يرتبك الأب أو الأم حين يسمعان عن حوادث التحرش بالأطفال في الإعلام أو الشبكات الاجتماعية، حيث يفكران: ماذا نفعل؟ كيف نُوعّي هذا الصغير البريء دون أن نسبب له صدمة؟ والحقيقة أن هذا يستلزم ذكاءً في الطرح، وقد يكون الأسلوب القصصي أفضل من الوعظ المباشر للطفل.
لهذا نستعرض في هذا المقال أفضل 5 قصص عربية للتوعية عن التحرش بالأطفال لتوعية الطفل بالتحرش، وتُعلمه دون صدمات كيفية التصرف السريع إن وجد نفسه في هذا الموقف:
1- أنا غالي (مؤسسة سيف)
تبدأ القصة بتعريف الطفل سيف عن نفسه، وعن تثمينه لجسده، وإدراكه أن هناك بعض المناطق التي لها “احترام خاص”، ثم تشرح له أمه معنى ذلك بقولها إنه “لا أحد يُسمح له بلمس أو رؤية هذه المناطق”.
المؤلفة المصرية سارة عزيز مخضرمة في العمل في مجال التحرش بالأطفال، وهو ما يتجلى في تركيز وذكاء الطرح. وقد أسست في العام 2012 مؤسسة Safe Kids، التي تركز بشكل أساسي على زيادة الوعي المجتمعي فيما يتعلق بالإيذاء الجنسي والصدمات.
تتجلى خبرات الكاتبة في الملاحظات الذكية التي ذكرتها في الفيديو التوعوي الذي تقرأ فيه القصة، وتُرشد المُربّين إلى كيفية إيصال الفكرة للطفل، ففي البداية تقول إنه لا ينبغي أن نخيف الطفل في الطرح بأن نقول له إننا “بصدد موضوع خطير، والعالم أصبح سيئاً”، وإنما يجب أن يلتزم الآباء بالهدوء.
تشرح الكاتبة كيفية تطبيق القصة على حياة الطفل، حيث ينبغي على المربّي تحديد الأشخاص المسموح لهم بمساعدة الطفل في تغيير ملابسه أو دخول الحمّام، وبذلك نساعد الطفل على الانتباه إن قام شخص من خارج القائمة المحددة بذلك. تنبّه سارة أيضاً إلى ضرورة عدم الإشارة إلى هذه المناطق بـ”المنطقة العيب”، لئلا يشعر الطفل بالعار، وإنما يشار إليها بأنها “ذات احترام خاص”.
تُنبه الأم طفلها بأنها لم تعد تحممه، وبهذا يدرك الطفل أن هناك حدوداً ومساحة تخصه حتى إزاء أقرب الناس، ثم تسرد القصة للطفل والأشخاص المقربين، والذين رغم قربهم لا يُسمح لهم بأن يتعدّوا الحدود، وبذلك تعطي الطفل مناعة من الموقف قبل حدوثه.
2- خط أحمر (دار الساقي)
فازت القصة بجائزة “كتابي 2015” عن مؤسسة الفكر العربي، وفيها تبدأ الكاتبة سمر محفوظ براج بتمهيد تصاعدي لمعنى الخط الأحمر، بعد أن يسأل الطفل أمه عمّا يعنيه هذا، فالوطن والبيت خط أحمر، ولا يجوز لأحد أن يتعدّى عليهما، ثم تصل الكاتبة إلى أن هناك أماكن معينة من جسد الطفل تعد خطاً أحمر.
لجوء الكاتبة لهذا التشبيه هي محاولة لتبسيط مفهوم الحدود للطفل بشكل طفولي يناسب فهمه، وهو ما دأبت عليه الكاتبة في بقية القصة، ففي حالة تعرض الطفل للتحرش تقول الأم: “ازأر مثل الأسد”، مع رسم لأسد يصرخ، وبالتالي ينحفر الرسم في ذاكرة الطفل، ويستحضره بسهولة إذا تعرض لموقف كهذا، كما أن التشبيه بالأسد لا يوصل للطفل مشاعر جُبن أو رُعب، وإنما يأتي صراخه من مركز قوة يستشعرها داخلياً.
تستطرد الأم قائلة لطفلها: “ثم اركض مثل الغزال”، مع رسم لصورة غزال، وهذا أيضاً يسهّل على الطفل استحضارها إن تعرض لموقف شبيه.
أضِف إلى هذا رسم الخط الأحمر على جسد الطفل أو الطفلة، لتوضيح مكان الحدود التي لا يُسمح للغريب بلمسها، كما تضيف الرسامتان “منى يقظان” و”ميرا المير” للخط الأحمر علامة يد تشير، بمعنى “توقف” أمام الغريب، ما يجعل القصة في مجملها ترسم صورةً ذهنيةً للطفل يسهُل استردادها وقت الأزمة، ولا تكتفي بمفاهيم شفهيّة، وهذا ذكاء من الكاتبة يجعلها تستحق الجائزة.
