من أنت؟ ما الذي يجعلك أنت، أنت؟

by SevenStory
11 minutes read

5
(1)

من أنت؟ إحدى الأمور التي ركّزت عليها خلال الفترة الماضية. وإحدى التساؤلات التي ناقشتها مع عدد من الأصدقاء المقرّبين “ما الذي يجعلني أنا، أنا”. أذكر مرة استشارني صديق في وضع حلقات لأذنيه، وكان ردّي “لكنّ هذا ليس أنت!”. اتّسع التساؤل أكثر، مَن نحن في عين مَن حولنا؟. حسب نظرية “أنت في عين الآخرين”. لم أجِد بالطبع أي إجابة حتى الآن لكل تلك التساؤلات.

قضيت فترة للبحث عن وسيلة تمكنني من فِهم ما يحدث، أو معرفة طريقة للإجابة على هذه التساؤلات. وجدت حلقة من بودكاست The Tim Hariss Show. يستضيف فيها Jack Kornfield ليتناقشا حول البحث عن الحرية، الحب والاستمتاع باللحظة التي تعيشها. يعرُج Jack بين فترة وأخرى عن التساؤلات تلك؛ مَن أنت؟ في خضمّ الإجابة على تساؤلات أخرى. وسردِه للكثير من الأحداث والقصص التي عاشها. من أجمل الحلقات التي استمعت إليها خلال مشيي الأسبوع الماضي. ستجدونه على هذا الرابط.

من أنت؟ هل تساءلت ما الذي يجعلك أنت، أنت؟

مُصادفة، وصلني من القائمة البريدية Wait But Why رابط لمقالة تتحدث عن الموضوع ذاته، من أنت؟. ما الذي يجعلك أنت، أنت؟ يفنّد فيها الكاتب نظريات متعددة للإجابة على السؤال ذاته. أحببت ترجمة بعضِ من هذه النظريات هنا: نظرية الجسد، نظرية الدماغ، نظرية البيانات، ونظرية الانتقال عن بُعد. زادت تساؤلاتي أكثر مع قراءة المقالة، ماذا عن نظرية الاستنساخ؟. لماذا يُراد تحديد جزء معين بناء على نظرية معينة؟. من الطبيعي أن يكون الفرد منا كل تلك النظريات. ثم يختِمها بالحديث بشكل مقتضب عن “الروح”، والتي بسببها بدأت في القراءة عن الروح بناءً على المنطِق، والأديان وربما أفكار المجتمع ذاته.

قد تشعر بشيء من الوضوح حول معنى الكلمة عندما تقول “أنا”. إنها إحدى الأمور الأكثر وضوحًا في العالم كله. وهو أمر قد تعلّمته منذ عامِك الأول. قد تحاول فِهم سؤال: “مَن أكون أنا؟”. لكنك في الحقيقة تحاول فِهم جزئية “من أنا” من السؤال، على اعتبار “أكون” واضحة. لكنك في المقابل، حين تفكّر ملياً في الأمر، حول “أنا” وجوهرها، تبدأ الأمور في الظهور بشكل غريب. دعنا نحاول تفنيد ذلك.

من أنت؟ نظرية الجسد

سنبدأ أولاً بما يتساوى فيه معظم الناس حول ماهية الشخص، الجسم المادي ذاته. تقول نظرية الجسد أن جسم الإنسان هو ما يجعله “هو”، وهو أمر منطقي. لا يهم ما يحدث في حياتك. ما يعني أنك تموت بمجرد توقف جسدك عن العمل. إذا مرّ “مارك” بشيء مؤلم وقالت عائلته “لقد غيره ذلك فعلاً، فلم يعد الإنسان ذاته”، فإنهم لا يعنون حرفياً أن “مارك” ليس هو نفس الشخص. لقد تغير، لكنه لا يزال “مارك”. لأن جسد “مارك” هو “مارك”. بغض النظر عن تصرفاته. يعتقد الكثير من البشر أنهم أكثر بكثير من مجرد قطعة مكونة من لحم وعظم. ولكن في النهاية، فإن جسد النملة هو النملة. وجسم السنجاب هو السنجاب نفسه. وعليه فإن الإنسان هو جسمه.

