شارع 7 | قصة التفاحة البلورية | قصص اطفال – موقع رييل ستورى


في قديم الزمان، كان هناك مزارع لطيف يعيش هو وزوجته وابنته الصغيرة ماروشيا في قرية صغيرة نائية من قرى بعض البلاد الباردة. عندما كانت ماروشيا صغيرة، توفيت والدتها، فتزوج الأب أرملة لديها ابنتان. حرص المزارع وزوجته على معاملة البنات الثلاث معاملة واحدة.

كانت ماروشيا، ابنة المزارع، أجمل الفتيات الثلاث وأصغرهن. وكانت، مع جمالها الساحر، فتاة طيبة القلب نشيطة تحب والديها وأختيها وتعمل في البيت بجد. أما الأختان الأخريان، فكانتا طائشتين كسولتين، لا يهتمّان بشيء سوى الوقوف أمام المرآة، وتتركان نصيبهما من العمل المنزلي لأختهما الصغرى.

سفر المزارع وطلب الهدايا

أراد المزارع يومًا أن يسافر إلى مدينة بعيدة لشراء أدوات ومؤن. فجمع بناته وسألهن عما يرغبن فيه من هدايا. قالت الكبرى: “أريد عقدًا ذهبيًا”. وقالت الوسطى: “أريد فستانًا حريريًا”. لكن الصغرى ظلت ساكنة، فاقترب منها أبوها، وقال لها: “وأنتِ يا ابنتي الثمينة، ماذا تريدين؟” قالت ماروشيا: “سأفكر في الأمر يا أبي”. وفي تلك الليلة رأت في نومها حلمًا غريبًا، فاستيقظت باكرًا، وأسرعت إلى أبيها وقالت له: “أريد يا أبي، صحنًا فضيًا وتفاحة بلورية!”.

مضى المزارع العجوز بعربته. وما إن ابتعدت أصوات الخيل حتى عادت الصغيرة تعمل بجد في تنظيف البيت وإعداد الطعام. أما الأختان الكبريان، فعدنا إلى المرآة تتحدثان عن العقد الذهبي والفستان الحريري، وتشتكيان من الطعام الذي تعدّه أختهما.

عودة المزارع وتحقيق الأحلام

وفي أحد الأيام، سُمعت أصوات الخيل تقترب من المنزل، فخرجت البنات الثلاث لاستقبال الأب. قالت الكبرى: “أين عقدي الذهبي؟” وقالت الوسطى: “وأين فستاني الحريري؟” أما الصغرى فقد ساعدت أباها وسألته عن حاله. أعطى الأب ابنته الكبرى عقدًا فريدًا، وأعطى ابنته الوسطى فستانًا بديعًا، ثم أعطى الصغرى ماروشيا هديتيها، وقال لها: “تجوّلت أيامًا في الأسواق العتيقة والدكاكين البعيدة. أخيرًا، باعني الصحن الفضي تاجر من سمرقند، وباعني التفاحة البلورية تاجر من طشقند. ماذا ستفعلين بهديتك يا صغيرتي؟”

قالت: “سأبرم التفاحة في الصحن يا أبي”. فضحكت الأختان الكبريان طويلًا من كلام ماروشيا، ومشتا كما يمشي الطاووس متباهيتين بالعقد الذهبي والفستان الحريري.

جلست ماروشيا قرب الموقد وبرمت التفاحة البلورية في الصحن الفضي مرات عديدة. راحت التفاحة تدور في الصحن بسرعة متزايدة حتى لم تعد بادية للعيان، ولم يعد يُرى في الصحن الفضي سوى ضبابة تشبه إعصارًا صغيرًا. وبدت عينا ماروشيا تلمعان ببريق ساحر. وقفت الأختان تسخران من ماروشيا التي تحدق بتفاحة مدوّمة، لكنها لم تحفل بهما بل جلست تراقب التفاحة وتقول: “تفاحتي تدور في صحنها المسحور، أريد منها وردة تفوح بالعطر”.

تحوّل الأحلام إلى حقيقة

فجأة، بدت في وسط الضبابة صورة وردة رائعة. ارتعش جسد الصغيرة بهجة وانفعالًا. ثم طلبت أن ترى البحر الأزرق والسفن ذات الأشرعة البيضاء، ورأت كل ذلك.

في هذه الأثناء، كان أبوها وأمها وأختاها قد اقتربوا منها والتفوا حولها مذهولين. ثم أغمضت ماروشيا عينيها، وضمت يديها إلى صدرها، وتمتمت طالبة أن ترى ابن الإمبراطور. وما هي إلا لحظات حتى ظهرت أمامها صورة الأمير الشاب الوسيم، وقد لبس ثوبًا مطرزًا بخيوط الذهب وتقلّد سيفًا فضيًا منقوشًا بالجواهر.

