهى الغضب ثم تناول هاتفه ليتصل برقمٍ ما
“كريم الدمنهوري.. علمهولي الأدب كويس.. بس متكسرلوش حاجة.. عايز وشه متبهدل!” أنهى مكالمته بعدما القى بتلك الأوامر ثم نظر لنورسين التي تكورت على الأرض في وهن ونظرت هي للأرضية ودموعها لا تتوقف ليجد نفسه بتلقائية يجذبها من شعرها ليجبرها أن تنظر له
“إنتي بقا هاخد منك حق كل اللي عملتيه في أهلي.. رايحة تضحكي على أختي وأمي وتستغليهم!!” تحدث لها في هدوء مُخيف وهي تشعر بشعر رأسها يُقتلع بسبب يده التي تجذب شعرها ثم أومأت بالإنكار وتعالت شهقاتها “ده أنا هفرجك وبعدين هرميكي في الشارع زي ما انتي كده” أماء لجسدها بعد أن نظر لها بإحتقار ثم ابتسم نصف ابتسامة لترتعد من ملامحه التي بدت غريبة للغاية وبدأت في الإرتجاف لا إرادياً من مظهره المرعب لتخرج الكلمات من فمها تلقائياً
“أنا معملتش حـ..”
“اخرسي” صفعها مجدداً لتشعر بمذاق الدماء في فمها “مش عايز اسمعك بتنطقي..” دفع يده الممسكة بشعرها لترتطم رأسها بالجدار خلفها لتبكي مجدداً وازدادت رجفة جسدها رعباً ليلقي عليها نظرة آخيرة بإحتقار مرة ثانية ثم تركها وتوجه للغرفة بالداخل وصفع الباب خلفه.
” دفع يده الممسكة بشعرها لترتطم رأسها بالجدار خلفها لتبكي مجدداً وازدادت رجفة جسدها رعباً ليلقي عليها نظرة آخيرة بإحتقار مرة ثانية ثم تركها وتوجه للغرفة بالداخل وصفع الباب خلفه
فاقت على رائحة دخان غريبة لتفتح عيناها لترى أنها لازالت على جلستها وبدر الدين جالساً أمامها مباعداً بين ساقيه وظهره مفرود بعناية يدخن ولا يرتدي غير بنطال جينز ولا شيء غير ذلك.
نظرته القاتمة المُسلطة عليها بهذه الطريقة تبعث الرعب بنفسها، لم تستطع إطالة النظر له وخفضت عيناها للأرضية لتعصف العديد من التخيلات برأسها، ماذا سيفعل بها؟ هل ستعود معه؟ هل سيتركها فقط لتذهب لزوج والدتها؟
أقترب منها ليقف أمامها بقدماه الحافيتان ثم هبط بجسده ليجذبها من شعرها بعنف لتصرخ متآوهة
“كريم يوم ما كان نازل عندك من الأوضة بليل كان بيعمل معاكي ايه؟” همس سائلاً بصوت أخافها للغاية
“كريم ده قذر.. أنا مـ..”
“إجابتك تكون على قد السؤال” تحدث بهدوء ليصفعها وتنساب الدماء بجانب شفتها “كان بيعمل معاكي ايه؟”13
“كان بيهددني” همست مجيبة بين دموعها التي تواترت دون توقف
“بصيلي” آمرها فتريثت قليلاً خوفاً من أن تنظر لعيناه المرعبتان فأزاد من حدة قبضته الممتلئة بشعرها
“آآه.. ” تآوهت لما فعله ونظرت له فالآلم قد فاق تحملها
“كان بيهددك بإيه؟”
“عايز يتجوزني غصب عني وأنا رفضت” همست في آلم لتجده يضحك ويقهقه عالياً لتعتريها الغرابة مما يفعله ثم نهض وهو لا يزال جاذباً اياها من شعر رأسها لتحبو أرضاً لمواكبة خطواته السريعة ودلف الغرفة ثم جذب شعرها عالياً ليجبرها على النهوض وتوقف خلفها أمام المرآة يتفحص وجهها المتورم من آثار صفعاته والدماء المنسابة أسفل شفتها ليشعر بنشوة غريبة لم يشعر بها منذ سنوات، فهو لا يعذبها لأنها عاهرة أو تحب الآلم أو من أجل مال ستتقاضاه بعد أن تتعذب بجلسة سادية، بل لأنها تستحق هذا العذاب، لانها أخطأت بحق عائلته وتستحق كل ما سيفعله بها.5
“بصي.. شايفة منظرك عامل ازاي وانتي متبهدلة؟ ده مش هيجي ذرة من اللي هاعمله فيكي قدام.. بس يعدي الأسبوع الجاي على خير” همس بجانب أذنها لترتجف من كلماته وتركها ثم آخذ يدور حولها مثل الأسد الجائع يفترسها بنظراته القاتمة “فكراني يا بت هصدق الهبل ده.. قال كان بيغصبك قال! فاكراني شاهندة ولا ايه؟”
“والله العظـ.. “
“تؤ تؤ تؤ.. لا لا.. انسي الحلفان ده خالص لأنه ميطلعش من واحدة قذرة زيك ولا لايق على اللسان الوسخ ده.. وفوقيلي كده وجاوبي عليا!” قاطعها متهكماً وهو يبتسم لها بسخرية وآخذ يمسح على شفتاه بإبهامه وسبابته “نمتي معاه كام مرة؟” انعقد لسانها مما أخبرها به وحلقت عيناها في صدمة مما وقع على مسامعها وتقابلت عيناها المصدومتان بعيناه المرعبتان ليصفعها بقوة شديدة لتسقط أرضاً “انطقي يا بت” صرخ آمراً لتجهش هي في بكاء هستيري لينهال عليها بالصفعات “كام مرة؟” صرخ سائلاً بينما هي لا تستطيع التوقف عن البكاء وشهقاتها المتلاحقة لا تدع مجالاً لتنفسها حتى وبالطبع الكلام، ولا زالت لا تستطع تصديق ما يقوله.
