شارع 7 | ثقافة السوق وكيفية التعامل مع المراهق؟

في عالمنا الحالي الذي يتقلب بين كل فترة وفترة، يسعى الأولياء إلى تعلم مهارات تربية الأبناء، التي أصبحنا -للأسف- نفتقدها بشدة في البيت والمدرسة، وفي المجتمع ككل. ومرحلة المراهقة في التربية من أخطر المراحل التي تستوجب الاهتمام والمتابعة.فهذه الفترة لا تعتبر في حد ذاتها أزمة، ولكن نحن من يصنع منها الأزمة، لأننا نجهل سماتها، وكيفية التعامل معها.فماهي كيفية التعامل مع المراهق؟ كيف نتحدث معه وماذا نقول له؟ وكيف نتصرف معه أو نوجهه أو نربيه؟ وهل يحتاح المراهق أصلا إلى تربية أم إلى أشياء أخرى؟

مرحلة المراهقة فترة تغيرات شاملة ونمو سريع في نواحي النفس والجسد والعقل والروح، وهي فترة انقلاب حاد، ومرحلة الانقلاب هذه تتميز بالكثير من التغيرات النفسية ومنها:

  • (1) الرغبة الشديدة في التفرد والانعزال.
  • (2) النفور من العمل والنشاط.
  • (3) الملل وعدم الاستقرار.
  • (4) الرفض والعناد.
  • (5) مقاومة السلطة.
  • (6) الاهتمام بمسائل الجنس.
  • (7) أحلام اليقظة.
  • (8) شدة الحياء.
  • (9) نقص الثقة بالنفس.
  • (10) الانفعال الشديد.

هذه التغيرات النفسية تؤدي إلى الكثير من المشكلات الانفعالية لدى المراهق، ومنها: الخوف، والقلق، والحب، والاكتئاب، واليأس والقنوط، والغضب، والغضب عند المراهق إما أن يكون حركيا أو لفظيا أو تعبيريا أو خياليا.

وهذه التغيرات النفسية تحتاج منا لحكمة شديدة في التعامل معها، وتحتاج منا لتفهم الاحتياجات النفسية ومحاولة بذل الجهد لتلبيتها، ومن هذه الاحتياجات:

  • 1. الحاجات الفسيولوجية.
  • 2. الحاجة إلى الأمن.
  • 3. الحاجة إلى الحب.
  • 4. الحاجة إلى التقدير.
  • 5. الحاجة إلى المعرفة.
  • 6. الحاجة إلى النجاح والرغبة في التفوق.
  • 7. الحاجة إلى الانتماء.
  • 8. الحاجة إلى الاستثارة.
  • 9. الحاجة إلى الحرية.
  • 10. الحاجة إلى الضبط الذي يجب أن يحرص المربون على جعله ضبطا داخليا نابعا من المراهق نفسه، ومن جماعته حيث يجب استثمار تأثير الرفقاء على الأبناء.

التعامل مع انفعالات المراهق

ولذلك فإن على الوالدين أن يراعيا التوجيهات التالية عند التعامل مع انفعالات المراهق أو المراهقة:

  • – عدم ترديد الجانب السلبي من سلوكه كثيرا؛ حتى لا يصدقه فيتقمصه.
  • – البعد عن المنفرات الشخصية، مثل الزجر والتوبيخ.
  • – إعطاؤه فرصا للتعبير عن النفس.
  • – عدم التحدث أو النصح أثناء حالة الغضب أو أي انفعال شديد.
  • – استخدام الإيجابية والتبشير في الحوار عند الحديث.
  • – عدم الاستهزاء بالمظهر أو بغيره.
  • – المواظبة على المصارحة وحسن الاستماع.
  • – الصبر؛ لأن الحالة النفسية تتغير بسرعة، وقد يحدث هذا التغير في نفس اليوم أو الأسبوع أو الشهر.
  • – إبراز مشاعر الحب بجميع الوسائل.

هذه ليست سوى وصفة عامة للتعامل مع كل المراهقين، وفي كل الأحوال، وهي لا تعتبر وصفة سهلة وميسرة في ظل ظروف الحياة الضاغطة، وما يعيننا كأولياء أمور ،كآباء أو كأمهات، على التحمل هو أن فقد الأبناء في بحور الحياة المتلاطمة يعتبر من كبرى المصائب التي تصيب الإنسان.