هذه هي نظرية الجسد – دعونا نختبرها:

ما الذي يحدث عندما تقلّم أظافرك؟ أنت تغير جسمك، وتقطع جزءاً من الكل. هل يعني هذا أنك لست أنت بعد الآن؟ بالتأكيد لا. فأنت ما زلت أنت. ماذا لو اضطررت لعملية زرع الكبد؟. إنها مسألة أكبر! لكنك بالتأكيد مازلت أنت، صحيح؟ ماذا لو أصبت بمرض خطير احتجت بسببه إلى زراعة الكبد، الكلى، القلب، الرئتين، الدم، وأنسجة الوجه بأجزاء اصطناعية. أصبحت بخير بعد كل تلك العمليات الجراحية. ويمكنك أن تعيش حياتك بشكل طبيعي. هل ستقول عائلتك أنك قد مُتّ لأن معظم جسدك –ككتلة مادية– ما عادت هنا؟ كلا! لن يفعلوا ذلك، فما زلت أنت. لا شيء من كل تلك الأجزاء مطلوب لتكون أنت.

حسناً، ربما هو الحمض النووي الخاص بكل إنسان؟ قد يكون هو الأمر الجوهري الذي يصنّف كلاً منا، ويجعلك أنت. ولا تهمّ كل عمليات زراعة الأعضاء تلك لأن الخلايا المتبقية لديك لا تزال تحتوي على حمضك النووي. وهي ما تحافظ على “أنت”. إحدى المشاكل الرئيسية هي تطابق الحمض النووي لدى التوائم المتطابقين، لكنهم بالطبع ليسوا الشخص ذاته. أنت أنت، ومما لا شك فيه أن توأمك المطابق لك ليس أنت. الحمض النووي ليس هو الحل. حتى الآن، لا تبدو نظرية الجسد جيدة للغاية. نحن نستمر في تغيير الأجزاء الرئيسية من الجسم، وأنت تحتفظ بكينونتك. لكن ماذا عن دماغك؟

نظرية الدماغ

لنفترض أن عالماً مجنوناً أخذك أنت وبيل كلينتون، وأغلق عليكما الغرفة. ثم قام العالم بإجراء عملية على كل منكما، حيث أزال بالكامل أدمغتكما وحوّلها بزراعتها في رأس الشخص الآخر، ثم أيقظكما. هنا أنت؛ تنظر إلى نفسك وأنت في هيئة مختلفة تماماً. جسد بيل كلينتون. وعبر الغرفة، ترى جسمك، بشخصية بيل كلينتون. وبخلاف أجهزتك الأخرى، التي يمكن زرعها دون تغيير هويتك، عندما قمنا بتبديل العقول، لم تكن عملية زرع دماغ فحسب، بل كانت عملية زرع جسم. فأنت هنا لا تزال تشعر بذاتك، في جسد مختلف. في هذه الحالة لن تكون في جسدك القديم نفسه، بل ستكون في جسم بيل كلينتون. لذلك ما يجعلك “أنت” يجب أن يكون عقلك. تقول نظرية الدماغ أنه أينما ذهب الدماغ، تكون أنت، حتى لو دخلت في جمجمة شخص آخر.

نظرية البيانات

تخيّل هذا: ماذا لو أن عالماً مجنوناً –قام بعد احتجازك وبيل كلينتون– بدلاً من تبديل دماغك بربط حاسوبٍ بكل دماغ. ثم نسخ كل جزء من البيانات في كل واحد منكما. ثم مسح كلا أدمغتكما تماماً. ثم نسخ كل بيانات دماغك على الدماغ الجسدي للشخص الآخر؟ لذا ستستيقظان، كل منكما بالدماغ الجسدي ذاته الموجود في رأس كل واحد منكما. لكنك لست في جسدك. أنت في جسم بيل كلينتون. فبعد كل شيء، يمتلك دماغ بيل كلينتون جميع أفكارك، وذكرياتك، ومخاوفك، وآمالك، وأحلامك، ومشاعرك، وشخصيتك. سيتفاجأ جسد بيل كلينتون ودماغه، وسيجري إلى عائلتك. ومرة أخرى، بعد قدر كبير من الإقناع، فإنهم سيقبلون حقيقة أنك أنت على قيد الحياة. فقط في جسد بيل كلينتون.