“بقا مش هتردي.. ماشي.. أنا هدفعك تمن اللي عملتيه غالي.. وغالي اوي.. لدرجة أنك تتمني الموت ومتلاقيهوش!” جذبها من شعرها أمام دولاب الملابس ثم جلس هابطاً على ساقاه ثم دنا منها وهو يستطيع رؤية جسدها يرتجف بشدة لتلمع عيناه في شر خالص وكراهية شديدة لتلك الفتاة أمامه ولوهلة تناسى تماماً تلك المشاعر التي سيطرت عليه طوال الفترة الماضية تجاهها ولم يكترث لبكائها ونحيبها وشهقاتها المتواصة وتذكر ذلك الرجل الذي لم يعد يظهر كثيراً بالآونة الأخيرة، تذكر كيف كان بدر الدين الخولي، الرجل الذي يعذب النساء فقط ليرى آلامهن، لا يعاشرهن، لا يريد منهن شيئاً سوى رؤية خوفهن وأجسادهن المتضررة ليس إلا.8
“عارفة يا بت” صاح لها بإبتسامة “أنا حاجز آخر أربع ادوار.. وعارفة احنا فين؟!” نظر لها لتنظر له هي الأخرى برعب “احنا في الدور الأخير.. قولتلهم ميبعتوش الـ Room Service (خدمة الغرف) وإني مش عايز إزعاج.. يعني لو صوتي من هنا لسنة جاية ولا حد هيسمعك.. عايزك بقا تتعلمي من اللي هيحصلك ده كويس اوي، وتفتكري إني لما أسألك على حاجة تاني تجاوبي عليا بصراحة!” نظر لها نظرة أخيرة ثم فتح درفة الدولاب ليجذبها من شعرها رغماً عنها ويضعها بداخل الدولاب ويوصد عليها الدرفة بالمفتاح.8
جعل الغرفة كلها مظلمة ثم أغلق النور وتوجه للخارج بمنتهى الهدوء ووصد الباب كذلك، وكأنما ذهب غضبه بعيداً، استعاد سيطرته مجدداً على نفسه بعد كل ما فعله معها وكأن ما يفعله بتلك الطريقة يُمثل له مُسكناً وعلاج لغضبه اللعين!
جلس على احدى الكراسي ليتناول هاتفه ثم اتصل بنفس الشخص الذي اتصل به منذ مدة ليتابع ما تم تنفيذه مع كريم وبدأت ملامحه في التحول تماماً ولم يعد ذاك الرجل الجذاب الرسمي بكل شيء، ربما من نظر له الآن سيظنه قاتل متسلسل ما أو رئيس لإحدى عصابات المافيا الشهيرة.
“نفذت اللي قولتلك عليه؟
………………………
ابعتلي صورته كده
………………….
طب خليه يبص في المراية واديهوني!!” ابتسم بتشفي وراحة عجيبة تخللت صدره
“ايه رأيك كده في نفسك وأنت شبه المرا.. حلو ولايق على وساختك مش كده؟ أظن بردو اللي عملته ميطلعش من راجل، عشان كده أنا وصيتهم كويس عليك وخليتهم يخلوا شكلك يبقى لايق على اللي عملته.. شايف اللي قدامك في المراية ده افتكره كويس اوي لأن سبوع بنته خلاص قرب.. حاول تعمله كمدات كويس عشان الاثار دي تروح.. أما بقا بالنسبة للوساخة اللي جواك فعشان آثارها تروح دي بقا صعبة.. بس مش مستحيلة، نلم بقا نفسنا كده لغاية ما اليومين دول يعدوا على خير وإلا ورحمة أبويا لا أكون مخليك مرا بجد، وساعتها هاكون بتفرج عليك.. أنت عارف أنا أقدر أعمل ايه كويس وهاجيبك لو في قمقم!! سامعني ولا تحب اعيد كل حاجة من الأول وتاخد جرعة محترمة كمان؟!” صاح به ليجيبه كريم في رعب
“سامع” اجاب في وهن
“اعتبر ده أول وآخر تحذير ليك.. كله في البيت يعرف إنك طلع عليك بلطجية وقلبوك وآخدوا منك العربية وفلوسك.. واياك اعرف انك بتفكر في وساخة تاني.. وإلا هاكسرك صح واخليك مرا وبكيفك كمان” أنهى المكالمة ليزفر في راحة ثم توجه للشرفة وعيناه تطالع زرقة البحر وشرع في التدخين.
وصد عيناه متنعماً بذلك الهدوء من حوله ونسمات الهواء الممتزجة برائحة البحر المنعشة ليملئ رئتيه مستمتعاً وعلى شفتاه ابتسامة سعيدة للغاية.
سيعد تلك الدقائق والثوانٍ حتى تسوء حالتها ويراها بنفسه، يريد أن يراها في أسوأ حال، يريدها أن تنطق بلسانها ثانية كم هو غبي.. وأن لا شأن له بها، يود حقاً أن يرى من ستخدع الآن وهي لا تملك سوى وجهه اللعين الذي يكرهه هو نفسه، يريد أن يستمع لذلك الصوت العالي وهو يترجاه، سيتمتع برعبها وخوفها ذلك ولكن كل شيء سيأتي بالتدريج!