وإذا نظرنا مثلا لمشكلة بسيطة كرغبة أحد الأبناء في شراء موبايل على أحدث موديل رغم أن إمكانيات العائلة المادية لا تتيح ذلك، ورغم أنه بالفعل لا يحتاجه، وما تطور له الحال بينه وبين والديه لدرجة التهديد بترك الدراسة وترك المنزل، فمن المهم بداية إدراك أننا جميعا -إلا من رحم ربي- قد سقطنا في فخ سوق الرفاهيات والكماليات، والضغط النفسي الذي يسببه التطلع لما في أيدي الغير يمثل ضغطا رهيبا على الإنسان.

رسالة إلى المراهق

من المهم أن ندرك حجم هذه الضغوط مع تجنب عدم السقوط في براثن الرضوخ لكل طلبات المراهق، وما أراه هو أهمية استغلال الموقف في إفاقة المراهق، وتعليمه السبيل القويمة للحصول على الأشياء التي يريدها، واستغلال رغبته هذه في إنضاجه، وذلك بمناقشته بمنتهى التعقل، والتأكيد على أن تهديداته لن تحرك للوالدين ساكنا، لأنه لا يذاكر من أجلهم، ولكن يذاكر من أجل مصلحته هو ومستقبله هو، وأن تركه للمنزل لن يكون حلا، لأن جدته أو خالته أو عمه أو عماه لن يستقبلوه في بيتهم، أي إن تركه للمنزل يعني أنه سيقيم في الشارع بدون مأوى أو سند، على أن تكون العائلة كلها متفقة مع هذا المنطقة وحازمة معه أيضا.

لا بد أن تصل له هذه الرسالة واضحة صريحة: “التهديد والوعيد لن يفيد”، عليه أن يعرض طلبه بأدب، ويقدم مبررات مقنعة لطلبه، وعلى العائلة بعدها أن تعرض عليه وضعها المادي بصراحة، والمبلغ الذي يمكنهم أن يقدموه له ولإخوته كمساهمة في شراء الموبايل.

يجب أن تكون الصورة أمامه واضحة كاملة وأبعاد المشكلة عالية الدقة، فهو يريد شيء جديد، عليه أن يعرف ثمنه وقدرة العائلة على شراءه، عليه أن يبحث عن الحلول والخيارات المتاحة، مع التعرف على سلبيات وإيجابيات كل خيار.

الخيارات المتاحة يمكن أن تكون مثلا كالآتي:

– شراء موبايل بإمكانيات محدودة.

– الانتظار حتى يستطيع جمع المبلغ المطلوب، سواء من مصروفه الشخصي، أو البحث عن أي عمل يمكنه القيام به ويدر عليه دخلا.

– التنازل عن بعض الأشياء الأخرى التي يحصل عليها إخوته (نقود- ملابس- مصروفات دروس خصوصية- مصروفات مواصلات المدرسة)، وعليه أن يتحمل تبعات اختياره، فليذهب إلى المدرسة بالمواصلات، أو ليستذكر دروسه بمفرده.

القصد هو استثمار رغبته في شراء الموبايل في إكسابه مهارات التفاوض، وتعويده على مهارات حل المشكلات، والمفاضلة بين الخيارات المختلفة، وكذلك تعويده على تحمل مسئولية اختياراته.

ثقافة السوق وحمى الاستهلاك

في هذه الأثناء عليه أن يطلع بطريق غير مباشر على أحوال من يعيشون في ظروف حياتية قاسية، ولا يجدون احتياجاتهم الضرورية -فما بالك بالكمالية- حتى يحمد الله على نعمته عليه، وحبذا لو حرك هذا فيه الرغبة لتقديم العون للمعوزين، لأن نشاطا كهذا يمكن أن يُكسبه رحمة ورأفة، ويشعره بقيمته في الحياة، وبقدرته على الإنجاز، ويتيح له استثمار طاقته فيما يفيد.

وبعدما تتحرك فيه مشاعر الإحساس بالآخرين، والرغبة في تقديم العون لهم، يمكن للوالدين حينها أن يثيرا قضايا عامة ويطرحاها للنقاش، ويا حبذا لو كان من بين هذه الموضوعات موضوع آليات السوق وحمى الاستهلاك التي أصابت مجتمعاتنا، وكيف تؤثر هذه الثقافة السائدة في مسيرة التنمية، ومن ثم يمكن التعرف على ما تمثله هذه السياسة من خطورة على مستقبلنا.