غيرة الأختين ومحاولة الخداع

أكل الحسد قلب الأختين الطائشتين. قالت الكبرى: “أعطيني الصحن الفضي والتفاحة البلورية فأعطيكِ عقدي الذهبي!” وقالت الوسطى: “أعطيني الصحن الفضي والتفاحة البلورية فأعطيكِ فستاني المطرّز!” لكن ماروشيا رفضت طلبهما، فهي تحب هديتيها، وقد أحبت الأمير الوسيم حبًا شديدًا، ولم تكن تريد أن يحرمها أحد منه.

تفكير الأختين في التفاحة البلورية

صارت الأختان الكبريان تفكران في التفاحة البلورية ليلًا نهارًا، ولا تفكران في شيء آخر. أخيرًا، اتفقتا على خطة. طلبت الأختان الطائشتان من ماروشيا أن ترافقهما إلى الغابة لقطف ثمار التوت البري. تعجبت ماروشيا من طلبهما، فلم يكن من عادتهما قطف ثمار التوت، كما أنها كانت، في الواقع، ترغب في البقاء وحدها لتلهو بصحنها الفضي وتفاحتها البلورية.

ذهبت ماروشيا إلى أبيها وسلمته الصحن والتفاحة ورجته أن يخفيهما لها ريثما تعود. ثم عادت إلى أختيها، ومضت الأخوات الثلاث بنيلالهن إلى الغابة. شغلت ماروشيا بقطف ثمار التوت البري، فلم ترَ ما كانت أختاها الطائشتان تفعلانه. وعندما انتهت من قطف الثمار، رفعت رأسها فوجدت أختيها أمامها، في عيونهما شر وفي يد الكبرى هراوة.

المواجهة بين الأخوات

أحسّت ماروشيا برعشة خوف، لكنها ابتسمت وقالت: “لن تقطفا ثمار التوت البري بهراوة؟” قالت الكبرى ملوّحة بالهراوة: “أعطيني تفاحتك البلورية!” وقالت الوسطى آمرة: “وأعطيني صحنك الفضي!” بكت ماروشيا وقالت: “أرجوكما يا أختيّ، لا تؤذياني، فليس معي الصحن ولا التفاحة!”

لكن الأختين لم تصدقا ماروشيا، فأمسكتا بها وضربتاها بالهراوة ضربةً رمَتها أرضًا. وفتشتاها فلم تجدا معها شيئًا. لكن ماروشيا كانت ساكنة لا حراك بها. جرت الأختان الكبريان أختهما ماروشيا إلى موقع متروك تحت شجرة صنوبر صغيرة وغطّتاها بالعيدان والحشائش، وأسرعتا تتركان الغابة.

العثور على ماروشيا

كان في المكان دبّ أسمر وسنونو صغير، فرأيا ما حدث وحزنا كثيرًا، وقالا: “لعل الفتاة لم تمت!” كشفا عن وجهها، فبدت لهما كأنها أميرة نائمة. ثم عادا فغطياها بأوراق الشجر الندية والأغصان الطرية خوفًا عليها من الوحوش الضارية والطيور الكاسرة.

عادت الأختان الكبريان إلى المنزل، ففركتا عيونهما لتبدو محمرة، وأخذتا تنوحان وتولولان. أقبل الأب والأم مذعورين، فصاحت الأختان: “يا للمصيبة! ضاعت أختنا الصغيرة المسكينة في الغابة! فتشنا عنها في كل زاوية! كانت الذئاب تعوي، لا بد أنها افترست أختنا الصغيرة!”

اكتشاف خطط الأختين الشريرتين

تدفق الدمع في عيني الأب والأم كأنهار الربيع، فقد كانا يحبان الصغيرة كثيرًا. وقبل أن يجف دمعهما، طلبت الأختان من الأب أن يعطيهما التفاحة والصحن، لكن الأب رفض طلبهما، وقال: “سأحتفظ بالتفاحة والصحن طوال عمري تذكارًا من ابنتي الصغيرة المسكينة!”

كان السنونو الصغير يومًا يدور في سماء القرية، فرأى الأختين الشريرتين، وعرفهما. كانتا منزوِيتين في ساحة المنزل تتحدثان بصوت خفيض، فاقترب منهما وسمعهما تدبران أمرًا. كانتا تقولان: “عندما ينام، نأخذ منه المفتاح ونفتح خزانته، ونستولي على التفاحة والصحن.”