لا زال موصداً عيناه والتوت شفتاه تلك المرة بإبتسامة مقتضبة، إبتسامة لا تعبر عن السعادة ولا السخرية ولا حتى التهكم بل كانت تعبر عن المعاناة الخالصة.
تذكر ذلك الطفل الذي بلغ التاسعة من عمره لتوه، ذاك الطفل الذي لم يكن له يداً بأي شيء، لقد كانت كراهية والده لأمه هي السبب، لقد كان العنف معه هو المنفس الوحيد لوالده وكأنه يعوض ما فعلته أمه به وبإبنها ولكن لم يستمع أبداً لكل من أخبره بأن ذلك ليس ذنب بدر الدين!!4
لقد كان يحبسه أياماً بلا طعام، في الشتاء يأسره في شرفة عالية أما في الصيف ففي أكثر مكان امتلئ بالحر الذي لا يُحتمل وفقط قبل أن يفقد وعيه كان يقدم له الطعام.1
تذكر يوماً ما بالشتاء في تلك الشرفة التي تواجدت بآخر دور في منزل عائلته، بعد بقاءه ما يقارب من يومٍ كامل بلا غطاء ولا طعام، كان لا يدرك ولا يعي ما يحدث معه بأول مرة، فتصرف ببراءة الأطفال المتناهية، وجد والده يقدم له الكثير والكثير من الطعام الشهي الساخن التي تتصاعد أبخرته فجلس يأكل حتى امتلئت معدته وشعر بأنه لا يريد أن يأكل لمدة سنوات بعد تلك المرة، ليفاجأ بعدها بمشروب الشوكولا الساخن الذي يعشقه فلم يستطع منع نفسه عن تناوله ثم جلس بذلك الركن بالشرفة الصغيرة ليجد والده يصطحبه معه على سطح المنزل، ثم أدخله بغرفة معتمة صغيرة أسمنتية غير مجهزة لأي شيء لا تكاد تتعدى متران ورآى والده يبتسم له وأخبره أن عليه أن ينتظره هنا فإن الغرفة أفضل حالاً من الشرفة وأنه سيأتي ليطحبه لوالدته بعد قليل ..
يتذكر جيداً وكأن كل ما حدث له كان بالأمس، يتذكر أنه انتظر، ساعة وساعة وساعة أخرى، لقد غالبه النوم فنام، نام كثيراً لعله يستيقظ ليجد والده ولكن دون جدوى.. لقد استيقظ مجدداً بعد أن نام ثانيةً وهو لا يدري أهو بالصباح أم المساء، لقد نادى على الجميع، على والده.. على شاهندة أخته الصغيرة التي يُحبها أكثر من أي شيء بحياته، هو يعرف أنها تُحبه ولكن أين هي، نادى نجوى والدته الحنونة، يعرف أنها تُحبه كثيراً أكثر من والدته السابقة، ولكن أين هي؟ ألا تسمعه أياً منهما؟ يريدها فقط أن تطمأنه وتخبره لماذا تأخر والده، يريد بعض الغطاء وسينتظر والده مهما غاب عنه، ولكن أين الجميع..
اعترى جسده نفس الرجفة التي شعر بها يومها، لم يستطع التحمل أكثر من ذلك، لم يستطع التحكم في نفسه، شعر وكأنما هناك شيئاً سينفجر أسفل معدته لا محالة، الآلم لا يتوقف، لا يقل، بل يزداد ويزداد حتى خارت قواه ووقع أرضاً مرتجفاً بفعل ذلك البرد القارص ليقضي حاجته دون تحكم أو وعي.
لقد كره تلك الرائحة كثيراً، تقزز من نفسه ومن ملامسته تلك الأوساخ للكثير من الوقت، لا يعرف هل نسيه والده أم ماذا يحدث معه، تلك الرائحة تشعره بالغثيان المستمر، لم يستطع التحكم أكثر من هذا ورغماً عنه الح عليه شعور القيء ولم تكن لديه القدرة على منعه بعد الآن..
يتذكر أن تلك كانت أول مرة يفعلها والده معه، لقد أثر به ذلك اليوم كثيراً، إلي اليوم يتذكر كل تلك التفاصيل لذلك أحياناً يستحم حوالي خمس مرات باليوم ليبتعد عن تلك الرائحة التي عرف بعدها أنها لازمته يومان كاملان! ذلك اليوم جعله يُقسم لوالده أكثر من مائة مرة أنه لن يعصي له أمر أبداً، لقد وعد والده أنه لن يطالب برؤية والدته مجدداً فقط أمام ألا يعاني تلك المعاناة مرة أخرى.6
فتح عيناه القاتمتان ليطالع قرص الشمس الذي بدأ في عناق البحر الأزرق وظل يتابعه حتى امتزجا سوياً وكانت تلك اللحظة هي أعظم ما يراه كل يوم، يعرف أن بعد ذلك الوقت يأتي الظلام، بكل ما فيه، هو يعشقه، لا يستطيع أن يحيا بدونه، لن يكن بدر الدين ولن يستطع التعرف على نفسه دون هذا الظلام..
يشتاق له، دائماً ما يتعرف على نفسه في الظلام ويكتشف ما يقدر على فعله، ولهذا ينتظره كل يوم.. ينتظره اليوم ليرى هل لا زال بداخله ذلك الرجل؟ هل سيتواجد مع تلك الفتاة؟ أم أن ليلى غيرت ذلك الرجل للأبد!!8
البارت الحادى عشر
مرت اثنتا عشرة ساعة منذ تلك الدقيقة التي وضعها بالدولاب، كلما تذكر كم كانت المساحة الداخية به ضيقة يبتسم من فرط السعادة لمجرد علمه بأنها تعاني في كل ثانية تمر عليها، كان يتخيلها بهذا الوجه المتورم والدماء المنسابة أسفل شفتيها ليشعر بالنشوة التامة لقسوة تلك الآلام عليها..