تشير نظرية الذاكرة الشخصية للإجابة على سؤال: من أنت؟ للفيلسوف جون لوك، إلى أن ما يجعلك “أنت” ذاكرتك التي تكوّنت من تجاربك. بموجب تعريف لوك عن “أنت”، فإن بيل كلينتون الجديد في هذا المثال الأخير هو أنت. على الرغم من عدم احتوائه على أي جزء من جسدك الفيزيائي، ولا حتى عقلك. تقترح هذه العملية نظرية جديدة سنطلق عليها نظرية البيانات (The Data Theory)، والتي تقول أنك لست جسمك المادي على الإطلاق. ربما ما يجعلك أنت بيانات دماغك، ذكرياتك وشخصيتك.

تجربة نقل الأفكار عن بُعد

السؤال الذي عليك أن تطرحه في هذه التجربة، هل النقل عن بُعد (Teletransporter Thought) شكل من أشكال السفر؟ أو شكل من أشكال الموت؟ ربما كان هذا السؤال غامضاً عندما وصفته لأول مرة. ربما شعرت وكأنه طريقة آمنة تماماً للسفر. ولكنك في النهاية، شعرت وكأنها شكل من أشكال الموت. مما يعني أنه عند الانتقال يومياً للعمل من بوسطن إلى لندن مثلاً، يتم قتلك بواسطة مدمرة الخلية، ويتم إنشاء نسخة طبق الأصل منك. بالنسبة للأشخاص الذين يعرفونك، يمكنك البقاء على قيد الحياة عن طريق النقل عن بُعد، تماماً كما يحدث لزوجتك التي تبدو على ما يرام عندما تصل إلى المنزل بعد عملية انتقالها عن بُعد، وتتحدث عن يومها وتناقش خطط الأسبوع القادم. ولكن هل من الممكن أن تكون زوجتك قد قتلت في ذلك اليوم، والشخص الذي تقبّله الآن قد تم إنشاؤه منذ بضع دقائق؟

حسناً مرة أخرى، يعتمد ذلك على اعتقاداتك. شخص ما يؤمن بنظرية البيانات يفترض أنك الذي في لندن هو أنت كذلك في بوسطن. وأن تقنية النقل عن بعد قابلة تماماً للبقاء. لكننا جميعاً مرتبطون ب”أنت” أو الشخص الذي في بوسطن في نهاية الأمر. هل يمكن لأي شخص أن يعتقد أنه يجب أن يكون على ما يرام في حالة الطمس لمجرد أن بياناته آمنة وأكثر حيوية في لندن؟ علاوة على ذلك، إذا كان بمقدور شركة النقل عبر الإنترنت نقل بياناتك إلى لندن لإعادة تجميعها، فهل يتعذر عليها أيضاً نقلها إلى 50 مدينة أخرى، وإنشاء 50 نسخة جديدة منك؟. ستتعرض لضغوط شديدة لأنك تقول إن هؤلاء جميعهم أنت. بالنسبة لي، تعتبر تجربة Teletransporter ضربة كبيرة ضد نظرية البيانات.

أنا.. في كل مكان!

وبالمثل، إذا كانت هناك نظرية “الأنا” التي توحي بأنك ببساطة نفسك، فإن جهاز النقل عن بعد يقوم بذلك بشكل جيد. بالتفكير في Tim لندن، أدرك أن “تيم أوربان” الذي على قيد الحياة لا يعني شيئاً بالنسبة لي. حقيقة أن نسختي في لندن ستظل صديقاً لأصدقائي. تستمر كل الأمور على ماهي، رسائل Wait But Why كل ثلاثاء، وأعيش الحياة كلها كما خططت لنفسي. حقيقة أن لا أحد سيشتاق لي أو حتى يدرك أنني ميت. بالطريقة نفسها في القصة التي لم تشعر بها أبداً أنك فقدت زوجتك. لا شيء تقريباً بالنسبة لي. لا يهمني وجود Tim في المجتمع الحالي، بل يهمني أن أكون “أنا” على قيد الحياة.