طار السنونو الصغير إلى صديقه الدبّ الأسمر، وحدثه بالأمر. وعندما هبط الظلام، ترك الصديقان الغابة وأسرعا إلى بيت المزارع العجوز. تسلل السنونو إلى غرفة الأب واختبأ فوق الخزانة. أما الدبّ، فقد تسلق الشرفة وانزوى وراء الباب.

إحباط خطط الأختين

عند انتصاف الليل، تسللت الأختان الشريرتان إلى غرفة أبيهما، وسحبتا منه المفتاح بحذر، وفتحتا الخزانة. في هذه اللحظة، قفز السنونو الصغير ونقر كلًا من الأختين في رقبتها نقرة قوية. خافت الأختان الشريرتان خوفًا شديدًا، وظنتا أن شبح أختهما الصغيرة قد جاء لينتقم منهما لأنهما تسرقان صحنها الفضي وتفاحتها البلورية. فأسرعتا تهربان من الغرفة مذعورتين. فتح السنونو باب الشرفة، فدخل الدبّ وحمل التفاحة والصحن، وعاد هو وصديقه السنونو إلى الغابة.

اكتشاف الأميرة النائمة

أزاح الدب الأسمر والسنونو الصغير أوراق الشجر الندية والأغصان الطرية عن الفتاة التي بدت وكأنها أميرة نائمة. ووضعا إلى جانبها الصحن الفضي والتفاحة البلورية، ثم عادا وغطياها.

ظل الدب والسنونو يرعيان الفتاة طوال الصيف وبعض الخريف. وذات يوم بدا السنونو الصغير حزينًا، فقال لصديقه الدب: “أنا راحل غدًا مع الطيور المهاجرة. إذا بقيت هنا سأموت بردًا. لكني سأعود في الربيع. إلى اللقاء يا صديقي!” ثم التفت إلى الفتاة، وقال: “إلى اللقاء، أيتها الأميرة النائمة!”

مغادرة السنونو وبداية الشتاء

اشتدت برودة الطقس وتساقط الثلج، فأحس الدب بنعاس وضعف، وعرف أن أوان الإسبات الشتوي قد حان، وأن عليه الآن أن يذهب إلى كهفه وينام طوال الشتاء. لكنه لم ينم إلا بعد أن اطمأن إلى أن الثلج قد غطى الأرض وأن الصقيع قد أبعد الوحوش والكواسر.

مع حلول الشتاء، كان سكان القرية قد نسوا الفتاة الصغيرة الطيبة القلب. لكن والديها لم ينسياها. كذلك لم تنسها أختاها الكسولتان، فقد بات عليهما أن تقوما بالعمل المنزلي كله. وكان الشتاء طويلًا قاسيًا، غطى الثلج البلاد كلها، واقتربت الذئاب من القرية بحثًا عن الطعام. ولم يعد أحد يتنقل إلا للضرورة.

عودة الربيع واكتشاف القصب السحري

أخيرًا، لاحت تباشير الربيع. بدأ الثلج بالذوبان وظهرت البراعم على أغصان الشجر، وعادت الطيور إلى التغريد، وأخذت الشمس تزداد دفئًا يومًا بعد يوم. ذات يوم شردت بعض الحملان إلى الغابة، فلحق بها راعٍ شاب. وبينما كان يبحث عنها وصل إلى شجرة صنوبر صغيرة تظلّل بأغصانها هضبة صغيرة من الأرض. وفي وسط تلك الهضبة رأى الراعي قصبة واحدة. فتعجب لتلك القصبة الوحيدة وكيف لا تنبت مع غيرها من القصب على حواف المياه. لكن عجبه كان أعظم لأزهار كانت تحيط بالقصبة، حمراء بلون الشفق وزرقاء بلون السماء.

تأمل الراعي القصبة والأزهار، وقال في نفسه: “سأصنع من هذه القصبة مزمارًا.” قص النبتة ونظفها وجعل فيها فتحات. وضع الراعي شفتيه على المزمار يريد أن يعرف الصوت، لكن قبل أن ينفخ فيه ارتفع صوت المزمار وحده بلحن جميل وصوت أنثوي رقيق قائلاً:

“يا صاحب المزمار، احكِ لأهلي قصتي!
ضربتني أختاي، وفي الغابة رمتاني!
بتفاحة بلورية طمعتا، وبصحن فضي.”

كشف الحقيقة وعودة ماروشيا

ذهل الراعي في البداية وظن أنه في حلم. وعندما أفاق من ذهوله، جرى راكضًا ولم يتوقف إلا في ساحة القرية. وهناك وضع شفتيه على المزمار، فارتفع صوت المزمار باللحن الجميل والصوت الأنثوي الرقيق مرددًا تلك الأغنية الغريبة. تجمع أهل القرية حوله ذاهلين، وراحوا يسألون الراعي الشاب عن قصة ذلك المزمار العجيب.