نهض من سريره الذي تواجد بجناح مختلف تماماً بنفس الدور حيث تركها وحدها في جناح آخر وشعر براحة نفسية فريدة من نوعها ليستحم ثم توجه للخارج ليعدو مُطلقاً هذا الهواء المنعش أن يتسلل رئتيه في حرية ثم مارس بعض التمارين الرياضية وتوجه مرة أخرى لغرفته ثم استحم مجدداً وجلس ليتناول وجبة إفطاره في تأني تام ثم خرج للشرفة ليحدق بتلك المياة الزرقاء..
فكر كثيراً ماذا سيفعل بعد عودتهما من هنا، هل سيتركها بكل تلك السهولة وهي تستحق العقاب؟ هل يعيدها لزوج والدتها بعد العودة مباشرة وبعد الإنتهاء من الإحتفال بمولد ابنة أخته؟ وهل كريم قد تعلم درسه جيداً أم إنه يُساير ذلك الوضع حتى ينفذ ما برأسه فقط؟
سأل نفسه العديد من الأسئلة التي لم يجد لها إجابات ولكنه ان واثقاً أنه دائماً ما يجد الحل المناسب لكل شيء.
تساقطت حبات العرق على وجهها لتسيل على ذلك الجرح أسفل شفتها لتشعر بالآلم وتمنت لو أنها فقط تناولت بعض المياة، بللت شفتاها وشعرت بالعطش وجفاف حلقها تماماً
تساقطت حبات العرق على وجهها لتسيل على ذلك الجرح أسفل شفتها لتشعر بالآلم وتمنت لو أنها فقط تناولت بعض المياة، بللت شفتاها وشعرت بالعطش وجفاف حلقها تماماً.. لا تدري لماذا يفعل بها كل ذلك، كان له أن يطردها خارج منزلهم، أن يعيدها لزوج والدتها، أن يكشفها أمام الجميع.. لكن ما يفعله بها فاق كل الحدود.
كم الساعة؟ كم يوم مر منذ أن أدخلها تلك اللعنة؟ لماذا تشعر بتلك السخونة حولها وكأن أسفلها موقد مشتعل..؟
لم تدري إلي متى سيظل محتجزاً اياها هنا، اسيحتجزها حقاً حتى موعد عودتهم مرة أخرى؟
أيصدق أيضاً تلك الإدعاءات بأن كريم قد أقام معها علاقة حميمة؟
دمعت عيناها في صمت ولم تشعر بنفسها بعد ذلك لتتثاقل جفونها من الإرهاق او ربما قد فقدت وعيها.. هي حقاً لا تعرف ولا تعي ما الذي يحدث لها!
هي حقاً لا تعرف ولا تعي ما الذي يحدث لها!
هادئ…
ثلاث ساعات سفر وثماني عشر حبيسة بذلك الدولاب.. واحد وعشرون ساعة.. لقد صفعها كثيراً.. بالطبع ستكون مستعدة الآن.. حسناً.. سيجعلهم اربع وعشرون ساعة..
“وحشتني يا حبيبي.. وصلتوا بالسلامة؟”
“اه تمام.. انتي عاملة ايه يا شاهي؟”
“كله تمام.. هي نور فين وموبايلها مقفول ليه؟”
“معرفش.. هي في اوضتها”
“طيب ابقا خليها تكلمني.. كان نفسي تبقا معانا اوي واحنا بناخد ورادي.. اصل زينة مش بتنيم البيت كله.. صحيح عايزة اقولك على حاجة بس متتعصبش..”
“انجزي وقولي؛ انتي عارفه مبحبش البق ده”
“يا ساتر عليك يا اخي..” تنهدت في حنق ثم اكملت “كريم طلع عليه بلطجية واتبهدل يا عيني وهديل قلباها مناحة”
” ازاي ده يحصل.. اقفلي وانا هتصرف واشوف مين عمل كده”
” بس يا بد..”
حسناً.. كريم لا يزال ملتزم بإتفاقه معه؛ أو هو ينفذ أوامره، لا يهم أياً كانت تلك الكلمة التي تقصد ما اراده ولكنه شعر بالراحة ثم أجرى اتصالاً هاتفياً آخر
“كريم الدمنهوري.. عايزك تراقبه وكل مكالماته تجيلي.. ازاي بقا معرفش!، كل يوم اي حاجة يعملها تكون عندي.. حتى لو دخل الحمام” وصد هاتفه ثم ابتسم براحة وهو يستمتع بتلك الهيمنة التي عاد ليمارسها مجدداً.
اراح جسده في ذلك الكرسي الوثير ثم سند رأسه موصداً عيناه ليتذكر ما حدث له منذ سنوات..
كان قد آتى ذلك المنرل لتوه وقد تعرف على شاهندة أخته التي أحبها منذ أن تعرف عليها بالرغم من عمل والدته على جعله يكرهها وإخباره العديد من الكذبات عن أخواته وزوجة أبيه ولكن تلك المعاملة التي رآها عندما ترك والدته وذهب مع أبيه ذلك المنزل جعلته يحب كل من فيه، لقد كان يتمنى دائماً أن يكن لديه أخ أو أخت.. لقد قتلته وحدته كثيراً بمنزل والدته التي بالكاد جلست معه، دائما ما تركته وحيداً دون أن تراه لأيام..
