أطفال اليوم ليسوا أطفال الأمس، أمر بديهي على من يكتبون أدب الطفل الانتباه إليه ووضعه رهانا محوريا يبنون عليه عوالمهم. طفل اليوم في ظل ثورة التكنولوجيا والتطور الرقمي والحياتي والاجتماعي وحتى التعليمي، بات متمردا على التعليمية الجافة ومتطلبا في ما يقدم إليه. في ما يلي حوار مع الكاتبة والرسامة العمانية عائشة الحارثي التي كرست تجربتها للكتابة للأطفال حول ميزات الكتابة لهؤلاء القراء الصغار.
مسقط – تقدم كاتبة قصص الأطفال العُمانية عائشة الحارثي واقعا خاصا في عوالم أدب الطفل، فهي تؤكد على حرية الكتابة له، وهذا ما ظهر جليا في إصداراتها المتعددة، بالإضافة إلى تركيزها على الأبعاد النفسية الذاتية لما لذلك من مفعول تقني إبداعي.
والكاتبة الحارثي رسامة ومصورة أيضا، وقد شاركت في العديد من المعارض، ولها 16 إصدارا في أدب الأطفال لدى عدد من الدور العربية المرموقة، وقد حازت قصتها “الحنين”، الصادرة عن دار أشجار، على جائزة اتصالات لأدب الطفل بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2018 عن فئة كتاب العام للطفل، ما يؤكد على أهمية تجربتها في الكتابة للأطفال.
أطفال جدد
في الحديث عن روح الكتابة للطفل عموما، وفي سلطنة عُمان على وجه الخصوص، وما إذا ثمة تمييز في الكتابة للطفل العُماني عن غيره من الدول العربية الأخرى، تقول عائشة الحارثي “ينقسم الكتّاب الذين يكتبون للطفل إلى قسمين، قسم يكتب من وحي البيئة المحيطة أو الأحداث، أو حتى العادات التي تربى عليها الطفل في منطقة أو بلد معين، وقسم آخر يكتب بشكل أوسع للطفل في كل مكان، ففي سلطنة عُمان أو في غيرها من الدول، أحب أن أكون حرة في كتاباتي للطفل، أكتب للطفل بشكل عام، دون تخصيص، وعادة ما تحمل تلك الكتابات أبعادا نفسية، فأنا أميل إلى هذا النوع من الكتابة، وأجد نفسي في هذا النوع من القصص”.
وعن عوامل الجذب التي يجب أن تكون حاضرة في إصدارات وقصص أدب الطفل من قبل المؤلف لتكون أكثر وقعا على مخيلة الأطفال، والآليات التي يجب أن تتوفر لمواكبة كل ما هو جديد في ظل الانفجار المعلوماتي والتداخل التقني تشير الكاتبة إلى أنه على الكاتب أن يكون قريبا من عالم الطفل، مدركا لمخاوفه ومحقّقا لأحلامه وتطلعاته، وعليه أن يكتب عن عالمه الجديد، وسط الكم الهائل من المعلومات التي تحيط بالطفل.
وتضيف “أطفال اليوم ليسوا هم أطفال الأمس، وعلينا أن نكون أكثر واقعية ونحن نكتب للطفل، إجمالا، علينا أن ندرك أن جيل الطفل اليوم أصبح أكثر وعيا وتقدما وعلينا أن نبتكر كل ما يواكب مخيلته وطموحاته، فعلى سبيل القول إن المعلومات سابقا كانت تعطى للطفل وهو في سن الثامنة، لم تعد تناسب جيل اليوم، هناك حراك تقني يفرض نفسه شئنا أم أبينا، وزخم كبير من المعلومات والأفكار، منها الخاطئة والصحيحة، فنحن اليوم لا نستطيع أن نفرض على الطفل صورا نمطية موحدة، أو قصصا مكررة”.