وفي هذه الأثناء، مر المزارع العجوز، والد ماروشيا، واقترب من الجمع وسمع حكاية الراعي وصوت المزمار. عرف المزارع العجوز صوت ابنته، فانهمرت الدموع على خديه ولحيته، وطلب من الراعي الشاب أن يأخذه إلى القصبة التي اقتطع منها المزمار.

مشى الراعي الشاب والمزارع العجوز صوب الغابة، ومشى وراءهما جمع غفير من أهل القرية. وصلوا أخيرًا إلى شجرة الصنوبر الصغيرة، ورأوا الهضبة وشاهدوا في وسطها القصبة المقطوعة تحيط بها أزهار حمراء بلون الشفق وزرقاء بلون السماء. أسرع القوم يزيحون الأزهار وأوراق الشجر والأغصان. وهناك وجدوا ماروشيا التي كانت تبدو وكأنها أميرة نائمة، ووجدوا إلى جانبها التفاحة البلورية والصحن الفضي اللذين كان الأب يظن أن لصًا قد سرقهما من خزانته.

اكتشاف ماروشيا النائمة

صرخ المزارع العجوز: “هذه ابنتي الصغيرة!” وراح يبكي وينتحب. لكن في تلك اللحظة، سُمِعَ صوت المزمار يعزف من تلقاء نفسه لحنًا جديدًا ويُغنّي بصوت أنثوي رقيق قائلاً:

“أيقظني يا أبي من هذا الحلم المرير!
اغسلني بماء من ينبوع الشفاء.
وإلى ذلك الحين، غطوني بزهور وأظلوني بشجر.”

عاد الناس فغطوا الفتاة بالأزهار وأوراق الشجر الندية والأغصان الطرية. وراحوا يتساءلون عن ينبوع الشفاء، لكن لم يكن أحد منهم يعرف عنه شيئًا. وبينما هم يتشاورون حائرين، سُمِعَ من خلف الأشجار صوتٌ جهوري يقول: “أنا أدلكم عليه.”

الدب الأسمر يكشف الطريق

التفتوا فرأوا الدب الأسمر أمامهم. خافوا وهمّوا بالفرار، لكن الدب قال لهم: “لا تخافوا! أنا صديق الفتاة الصغيرة، وها أنا، بعد أن استيقظت من إسباتي الشتوي، عائدٌ إلى رعايتها.”

مشى الدب إلى تلة قريبة، ومشى الناس وراءه. ثم توقف في أعلى التلة وراح يراقب أسراب الطيور العائدة من هجرتها. ظل يراقب السماء من موقعه ذاك ثلاثة أيام. وظل الناس حوله ينتظرون. أخيرًا، وصل سرب السنونو الذي كان الدب الأسمر في انتظاره. وفجأةً، رأى الناس طائر سنونو صغيرًا يترك سربه ويحط إلى جانب الدب.

رحب الدب بصديقه السنونو وحكى له قصة ينبوع الشفاء الذي يقع بين سبعة جبال ويبعد سبعة بحار. فانطلق السنونو الصغير من فوره سعيًا إلى ذلك الينبوع.

انتظار الينبوع والراعي الشاب

عاد أهل القرية إلى حياتهم اليومية في انتظار عودة السنونو الصغير، ما عدا الراعي الشاب، فقد بقي قرب الفتاة التي وقع في حبها يحرسها ليلًا ونهارًا، وإلى جانبه مزماره ذو الصوت الأنثوي الرقيق.

وفي هذه الأثناء، تناهت إلى مسامع الإمبراطور حكاية ماروشيا الغريبة. فأرسل ابنه إلى القرية لاستقصاء الأمر. عندما تأكد الأمير الشاب من صحة ما سمعه من أخبار، وضع الأختين الطائشتين في السجن، وتوجه إلى الغابة.

وصل الأمير إلى الصنوبرة الصغيرة، وهناك رأى الراعي الشاب جالسًا إلى جوار الهضبة، وفي يده المزمار العجيب. طلب الأمير من الراعي الشاب أن يعزف على المزمار، فوضع الراعي شفتيه على المزمار، فانطلق الصوت الأنثوي الرقيق يردد بلحن شجيّ:

“اغسلني بماء من ينبوع الشفاء.
وإلى ذلك الحين، غطوني بزهور وأظلوني بشجر.”