تذكر كلماتها القاسية له أمام اصدقائها ومعارفها، كان لديها وقتاً للمرح، لأصدقائها، للشجار مع والده، لعائلتها، لكل شيء سواه هو.. تذكر كيف كانت تتركه بالأيام لا تعرف عنه شيء، نعم لقد كان بالرابعة من عمره ولكن يتذكر كل ما فعلته به.
“يوووه كفاياك كلام بقا، غور من وشي وادخل اوضتك”
“بابا فين.. كان واعدني يجي ياخدني”
“هو انت مبقاش وراك سيرة غيره، أبوك راح لمراته وبناته اللي بيحبهم وسايبك هنا عشان بيكرهك، وأنا كمان مش بحبك، ولو ما مروحتش اوضتك دلوقتي هاجي أضربك، سامع ولا لأ؟!”
ارتسمت ابتسامة على شفتاه عندما تذكر أن كان لديه تلك القدرة على أن يبكي من مجرد كلمات تخرج من عاهرة مثلها.. ازدادت ابتسامته لتتحول لضحكة ساخرة عندما فكّر قليلاً، فهو لا يدري ولا يتذكر متى آخر مرة بكى، لم يعد لديه تلك القدرة على أن يبكي أو أن يشعر بشيء يؤلمه.
فتح عيناه ثم توجه للشرفة وهو يتطلع السماء بعيناه القاتمتان، يتذكر الماضي بكل ما فيه، حُلوه القليل ومُره الكثير، يتذكر الكراهية والتعذيب، الشجارات، المشاحنات الدائمة بين والده ووالدته، استغلالها الدائم له؛ معرفة خيانتها له مع أعز أصدقائه، أكتشافه لسرقة أموال أبيه بمساعدة من أمه، لا زال إلي الآن يسأل نفسه، أين لها بكل ذلك الجبروت لتفعل كل تلك الفجائع بل وتكره ابنها الذي هو قطعة منها؟ كيف لها أن تنظر لإنعكاس وجهها بالمرآة وتتحمل أنها بتلك الحقارة والقسوة بل وتستطيع النوم كل ليلة بمنتهى الراحة؟
غرق في أفكاره التي عصفت برأسه وتذكر العديد والعديد من الأوقات الصعبة التي جعلته الرجل الذي هو عليه الآن.. لقد نسي تلك المُحتجزة التي جنت على نفسها بذلك العذاب. تفقد الوقت ليرى أنه جلس يُفكر أكثر من اللازم فلقد مر أكثر من تلك الثلاث ساعات بساعتان أخريتان، ابتسم متهكماً على حالتها، تمنى لو أنها عرفت من تعبث معه لكانت ابتعدت عن طريقه منذ البدية ولكن سوء حظها كان وفيراً جداً.
ارتدى قميصاً رياضياً قطني ثم توجه ليُحضر البيتزا، أكبر حجم وجده، هو لا يعرف ماذا تُحب وماذا تكره، ولكنه تذكر كيف آكلتها عندما كانت معه بالشركة، لقد بدت وكأنها تُحبها للغاية.
توجه للأعلى دالفاً للجناح المُلقاة هي به وأحضر مياه وطعامها ثم دلف للغرفة وأشعل جميع الأضواء ووضع الطعام على منضدة صغيرة أمام أريكة للجلوس ثم أخرجها من مكانها وما أن استطاعت تحمل هذا الضوء الهائل بعد الظلمة التي لازمتها كل ذلك الوقت تقابلت عيناه الثاقبتان بعيناها ليجد الذعر يرتسم على ملامح وجهها وهي تنظر له نظرة جعلته يظن أنه الشيطان بنفسه.
تفقد ملامحها ووجها الذي يحمل آثار صفعاته وتلك الدماء المتجلطة بجانب شفتيها بل وبعض الدماء أيضاً أعلى جانب رأسها وشحوب وجهها وبشرتها التي كانت يوماً ما مفعمة بالحيوية ليبتسم لها ابتسامة لم تلامس عيناه.
“أنا.. أنا معملتش حاجة.. متقربش مني أرجوك تاني.. أنا بكره كريم والله ما سـ…” تحدث في سرعة وعادت الدموع لتتكون بعيناها
“هشششش” قاطعها ثم أمسك بوجهها بين يداه الكبيراتان معانقاً بهما وجنتاها ونظر بتلك العينتان الزرقاوتان التي شابهت لون السماء الصافية ثم آخذ يتلمس تلك الأجزاء المتورمة بوجهها لتأن هي عند كل لمسة ثم جذبها فجأة من ذراعيها لتنهض معه بينما صرخت فجأة
“آآه رجليا مش قادرة أقف عليها..” صاحت بعد أن احست بآثار احتباس الدماء بساقيها المثنيتان أسفلها بذلك الدولاب الصغير
“معلش..” ابتسم نصف ابتسامة مليئة بالتشفي لتنظر له هي في رعب وخوف منه وبنفس الوقت في تعجب من تصرفه ومن قوله.
أجلسها بعد أن دفع جسدها رغماً عنها وهي تكاد أن تسقط، فهي حقاً لا تشعر بقدميها، ثم ناولها بعض المياة التي آخذتها منه في تردد وحذر وبأيدٍ مرتجفة تناولتها منه ثم أخذت تشرب منها حتى كادت أن تنهي الزجاجة بأكملها ثم وضعتها جانباً ليبتسم لها ابتسامة ظهرت معها أسنانه لتبتلع هي في وجل وحاولت الابتعاد عنه بقدر الإمكان خوفاً من أن يلمسها أو يضربها ثانية.
أماء لها مُشيراً لصندوق البيتزا فنظرت لها بإستفسار وخشية من رد فعله إذا تلمسته ليومأ لها بالموافقة فتسارعت عليه لتفتحه وآخذت تأكل بنهم شديد..