من أنت؟ حسب نظريةالاستمرارية

قبل بضع سنوات، أشار جدّي الراحل حينما كان في التسعينيات من عمره ويعاني من الخرَف، إلى صورة له حينما كان في السادسة معلقة على الجدار “هذا أنا!”. لقد كان على حق، ولكن، تبدو الفكرة مثيرة للسخرية. فكرة أن الشخص البالغ ست سنوات من العمر في الصورة، والرجل البالغ من العمر الذي يقف بجانبي يمكن أن يكونا نفس الشخص. لا شيء مشترك بين هذين الشخصين من الناحية الجسدية، فقد كانا مختلفين إلى حد كبير. توفيت كل خلية في جسد الطفل البالغ من العمر ست سنوات قبل عدة عقود. أما بالنسبة إلى شخصياتهم؛ يمكننا أن نتفق على أنهم لن يكونوا أصدقاء. ولم يشاركوا أي بيانات دماغية مشتركة على الإطلاق. أي رجل في التاسعة والتسعين من عمره في الشارع يشبه إلى حد كبير جدّي، أكثر من ذلك البالغ من العمر ست سنوات.

التشابه والاستمرارية…

لكن تذكر، ربما لا يتعلق الأمر بالتشابه، بل الاستمرارية. إذا كان التشابه كافياً لتعريفك، فإن “أنت” الذي في بوسطن و”أنت” الذي في لندن متطابقان. سيكونان نفس الشخص. الشيء الذي شاركه جدي مع الشخص البالغ من العمر ست سنوات في الصورة، هو شيء شاركه مع أي شخص آخر على الأرض. كانا متصلين ببعضهما البعض من خلال سلسلة طويلة وغير متواصلة من الوجود المستمر. كرجل عجوز، قد لا يعرف شيئاً عن هذا الصبي البالغ من العمر ست سنوات. لكنه يعرف شيئاً عن نفسه عندما بلغ من العمر 89 عاماً. وأن هذا الشخص البالغ من العمر 89 عاماً، قد يعرف حفنة عن نفسه باعتبار سنه. وكشاب يبلغ من العمر خمسين عاماً، كان يعرف طناً عنه كطفل يبلغ من العمر 43 عاماً. وعندما كان في السابعة من عمره، كان نسخة محسّنة لنفسه كطفل يبلغ من العمر ست سنوات. إنها سلسلة طويلة من الذكريات المتداخلة، والسمات الشخصية، والخصائص البدنية.

بهذه الطريقة، ما أنت عليه الآن ليس شيئاً بقدر ما هو قصة، أو تطور، أو موضوع معين لشخص ما. أنت تشبه غرفة تحتوي على مجموعة من الأشياء فيها –بعضها قديم وبعضها جديد، بعضها تعرفه، بعضها تجهله– ولكن الغرفة تتغير دائماً، ولا تتشابه تماماً من أسبوع لآخر. وبالمثل، فأنت لست مجموعة من البيانات الدماغية، فأنت قاعدة بيانات معينة تتغير محتوياتها باستمرار وتنمو ويجري تحديثها. وأنت لست مجرّد جسدٍ مكوّن من الذرّات والخلايا، فأنت مجموعة من الإرشادات التنظيمية حول كيفية التعامل مع هذه الذرات التي تصطدم بك.

من أنت؟ في نظرية الروح

دائماً ما يأتي ذكر “الروح”، ولا أعرف أبداً ما الذي يتحدث الناس عنه. خاصة فيما يتعلق بموضوعنا وتعريف من أنت؟. بالنسبة لي، كانت كلمة “الروح” دائماً تبدو وكأنها تعبير شاعري لطيف عن جزء من الدماغ يشعر بدواخلنا. أو محاولة لإعطاء البشر المزيد من الكرامة بين الكائنات الحية البيولوجية الأولية فقط. أو طريقة لإعلان أننا أبديّين. ولكن ربما يقصدون بـ”الروح” هنا مثلاً ما يربط جدّي البالغ من العمر 90 عاماً بالفتى الموجود في الصورة. عندما يأتي، ويذهب، أو تتبدّل خلاياه وذكرياته. تماماً كما تتغير كل رقائق الخشب في زورقٍ ما مراراً وتكراراً. ربما يكون الخيط المشترك الوحيد الذي يربط كل شيء هو روحه. بعد فحص الإنسان من كل زاوية جسدية وذهنية عبر المقالة، ربما كانت الإجابة طوال هذا الوقت هي نظرية الروح التي تبدو أقلّ تعقيداً. –

Loading

ما مدى تقيمك ؟

انقر على نجمة لتقييم ذلك!

متوسط التقييم 5 / 5. عدد الأصوات: 1

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذه الرواية.

كما وجدت هذه الروايه جيده ومفيده ...

تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي!

هل تبحث عن المزيد؟

Leave a Comment

اهلا وسهلا بحضراتكم