رحلة السنونو الطويلة

أحب الأمير الشاب صاحبة ذلك الصوت الرقيق حبًا عميقًا، وطلب من الراعي أن يرى الفتاة التي تبدو كأنها أميرة نائمة. لكن الراعي قال: “لن أسمح بذلك إلا بعد أن يصل الماء من ينبوع الشفاء. هكذا أوصى صوت المزمار.”

ظل السنونو الصغير يطير أسابيع في الاتجاه الذي حدده له الدب الأسمر. كان منهكًا من الرحلة الطويلة التي قام بها مع الطيور العائدة من هجرتها السنوية. وكثيرًا ما كان يشعر أنه يوشك أن يقع ميتًا. لكنه استطاع أخيرًا أن يقطع البحار السبعة وأن يصل إلى أعلى قمة بين الجبال السبعة. وقع السنونو الصغير أرضًا كأنما لا حياة فيه.

اختبار شجاعة السنونو

فجأةً، انقض عليه طائر أسود ضخم يشبه غمامة سوداء، وأمسكه بمخالبه المخيفة وطار به حينًا ثم حط به في بقعة جبلية صخرية. وسرعان ما انفتح باب كهف عظيم، دخل فيه الطائر الضخم حاملًا معه السنونو الصغير.

لقاء السنونو بملك الطيور السوداء

وجد السنونو الصغير نفسه في ذلك الكهف أمام ملك الطيور السوداء، وكان أضخمها كلها. قال له الملك: “نحن نعلم أنك جئت لتأخذ ماءً من ينبوع الشفاء. سنعطيك ما تريد إذا أعدت لنا الصحن الفضي والتفاحة البلورية، فهما لنا منذ زمن ضاع منا حين ضرب زلزال هذه الجبال. أعطونا ما لنا وخذوا ما تريدون!”

قال السنونو: “أنا صغير لا أستطيع أن أحملهما لكم. بل إني الآن غير قادر حتى على العودة إلى بلدي.” قال الملك: “سيحملك طائر من طيورنا على ظهره، فيوصلك ويعود بالتفاحة والصحن.”

عودة السنونو مع ماء الشفاء

رأى أهل القرية الطائر الضخم يحمل السنونو الصغير على ظهره ويتجه صوب الغابة ومعهما ماء الينبوع، فأسرعوا هم أيضًا إليها. وعند الصنوبرة الصغيرة اجتمع المزارع العجوز وزوجته والأمير والراعي وعدد غفير من أهل القرية والدب والسنونو. ووقف الطائر الضخم على تلة قريبة ينتظر.

لمس الراعي غطاء الزهر بحنان، وراح يزيح الأزهار وأوراق الأشجار بيديه برفق حتى انكشف الغطاء كله، فبدت الفتاة الجميلة وكأنها تنام نومًا هنيئًا. أسرع الأب ورش قطرات من ماء الشفاء على وجه ابنته. وما هي إلا لحظات حتى فتحت ماروشيا عينيها وفركتهما، وكأنها تستيقظ من حلم. ثم قفزت وتعلقت بأبيها، وراح الأب يبكي فرحًا، ويضم ابنته إلى صدره.

الحب والزواج

تطلعت ماروشيا إلى الناس من حولها، فقفز قلب الراعي، لكنها لم تتوقف عنده بل توقفت عند الأمير. فقد عرفته ورأته أكثر وسامة مما كشفت له التفاحة البلورية، فازداد حبها له. وقد رآها الأمير أجمل مما وصفوها له، وأكثر رقة، فتعلق بها هو أيضًا، وعزم على الزواج منها.

عاد الطائر الضخم إلى كهف الجبال السبعة حاملًا الصحن الفضي والتفاحة البلورية. وتزوج الأمير ماروشيا وعاشا سعيدين. وطلبت ماروشيا من الأمير أن يعفو عن أختيها، ففعل. وعاش المزارع العجوز وزوجته قريبين من ابنتهما سعيدين راضيين.

الراعي الشاب وقصة المزامير

وظل الدب الأسمر والسنونو الصغير يترددان على ماروشيا إلا في فصل الشتاء. أما الراعي الشاب، فإنه عندما رأى أن الفتاة الجميلة تحب الأمير ولا تحبه هو، عاد إلى خرافه يرعاها. وظل طوال حياته يعيش قرب الغابة ويتردد على الصنوبرة الصغيرة التي أظلت محبوبته، ويراقبها وهي تكبر عامًا بعد عام. وكلما اشتاق إلى صوت محبوبته، أمسك بمزماره العجيب، ووضعه على شفتيه، ليسمع الصوت الأنثوي يردد لحناً شجيًا.