ظل ينظر لها وهي تأكل بمثل هذا النهم وبداخله فرحة عارمة وهو يتذكر كل ما فعله به والده يومها، هي تشبهه كثيراً، نفس الشعور الذي شعر به يومها يتكرر أمامه مرة أخرى فنهض لتتكوم هي على نفسها في حذر وارتجف جسدها ليبتسم ساخراً ثم توجه للخارج وأحضر بعض العصير ليضعه أمامها في صمت تام لتتناوله هي بأكمله وظل يتابعها بعيناه الثاقبتان وهي يمرر كلاً من ابهامه وسبابته على شفتاه وهو يراقبها حتى شعر بأنها لا تستطيع حتى أن تتنفس بعد أن تناولت هذا المقدار من الطعام.
أحضر كرسي ثم وضعه أمامها ليجلس عليه بجسده الفارع وباعد بين أقدامه متكئاً على فخذاه بساعديه وشابك أصابعه في النهاية وحدق بعيناها المرتعدتان التي تتابع حركته ليسألها “نام معاكي كام مرة؟!” آتى صوته هادئاً للغاية لتنظر له هي في صدمة من نفس ذلك السؤال الذي سأله من قبل.
“صدقني والله ما حصل حاجة بيننا.. هو كان بـ..”
“هشششش..” قاطعها
“بس لو تسمعـ..” توقفت عن الكلام عندما نظر لها نظرة أرعبتها وشعرت وكأنما شعيرات جسدها تتوقف من الخوف لتبتلع وحاولت ألا تنظر له وابتعدت بجسدها للوراء لتجده ينهض ويقترب منها “لا بلاش تضربني.. أنا معملـ..”
“اخرسي” قاطعها ثم جذبها من يدها وأعادها لذلك الدولاب ووصده عليها ليتركها ولكن هذه المرة لثلاثة أيام.
ألقى المنشفة على الأرض في غضب بعد أن نظر لوجهه ملياً بتلك الآثار والكدمات التي بدأت في الضمور والشفاء وهو يُفكر في الإنتقام من بدر الدين
ألقى المنشفة على الأرض في غضب بعد أن نظر لوجهه ملياً بتلك الآثار والكدمات التي بدأت في الضمور والشفاء وهو يُفكر في الإنتقام من بدر الدين.
لن يدع ما فعله به ليمر مر السلام، هو لا يعرف حقاً ماذا يستطيع أن يفعل به؛ سيرد له الصاع صاعين، سيفسد عليه حياته بأكملها بشكل لن يتخيله.
سيجعل المصائب تنهال على رأسه ولن يعلم من يفعل به كل ذلك؛ سيحاذر مثلما فعل دائماً؛ هو لا يعرف كريم الدمنهوري بعد..
يملك من الذكاء والحيلة الكثير ولحسن حظه وسوء حظ بدر الدين لا يعرف أحد عن حقيقة ذلك الذكاء شيئاً.
أما تلك الفتاة التي سلبت عقله سيآتي بها وسيتملكها عاجلاً أم آجلاً، وحتى لو سيخوض حرباً مميتة، سينتقم من أجل كبرياءه ومن أجل تلك الملامح التي ينظر لها بالمرآة.
لن يدع تلك الكلمات التي أخبره بها بدر الدين دون رد فعل؛ ويعرف جيداً كيف يرد عليها.
“حبيبي أنت كويس؟” تسائلت هديل بعد أن شعرت بغيابه لتدلف عليه حمام غرفتهم
“أنا تمام” ابتسم لها بإقتضاب لتتوجه هي نحوه
“معلش يا حبيبي؛ ربنا ياخدهم اللي عملوا فيك كده؛ وفي داهية كل اللي اخدوه اهم حاجة انك بخير.” أخبرته وهي تلف يداها حول عنقه ليعقد حاجباه في غضب ثم شرد متذكراً ما حدث له.
“مالك يا كريم؟ سرحان في ايه؟”
“هه.. مفيش”
“عليا أنا بردو؟” نظرت له مضيقة عيناها في تحفز ليقابل نظرتها
“هديل يا حبيبتي، ما بلاش دور الحنية ده، مش لايق عليكي”
“اخص عليك! كده بردو بتقول عليا كده؟” غضبت ملامحها “كريم أنت عارف إني بحبك وبموت فيك ومقدرش استحمل حاجة تحصلك؛ لما شوفتك وأنت داخل عليا بمنظرك ده كنت مرعوبة، وأنا عارفة اني الفترة الأخيرة كنت مشغولة عنك جامد بالشغل والولاد بس من غير كلام كتير أنت عارف ومتأكد إنك عندي بالدنيا وما فيها.. واي حاجة بعملها أو بتشغل بيها عنك بيكون عشان مستقبلنا وحياتنا الجاية، لكن اوعى شوية الخناقات الصغيرة اللي ما بينا تحسسك إني مبقتش احبك زي زمان أو مبخافش عليك” ابتسم لها في سخرية لتعقد هي حاجباها وتقترب منه أكثر وزادت من حدة تعلق يداها به
“طب وحياتك عندي أنا لسه بحبك زي زمان واكتر كمان، وممكن اثبتلك ده بأي حاجة أنت عايزها، وممكن تجربني” أخبرته في دلال وأقتربت لتقبله وأخفضت يداها لتحاوط بها خصره ليشعر باحدى يداها تعبث في جيبه الخلفي أثناء قبلتهم وكأنما تضع به شيئاً ما ليبتعد عنها ونظر لها في ترقب وتعجب ومد يده في جيبه يتحسس ما وضعته ليخرجه ثم نظر لها في دهشة.