أما عن تأثير البيئة المحيطة بالكاتب في سياق إبداعه ونقل تفاصيلها للمتلقي بصور شتى، فتشير الحارثي إلى الكيفية التي استطاعت من خلالها التفاعل مع البيئة العمانية وبيان ذلك في كتاباتها لدى الطفل العماني. تقول “أكتب لجميع الأطفال دون استثناء، لم يسبق لي أن كتبت قصة تحكي واقعا أو بيئة محددة، وهنا أعني البيئة العُمانية، كتاباتي عامة، ولم أكتب للطفل العُماني بعد، ربما لم أجد الفرصة لذلك، ولكن الفكرة موجودة”.
وللكاتبة الحارثية العديد من الإصدارت للطفل، فيها من التنوع والتجذر والتجسير ما يتناسب مع مخيلة الطفل، وهنا توضح الكاتبة حضور تلك القصص والإصدارات لدى الطفل، والأقرب إليه منها، وتشير إلى أن “الأطفال عادة يميلون للقصص الخيالية، خاصة أولئك الذين تحت عمر الست سنوات، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر فإني كتبت عن ‘التنين الذي صار شجرة‘، وقصة أخرى بعنوان ‘وحشون يخاف‘، أعتقد بأن الأطفال من هم في سن مبكرة أحبوا هاتين القصتين وأثارتا خيالهم، أما بالنسبة إلى الأطفال الأكبر سنا، من تسع سنوات فما فوق وأنا عادة أكتب لهذه الفئة، فهناك قصص كتبتها تواكب نسق خيالهم من بينها قصة ‘أنا والوحش‘ و‘الحنين‘ و‘الانتظار‘”.
الحركية الثقافية
إلى جانب كونها كاتبة في أدب الطفل، أيضا فالحارثي عضو في الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ولديها حضور بصري في الجمعية العمانية للتصوير الضوئي، وهنا تقدم لنا ذلك الحضور والجمع الفني بين المؤسستين، فتقول “في الأصل أنا رسامة ومصورة ضوئية، ولي اهتمام أكبر في مجال الرسم، فقد شاركت في مسابقات خارج سلطنة عُمان من خلال الجمعية العمانية للتصوير الضوئي سابقا، بالإضافة إلى معرض شخصي للوحاتي الفنية البصرية، ثم اتجهت للكتابة وكرست وقتي لها، وقد بدأت أخيرا في رسم بعض القصص التي كتبتها”.
وفي سياق أدب الطفل والإصدارات المتعددة، تشير الحارثي إلى حضورها وكيف أسهم فنيا في إيجاد تواصل مع إصداراتها السابقة فتقول “تواصلت مع مجموعة من الفنانين في مجال الرسم، وتشاركنا في أفكار القصص التي يرسمونها لي، فأصبح لدي تصور لرسم القصة قبل إصدارها، أي أن تكون رساما وكاتبا في الوقت نفسه قد يكون تصور النص مختلفا”.
وتتحدث الحارثي في نهاية هذا التفصيل عن إسهام الفعاليات والبرامج الثقافية الخاصة بالأطفال في سلطنة عُمان في تنمية قدرات الطفل الإبداعية وصقلها بما يتوافق مع متطلبات العصر، وتشير الكاتبة إلى أن الفعاليات بشكل كبير تسهم في صقل شخصية الطفل، فهي تجعله على اطلاع بأهم المستجدات وأهم الإنجازات الثقافية في مجال الأدب أو العلم وهناك مكتبات عُمانية تخصص ركنا خاصّا للفعاليات، ودائما في حالة تجدد لمتطلبات الأطفال.
كما أن هناك برامج حوارية وبرامج عملية، وتجارب نوعية يخوضها الأطفال، فقد أصبح الأطفال في سلطنة عُمان أكثر استعدادا وشغفا للمشاركة في الحلقات الفنية أو الاستماع إلى القصص وإبداء الآراء والمناقشة والحوار، وسابقا لم يكن هناك اهتمام ملموس من هذه الناحية، إلا أن الوضع تغير الآن، وهناك أعداد متزايدة من الكتاب العمانيين، وأصحاب الحلقات الفنية العملية الذين يبتكرون كل جديد من أجل الطفل العماني.