3- فوفو لا يخاف (دار الهدهد)
قصة “فوفو لا يخاف” تصلح أولاً كمدخل توعوي للسن الصغيرة، وهي تتناول التحرش بشكل غير مباشر، كما أن أبطالها من الحيوانات التي تتصرف مثل البشر، وهذا جذاب للأطفال الصغار، وسهل في تمرير القيم، بحيث يتشرّب الطفل التصرفات الصحيحة في اللاوعي.
هناك تميّز ملحوظ في مستوى الرسم الذي تعاون فيه الثلاثة أمير مجدي، وآمنة بالهول، وفيناياك كورني، وهناك لمسة عربية محلية تأتي في المشهد الأخير، حيث يشرب الدب القهوة مع العائلة، مع إبريق قهوة تراثي، وزي عربي.
توضح القصة للطفل في البداية اللمسات الآمنة وأثرها في نفس الدب الصغير، فهناك لمسة الأم الحانية أثناء الاستحمام، التي تجعله نظيفاً، وهناك تربيتة والده على رأسه، كما أن هناك مشاكسة صديقه القرد “قشة”، الذي يحب أن يشد فروه، ثم تصل القصة إلى دب كبير مريب، يغري فوفو بشجر له ورق أزرق وعسل.
يرتاب الدب الصغير عندما يرفض الغريب أن يدعو فوفو صديقه قشة لمصاحبتهما، ثم يرتاب أكثر عندما يقول له ألا يخبر والديه، بعدها تصل الريبة إلى ذروتها عندما يحاول الدب لمسه، فيركض فوفو حتى يصل إلى البيت، وبهذا توصل الكاتبة صباح ديبي للطفل التباين بين اللمسات الآمنة واللمسات المقلقة.
4- سلسلة أراك قوياً (دار ينابيع)
تتناول السلسلة في 5 قصص، المواقف أو الفخاخ الأكثر شيوعاً التي يمكن أن يتعرض فيها الطفل للتحرش، أما النقطة الأكثر إيجابية في السلسلة فهي أنها لا تجعل للمتحرش صورة الشرير النمطية بالضرورة، فهو قد يكون شخصاً أنيقاً ومتعطراً كما في قصة “غريب في الحديقة”، وربما يكون مألوفاً للغاية مثل الجار في قصة “بيت الجيران”، أو مثل العم سعيد، بائع الحلوى، في قصة “الحجرة الخلفية”.
اسم السلسلة كذلك ذكي للغاية، فهي تُشعر الطفل بأنه في مركز التحكم أو القوة، وأن تعرضه لذلك الموقف لا يدينه بشيء، بل يُدين الآخر الذي يحاول أن يؤذيه، والطفل يستطيع أن يكون قوياً، وبيده أن يقاوم الموقف، وأن يحكي للكبار.
هناك ميزة أخرى تكمن في أنها ترد على المبررات التي قد يسوقها ذهن الطفل في إطار حالة الإنكار التي تصيبه إن فوجئ بالموقف الصادم، مثل “هذا الرجل مهندم ومهذب ولا يمكن أن يؤذيني”، أو “هذا جاري”، أو “هذا العم سعيد”، والأطفال في القصص يقفون على حافة الانزلاق بسبب هذه المبررات الطفولية البريئة، لكن التصرفات المريبة توقظهم من غفلتهم.
5- جداً جداً.. طبعاً طبعاً.. أبداً أبداً (دار شجرة)
القصة تتخذ من حرج الطفل الفطري تجاه فعل إخراج الفضلات منطلقاً لفهم خصوصية أجزائه الخاصة، لكن مشاكل الصياغة قد تسبب تشتيت ذهن الطفل، مثل كثرة استخدام جمل “جداً جداً- طبعاً طبعاً- أبداً أبداً”، فتكرار الكلمات لا بد أن يلفت انتباه الطفل أكثر من الدرس المهم الذي يُفترض أن يتعلمه عن أجزائه الخاصة.
هناك الكثير من التشبيهات في القصة، التي قد تساعد على تمرير المحتوى للطفل دون حرج، أو استخدام صريح للكلمات، أو على العكس، قد تسبب إبعاد الفكرة عن ذهنه أكثر مما تقربها، فعلى سبيل المثال تارة تظهر الأجزاء الخاصة في صورة أعضاء الحيوانات التي يغطيها الفراء، أو قد تكون أشياء قيمة نحيطها بغلافين من الملابس، وأحياناً تكون مثل الوردة.