“فداك يا سيدي العربية، ومبروك الجديدة” ابتسمت له ليبادلها الابتسامة “كده كده كان بقالها معاك سنتين وموديلها قدم..” توسعت ابتسامته وهو ينظر لمفتاح سيارته الجديدة “عشان تعرف انا بحبك قد ايه.. بلاش بقا يا كريم كل ما اجي اقرب منك تصدني كده.. أنا في حياتي كلها مبحبش قدك”
” ربنا ما يحرمني منك يا حبيبتي” قبل يدها وتصنع اللين عكس ما يبطنه بداخله ونظر لها بأعين امتزجت خبثاً وفرحة ولكنها لم ترى ذلك
“حقك عليا.. انا عارفة اني كنت مقصرة معاك وده مش هيحصل تاني.”
“ولا يهمك يا حبيبتي.. أنا عارف انه كان غصب عنك وانك كنتي مشغولة”
“ولا عمري هاتشغل تاني عنك” احتضنته ثم نظرت له “يالا بقا عشان ننزل نتغدى معاهم، هاستناك تحت، ماشي؟”
“حاضر يا حبيبتي هاغير هدومي واحصلك” ابتسم لها لتبادله الإبتسامة ثم توجهت للخارج لتتركه ليضحك هو في خفوت ثم آخذ يتمتم “ابقى بقا وريني يا بدر الدين باشا هتعمل ايه مع أختك اللي لسه واقعة زي زمان.. جاتلي على الطبطاب ولغاية عندي.. غبائك هو اللي هيوقعك في شر أعمالك.. بكرة تشوف!!” فكر كريم في خطواته القادمة وآخذ يتخيل ما سيحدث لبدر الدين على يده.
توجهت شاهندة خارج بوابة الجامعة وهي تشعر بالقلق الشديد، أربعة أيام لم تحدثها نورسين، وعندما احتضنتها بالمشفى لتودعها شعرت بأن هناك شيئاً ما، بكائها ذلك وصمتها الغير مألوف بتلك الطريقة!! هي حتى لم ترسل لها أسمها مثلما اتفقتا وهاتفها وكل برامج التوا…
توجهت شاهندة خارج بوابة الجامعة وهي تشعر بالقلق الشديد، أربعة أيام لم تحدثها نورسين، وعندما احتضنتها بالمشفى لتودعها شعرت بأن هناك شيئاً ما، بكائها ذلك وصمتها الغير مألوف بتلك الطريقة!! هي حتى لم ترسل لها أسمها مثلما اتفقتا وهاتفها وكل برامج التواصل لديها لا تستقبل أية رسائل أو مكالمات..
صفت سيارتها بجانب الطريق وحاولت الإتصال بأخيها حتى تطمئن على نورسين ولكن وجدت المكالمات تذهب للبريد الصوتي مباشرةً !!
“أكيد مشغولين أو عندهم اجتماعات.. هي كده كده هانت وقربت تيجي وأكيد يعني بدر حتى لو ايه مش هايسيب حاجة تجرالها” تمتمت وهي تحاول أن تنفض شعور القلق والخوف من عقلها ثم تنهدت وشرعت في القيادة مجدداً.
هي كده كده هانت وقربت تيجي وأكيد يعني بدر حتى لو ايه مش هايسيب حاجة تجرالها” تمتمت وهي تحاول أن تنفض شعور القلق والخوف من عقلها ثم تنهدت وشرعت في القيادة مجدداً
“كده تمام، كل حاجة خلصت وتقدر تروح البنك وتتعامل عادي”
“يعني كل حاجة بقت بإسمي؟!” تسائل يُسري والفرحة بادية على وجهه ونظر للمحامي في غير تصديق
“حضرتك كده كده كان عندك توكيلات ودلوقتي بعد ما خلصت الإجراءات بتاعت الورث والوصية بقت كل حاجة ملكك رسمياً، الودايع والحسابات والبيت والشركة، كله بقا تحت تصرفك” أجابه المحامي ليتهلل وجه يُسري
“متشكر جداً ليك.. معلش هستأذن عشان عندي اجتماع مهم ومتقلقش فواتير أتعابك ابعتهالي الشركة وهطلع الشيك بإسمك وتقدر تيجي تستلمه أو تبعتلي حد بتفويض عشان يستلمه” صافحه يُسري ليصافحه المحامي مرة أخرى
“لا العفو على ايه يا يُسري بيه.. تحت أمرك في أي وقت”
توجه يُسري للخارج بفرحة كبيرة وهو يشعر بالسعادة، الآن فقط كل شيء أصبح ملكه رسمياً، لم يعد زوج الهانم، لم يعد تابعاً لها.
“يااه بس لو كنت عملت كده من زمان كان زماني ارتحت.. بس يالا أهو كله بأوانه” تمتم متنهداً ثم ابتسم لتلمع عيناه في خبث “الدور بقا عليكي يا حيلة أمك.. الكام مليون مش هيضيعوا من ايديا.. هتتجوزيه غصب عن عينك.. وإلا هابهدلك معايا” هز رأسه في سعادة وتوجه خارج المصعد ليحاول الإتصال بكريم.
توجه داخل جناحها وهو يشعر بالراحة التامة ويستعد لما سيفعله بعد ثوانٍ من الآن
توجه داخل جناحها وهو يشعر بالراحة التامة ويستعد لما سيفعله بعد ثوانٍ من الآن.. عقله يتخيلها ويتخيل منظرها وملامحها وهي تواجه كل ما خطط له وكل ما انتظر كل تلك الأيام من أجله.
أقترب من الدولاب ليفتحه ثم ابتعد عاقداً حاجباه لثوان وها هو يشعر بالتقزز مما سيراه ولكنه استعاد هدوءه وتحكمه وسيطرته على ملامح وجهه ثم جذب الدرفة ليجد جسدها يرتمي أسفل قدماه واشتم تلك الرائحة العفنة!!
لم تستطيع أن ترفع رأسها له وشعرت بالإحراج والرعب في آن واحد، لم تفعلها من قبل في حياتها وحتى عندما كانت طفلة صغيرة لم تتذكر أنها وقعت بموقف مشابه لتتساقط دموعها في وهن وهي لا تدري لماذا كل ذلك يحدث لها.
جذب شعرها لتشعر هي بإقتلاعه وجسدها يُسحب خلف خطواته ورغماً عنها صاحت في قلة حيلة وضعف بين بكائها الحاد “حرام عليك بقا، أنت ليه بتعمل كل ده فيا، أنا معملتش حاجة، كريم هو اللـ..”
“اخرسي يا بت!!” قاطعها ولم يكترث لتشنجات جسدها وبكائها الذي لا يتوقف ثم ألقاها بأرض الحمام ليُمسك بالمياة الساخنة للغاية ثم القاها على جسدها لتصرخ هي. “يالا يا وسخة يا معفنة عايز كل ده بيبرق في ثواني، تخلي الدولاب والأرض زي الفل، مش ناقص كمان عفانتك اللي زي الحيوانات دي” صرخ بها ونظر لها بإحتقار ليتوجه للخارج وتتهاوى هي أرضاً تبكي على ما يحدث لها بينما هو تركها وتوجه للشرفة وهو يحاول السيطرة على أنفاسه المتلاحقة وقاوم شعور التقزز من ذلك المنظر الذي رآه.
“يالا يا وسخة يا معفنة عايز كل ده بيبرق في ثواني، تخلي الدولاب والأرض زي الفل، مش ناقص كمان عفانتك اللي زي الحيوانات دي” صرخ بها ونظر لها بإحتقار ليتوجه للخارج وتتهاوى هي أرضاً تبكي على ما يحدث لها بينما هو تركها وتوجه للشرفة وهو يحاول السيطرة عل…
آخذت تحك جسدها بعنف وهي تبكي أسفل المياة وتُفكر ماذا فعلت لكل ذلك؟ هي لم تقترب من كريم، هي لم تكن فتاة قذرة لتفعل ما يتخيله، كيف لها أن توضح له ما حدث وكل مرة يصدها ولا يستمع لها!!
ماذا عليها أن تفعل الآن؟ كيف تصل لشاهندة وتقص عليها كل ما حدث؟ كيف تجعل بدر الدين يستمع لها؟ كيف سيصدقها وهي لا تملك أي دليل على ما فعله كريم؟ هل سيعودا أم سيحتجزها للأبد هنا؟
عصفت الأفكار برأسها وهي تبكي بشدة وظلت أسفل المياة دون شعور بأي شيء آخر ولسوء حظها آخذت أكثر من اللازم لتجد باب الحمام يُكسر عليها!!
“جرا ايه يا روح امك!! فاكراني هستناكي ولا ايه” نظر لها بمنتهى الغضب لتشعر هي بالإرتعاد وهي تحاول أن تخبأ جسدها العاري بيداها وهي تنظر له في رعب وترى نصفه العلوي العاري بلا ملابس لتتواتر العديد من الأفكار على رأسها وبم قد يفعله معها بمنظره هذا.
“خايفة اوي لا اشوف جسم واحدة وسخة زيك؟” ابتسم متهكماً ثم توجه نحوها جاذباً اياها من شعرها “قدامي يا كلبة” صاح بها ثم توجه أمام الدولاب والقاها أرضاً وهو يسمع بكائها ويرى محاولاتها بإخفاء جسدها عنه.
“القرف بتاعك ده ينضف” قرب رأسها لداخل الدولاب لتشعر هي بالتقزز ورغماً عنها تقيئت! “يا معفنة يا قذرة! ده انا هطلع روحك!” صرخ بها ثم خلع حزامه وهي أسفل قدماه وجسدها يرتجف
“ارجوك البس حاجة بس وهاعمل اللي أنت عايزه” تحدثت بوهن ونبرتها مليئة بالتوسل والإرهاق في آن واحد
“تلبسي! انتي هنا حيوانة وبس.. يالا نضفي يا بت القرف ده” اجابها ثم وبدون مقدمات انهال على جسدها بجلدة من حزامه لتصرخ هي ثم بكت بشدة وأنفاسه تتلاحق وبداخله يجبر نفسه ألا يدع ذلك الشعور الذي آتاه من قبل كلما رآها تبكي.
“ربع ساعة وكل حاجة تكون بتبرق!” أخبرها في تحذير لتهز هي رأسها بالموافقة ونهضت وهي تتحامل على نفسها وتوجهت للحمام عارية بمنتهى السرعة وكأنها بلا عقل تماماً وكأن جسدها يستجيب لآوامره دون وعي منها لتحضر أي أدوات قد تجدها لتنظف بها بينما تابعتها عيناه الثاقبتان حتى اختفت داخل الحمام ليبتلع ثم توجه ليحضر كرسي ويجلس ليكون خلفها وهي تقوم بالتنظيف وحاول أن يهدأ من احساسه بالإثارة لرؤية جسدها العاري الذي لم يرى مثله من قبل وانتظر مجيئها وأقسم بداخله أن يريها قسوته التي لم تعرف عنها شيئاً بعد
تكملة رواية ظلام البدر +21 بقلم بتول
892 اجمالى المشاهدات, 1 اليوم
1
2
4.5
1.5
0.5
3